Translate

الأحد، 17 أبريل 2022

سيرة سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .+الإعجاز اللغوى في القرآن الكريم كتبه : إبراهيم فوزى

 

سيرة سيدة نساء العالمين للشيخ عبدالرحمن السحيم

 

إذا افتخرت بنت بأبيها ، فيكفي سيدة نساء العالمين أنها بنت إمام المتقين صلى الله عليه وسلم .

وإذا افتخر مُفتخر بنسبه ، فإن سيدة نساء العالمين تفوق بذلك من افتخر .

وإذا تعاظم شخص في نفسه ، فحسب سيدة نساء العالمين هذا اللقب ( سيدة نساء العالمين ) .

 

هي :

فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم  .

قال الإمام الذهبي : سيدة نساء العالمين في زمانها البضعة النبوية والجهة المصطفوية .

 

أم أبيها ، بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية ، وأم الحسنين .

كانت فاطمة أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه .

 

مولدها : قبل المبعث بقليل .

وتزوجها الإمام علي بن أبي طالب في ذي القعدة أو قُبيله من سنة اثنتين بعد وقعة بدر .
وقال ابن عبد البر : دخل بها بعد وقعة أُحد ، فولدت له الحسن والحسين ومحسنا وأم كلثوم وزينب ، وروت عن أبيها .
وروى عنها ابنها الحسين وعائشة وأم سلمة وأنس بن مالك وغيرهم ، وروايتها في الكتب الستة .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحبها ويكرمها ويُسرّ إليها .

ومناقبها غزيرة ، وكانت صابرة ديّنة خيرة صيّنة قانعة شاكرة لله .

وقد غضب لها النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أبا الحسن همّ بما رآه سائغا من خطبة بنت أبي جهل فقال : والله لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله ، وإنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها . رواه البخاري ومسلم .

فترك عليٌّ الخطبة رعاية لها ، فما تزوّج عليها ولا تسرّى ، فلما توفيت تزوج وتسرّى رضي الله عنهما ، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنت عليه وبكته وقالت : يا أبتاه إلى جبريل ننعاه . يا أبتاه أجاب ربا دعاه . يا أبتاه جنة الفردوس مأواه .

وقالت بعد دفنه : يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟


وقد قال لها في مرضه : إني مقبوض في مرضي هذا . فبكت وأخبرها أنها أول أهله لحوقاً به ، وأنها سيدة نساء هذه الأمة ، فضحكت ، وكتمت ذلك فلما توفي صلى الله عليه وسلم سألتها عائشة فحدثتها بما أسرّ إليها .

 

وقالت عائشة رضي الله عنها : اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة تمشي كان مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مرحبا بابنتي . فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم أنه أسرّ إليها حديثاً ، فبكت فاطمة ، ثم إنه سارّها ، فضحكت أيضا . فقلت لها : ما يبكيك ؟ فقالت : ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت : ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن . فقلت لها حين بَكَتْ : أخصّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين ، وسألتها عما قال ، فقالت : ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قُبض سألتها ، فقالت : إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة ، وأنه عارضه به في العام مرتين ، ولا أراني إلا قد حضر أجلي ، وإنك أول أهلي لحوقاً بي ، ونعم السلف أنا لك ، فبكيت لذلك ، ثم إنه سارّني ، فقال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة ، فضحكت لذلك . رواه البخاري ومسلم .

 

وكان عليه الصلاة والسلام يقوم لها وتقوم له ، ويُقبّلها وتُقبّله رضي الله عنها .

 

صداقها :

أصدق عليّ رضي الله عنه فاطمة درعه الحُطمية .

فأي خير بعد ذلك في التفاخر بكثرة الصداق ؟

وأي خير في غلاء المهور ؟

وهل نساء الدنيا أجمع خير أم فاطمة ؟

 

خدمتها في بيت زوجها :

كانت فاطمة رضي الله عنها تعمل في بيت زوجها ، حتى أصابها من ذلك مشقّة .

قال عليّ رضي الله عنه : شَكَتْ فاطمة رضي الله عنها ما تلقى من أثر الرّحى ، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم سبي ، فانطلقت فلم تجده ، فوجدت عائشة فأخبرتها ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبت لأقوم ، فقال : على مكانكما ، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري ، وقال : ألا أدلكما على خير مما سألتماني ؟ إذا أخذتما مضاجعكما تكبران أربعا وثلاثين ، وتسبحان ثلاثا وثلاثين ، وتحمدان ثلاثا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم . رواه البخاري ومسلم .

 

فإذا كان هذا هو حال سيدة نساء العالمين ، فما في حياة الترف خير .

 

حياؤها رضي الله عنها :

قالت فاطمة رضي الله عنها لأسماء بنت عميس رضي الله عنها : إني أستقبح ما يصنع بالنساء ، يُطرح على المرأة الثوب فيصفها. قالت : يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة ؟ فَدَعَتْ بجرائد رطبة ، فَحَنَتْها ، ثم طرحت عليها ثوباً . فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله ، إذا متّ فغسليني أنت وعلي ، ولا يدخلن أحد عليّ .

قال ابن عبد البر : هي أول من غُطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة .

 

أولادها :

تقدّم ما لها من أبناء في ترجمة عليّ رضي الله عنه .

وكان لها من البنات :

أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وزينب زوجة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما .

فيكيف يجتمع حب آل البيت وبغض أصهارهم ؟!

فعمر رضي الله عنه زوج أم كلثوم بنت عليّ رضي الله عنه وعنها .

وإذا ضاقت عليهم المذاهب أنكروا زواج عمر رضي الله عنه من أم كلثوم !

 

فاطمة رضي الله عنها وميراث أبيها :

قال الإمام الذهبي رحمه الله :

ولما توفي أبوها تعلقت آمالها بميراثه ، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق ، فحدّثها أنه سمع من النبي يقول : لا نورث ما تركنا صدقة ، فَوَجَدَتْ عليه ، ثم تعللت . انتهى كلامه رحمه الله .

 

وحدّث الشعبي قال : لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن ، فقال عليٌّ : يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك ، فقالت : أتحبّ أن آذن له ؟ قال : نعم . فأذِنَتْ له ، فدخل عليها يترضّاها ، وقال : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله  ومرضاتكم أهل البيت . قال : ثم ترضّاها حتى رضيت . رواه البيهقي في الكبرى وفي الاعتقاد .

شُبهات وجوابها :

 

صح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل فاطمة وزوجها وابنيهما بكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .

وهذه منقبة لهم ، ولا يُفهم منه انحصار آل البيت في هؤلاء كما تفهمه الرافضة .

 

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني . رواه البخاري .

تقول الرافضة : إن أبا بكر أغضب فاطمة رضي الله عنها ، فهو داخل في هذا الحديث .

وليس الأمر كما زعموا ، فإن أبا بكر رضي الله عنه عمِل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما سيأتي ، وعمِل بما اتفق عليه الخلفاء من بعده ووافقوه عليه بما في ذلك عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .

فهل يُقال : إن علياً رضي الله عنه أغضب فاطمة بهذا ؟

 

وتقدّم سبب ورود الحديث في سيرة أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه .

 

روى الإمام البخاري في صحيحه أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر . فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث . ما تركنا فهو صدقة . إنما يأكل آل محمد من هذا المال . يعني مال الله . ليس لهم أن يزيدوا على المأكل ، وإني والله لا أغير شيئا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتشهد عليّ رضي الله عنه ، ثم قال : إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك ، وذَكَرَ قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم  وحقهم ، فتكلم أبو بكر فقال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي .

فأين هذا من زعم الظلم لبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟؟؟

 

وروى الإمام مسلم في صحيحه أن عمر رضي الله عنه كان في مجلسه فاستأذن عليه عباس وعلي رضي الله عنهما ،  فأذن لهما فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ، فقال القوم : أجل يا أمير المؤمنين ، فاقض بينهم وأرِحهم .

فقال عمر : اتئدا . أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة ؟

قالوا : نعم .

ثم أقبل على العباس وعلي فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : لا نورث ما تركناه صدقة ؟

قالا : نعم .

فقال عمر : إن الله جل وعز كان خصّ رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره . قال : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول )

 

ثم إن الرافضة تزعم أن أبا بكر وعمر ظلما فاطمة ميراثها

 

وها هو العباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم

وها هو علي رضي الله عنه زوج ابنته يُقرّان بقول النبي صلى الله عليه وسلم ويتذكّرانه يوم ذكّرهما به عُمر رضي الله عنه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم :

 

((( لا نورث ما تركناه صدقة )))

 

ثم إن كان الظلم وقع كما زعموا

لـِـمَ لَـمْ يردّه علي رضي الله عنه يوم تولّى الخلافــة ؟؟؟

 

لِمَ لَمْ يَردّ الحق إلى ورثة فاطمة من زوج وأولاد ؟؟؟

 

أم أن علياً رضي الله عنه ظلم فاطمة بعد موتها ولم يفِ لها بحقّها الذي كان يُطالب به ؟

سبحانك هذا بهتان عظيم .

ولكن الرافضة قوم لا يعقلون .

 

ومع أن أبا بكر رضي الله عنه لم يظلم فاطمة رضي الله عنه ، إلا أنه ترضّاها عند موتها رضي الله عنها حتى رضيت ، كما تقدّم .

 

وإنما ذكرت هذا لأن الرافضة يُشنّعون به ، ويُدندنون حوله ، ويهرفون بما لا يعرفون !

 

وفاتها : توفيت رضي الله عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو نحوها ، وعاشت أربعا أو خمسا وعشرين سنة وأكثر ما قيل إنها عاشت تسعا وعشرين سنة . 

 

 

 

الإعجاز اللغوى في القرآن الكريم

كتبه :  إبراهيم فوزى

ibrahimmfi@yahoo.com

مسموح بطبعه والاقتباس منه , لكل مسلم , دون الرجوع للمؤلف

نسألكم الدعاء

تنبيه :-

الحمد لله , والصلاة والسلام علي محمد رسول الله , أما بعد :-

هذا اجتهاد مني , بعون الله , تبارك وتعالي , في الحديث عن ( الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم ) , ولم أطلع علي كتاب في ذلك أبدا , فيما أعلم .

بل وجدت البعض بارك الله في أعمالهم تحدث عن جانب أو أكثر , من وجوه الإعجاز

, وننبه إلي أن هذه المحاولة الأولي , فيما أعلم .

 والقرآن الكريم لايحيط بإعجازه اللغوي إلا الله تبارك وتعالي , ولكن هذه محاولة لجمع أكبر قدر ممكن من وجوه الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم .

والحمد لله رب العالمين

إبراهيم فوزى

ibrahimmfi@yahoo.com

مقدمة البحث :-

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :

 ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) [1]

 ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) [2]

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) [3] أما بعد : -

 لم ينل كتاب في الدنيا من البحث والتأمل مثلما نال القرآن الكريم ، إلا أن القرآن الكريم لا يزال يستنهض الباحثين لمزيد من البحث في آفاقه الممتدة التي لا تتوقف عند نهاية: (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) [4]

وكل باحث ـ حسبما يتيسر له من أدوات بحثه ـ يكشف الله  له جانباً من أسرار الكتاب , وا تنفذ الأسرار: (كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا) [5]  , جاء هذا البحث مختصرا , مع تطلعي للمزيد من البحث في القرآن الكريم الذي لا تنبض ينابيعه .

و كان هذا البحث المتواضع حبا في كلام الله سبحانه وتعالي , فأدعو الله الكريم المنان أن يجعله ميسرا مقبولا , وصلي الله علي محمد وعلي آله وصحبه وسلم .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لماذا الإعجاز اللغوي : -

ا - في قوانين البشر حين تتحدي إنسانا تأتي من خلال دراسة نقاط ضعفه , حتي الحرب (‏ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ ) [6]

أما الله سبحانه وتعالي أتي البشر من المواطن التي ظنوا قوتهم فيها , علي سبيل المثال . معجزة عيسي عليه السلام بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتي , في قوم إشتهروا بالبراعة في الطب , و معجزة إبراهيم عليه السلام بإبطال السبب المادي الذي إعتمدوا عليه (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ )  [7]

ب وكذلك أتي الله سبحانه و تعالي معجزة القرآن الكريم لمحمد  صلي الله عليه وسلم , في قوم كانت الفصاحة براعتهم وتنافسهم , حتي أنهم علقوا علي الكعبة المشرفة ما يسمي ( بالمعلقات السبع ) تكريما لأفضل الشعراء.

فتحداهم الله عز وجل قائلا (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) [8]

ج - الله عز وجل أحكم الحاكمين لا يأتي بالشيء إلا في موعده المناسب بحكمته , والتدرج سنته سبحانه وتعالي , وقد جاء القرآن الكريم بختام الرسالات السماوية للبشر وجاء كذلك ختاما للمعجزات السماوية علي يد الأنبياء , فحق أن تأتي المعجزة عقلية سامية حتي تتلمسها الأجيال , وحفظها الله من التحريف والتبديل (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )  [9] , وذلك من تمام المعجزة وخلودها .

د - جاء القرآن الكريم مرتبطا بحياة الأفراد وجامعا لشتي العلوم من عقائد وعبادات وأخلاق وسياسة وجغرافيا وتاريخ ...........إلخ , وجاء شافيا لأمراض القلوب من حيرة وقلق ونصب علي الدنيا , وداعيا لجنة عرضها السماوات والأرض(يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) [10]

ه - ولذلك نجد المجتمع الغربي علي ما هو عليه من الترف إلا أنه يعاني من الحيرة و القلق , وذلك لبعدهم عن منهج الله تبارك وتعالي (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) [11]

وعلي سبيل المثال نجد أعلي نسبة أمراض نفسية وعقلية توجد في المجتمعات الغربية , أما عن الجرائم و الإنتحار فحدث ولا حرج .

ن - الختام لابد أن يأتي بالخير من قبل أهل الخير , ولله المثل الأعلي , فكان ختام الرسالات السماوية بخير رسالة وأسمح شريعة وأيسرها وأعظمها سموا , ورسولها صلي الله عليه وسلم أعظم الرسل , وكتابهم ( القرآن الكريم ) خير الكتب ومهيمنا علي ما قبله من الكتب (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) [12]

ل - للرسول صلي الله عليه وسلم معجزات حسية مثل تسبيح الحصا وانشقاق القمر , لكن أعظم معجزاته القرآن الكريم, قال صلي الله عليه وسلم :- (‏مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ أَوْ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏   ) [13]

 

أهمية الموضوع وأسباب إختياره : -

أجمل بيان أهمية الموضوع و أسباب إختياري له  في الآتي :-

ا إنه أول ما وقع في نفس العرب  الخلص , منذ بدء الوحي ب (  اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  )    , فكان هذا الإعجاز اللغوى أول ما ظهر للإنس والجن , وأحدث صدمة نفسية لكل مستمع , فأعجزهم , وصدق الله العظيم   (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا )   [14]

2 التأمل والبحث  في كتابه الكريم , قال الباقلانى رحمه الله ( ومن أهم ما يجب على أهل دين الله كشفه ، وأولى ما يلزم بحثه ، ما كان لأصل دينهم قواما ، ولقاعدة وحيدهم عماداً ونظاما ً، وعلى صدق نبيهم صلي الله عليه وسلم برهانا ، ولمعجزته ثبتا وحجة ، لا سيما والجهل ممدود الرواق ، شديد النفاق ، مستول على الآفاق ، والعلم إلى عفاء ودروس ) [15]

3 ارتباط مسألة الإعجاز بتفسير القرآن الكريم , وأذكر علي سبيل المثال قول أبي بكر إبن العربي [16] رحمه الله - ( ثم إن العناية بما نحن بصدده من بيان وجوه إعجاز القرآن إنما نبعت من مختزن أصل كبير من أصول الإسلام ، وهو كونه المعجزة الكبرى للنبي صلي الله عليه وسلم ، وكونه المعجزة الباقية ) .

4 تناول بعض الباحثين هذه القضية الهامة , بإسلوب لا يتناسب مع العامة , فرأيت بعونه سبحانه وتعالي أن أشرع في بحث  يسير المتناول , سهلا ميسرا  قدر  المستطاع , ولا حول ولا قوة إلا بالله .

5 محاولة شمول البحث لوجوه الإعجاز التي يسرها الله سبحانه وتعالي , لأن بعض الباحثين مع تقديري لمجهودهم لهم نظرة قاصرة في تحديد وجوه الإعجاز , وأذكر علي سبيل المثال غفلة البعض عن نزوله علي سبعة أحرف , وتماسك أجزاءه بإعجاز مبهر , مع كونه نزل منجما في نيف وعشرين عاما  .

6 -  قلة المصادر المعاصرة للإعجاز اللغوي للقرآن الكريم , مع كثرة مصادرها عند السلف الصالح - رحمهم الله ولا يفوت الباحث صعوبة إسلوبها علي العوام و بل وطلبة العلم في كثير من الأحيان , وأوضح نموذج كتاب ( إعجاز القرآن ) للرافعي , مع ما فيه من فوائد جليلة

7 الرد علي بعض الشبه التي يبثها المستشرقون ومن والاهم , في الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم

 

 

 

و أجمل ذكر الجديد في بحثي في الأمور الآتية : -

ا جمع ما يسره الله من وجوه الإعجاز من أقوال السلف والخلف , مع حذف التكرار

2 السهولة وتجنب الحشو والتعقيدات قدر المستطاع

3 ذكر أهم الشبه , مع الردود الموجزة.

واالله ولي التوفيق .

 

أهم الدراسات السابقة : -

* ذكر الباقلاني رحمه الله , أن أول من تناول قضية الإعجاز اللغوي هو  الجاحظ  [17], في القرن الثالث الهجرى , فصنف كتابا سماه: (نظم القرآن) و الكتاب غير موجود .

قال: ( وقد صنف الجاحظ في "نظم القرآن" كتابا لم يزد فيه على ما قاله المتكلمون قبله  ) [18]

و مع الإقرار بغزارة علمه اللغوي إلا أننا لا نعطي رأيه شأوا [19] , لأنه مضطرب الرأي فاسد العقيدة و وذكر البعض أنه لم يسلم من القول بالصرفة ولمح بها , ولا يستبعد هذا منه  .

*  وفي أواخر القرن الثالث الهجرى وضع أبو عبد الله محمد بن يزيد الواسطى (توفي سنة 306ه‍) كتابا سماه (إعجاز  القرآن في نظمه وتأليفه) وذكر البعض , أنه أول من صنف في الإعجاز اللغوى

* في القرن الرابع الهجرى، وفيه ألف أبو الحسن على بن عيسى الرمانى (ت سنة 386ه )‍

صنف ( النكت في إعجاز القرآن) , ذكر فيه رأيه في  وجوه سبع (ت رك المعارضة مع توفر الدواعى وشدة الحاجة ، والتحدى للكافة ، والصرفة ، والبلاغة ، والأخبار الصادقة عن الأمور المستقبلة ، ونقص العادة، وقياسة بكل معجزة )

* وفي القرن الرابع أيضا  ألف  حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابى (ت سنة 388ه‍  )

 (بيان إعجاز القرآن) وبين أن الناس قد أكثروا الكلام في باب إعجاز القرآن قديما وحديثا، وذهبوا فيه كل مذهب، ولم يصدروا عن رأي ، وأبطل القول بالصرفة ,  ثم تحدث عن البلاغة , وتأثير القرآن في سامعيه .

* القاضي  أبو بكر محمد بن الطيب الباقلانى (ت سنة403ه‍  ) 

 صنف  (إعجاز القرآن) وهو أفضل مرجع في هذا الفن علي الإطلاق , ذكر فيه من وجوه الإعجاز ( الإخبار عن الغيوب المستقبلة، وقصص الأولين، وبديع نظم القرآن، وعجيب تأليفه، وما فيه من الشريعة والأحكام التى يتعذر على البشر مثلها , ثم شرح تلك الأقوال .

* القاضي عبد الجبار أحمد بن خليل بن عبد الله (ت سنة415ه )

في أوائل القرن الخامس الهجرى  , أفرد من كتابه "المغنى في أبواب التوحيد والعدل" البالغ عشرين جزءاً  ,  الجزء السادس عشر في الحديث عن إعجاز القرآن .

* إ بن حزم الظاهرى (ت سنة 456ه )

 صنف (الفصل في الملل والأهواء والنحل) تحدث في الفصل السادس - عن عدد من وجوه الإعجاز , وذكر كثير من الباحثين أنه ممن قال بالصرفة .

*  في القرن الخامس صنف أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانى (ت سنة 471ه‍ )

*   صنف أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني أيضا ( الرسالة الشافية في إعجاز القرآن) بين فيها  موقف العرب المعاصرين لنزول القرآن من أمثال الوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة وغيرهما ممن أقروا راغمين أن القرآن ليس من كلام البشر.

* وفي القرن السادس خصص القاضي عياض (ت سنة 544ه‍ (  فصلا في الجزء الأول من كتابه: (الشفا بتعريف حقوق المصطفي) لإعجاز القرآن قال فيها  (كتاب الله العزيز منطو على وجوه من الإعجاز كثيرة ،حصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه:أولها حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب)  [20]

ثم عرض لبقية وجوه الإعجاز فعّد منها: صورة نظمة العجيب وأسلوبه الغريب، وما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات، وما أنبأ به من أخبار القرون السابقة، والأمم البائدة، والشرائع الدائرة .

 ثم عرض بعد ذلك لوجوه أخرى إجمالا فقال ( أن قارئه لايمله، وسامعه لا يمجه، بل الإكباب على تلاوته يزيده حلاوة، وترديده يوجب له محبه، ولايزال غضا طريا، وغيره من الكلام ولو بلغ  في الحسن والبلاغة مبلغه يمل مع الترديد، ويُعادى إذا أعيد، وكتابنا يستلذ به في الخلوات، ويؤنس  بتلاوته في الأزمات) 

*  فخر الدين الرازي (توفي سنة 604ه ) صنف  (نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز)

*  أبو يعقوب يوسف بن أبى بكر محمد بن على السكاكى (ت سنة626ه‍ ( كتابه (مفتاح العلوم) وبين أن الإعجاز لا يدرك إلا بالتذوق

* في القرن السابع صنف أبوعبد الله محمد بن أحمد الأنصارى القرطبى (ت سنة671ه‍(

فصلا في مقدمة تفسيره : ( الجامع لأحكام القرآن) ذكر فيه نكتا في إعجاز القرآن ووجوه ذلك الإعجاز عدّد فيها تلك الوجوه، وجعلها في عشرة: النظم البديع، والأسلوب المخالف لجميع أسإليب العرب، والجزالة التى لا تصح من مخلوق بحال، والتصرف في لسان العرب على وجه لا يستقل به عربى، والإخبار عن الأمور التي تقدمت في أول الدنيا إلى وقت نزوله، من أمى ما كان يتلو من قبله من كتاب ولا يخطه بيمينه، والإخبار عن المغيبات في المستقبل إلى آخر ما عده من ذلك  

* في القرن السابع أيضاً عند ابن العربي الآمدي ، علي بن أبي علي (ت 631هـ)،

* وحازم القرطاجني (ت 684هـ)، ثم البيضاوي ( تفسير البيضاوي )

* صنف  الزركشى (سنة 794ه )  (البرهان في علوم القرآن)

 قال فيه ( وإعجاز القرآن ذكر من وجهين:أحدهما إعجاز متعلق بنفسه، والثانى بصرف الناس عن معارضته)[21]

 ثم رد القول بالصرفة ثم بين وجوها للإعجاز  

* الزملكاني (ت 727هـ) في كتابه: "التبيان في إعجاز القرآن".

*  وشيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) في كتابه: "جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن"،

* والخطيب الذي لخص كتاب: "مفتاح العلوم" للسكاكي

* يحيى بن حمزة العلوي صاحب كتاب: "الطراز" (ت 749هـ)،

*  وابن القيم (ت751هـ) صاحب كتاب "الفوائد المشوقة إلى علم القرآن وعلم البيان"، الذي يتناول فيه بإسهاب قضية الإعجاز القرآني وما سبقه من آراء فيها.

* كما نجد إشارات للإعجاز في تفسير إبن كثير (ت 774هـ)

*  في القرن التاسع برهان الدين بن عمر البقاعى( ت سنة 885ه )

صنف كتابه ( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) جمع فيه من أسرار القرآن، وأتقن الكلام في فن المناسبات بين الآيات والسور

* في القرن العاشر صنف جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطى (ت سنة 911ه‍(

صنف ( الإتقان في علوم القرآن) نقل كثيرا من أقوال السادة العلماء في وجوه الإعجاز وردّ القول بالصرفة .

* في القرن الثالث عشر ألف شهاب الدين الآلوسى(ت سنة 1270ه )

(روح المعانى في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) وعلى عادة كثير من المفسرين قدم بمقدمات قيمة ضمنها فوائد جليلة، جعل الفائدة السابعة منها في بيان وجه إعجاز القرآن، تكلم فيها على أوجه الإعجاز عند كثير من العلماء، ورد القول بالصرفة , وقال  ( وقد أطال العلماء الكلام على وجه إعجاز القرآن، وأتوا بوجوه شتى الكثير منها خواصه وفضائله، مثل الروعة التى تلحق قلوب سامعيه، وأنه لا يمله تاليه، بل يزداد حباً له بالترديد، مع أن الكلام يعادى إذا أعيد. وكونه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله تعالى بحفظه، والذى يخطر بقلب هذا الفقير: أن القرآن  بجملته وأبعاضه حتى أقصر سورة منه معجز بالنظر إلى نظمه وبلاغته، وإخباره عن الغيب، وموافقته لقضية العقل، ودقيق المعنى، وقد تظهر كلها في آية، وقد يستتر البعض كالإخبار عن الغيب، ولا ضير ولا عيب، فما يبقى كافٍ، وفي الغرض وافٍ)  [22]

* في  القرن الرابع عشر صنف مصطفي صادق الرافعى (ت سنة 1356 ه‍ )

صنف (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية) بين فيه حقيقة الإعجاز و أهم المصنفات فيه و ورد القول بالصرفة و وشنع علي القائلين بها .

* محمد عبد العظيم الزرقانى ( مناهل العرفان في علوم القرآن )

*  محمد عبد الله دراز (النبأ العظيم)

*  بديع  الزمان النورسى  ( إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز) من (كليات رسائل النور)

* محمد أبو زهرة في ( المعجزة الكبرى)

* سيد قطب : التصوير الفني في القرآن , وبعض التعليقات في كتابه ( في ظلال القرآن )

* عائشة عبد الرحمن (الإعجاز البيانى للقرآن)

* محمد متولي الشعراوي ( معجزة القرآن ) , وأقواله في الإعجاز اللغوي والعلمي نجدها متناثرة في تفسيره , ومقالانه المختلفة , وهي من أشهر ما كتب في هذا العصر .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الأول

 

 

تعريفات هامة

  وجوه

 الإعجاز

 اللغوي

 في القرآن الكريم  ))

 

 القرآن الكريم وكلام المخلوقين

 القرآن الكريم والكتب السابقة  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

و شهد شاهد من أهلها , قصة إسلام جاري ميلر صاحب كتاب ( القرآن المذهل ) [23]

 

عام 1977 قرر الدكتور جاري ميلر المبشر الكندي النشيط وأستاذ الرياضيات والمنطق في جامعة تورنتو أن يقدم خدمة جليلة للمسيحية بالكشف عن الأخطاء العلمية والتاريخية في القرآن الكريم، بما يفيده وزملاؤه المبشرين عند دعوة المسلمين للمسيحية ولكن الرجل الذي دخل بمنطق تصيد الأخطاء وفضحها، غلب عليه الإنصاف.

 وكان أول ما أذهله: هو صيغة التحدي التي برزت له من في مواضع كثيرة من مثل ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } [24]

 ، (  فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ) [25] ، 'عشر آيات'، 'آية'، دخل الرجل الحلبة متحدياً وخرج منها منبهراً بما وجده.

بعض ما جاء في كتابه: 'القرآن المذهل':

1- يقول د. ميلر: 'لا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجرأة ويؤلف كتاباً ثم يقول هذا الكتاب خال من الأخطاء ولكن القرآن على العكس تماماً يقول لك لا يوجد أخطاء بل يتحداك أن تجد فيه أخطاء ولن تجد'.

2- لا يستعرض القرآن أيضاً من الأحداث العصيبة التي مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم مثل وفاة زوجته خديجة أو وفاة بناته وأولاده. بل الأغرب أن الآيات التي نزلت تعقيباً على بعض النكسات في طريق الدعوة، كانت تبشر بالنصر، وتلك التي نزلت تعقيباً على الانتصارات كانت تدعو إلى عدم الاغترار والمزيد من التضحيات والعطاء. لو كان أحد يؤرخ لسيرته لعظم من شأن الانتصارات، وبرر الهزائم، ولكن القرآن فعل العكس تماماً، لأنه لا يؤرخ لفترة تاريخية بقدر ما يضع القواعد العامة للعلاقة مع الله والآخرين.

3- توقف ميلر عند قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) [26] ، مشيراً إلى التجربة التي أجراها أحد الباحثين في جامعة تورنتو عن 'فعالية المناقشة الجماعية'، وفيها جمع أعداداً مختلفة من المناقشين، وقارن النتائج فاكتشف أن أقصى فعالية للنقاش تكون عندما يكون عدد المتحاورين اثنين، وأن الفعالية تقل إذا زاد هذا العدد.

صورة للمناظرة التي كانت بينه وبين الشيخ أحمد ديدات رحمه الله

4- هناك سورة كاملة في القرآن تسمى سورة مريم وفيها تشريف لمريم عليها السلام بما لا مثيل له في الكتاب المقدس، بينما لا توجد سورة باسم عائشة أو فاطمة. وكذلك فإن عيسى عليه السلام ذُكر بالاسم 25 مرة في القرآن في حين أن النبي محمد لم يذكر إلا 5 مرات فقط.

5- يرى المنكرون للوحي وللرسالة أن الشياطين هي التي كانت تملي على الرسول ما جاء به، والقرآن يتحدى: 'وما تنزلت به الشياطين، وما ينبغي لهم وما يستطيعون'. فهل تؤلف الشياطين كتاباً ثم تقول لا أستطيع أن أؤلفه، بل تقول: إذا قرأت هذا الكتاب فتعوذ مني؟

6- لو كنت في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم هو وأبي بكر محاصرين في الغار، بحيث لو نظر أحد المشركين تحت قدميه لرآهما. ألن يكون الرد الطبيعي على خوف أبي بكر: هو من مثل 'دعنا نبحث عن باب خلفي'، أو 'أصمت تماماً كي لا يسمعك أحد'، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال بهدوء: 'لا تحزن إن الله معنا'، 'الله معنا ولن يضيعنا'. هل هذه عقلية كذاب أو مخادع، أم عقلية نبي ورسول يثق بعناية الله له؟

7- نزلت سورة المسد قبل وفاة أبي لهب بعشر سنوات. وكان أمامه 365 × 10 = 3650 فرصة لإثبات أن هذا الكتاب وهم، ولكن ما هذا التحدي؟ لم يسلم أبو لهب ولو بالتظاهر، وظلت الآيات تتلى حتى اليوم. كيف يكون الرسول واثقاً خلال عشر سنوات أن ما لديه حق، لو لم يكن يعلم أنه وحي من الله؟

8- وتعليقاً على قوله تعالى 'ما كنت تعلمها أنت ولا قومك' تعقيباً على بعض القصص القرآني، يقول ميلر: 'لا يوجد كتاب من الكتب الدينية المقدسة يتكلم بهذا الأسلوب، إنه يمد القارئ بالمعلومة ثم يقول له هذه معلومة جديدة!! هذا تحد لا مثيل له؟ ماذا لو كذبه أهل مكة ولو بالادعاء فقالو: كذبت كنا نعرف هذا من قبل. ماذا لو كذبه أحد من الباحثين بعد ذلك مدعياً أن هذه المعلومات كانت معروفة من قبل؟ ولكن كل ذلك لم يحدث.

وأخيراً يشير د. ميلر إلى ما ورد في الموسوعة الكاثوليكية الجديدة تحت موضوع 'القرآن'، وكيف أنها ورغم تعدد الدراسات والمحاولات للغمز في صدق الوحي القرآني، (مثل أنه خيالات مريض أو نفث شياطين، أو كان يعلمه بشر، أو أنه وقع على كتاب قديم، ... الخ )، إلا أنها انتهت إلى: 'عبر القرون ظهرت نظريات كثيرة حول مصدر القرآن إلا أن أيّ من هذه النظريات لا يمكن أن يعتد به من رجل عاقل'. ويقول د. ميلر إن الكنيسة التي كان بودها أن تتبنى إحدى هذه النظريات التي تنفي صدق الوحي لم يسعها إلا أن ترفض كل هذه النظريات، ولكنها لم تملك الجراءة على الاعتراف بصدق نظرية المسلمين.

لا أدري هل أقول: جزاك الله خيراً يا دكتور ميلر على هذا التدبر المنصف لكتاب الله؟ أم أنادي كل الشائنين المبغضين أن يطلعوا على ما كتبه هذا الرجل؟ أم أطلب من المهتمين بمواضيع الإعجاز القرآني أن يضيفوا إلى مناهجهم هذا المنهج من 'محاولة كشف الأخطاء' بما يثبت التحدي، ويؤكد الإعجاز 'ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً'.

 

 

 

 

 

 

تعريفات هامة : -

 

((  وجوه الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم  ))

 

وجوه : -

وجه , الوجه ما يواجهك من الرأس , وفيه العينان و الفم والأنف , سيد القوم وشريفهم .

ونفس الشيء وذاته , في القرآن الكريم (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) [27] , و من الثوب : ما ظهر لك , ومن البيت : الجانب الذي يكون فيه بابه  , ومن الجهة الناحية ,  وصحة الحكم .

يقال  : ليس لكلامه وجه .

ومن الكلام ما تقصده به , يقال رجل ذو وجهين : يلقي هذا بوجه وذاك بوجه .

جمعه : أوجه , ووجوه .

الوجهة : الجانب والناحية , ووجهة الأمر ك وجهه . اه [28]

والذي نستخلصه من هذا أن وجوه الإعجاز ,  تعني : جوانب الإعجاز  .

 

تعريف المعجزة:

الفعل الثلاثي: عجز، يعجز فهو عاجز، ومصدر الفعل هو: العجز.

الفعل الرباعي: فهو أعجز، يعجز فهو معجز ومصدر الفعل هو الإعجاز.

المعجزة إذاً: هو اسم الفاعل المؤنث من فعل ذلك الفعل. 

والمعجزة في الاصطلاح: "هي الأمر الخارق للعادة، السالم من المعارضة يظهره الله تعالى على يد النبي، تصديقاً له في دعوى النبوة).   [29]

 

ويشترط في المعجزة:  [30]

1 -  أن تكون فعلاً من الأفعال المخالفة لما تعوَّد عليه الناس وألفوه.

2 - أن يظهره الله تعالى على يد من يدّعي النبوة.

3 -  أن يكون الغرض من ظهور هذا الفعل الخارق هو تحدي المنكرين، سواء صرح النبي صاحب المعجزة بالتحدي أو كان التحدي مفهوماً من قرائن الأحوال.

4 - أن تجيء المعجزة موافقة ومصدقة لدعوى النبوة، فإذا حدثت المعجزة وكذبت النبي في دعواه فلا يكون النبي صادقاً، كما لو نطق الجماد مثلاً بتكذيب صاحب المعجزة.

5 - أن يعجز المنكرون عن الإتيان بمعجزة مماثلة لمعجزة النبي، أي يعجزون عن معارضته

 

تعريف الإعجاز:

ا - الإعجاز لغة:-

 

 مصدر، وفعله رباعي هو أعجز، تقول: أعجز يعجز إعجازاً واسم الفاعل معجز  [31]

وكلام أهل اللغة في معناها يدور حول الضعف، وعدم القدرة على النهوض بالأمر، وكذلك القعود عما يجب فعله.

قال ابن منظور :( العجز: نقيض الحزم, والعجز: الضعف، والمعجزة بفتح الجيم وكسرها : مفعلة من العجز: عدم القدرة، وفي الحديث- كل شيء بقدر حتى العجز والكيس- وقيل أراد بالعجز: ترك ما يجب فعله بالتسويف )   [32] 

ومقتضى آخر الكلام فيما ساقه صاحب اللسان أن العجز أعم من أن يكون ضعفا وانعدام قدرة ،وإنما يمكن أن يعني ترك الأمر تسويفا، مما يفهم منه أن ما ترك في حيز القدرة عليه، لكن  الباعث على تركه هو الكسل الحامل على التأجيل والتسويف.

لكن لنا في أصالة معنى العجز في الدلالة على عدم  القدرة، وأن ترك الفعل عجزاً إنما يكون لعدم القدرة عليه في الأصل. [33]:  في ذلك حديث رسول صلي الله عليه وسلم :( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ) [34].

قال ابن حجر رحمه الله تعالي [35]:( إن الهم :لما يتصوره العقل من المكروه في الحال، والحزن لما وقع في الماضي، والعجز ضد الاقتدار، والكسل ضد النشاط )

فالجمع في الحديث   بين الاستعاذة من كل من العجز والكسل فيه دلالة على تغاير المعنى فيهما، فالأول عدم القدرة والثاني عدم النشاط والنهوض للأمر.

 

ب - وعليه فالإعجاز: هو جعل من يقع عليه أمر التحدي بالشيء عاجزاً عن الإتيان به، ونسبته إلى العجز، وإثباته له،فالإعجاز بالنسبة للمعجز هو الفوت والسبق، يقال أعجزني فلان أي: فاتني ،وبالنسبة للعاجز عدم القدرة على الطلب والإدراك ( وقال الليث:أعجزني فلان إذا عجزت عن طلبه وإدراكه ) [36]

إذا كان هذا معنى الإعجاز، فبإضافته إلى القرآن، ومنهما يكون مصطلح: (إعجاز القرآن) كما سبق بيانه يكون المراد: إثبات القرآن عجز الخلق عن الإتيان بما تحداهم به، وهو أن يأتوا بمثله أو بشيء من مثله، فهو من إضافة المصدر إلى فاعله، والمفعول محذوف للدلالة على عموم من تحداهم القرآن، وهم الإنس والجن، وكذلك ما تعلق به الفعل محذوف للعلم به، وهو القرآن أو بعضه كما ثبت في كثير من آيات التحدي.

ج - ويكتمل بيان المراد بهذا المصطلح  [37]إذا عرفنا أن إعجاز القرآن مَن تحداهم عن الإتيان بمثله أو بشيء من مثله ليس أمراً مقصوداً لذاته، وليس هو الغاية في نفسه، ولكن المقصود هو اللازم الناتج عن هذا الإعجاز، وهو إظهار وإثبات أن هذا الكتاب حق، ووحي من عند الله تعالى، ومقتضى ذلك كله إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم

 

د - والإعجاز في الاصطلاح: له عدة تعريفات:-

 منها تعريف الجرجاني  في كتابه ( التعريفات) : "أنْ يؤدي المعنى بطريق، هو أبلغ من جميع ما عداه من الطرق  " [38]

وقد عرَّفه مصطفى صادق الرافعي بقوله: "وإنما الإعجاز شيئان:

1 -  ضعف القدرة الإنسانية في محاولة المعجزة، ومزاولته على شدة الإنسان واتصال عنايته.

2 -  ثم استمرار هذا الضعف على تراخي الزمن وتقدمه. فكأنَّ العالم كله في العجز إنسان واحد، ليس له غير مدنه المحدودة بالغة ما بلغت" [39] 

 

 

معنى كلمة القرآن :-

ا -  التعريف اللغوي : -

قال السيوطي رحمه الله [40]  : -

 

وأما القرآن فاختلف فيه فقال جماعة‏:‏

 هواسم علم غير مشتق خاص بكلام الله فهوغير مهموز وبه قرأ ابن كثير وهومروى عن الشافعي‏.‏

أخرج البيهقي والخطيب وغيرهما عنه أنه كان يهمز قراءة ولا يهمز القرآن ويقول‏:‏ القرآن اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قراءة ولكنه اسم لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل‏.‏

وقال قوم منه الأشعري‏:‏ هومشتق من قرنت الشيء بالشيء‏:‏ إذا ضممت أحدهما إلى الآخر وسمى به القرآن السور والآيات والحروف فيه‏.‏

وقال الفراء‏:‏ هومشتق من القرائن لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضاً ويشابه بعضها بعضاً وهي قرائن وعلى القولين بلا همز أيضاً ونونه أصلية‏.‏

وقال الزجاج‏:‏ هذا القول سهو والصحيح أن ترك الهمز فيه من باب التخفيف ونقل حركة الهمز إلى الساكن قبلها‏.‏ واختلف القائلون بأنه مهموز فقال قول منهم اللحياني‏:‏ هومصدر لقرأت كالرجحان والغفران سمى به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر‏.‏

وقال آخرون منهم الزجاج‏:‏ هووصف على فعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع ومنه قرأت الماء في الحوض‏:‏ أي جمعته‏.‏  قال أبو عبيدة‏:‏ وسمى بذلك لأنه جمع السور بعضها إلى بعض‏.‏

وقال الراغب‏:‏ لا يقال لكل جمع قرآن ولا لجمع كل كلام قرآن‏.‏

قال‏:‏ وإنما سمي قرآناً لكونه جمع ثمرات الكتب السالفة المنزلة‏.‏

وقيل لأنه جمع أنواع العلوم كلها‏.‏

وحكى قطرب قولاً ‏:‏ إنه سمى قرآناً لأن القارئ يظهره ويبينه من فيه أخذاً من قول العرب ما قرأت الناقة سلاقط ‏:‏ أي ما رمت بولد‏:‏ أي ما أسقطت ولداً‏:‏ أي ما حملت قط والقرآن يلقطه القارئ من فيه ويلقيه فسمي قرآناً‏.‏  قلت‏:‏ والمختار عندي في هذه المسئلة ما نص عليه الشافعي‏.

 

ب - تعريف القرآن في الشرع [41] : هو كلام الله سبحانه وتعالى غير مخلوق ، المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم باللغة العربية المعجزة المؤيدة له ، المتحدى به العرب المتعبد بتلاوته ، المنقول إلينا بالتواتر .

قال عز وجل : "( يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ )  [42]

 

تعريف اللغة :- [43]

 

1. يُعرفها ابن جني    بقوله: "أما حدها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم".

2. اللغة نظام من الرموز الصوتية الاعتباطية يتم بواسطتها التعارف بين أفراد المجتمع، تخضع هذه الأصوات للوصف من حيث المخارج أوالحركات التي يقوم بها جهاز النطق، ومن حيث الصفات والظواهر الصوتية المصاحبة لهذه الظواهر النطقية    

3. ظاهرة اجتماعية تستخدم لتحقيق التفاهم بين الناس  .

4. صورة من صور التخاطب سواء كان لفظيًا وغير لفظي .

5. اللغة كما يقول ( أوتويسبرسن ): نشاط إنساني يتمثل من جانب في مجهود عضلي يقوم به فرد من الأفراد ، ومن جانب آخر عملية ادراكية ينفعل بها فرد وأفراد آخرون.

6. اللغة نظام الأصوات المنطوقة.

7. اللغة معنى موضوع في صوت ونظام من الرموز الصوتية  

8. ادوارد سابيير: اللغة وسيلة إنسانية خالصة، وغير غريزية إطلاقا، لتوصيل الأفكار والأفعال والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية  

9. انطوان ماييه: إن كلمة ( اللغة ) تعني كل جهاز كامل من وسائل التفاهم بالنطق المستعملة في مجموعة بعينها من بني الإنسان بصرف النظر عن الكثرة العددية لهذه المجموعة البشرية وقيمتها من الناحية الحضارية.

10 . اللغة نشاط مكتسب تتم بواسطته تبادل الأفكار والعواطف بين شخصين وبين أفراد جماعة معينة، وهذا النشاط عبارة عن أصوات تستخدم وتستعمل وفق نظم معينة .

 واللغة نعمة من الله -عزّ وجل- للإنسان مثله مثل كل الحيوانات التي تمتلك نظامًا من الرموز والإشارات للتفاهم فيما بينها. فيقال: لغة الحيوان، ولغة الطير، ولغة النبات، قال تعالى: ﴿عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ [44] ولكن لغة الإنسان تتميز بأنها ذات نظام مفتوح بينما الحيوانات الأخرى نظامها التعارفي نظام مغلق.

 

وظائف اللغة [45] :-  

( أهمية هذا المبحث في دلالة إحتواء اللغة العربية وحدها لمعجزة القرآن الكريم )

 يتفق أغلبية علماء اللغة المحدثين على أنَّ وظيفة اللغة هي: التعبير والتواصل والتفاهم رغم أنَّ بعضهم يرفض تقييد وظيفة اللغة بالتعبير والتواصل؛ فالتواصل إحدى وظائفها إلا أنَّه ليس الوظيفة الرئيسة .

 «وقد حاول "هاليداي" halliday تقديم حصر بأهم وظائف اللغة فتمخضت محاولاته عن الوظائف الآتية :

1) الوظيفة النفعية ( الوسيلية ):-

وهذه الوظيفة هي التي يطلق عليها "أنا أريد" فاللغة تسمح لمستخدميها منذ طفولتهم المبكرة أن يُشبعوا حاجاتهم وأن يعبروا عن رغباتهم.

2) الوظيفة التنظيمية :-

وهي تعرف باسم وظيفة "افعل كذا، ولا تفعل كذا" فمن خلال اللغة يستطيع الفرد أن يتحكم في سلوك الآخرين، لتنفيذ المطالب والنهي، وكذا اللافتات التي نقرؤها، وما تحمل من توجيهات وإرشادات.

3) الوظيفة التفاعلية:-

وهي وظيفة "أنا وأنت" حيث تستخدم اللغة للتفاعل مع الآخرين في العالم الاجتماعي باعتبار أنَّ الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع الفكاك من أسر جماعته، فنستخدم اللغة في المناسبات، والاحترام، والتأدب مع الآخرين .

4) الوظيفة الشخصية:-

من خلال اللغة يستطيع الفرد أن يعبر عن رؤياه الفريدة، ومشاعره واتجاهاته نحوموضوعات كثيرة، وبالتالي يثبت هويته وكيانه الشخصي ويقدم أفكاره للآخرين

5) الوظيفة الاستكشافية:-

وهي التي تسمى الوظيفة "الاستفهامية" بمعنى: أنه يسأل عن الجوانب التي لا يعرفها في البيئة المحيطة به حتى يستكمل النقص عن هذه البيئة .

6) الوظيفة التخيلية:-

تتمثل فيما ينسجه من أشعار في قوالب لغوية، كما يستخدمها الإنسان للترويح، ولشحذ الهمة والتغلب على صعوبة العمل، وإضفاء روح الجماعة، كما هوالحال في الأغاني والأهازيج الشعبية.

7) الوظيفة الإخبارية ( الإعلامية ):-

باللغة يستطيع الفرد أن يتقل معلومات جديدة ومتنوعة إلى أقرانه، بل ينقل المعلومات والخبرات إلى الأجيال المتعاقبة، وإلى أجزاء متفرقة من الكرة الأرضية خصوصًا بعد الثورة التكنولوجية الهائلة . ويمكن أن تمتد هذه الوظيفة لتصبح وظيفة تأثيرية، اقناعية ؛ لحث الجمهور على الإقبال على سلعة معينة والعدول على نمط سلوكي عير محبب .

8) الوظيفة الرمزية:-

يرى البعض أنَّ ألفاظ اللغة تمثل رموزًا تشير إلى الموجودات في العالم الخارجي، وبالتالي فان اللغة تخدم كوظيفة رموزية

 

 

التحدي [46]

 

ا - معظم آيات التحدي نزلت في زمن ضعف المسلمين!! فعندما ادعى المشركون أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو من تقوّل القرآن، أجابهم الله تعالى: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) [47]  وهذه الآية نزلت في مكة المكرمة في بدايات الدعوة.

ب - عندما اتهم الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كذب على الله وافترى عليه القرآن، أمر الله حبيبه محمداً أن يرد عليهم ويطلب منهم وهم أرباب البلاغة- أن يأتوا بسورة واحدة مثل القرآن. يقول تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [48] وهذه الآية نزلت في مكة المكرمة أيضاً في مرحلة ضعف المسلمين.

ج -  نزول آيات التحدي في بدايات الدعوة هو دليل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان محمد هو الذي ألّف القرآن إذن فالأجدر به أن ينتظر حتى يصبح قوياً ثم يتحدى!! فالضعيف لا يمكن أن يتحدى أحداً، ولكن النبي الكريم كان قوياً لأن الله معه!

د -  القرآن الكريم قد عرض أقوال أعدائه وحججهم منذ بداية نزوله، وهذا دليل إضافي على أن القرآن ليس من قول الرسول. ونحن لا نعلم أبداً في التاريخ رجلاً واحداً بدأ دعوته بالتحدي، ولا نعلم أن أحداً عرض في كتابه أقوال معارضيه بصورة كاملة، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا لبحث منذ اللحظة الأولى عن مؤيدين له بغض النظر عن معتقداتهم، كما يفعل أي إنسان يبتغي الشهرة والمال والجاه.

ب - القرآن يرد علي منكريه : -

1- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [49]

2- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[50]

3- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) [51]

4- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)  [52]

5- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)  [53]

نلاحظ أنه لدينا خمس أسئلة وهي (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ؟) ولدينا خمس إجابات كما يلي:

1- تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة مثل القرآن فقال في الآية الأولى: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ).

2- تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثل القرآن، فقال في الآية الثانية (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ).

3- بيَّن لهم أن الرسول لو كان كاذباً فإنما كذبه على نفسه ولن يضرهم شيئاً، فقال في الآية الثالثة: (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي).

4- بيَّن لهم أن كلامهم غير صحيح وأن القرآن حق من عند الله تعالى، فقال في الآية الرابعة: (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ).

5- بين لهم أنه لو كذب على الله فمن يحميه من الله؟؟ فقال في الآية الخامسة والأخيرة: (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا).

نلاحظ أن الآيات الخمس نزلت بمكة أي في مرحلة ضعف المسلمين وقلة عددهم، وهذا أبلغ أنواع التحدي أن

تتحدى الكفار وليس معك أحد إلا الله تعالى

 

 

 

 

 

 

اللغة العربية في القرآن الكريم  : -

 

قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [54]

قال تعالى:- ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾  [55]

 وقال تعالى :- ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [56]

قال تعالى: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [57]

وقد تكفل الله بحفظها في قوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [58]

 

من فضل تعلّم اللغة  العربية :- [59]

 

 

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله:

( وإنّما يعرف فضل القرآن مَنْ عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة وعلم العربية، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها، ورسائلها) [60]

* قال ابن تيمية رحمه الله: ( فإنّ اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون ) [61]

* وقال أيضا رحمه الله:

( وما زال السلف يكرهون تغييرَ شعائرِ العربِ حتى في المعاملات وهو التكلّم بغير العربية إلاّ لحاجة، كما نصّ على ذلك مالك والشافعي وأحمد، بل قال مالك: مَنْ تكلّم في مسجدنا بغير العربية أُخرِجَ منه. مع أن سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها، ولكن سوغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام) [62]

قال مصطفى صادق الرافعي رحمه الله:

( ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرض الأجنبيّ المستعمر لغته فرضاً على الأمّة المستعمَرة، ويركبهم بها، ويُشعرهم عظمته فيها، ويستلحِقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ: أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً، وأمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً، وأمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ ) [63]

 

 بعض الأقوال لبعض العلماء غير العرب في شأن اللغة العربية :- [64]

 

 يقول الفرنسي إرنست رينان : (( اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة .))

ويقول الألماني فريتاغ : (( اللغة العربية أغنى لغات العالم )) .

ويقول وليم ورك : (( إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر. ))

وقال المستشرق الألماني يوهان فك: ( إن العربية الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساسياً لهذه الحقيقة الثابتة، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربية والإسلامية رمزاً لغوياً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية، لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر، وإذا صدقت البوادر ولم تخطئ الدلائل فستحتفظ العربية بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية ) [65]

 

إنفراد العربية بالإعجاز

 

قال الباقلاني رحمه الله :- [66]

(ويمكن بيان ذلك بأنا لا نجد في القدر الذي نعرفه من الألسنة للشيء الواحد من الأسماء ما تعرف من اللغة العربية، وكذلك لا نعرف فيها الكلمة الواحدة تتناول المعاني الكثيرة على ما تتناوله العربية، وكذلك التصرف في الاستعارات والإشارات ووجوه الاستعمالات البديعة التي يجيء تفصيلها بعد هذا)

 

 بعض خصائص اللغة العربية[67]   :

 

1 الخصائص الصوتيـة :

إن اللغة العربية تملك أوسع مدرج صوتي عرفته اللغات، حيث تتوزع مخارج الحروف بين الشفتين إلى أقصى الحلق. وقد تجد في لغات أخرى غير العربية حروف أكثر عدداً ولكن مخارجها محصورة في نطاق أضيق ومدرج أقصر، كأن تكون مجتمعة متكاثرة في الشفتين وما والاهما من الفم أو الخيشوم في اللغات الكثيرة الغنة ( الفرنسية مثلاً)، أو تجدها متزاحمة من جهة الحلق .

وتتوزع هذه المخارج في هذا المدرج توزعاً عادلاً يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات. ويراعي العرب في اجتماع الحروف في الكلمة الواحدة وتوزعها وترتيبها فيها حدوث الانسجام الصوتي والتآلف الموسيقي. فمثلاً لا تجتمع الزاي مع الظاء والسين والضاد والذال. ولا تجتمع الجيم مع القاف والظاء والطاء والغين والصاد، ولا الحاء مع الهاء، ولا الهاء قبل العين، ولا الخاء قبل الهاء ، ولا النون قبل الراء ، ولا اللام قبل الشين . وأصوات العربية ثابتة على مدى العصور والأجيال منذ أربعة عشر قرناً. ولم يُعرف مثل هذا الثبات في لغة من لغات العالم في مثل هذا اليقين والجزم. إن التشويه الذي طرأ على لفظ الحروف العربية في اللهجات العامية قليل محدود، وهذه التغيرات مفرقة في البلاد العربية لا تجتمع كلها في بلد واحد. وهذا الثبات، على عكس اللغات الأجنبية، يعود إلى أمرين : القرآن، ونزعة المحافظة عند العرب .

وللأصوات في اللغة العربية وظيفة بيانية وقيمة تعبيرية، فالغين تفيد معنى الاستتار والغَيْبة والخفاء كما نلاحظ في : غاب ، غار ، غاص ، غال ، غام. والجيم تفيد معنى الجمع : جمع ، جمل، جمد ، جمر. وهكذا .

وليست هذه الوظيفة إلا في اللغة العربية ، فاللغات اللاتينية مثلاً ليس بين أنواع حروفها مثل هذه الفروق، فلو أن كلمتين اشتركتا في جميع الحروف لما كان ذلك دليلاً على أي اشتراك في المعنى. فعندنا الكلمات التالية في الفرنسية مشتركة في أغلب حروفها وأصواتها ولكن ليس بينها أي اشتراك في المعنى Ivre سكران oeuvre أثر أو تأليف ouvre يفتح livre كتاب lèvre شفة .

2 الاشـتـقـاق :

الكلمات في اللغة العربية لا تعيش فرادى منعزلات بل مجتمعات مشتركات كما يعيش العرب في أسر وقبائل. وللكلمة جسم وروح، ولها نسب تلتقي مع مثيلاتها في مادتها ومعناها : كتب - كاتب - مكتوب - كتابة - كتاب.. فتشترك هذه الكلمات في مقدار من حروفها وجزء من أصواتها

وتشترك الألفاظ المنتسبة إلى أصل واحد في قدر من المعنى وهو معنى المادة الأصلية العام. أما اللغات الأخرى كالأوروبية مثلاً فتغلب عليها الفردية . فمادة ( ب ن و ) في العربية يقابلها في الإنكليزية : son ابن و daughter بنت. أما في الفرنسية فتأتي مادة ( ك ت ب ) على الشكل التالي : كتاب livre مكتبة عامة bibliothèque محل بيع الكتب librairie يكتب ècrire مكتب bureau .

وثبات أصول الألفاظ ومحافظتها على روابطها الاشتقاقية يقابل استمرار الشخصية العربية خلال العصور، فالحفاظ على الأصل واتصال الشخصية واستمرارها صفة يتصف بها العرب كما تتصف بها لغتهم، إذ تمكن الخاصة الاشتقاقية من تمييز الدخيل الغريب من الأصيل .

إن اشتراك الألفاظ ، المنتمية إلى أصل واحد في أصل المعنى وفي قدر عام منه يسري في جميع مشتقات الأصل الواحد مهما اختلف العصر أو البيئة، يقابله توارث العرب لمكارم الأخلاق والمثل الخلقية والقيم المعنوية جيلاً بعد جيل. إن وسيلة الارتباط بين أجيال العرب هي الحروف الثابتة والمعنى العام .

والروابط الاشتقاقية نوع من التصنيف للمعاني في كلياتها وعمومياتها، وهي تعلم المنطق وتربط أسماء الأشياء المرتبطة في أصلها وطبيعتها برباط واحد، وهذا يحفظ جهد المتعلم ويوفر وقته .

إن خاصة الروابط الاشتقاقية في اللغة العربية تهدينا إلى معرفة كثير من مفاهيم العرب ونظراتهم إلى الوجود وعاداتهم القديمة، وتوحي بفكرة الجماعة وتعاونها وتضامنها في النفوس عن طريق اللغة.

3 خصائص الكلمة العربية ( الشكل والهيئة أو البناء والصيغة أو الوزن ) :

إن صيغ الكلمات في العربية هي اتحاد قوالب للمعاني تُصبُّ فيها الألفاظ فتختلف في الوظيفة التي تؤديها. فالناظر والمنظور والمنظر تختلف في مدلولها مع اتفاقها في أصل المفهوم العام الذي هو النظر. الكلمة الأولى فيها معنى الفاعلية والثانية المفعولية والثالثة المكانية .

وللأبنية والقوالب وظيفة فكرية منطقية عقلية. لقد اتخذ العرب في لغتهم للمعاني العامة أو المقولات المنطقية قوالب أو أبنية خاصة : الفاعلية - المفعولية - المكان - الزمان - السببية - الحرفة - الأصوات - المشاركة - الآلة - التفضيل - الحدث .

إن الأبنية في العربية تعلم تصنيف المعاني وربط المتشابه منها برباط واحد، ويتعلم أبناء العربية المنطق والتفكير المنطقي مع لغتهم بطريقة ضمنية طبيعية فطرية .

وللأبنية وظيفة فنية، فقوالب الألفاظ وصيغ الكلمات في العربية أوزان موسيقية، أي أن كل قالب من هذه القوالب وكل بناء من هذه الأبنية ذو نغمة موسيقية ثابتة.

فالقالب الدال على الفاعلية من الأفعال الثلاثية مثلاً هو دوماً على وزن فاعل والدال على المفعولية من هذه الأفعال على وزن مفعول .

وإن بين أوزان الألفاظ في العربية ودلالاتها تناسباً وتوافقاً، فصيغة ( فعّال) لمبالغة اسم الفاعل تدل بما فيها من تشديد الحرف الثاني على الشدة أو الكثرة، وبألف المد التي فيها على الامتداد والفاعلية الخارجية .

وتتميز اللغة العربية بالموسيقية فجميع ألفاظها ترجع إلى نماذج من الأوزان الموسيقية، والكلام العربي نثراً كان أم شعراً هو مجموع من الأوزان ولا يخرج عن أن يكون تركيباً معيناً لنماذج موسيقية .

وقد استثمر الشعراء والكتاب العرب هذه الخاصة الموسيقية فقابلوا بين نغمة الكلام وموضوعه مقابلة لها أثر من الوجهة الفنية. فمثلاً يقول النابغة الذبياني :

ميلوا إلى الــدار مـن ليلى نحييـها

نـعم ونسـألهـا عن بعــض ها

حيث ينقلك إلى جو عاشق يهيم ويتأمل وتهفو نفسه برقة وحنان إلى آثار الحبيب بما في البيت من نعومة الحروف وكثرة المدود وحسن توزعها وجمال تركيب الألفاظ .

ويقول البحتري متحدثاً عن الذئب :

عوى ثـــم أقـعــى فارتجــزت فهجتـه

فأقبل مثثل البرق يتبعه الرعد

فينقل تتابع حركات الذئب السريع في ألفاظ قصيرة الأوزان متوالية الحركات .

وقد بلغت هذه الخاصة الموسيقية ذروتها في التركيب القرآني، فأنت تحس، مثلاً في سورة العاديات ، عدو الخيل : (( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (٥))  [68]

وكان لأوزان الألفاظ أثر في جمال الكتابة العربية، فالكلمات التي على وزن واحد تتشابه ألفاظها الكتابية مثل الكلمات على وزن فاعل أو على وزن مفعول. إن هذه الكلمات في التركيب يكون منها ما يشبه الزخارف العربية . وتتأرجح الصيغ بين الثبات والتطور، والثبات غالب ولا يسبب هذا جمود العربية، فإن لها على حالتها الحاضرة من الصيغ والأبنية غنى لا تضارعها فيه لغة أخرى من اللغات الراقية التي تفي بحاجات الإنسان في مثل هذا العصر . إن الإخلال بهذه الأبنية وإفسادها إفساد لنظام اللغة، فلذلك كان العرب إذا أدخلوا كلمة أعجمية احتاجوا إليها صاغوها على نماذج ألفاظهم وبنوها على أحد أبنيتهم وجعلوها على أحد أوزانهم

وبين العربية والطبيعة صلة وثقى، فالأجسام في الطبيعة على كثرتها ترجع إلى عناصر بسيطة محدودة العدد تتشابه وتختلف بحسب تشابه تركيب مادتها واختلافه. وكذلك اللغة العربية ترجع كلماتها التي لا تكاد تحصى إلى عناصر محدودة ثابتة هي الحروف. وفي الطبيعة تشابه ونمطية وتكرر، فللشجرة مهما كان نوعها أوراق وأغصان جذع وثمر. وفي اللغة أيضاً تشابه بين أبنية الفاعلين والمفعولين والمكان والزمان. ولكل فرد من أفراد الجنس الواحد في الطبيعة ذاتيته مع مشابهته لسائر أفراد الجنس. وكذلك للفظ ذاتيته مع مشابهته لسائر الألفاظ المشتركة معه في الأصل أو البناء والصيغة. وفي الطبيعة تسلسل وتوارث يقابله تسلسل وتوارث في اللغة. وفي الطبيعة محافظة وتجديد، وكذلك في اللغة محافظة وتجديد أيضاً .

4 التعـريـب :

يتشابه نظام العربية مع نظام المجتمع العربي. فكما يرتبط أفراد المجتمع العربي وقبائله بصلات القربى والنسب والتضامن والتعاون، ترتبط ألفاظها في نسق خاص في حروفها وأصواتها، ومادتها وتركيبها ، وهيئتها وبنائها .

وحين يدخل غريب على المجتمع فلا بد لـه لكي يصبح عضواً فيه من أن يلتزم بأخلاقه وعاداته، فكذلك اللفظة الأعجمية إذا دخلت يجب أن تسير على أوزان العربية وهيئاتها وصيغها لكي تصبح عضواً كامل العضوية في الأسرة اللغوية .

ويُستعمل في العربية مصطلح التعريب بينما في اللغة الأجنبية استعارة emprunt. والتعريب أحد مظاهر التقاء العربية بغيرها من اللغات على مستوى المفردات.

وكانت الألفاظ الدخيلة في العصر الجاهلي قليلة محدودة تتصل بالأشياء التي لم يعرفها العرب في حياتهم. وهي محصورة في ألفاظ تدل على أشياء مادية لا معنوية مثل : كوب - مسك - مرجان - درهم.. وتعود قلة الدخيل إلى سببين : انغلاقهم على أنفسهم واعتدادهم بأنفسهم وبلغتهم .

أما بعد الإسلام فقد اتصلت العربية باللغات الأخرى فانتقلت إليها ألفاظ جديدة تتعلق كلها بالمحسوسات والماديات مثل أسماء الألبسة والأطعمة والنباتات والحيوان وشؤون المعيشة أو الإدارة. وقد انعدم التأثير في الأصوات والصيغ والتراكيب .

إن هذا الداخل على الغالب لم يبق على حاله بل صيغ في قالب عربي، ولذلك كانت المغالاة والإكثار من الغريب وفسح المجال من غير قيد مظهراً من مظاهر النـزعة الشعوبية في الميدان اللغوي قديماً وحديثاً .

وكانت طريقة العرب في نقل الألفاظ الأجنبية أو التعريب تقوم على أمرين :

أ تغيير حروف اللفظ الدخيل، وذلك بنقص بعض الحروف أو زيادتها مثل :

برنامه ـــــــــــــــــــــ> برنامج         -           بنفشه ـــــــــــــــــــــ> بنفسج

أو إبدال حرف عربي بالحرف الأعجمي :

بالوده ـــــــــــــــــــــ> فالوذج           -                 برادايس ـــــــــــــــــــــ> فردوس

ب تغيير الوزن والبناء حتى يوافق أوزان العربية ويناسب أبنيتها فيزيدون في حروفه أو ينقصون، ويغيرون مدوده وحركاته، ويراعون بذلك سنن العربية الصوتية كمنع الابتداء بساكن، ومنع الوقوف على متحرك ، ومنع توالي ساكنين ...

وأكثر ما بقي على وزنه وأصله من الألفاظ هو من الأعلام : سجستان رامهرمز..

أما دليلهم إلى معرفة الدخيل فهو إحدى ثلاث طرق :

أ فقدان الصلة بينه وبين إحدى مواد الألفاظ العربية :

بستان : ليس في العربية مادة بست .

ب أن يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في الكلمة العربية :

ج ق جوسق ج ص جَِصّ ج ط طازج ...

ج أن أن تكون على وزن ليس في العربية :

إِبْرَيْسَم إفعيلل آجر فاعُلّ .. (أحسن الحرير )

5 خصائص معانـي الألفـاظ العربيـة :

تقوم طريقة العربية في وضع الألفاظ وتسمية المسميات على الأمور التالية :

أ - اختيار صفة من صفات الشيء الذي يراد تسميته أو بعض أجزائه أو نواحيه أو تحديد وظيفته وعمله واشتقاق لفظ يدل عليه .

ب - تحتفظ العربية بالمعاني الأصلية الدالة على أمثال هذه المسميات ، فألفاظها معللة على عكس غيرها من اللغات التي لا تحتفظ بهذه المعاني .

ج - الإشارة إلى أخص صفات المسمى وأبرزها أو إلى عمله الأساسي ووظيفته، على عكس اللغات الأجنبية التي تشير إلى ظاهره وشكله الخارجي أو تركيبه وأجزائه. فمثلاً تسمية الدراجة في العربية تشير إلى وظيفتها وعملها وحركتها. أما في الفرنسية فإن bicyclette (ذات الدولابين) تشير إلى أجزائها وتركيبها وحالتها الساكنة. ومثل ذلك السيارة التي تشير تسميتها إلى عملها بينما في الفرنسية كلمة automobile تعني المتحرك بنفسه. ويظهر تفكير العرب وحياتهم واضحين جليين في مفردات لغتهم، فكلمة العامل، مثلاً بعد الإسلام، أخذت معنى الوالي والحاكم، وهذا يدل على أن الولاية عمل من الأعمال وليست استبداداً، وأن الحكم تكليف وليس تشريفاً. ولفظ ( المرأ ) للمذكر و (المرأة) للمؤنث يدل على تساوي الرجل والمرأة عندهم في الأصل. والمروءة هي الصفات المستحسنة المأخوذة من أخلاق الإنسان ذكراً كان أو أنثى .

وللغة العربية طريقة في تصنيف الموجودات، فمفرداتها تدل على أن العرب صنفوا الوجود تصنيفاً شاملاً دقيقاً منطقياً يدعو إلى الدهشة والتعجب، ويدل على مستوى فكري قلما وصلت إليه الأمم في مثل هذا الطور المبكر من تاريخ حياتها . وهناك ألفاظ تدل على الموجودات بمجموعها مثل ( العالَم) و (العالَمين ) فهي تشتمل على الخلق كله. وكذلك الشهادة ( الحس) وعكسه الغيب .

وتظهر في الألفاظ العربية أنواع الموجودات كالنبات والحيوان. ويتضمن الحيوانُ الإنسانَ والوحوش والطير والسباع والهوامَّ والسوائم والحشراتِ والجوارحَ والبغاث

وتظهر أيضاً الأخلاق والمشاعر كالمكارم والمثالب، والمحاسن والمساوئ ، والفرح والحزن، والحسيات والمجردات . ولم تقتصر العربية على الحسيات كما تقتصر كل لغة في طورها الابتدائي. فبالإضافة إلى ما فيها مما لا يكاد يحصى من الألفاظ الدالة على الحسيات لم تهمل المعنويات والمجردات. إننا نجد في العربية سعة وغزارة في التعبير عن أنواع العواطف والمشاعر الإنسانية. كما أنهها اشتملت على الكلمات الدالة على الطباع والأفعال والمفاهيم الخلقية. واشتملت كذلك على المفاهيم الكلية والمعاني المجردة. لقد جمع العرب في لغتهم بين الواقعية الحسية والمثالية المعنوية ، فالمادية دليل الاتصال بالواقع ، والتجريد دليل ارتقاء العقل .

ولها باع في الدقة والخصوص والعموم، إذ تمتاز برقة تعبيرها والقدرة على تمييز الأنواع المتباينة، والأفراد المتفاوتة، والأحوال المختلفة سواء في ذلك الأمور الحسية والمعنوية. فإذا رجعنا إلى معاجم المعاني وجدنا أموراً عجباً. فتحت المشي الذي هو المعنى العام أنواع عديدة من المشي :

درج       حبا      حجل      خطر      دلف      هدج      رسف      اختال      تبختر      تخلج

أهطع      هرول      تهادى      تأود...

والأمثلة كثيرة في كتب معاجم المعاني كفقه اللغة للثعالبي وهو مجلد صغير، والمخصص لابن سيده الذي يقع في 17 جزءاً . ومن ضروب الدقة ما يظهر في اقتران الألفاظ بعضها ببعض، فقد خصص العرب ألفاظاً لألفاظ ، وقرنوا كلمات بأخرى ولم يقرنوها بغيرها ولو كان المعنى واحداً.

فقد قالوا في وصف شدة الشيء : ريح عاصف - برد قارس - حر لافح .

وفي وصف اللين : فراش وثير - ثوب لين - بشرة ناعمة - غصن لدن .

وكذلك في الوصف بالامتلاء، والوصف بالجدة، والوصف بالمهارة في الكتابة والخطابة والطب والصنعة ووصف الشيء بالارتفاع الحقيقي أو المجازي وغيرها وغيرها .

لا شك أن هذا التخصص في تراكيب العربية في النعت والإضافة والإسناد نوع من الدقة في التعبير، لأن هذه الألفاظ المخصصة ببعض المعاني والأحوال توحي إلى السامع الصورة الخاصة التي تقترن معها. فلفظ باسق يوحي إلى الذهن معنى الارتفاع وصورة الشجرة معاً، كما توحي كلمة وثير معنى اللين وصورة الفراش. وكثيراً ما يحتاج المتكلم إلى أن ينقل إلى مخاطبه هذه المعاني والصور متلازمة مقترنة ليكون أصدق تصويراً وأدق تعبيراً وأقدر على حصر الصورة المنقولة وتحديدها .

وفي العربية منـزلة للتخصيص والدقة والتعميم، فلا ينطبق عليها وصف الابتدائية لكثرة ما فيها من الألفاظ الدالة على الكليات والمفاهيم والمعاني العامة والمجردة . وما فيها من الدقة والتخصيص قرينة على أن أصحابها بلغوا درجة عالية في دقة التفكير ومزية وضوح الذهن وتحديد المقصود والدلالة. والمستعرض للشعر الجاهلي يجد نماذج من الوصف تتضمن الجزئيات والتفصيلات في الألوان والأشكال والحركات والمشاعر إلى جانب شعر الحكم الذي يتضمن قواعد عامة في الحياة ومعاني عالية من التعميم والتجريد .

إن دقة التعبير والتخصيص سبيل من سبل تكوين الفكر العلمي الواضح المحدد .

والتخصيص اللغوي والدقة في التعبير أداة لا بد منها للأديب لتصوير دقائق الأشياء وللتعبير عن الانفعالات والمشاعر والعواطف .

لقد ألف اللغويون العرب مؤلفات خاصة بإبراز الفروق بين الألفاظ مثل : الفروق لأبي هلال العسكري، وأدب الكاتب لابن قتيبة ، وفقه اللغة وأسرار العربية للثعالبي. ونجد مثل هذه الدقة في الوصف عند كثير من كتاب العربية في مختلف العصور ولا سيما في القرون الأربعة الأولى بعد الإسلام .

وفي العربية عموم وألفاظ عامة إذ يحتاج الإنسان في مراحل ارتقائه الفكري إلى ألفاظ دالة على معان عامة سواء في عالم المادة أو في عالم المعنويات. وسدت اللغة العربية هذه الحاجة، وأمدت المتكلم بما يحتاج إليه وبذلك استطاعت أن تكون لغة الفلسفة كما كانت لغة العلم والفن والشعر .

6 الإيجــاز :

الإيجاز صفة واضحة في اللغة العربية . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( أوتيت جوامع الكلم )). ويقول العرب (( البلاغة الإيجاز )) و (( خير الكلام ما قلّ ودلّ )). وفي علم المعاني إيجاز قصر وإيجاز حذف .

الإيجاز في الحرف : والإيجاز في العربية على أنواع ، فمنها الإيجاز في الحرف، حيث تكتب الحركات في العربية عند اللبس فوق الحرف أو تحته بينما في اللغات الأجنبية تأخذ حجماً يساوي حجم الحرف أو يزيد عليه. وقد نحتاج في اللغة الأجنبية إلى حرفين مقابل حرف واحد في العربية لأداء صوت معين كالخاء (KH) مثلاً ولا نكتب من الحروف العربية إلا ما نحتاج إليه، أي ما نتلفظ به، وقد نحذف في الكتابة بعض ما نلفظ : لكن - هكذا - أولئك. بينما في الفرنسية نكتب علامة الجمع ولا نلفظها، وأحياناً لا تلفظ نصف حروف الكلمة. ونكتب في الإنكليزية حروفاً لا يمر اللسان عليها في النطق ، كما في كلمة (right) مثلاً التي نسقط عند النطق بها حرفين من حروفها (gh) نثبتهما في كتابتها , وفي العربية إشارة نسميها ( الشدة )، نضعها فوق الحرف لندل على أن الحرف مكرر أو مشدد، أي أنه في النطق حرفان، وبذلك نستغني عن كتابته مكرراً، على حين أن الحرف المكرر في النطق في اللغة الأجنبية مكرر أيضاً في الكتابة على نحو (frapper) و (recommondation) .

ونحن في العربية قد نستغني كذلك بالإدغام عن كتابة حروف بكاملها، وقد نلجأ إلى حذف حروف. فنقول ونكتب ( عَمَّ ) عوضاً عن ( عن ما ) و ( مِمَّ ) عوضاً عن ( من ما ) و (بِمَ) عوضاً عن ( بما ) ومثلها ( لِمَ ) عوضاً عن ( لِما ) .

الإيجاز في الكلمات : وبمقارنة كتابة بعض الكلمات بين العربية والفرنسية والإنكليزية نجد الفرق واضحاً :

العربية وحروفها الفرنسية وحروفها الإنكليزية وحروفها

أم 2 mère  4 mother 6

أب 2 père 4 father 6

أخ 2 frère 5 brother   7

وليست العربية كاللغات التي تهمل حالة التثنية لتنتقل من المفرد إلى الجمع، وهي ثانياً لا تحتاج للدلالة على هذه الحالة إلى أكثر من إضافة حرفين إلى المفرد ليصبح مثنى، على حين أنه لا بد في الفرنسية من ذكر العدد مع ذكر الكلمة وذكر علامة الجمع بعد الكلمة :

الباب البابان - البابين les deux portes   the two doors

الإيجاز في التراكيب : والإيجاز أيضاً في التراكيب ، فالجملة والتركيب في العربية قائمان أصلاً على الدمج أو الإيجاز . ففي الإضافة يكفي أن تضيف الضمير إلى الكلمة وكأنه جزء منها :

كتابه son livre كتابهم leur livre

وأما إضافة الشيء إلى غيره فيكفي في العربية أن نضيف حركة إعرابية أي صوتاً بسيطاً إلى آخر المضاف إليه فنقول كتاب التلميذ ومدرسة التلاميذ، على حين نستعمل في الفرنسية أدوات خاصة لذلك فنقول : le livre de l’élève ، l’école des élèves .

وأما في الإسناد فيكفي في العربية أن تذكر المسند والمسند إليه وتترك لعلاقة الإسناد العقلية المنطقية أن تصل بينهما بلا رابطة ملفوظة أو مكتوبة، فنقول مثلاً ( أنا سعيد ) على حين أن ذلك لا يتحقق في اللغة الفرنسية أو الإنكليزية ، ولا بد لك فيهما مما يساعد على الربط فتقول :

( je suis heureux ) ، ( I am happy ) .

وتستعمل هاتان اللغتـان لذلك طائفـة من الأفعـال المساعدة مثل (avoir , étre) في الفرنسـية و (to have , to be) في الإنكليزية .

كما أن الفعل نفسه يمتاز في العربية باستتار الفاعل فيه أحياناً، فنقول (أكتب) مقدرين الفاعل المستتر، بينما نحتاج إلى البدء به منفصلاً دوماً مقدماً على الفعل كما هو الأمر في الفرنسية (je-tu) وفي الإنكليزية (I , you ...). وكذلك عند بناء الفعل للمجهول يكفي في العربية أن تغير حركة بعض حروفه فتقول : كُتب على حين نقول بالفرنسية ( il a été écrit ) وفي الإنكليزية ( it was written ) .

وفي العربية إيجاز يجعل الجملة قائمة على حرف : فِ ( وفى يفي )، و (ع) من وعى يعي، و ( ق ) من وفى يفي، فكل من هذه الحروف إنما يشكل في الحقيقة جملة تامة لأنه فعل وقد استتر فيه فاعله وجوباً .

وفي العربية ألفاظ يصعب التعبير عن معانيها في لغة أخرى بمثل عددها من الألفاظ كأسماء الأفعال .

نقول في العربية : ( هيهات ) ونقول في الإنكليزية ( it is too far )

( شتان ) ( there is a great difference )

وحرف الاستقبال مثل : ( سأذهب ) ( I shall go )

والنفي أسلوب في العربية يدل على الإيجاز :

العربية : ( لم أقابله ) ، الإنكليزية : ( I did not meet him )

الفرنسية : ( Je ne l’ai pas rencontré )

العربية : ( لن أقابله ) ، الإنكليزية : ( I will never meet him )

الفرنسية : ( Je ne le rencontrerai jamais )

الإيجاز في اللغـة المكتوبـة :

فمثلاً سورة ( الفاتحة ) المؤلفة في القرآن من 31 كلمة استغرقت ترجمتها إلى الإنكليزية 70 كلمة .

ويقول الدكتور يعقوب بكر [69]: (( إذا ترجمنا إلى العربية كلاماً مكتوباًُ بإحدى اللغات الأوروبية كانت الترجمة العربية أقل من الأصل بنحو الخمس أو أكثر .))

 

لماذا أنزل الله تعالي القرآن الكريم باللغة العربية ؟

 

ا -  قال الله عَزَّ و جَلَّ : ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ )  [70]

قال الحافظ إبن كثير في تفسيره [71] ( لما ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلاغته وإحكامه في لفظه ومعناه ومع هذا لم يؤمن به المشركون نبه على أن كفرهم به كفر عناد وتعنت كما قال عز وجل " ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين " كذلك لو أنزل القرآن كله بلغة العجم لقالوا على وجه التعنت والعناد " لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي " أي لقالوا هلا أنزل مفصلا بلغة العرب ولأنكروا ذلك فقالوا أأعجمي وعربي أي كيف ينزل كلام أعجمي على مخاطب عربي لا يفهمه ؟ هكذا روي هذا المعنى عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي وغيرهم وقيل المراد بقولهم " لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي " أي هل ينزل بعضها بالأعجمي وبعضها بالعربي ؟ هذا قول الحسن البصري وكان يقرؤها كذلك بلا استفهام في قوله أعجمي وهو رواية عن سعيد بن جبير وهو في التعنت والعناد أبلغ ثم قال عز وجل " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء " أي قل يا محمد هذا القرآن لمن آمن به هدى لقلبه وشفاء لما في الصدور من الشكوك والريب" والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر " أي لا يفهمون ما فيه " وهو عليهم عمى " أي لا يهتدون إلى ما فيه من البيان كما قال سبحانه وتعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " " أولئك ينادون من مكان بعيد " قال مجاهد يعني بعيد من قلوبهم قال ابن جرير معناه كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد لا يفهمون ما يقول قلت وهذا كقوله تعالى" ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون " وقال الضحاك ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم . وقال السدي كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالسا عند رجل من المسلمين يقضي إذ قال يا لبيكاه فقال له عمر رضي الله عنه لم تلبي ؟ هل رأيت أحدا أو دعاك أحد ؟ فقال دعاني داع من وراء البحر فقال عمر رضي الله عنه أولئك ينادون من مكان بعيد رواه ابن أبي حاتم ) اه

ب - اللغة التي كان يتحدث بها النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾  [72]، فكان من الطبيعي أن يتم نزول القرآن باللغة العربية التي هي لغة النبي محمد ( صلى الله عليه و آله ) ، و لغة قومه الذين يعيش معهم

 

القرآن الكريم و اللغة العربية :-

 

قال د. محمد عبد الواحد ( كان العربي قبل الإسلام يري في لغته حياته ووطنه , فلما أن هداه الله وأعزه بالقرآن أصبح القرآن دينه ووطنه وحياته , وبهذه الوطنية الروحية التي لا تعرف حدودا سياسية , ولا تخوما جغرافيا دعا المسلمون بدعوة القرآن فاستجابت لها شعوب , وأصبح الجميع بنعمة الله إخوانا ) [73]

 

اللغة العربية قبل نزول القرآن الكريم :

 

1 كان هم العرب فنون الملاذ والتمتع بالنساء , والفخر بالأحساب  والأنساب , وكان من عادتهم البكاء علي أطلال المحبوبة قبل بدء القصيدة مثل

قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل                                   بسقط اللوي بين الدخول فحومل

2 كانت اللغة العربية محلية متقوقعة , يحكمها الهوي والعصبية القبلية , وكانت كل قبيلة تدعي أن لغتها أقرب للذوق السليم والفطرة اللغوية .

3 كان الذوق اللغوي ذوقا مريضا ينبع من نفوس عبدت الأصنام ورضيت بالحياة البدوية الجافة يظهر فيها مبدأ البقاء للأقوى , ومن أمثلة ذلك

من لم يزد عن حوضه بسلاحه                                  ينهدم ومن لا يظلم الناس يظلم

4 قبلت اللغة بعض الألفاظ الدخيلة وجعلتها عربية , وكانت عرضة للإندثار , مثل اللغة الجرمانية التي تفرعت منها الإنجليزية والهواندية , وكذلك اللغة اللاتينية التي تفرعت منها الأسبانية و الفرنسية والإيطالية , لولا القرآن الكريم الذي كان سببا في بقائها في نفوس المسلمين .

 

اللغة العربية بعد نزول القرآن الكريم : -

من أثر القرآن الكريم في اللغة العربية [74]

 

1-المحافظة على اللغة العربية من الضياع:‏

السر الكامن وراء خلود اللغة والحفاظ عليها من الاندثار هو القرآن الكريم بما كان له من أثر بالغ في حياة الأمة العربية، وتحويلها من أمة تائهة إلى أمة عزيزة قوية بتمسكها بهذا الكتاب الذي صقل نفوسهم، وهذب طباعهم، وطهر عقولهم من رجس الوثنية وعطن الجاهلية، وألف بين قلوبهم وجمعهم على كلمة واحدة توحدت فيها غاياتهم، وبذلوا من أجلها مهجهم وأرواحهم، ورفع من بينهم الظلم والاستعباد، ونزع من صدورهم الإحن والضغائن والأحقاد، فقد كان القرآن الكريم ولا يزال كالطود الشامخ يتحدى كل المؤثرات والمؤامرات التي حيكت وتحاك ضد لغة القرآن ، يدافع عنها، ويذود عن حياضها، يقرع أسماعهم صباح مساء، وليل نهار بقوله تعالى: ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين َ) [75] ،

 وقوله تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) [76]  

2-تقوية اللغة والرقي بها نحو الكمال:‏

منح القرآن الكريم اللغة العربية قوة ورقياً ما كانت لتصل إليه لولا القرآن الكريم، بما وهبها الله من المعاني الفياضة، والألفاظ المتطورة والتراكيب الجديدة، والأساليب العالية الرفيعة، فأصبحت بذلك محط جميع الأنظار، والاقتباس منها مناط العز والفخار، وغدت اللغة العربية تتألق وتتباهى على غيرها من اللغات بما حازت عليه من محاسن الجمال وأنواع الكمال،

 وفي هذا يقول العلاّمة الرافعي رحمه الله: "نزل القرآن الكريم بهذه اللغة على نمط يعجز قليله وكثيره معاً، فكان أشبه شيء بالنور في جملة نسقه إذ النور جملة واحدة، وإنما يتجزأ باعتبار لا يخرجه من طبيعته، وهو في كل جزء من أجزائه جملة لا يعارض بشيء إلا إذا خلقت سماء غير السماء، وبدلت الأرض غير الأرض، وإنما كان ذلك، لأنه صفى اللغة من أكدارها، وأجراها في ظاهره على بواطن أسرارها، فجاء بها في ماء الجمال أملأ من السحاب، وفي طراءة الخلق أجمل من الشباب، ثم هو بما تناول بها من المعاني الدقيقة التي أبرزها في جلال الإعجاز، وصورها بالحقيقة وأنطقها بالمجاز، وما ركبها به من المطاوعة في تقلب الأساليب، وتحويل التركيب إلى التراكيب، قد أظهرها مظهراً لا يقضى العجب منه لأنه جلاها على التاريخ كله لا على جيل العرب بخاصته، ولهذا بهتوا لها حتى لم يتبينوا أكانوا يسمعون بها صوت الحاضر أم صوت المستقبل أم صوت الخلود لأنها هي لغتهم التي يعرفونها ولكن في جزالة لم يمضغ لها شيح ولا قيصوم"  [77] والشيح والقيصوم نباتان من نبات البادية، يضرب بهما المثل، يقال: فلان يمضغ الشيح والقيصوم، إذا كان عربياً خالص البداوة. انظر لسان العرب: (شيح، قصم).‏

3-توحيد لهجات اللغة العربية وتخليصها من اللهجات القبلية الكثيرة:‏

من المعلوم أن لجهات اللغة العربية كانت مختلفة، تحتوي على الفصيح والأفصح، والرديء والمستكره، وكانت القبائل العربية معتدة بلهجتها حتى إن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف من أجل التخفيف على العرب في قراءته وتلاوته، ولا شكّ أن لغات العرب متفاوتة في الفصاحة والبلاغة، ولذلك نجد عثمان رضي الله عنه قد راعى هذا الجانب في جمعه للقرآن، وقال للجنة الرباعية: "إذا اختلفتم أنتم فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلغتهم" وما ذلك إلا لأن لغة قريش أسهل اللغات وأعذبها وأوضحها وأبينها، وكانت تحتوي على أكثر لغات العرب، ونظراً لكونهم مركز البلاد وإليهم يأوي العباد من أجل الحج أو التجارة، فقد كانوا على علم بمعظم لغات العرب بسبب الاحتكاك والتعامل مع الآخرين، ولكن لغتهم أسهل اللغات كما ذكرت.

 ينقل السيوطي [78]عن الواسطي قوله: ".... لأن كلام قريش سهل واضح، وكلام العرب وحشي غريب" ولذلك حاول العرب الاقتراب منها، وودوا لو أن ألسنتهم انطبعت عليها حين رأوا هذا القرآن يزيدها حسناً، ويفيض عليها عذوبة، فأقبلوا على القرآن الكريم يستمعون إليه، فقالوا على الرغم من أنفهم: "إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وأسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه"

4-تحويل اللغة العربية إلى لغة عالمية:‏

العرب قبل نزول القرآن الكريم، لم يكن لهم شأن ويذكر أو موقع بين الأمم آنذاك حتى تقبل الأمم على تعلم لغتهم، والتعاون معهم فليست لغتهم لغة علم ومعرفة، وكذلك ليس لديهم حضارة أو صناعة، كل ذلك جعل اللغة تقبع في جزيرتها فلا تبرح إلا لتعود إليها.‏

وقد ظلوا كذلك، حتى جاء القرآن الكريم، يحمل أسمى ما تعرف البشرية من مبادئ وتعاليم، فدعا العرب إلى دعوة الآخرين إلى دينهم، ومما لا شك فيه أن أول ما يجب على من يدخل في الإسلام هو تعلم اللغة العربية لإقامة دينه، وصحة عبادته، فأقبل الناس أفواجاً على تعلم اللغة العربية لغة القرآن الكريم، ولولا القرآن الكريم لم يكن للغة العربية هذا الانتشار وهذه الشهرة.‏

يقول أ. د. نور الدين عتر: "وقد اتسع انتشار اللغة العربية جداً حتى تغلغلت في الهند والصين وأفغانستان، وحسبنا شاهداً على ذلك ما نعلمه من مشاهير العلماء من تلك البلاد مثل البخاري ومسلم، والنسائي، وابن ماجه القزويني، وغيرهم وغيرهم" [79]

5-تحويل اللغة العربية إلى لغة تعليمية ذات قواعد منضبطة:‏

من الثابت المعروف أن العرب قبل نزول القرآن كانوا يجرون في كلامهم وأشعارهم وخطبهم على السليقة، فليس للغتهم تلك القواعد المعروفة الآن، وذلك لعدم الحاجة إليها، ولا أدل على ذلك من أن التاريخ يحدثنا عن كثير من العلماء الذين صرحوا أن لغتهم استقامت لمّا ذُهب بهم إلى الصحراء لتعلم اللغة العربية النقية التي لم تشبها شائبة، ومن هؤلاء الإمام الشافعي، وأن الوليد بن عبد الملك كان كثير اللحن، لأنه لم يغترف لغته من الينبوع العربي الصحراوي الصافي.‏

ولما اتسعت الفتوح، وانتشر الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، احتك العجم بالعرب فأفسدوا عليهم لغتهم، مما اضطر حذيفة بن اليمان الذي كان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، أن يرجع إلى المدينة المنورة ويقول لعثمان رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها اختلاف اليهود والنصارى...." فأمر عثمان( يجمع القرآن، وكان قصده أن يجمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي ( وإلغاء ما ليس بقرآن خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد, وهذا ما حصل، فقد ضعفت اللغة مع مرور الأيام وفشا اللحن في قراءة القرآن، الأمر الذي أفزع أبا الأسود الدؤلي وجعله يستجيب‏ لوضع قواعد النحو، التي هي أساس ضبط حركات الحروف والكلمات، ومن ثم العمل على ضبط المصاحف بالشكل حفاظاً على قراءة القرآن من اللحن والخطأ.‏

وليس هذا فحسب، بل يرجع الفضل للقرآن الكريم في أنه حفظ للعرب رسم كلماتهم، وكيفية إملائهم، على حين أن اللغات الأخرى قد اختلف إملاء كلامها، وعدد حروفها.‏

يقول د. عتر: "والسر في ذلك أن رسم القرآن جعل أصلاً للكتابة العربية، ثم تطورت قواعد إملاء العربية بما يتناسب مع مزيد الضبط وتقريب رسم الكلمة من نطقها، فكان للقرآن الكريم الفضل في حفظ رسم الكلمة عن الانفصام عن رسم القدماء" [80]

6-تهذيب ألفاظ اللغة العربية، ونشوء علم البلاغة:‏

العرب كانت أمّة أكثرها ضارب في الصحراء، لم يتحضر منها إلا القليل، فلا جرم كان في لغتهم الخشن الجاف، والحوشي الغريب، وقد أسلفنا عن الواسطي أن لغة قريش كانت سهلة لمكان حياة التحضر التي كانت تحياها في ذلك.‏

ولعل من يقرأ الأدب الجاهلي ويتدبره، يزداد إيماناً بما للحضارة من أثر ألفاظ اللغة، فإنه سيرى في أدب أهل الوبر كثيراً من مثل "جحيش" و"مستشزرات" "وجحلنجع"، وما إلى ذلك مما ينفر منه الطبع، وينبو عنه السمع، على حين أنه يكاد لا يصادفه من ذلك شيء في أدب القرشيين.‏

والقرآن الكريم فضلاً عن أنه نقل العرب من جفاء البداوة وخشونتها، إلى لين الحضارة ونعومتها، فنزلوا عن حوشيتهم، وتوخوا العذوبة في ألفاظهم، -قد تخير لألفاظه أجمل ما تخف به نطقاً في الألسن، وقرعاً للأسماع، حتى كأنها الماء سلاسة، والنسيم رقة، والعسل حلاوة، وهو بعد بالمكان الأسمى الذي أدهشهم وحير ألبابهم، وأفهمهم أن البلاغة شيء وراء التنقيب والتقعير، وتخير ما يكد الألسن ويرهقها من الألفاظ، فعكفوا عليه يتدبرونه، وجروا إليه يستمعونه ذلك أن القرآن الكريم قد انتهج في تعابيره أسلوباً له حلاوة، وعليه طلاوة، تنتفي فيه الكلمة انتقاء، حتى كانت مفردات القرآن الكريم من اللغة العربية بمثابة اللباب وغيرها كالقشور، مما جعل ابن خالويه يقول: "أجمع الناس أن اللغة إذا وردت في القرآن فهي أصح مما في غيره" [81]، ولا أدل على ذلك من المقارنة بين الشعر الجاهلي والإسلامي، أو الأدب الجاهلي والإسلامي، لتجد البون شاسعاً، والفارق كبيراً،  فأقبلوا إليه يزفون، ومن بحره ورياضه يستقون وينهلون، ومن ألفاظ ومعانيه

7- تنمية ملكة النقد الأدبي، وذلك أن العرب كانت لهم أسواقهم المشهورة، ومعلقاتهم المنظومة، ومبارياتهم المعروفة، فلما نزل القرآن الكريم، ولامس شغاف قلوبهم، ورقت له أحاسيسهم ومشاعرهم، فتغيرت أحكامهم وقوانينهم، فنقلهم من الفصيح إلى الأفصح، ومن الجيد إلى الأجود، ذلك هو القرآن بإعجازه، فإذا كان القرآن الكريم بهذه المنزلة وبهذه المكانة، وبهذا التأثير على العرب ولغتهم فنقلهم من البداوة إلى الحضارة، ومن الذل والهوان إلى الرفعة والسؤدد، ومن التقوقع والتشرذم إلى العالمية والانتشار، ومن الحوشي والغريب إلى السهولة واليسر، ومن العامية إلى الفصحى.‏

 

 

مقارنة بين القرآن الكريم وكلام المخلوقين :-

أولا القرآن والشعر

 

 ا - تعريف الشعر: -

 عرفه  قدامة ابن جعفر (337 ﻫ)  في كتابه (نقد الشعر)

 هو : ( قول موزون مقفّى يدل على معنى )  [82]

 

ب - تنزيه القرآن الكريم عن الشعر : -

 

 قال السيوطي رحمه الله [83] (  قيل الحكمة في تنزيه القرآن عن الشعر الموزون مع أن الموزون من الكلام رتبته فوق رتبة غيره أن القرآن منبع الحق ومجمع الصدق وقصارى أمر الشاعر التخييل بتصور الباطل في صورة الحق والإفراط في الإطراء والمبالغة في الذم والإيذاء دون إظهار الحق وإثبات الصدق ولهذا نزه الله نبيه عنه ولأجل شهرة الشعر بالكذب سمى أصحاب البرهان القياسات المؤدية في أكثر الأمر إلى البطلان والكذب شعرية‏.‏ [84]

وقال بعض الحكماء‏:‏ لم ير متدين صادق اللهجة مفلق في شعره‏.‏

ج -  ما وجد في القرآن مما صورته صورة الموزون , مثل (زعموا إن في القرآن شعراً

مثل قوله عز وجل ( وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيهِمْ، وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) [85]

زعموا أنه من الوافر كقول الشاعر:

لنا غنمٌ نُسَوِّقُهـا غِـزار  

 فالجواب عنه أن ذلك لا يسمى شعرًا لأن شرط الشعر القصد ولوكان شعرًا لكان كل من اتفق له في كلامه شيء موزون شاعرًا فكان الناس كلهم شعراء لأنه قل أن يخلو كلام أحد عن ذلك وقد ورد ذلك على الفصحاء فلواعتقدوه شعرًا لبادروا إلى معارضته والطعن عليه لأنهم كانوا أحرص شيء عن ذلك وإنما يقع ذلك لبلوغ الغاية القصوى في الانسجام‏.‏

د - وقيل البيت الواحد وما كان على وزنه لا يسمى شعرًا وأقل الشعر بيتان فصاعدًا‏.‏

ل - وقيل الرجز لا يسمى شعرًا أصلًا وقيل أقل ما يكون من الرجز شعرًا أربعة أبيات وليس ذلك في القرآن بحال

ط - الله تعالى نفى الشعر عن القرآن، وعن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ".

وقال في ذم الشعراء: "وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُون، أَلَم تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ"، إلى آخر ما وصفهم به في هذه الآيات.

وقال: "وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعرِ".

ن - الكفار زعموا أن الرسول صلي الله عليه وسلم  شاعر, لكنهم عجزوا عن إثبات ذلك فتراجعوا

ل - القرآن ليس من قبيل الشعر ولا توافرت فيه شروطه

ش - الشعر يتضمن غيره بخلاف القرآن

ق مثال لبعض أخطاء أشعر الشعراء

قال الباقلاني رحمه الله  [86]  ( عورات امرئ القيس في أروع شعره , فإذا شئت أن تعرف عظم شأنه، فتأمل ما نقوله في هذا الفصل لامرئ القيس، في أجود أشعاره، وما نبين لك من عواره على التفصيل وذلك قوله:

قفا نَبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل 

بسِقطِ اللوى بن الدَّخول فحومل 

  لما نسجَتها من جَنوب وشَمـأَل

ُوضِحَ فالمِقْراة لم يعفُ رسمُها الذين يتعصبون له، أو يدعون محاسن الشعر، يقولون: هذا من البديع؛ لأنه وقف واستوقف  وبكى واستبكى، وذكر العهد والمنزل والحبيب، وتوجع واسترجع، كله في بيت، ونحو ذلك..  وإنما بينا هذا، لئلا يقع لك ذهابنا عن مواضع المحاسن إن كانت، ولا غفلتنا عن مواضع الصناعة إن وجدت.

تأمل أرشدك الله، وانظر هداك الله: أنت تعلم أنه ليس في البيتين شيء قد سبق في ميدانه شاعراً، ولا تقدم به صانعاً.. وفي لفظه ومعناه خلل.

أول المآخذ في قوله قفا نبك من ذكرى حبيب

فأول ذلك: أنه استوقف من يبكي لذكرى الحبيب، وذكراه لا تقتضي بكاء الخلي، وإنما يصح طلب الإسعاد في مثل هذا، على أن يبكي لبكائه، ويرق لصديقه في شدة برحائه، فإما أن يبكي على حبيب صديقه، وعشيق رفيقه، فأمر محال.

فإن كان المطلوب وقوفه وبكاءه أيضاً عاشقاً، صح الكلام وفد المعنى من وجه آخر، لأنه من السخف أن لا يغار على حبيبه، وأن يدعو غيره إلى التغازل عليه، والتواجد معه فيه.

تعداد الأماكن الكثيرة ليس ضروريا

ثم في البيتين ما لا يفيد من ذكر هذه المواضع، وتسمية هذه الأماكن، من: "الدخول" "وحومل"، "وتوضح"،

"والمقراة"، "وسقط اللوى"، وقد كان يكفيه أن يذكر في التعريف بعض هذا، وهذا التطويل إذا لم يفد كان ضرباً من العي. عفاء الرسم أدل على الوفاء للعهد

ثم إن قوله: "لم يعف رسمها"، ذكر الأصمعي من محاسنه أنه باق، فنحن نحزن على مشاهدته، فلو عفا لاسترحنا، وهذا بأن يكون قد مساويه أولى: لأنه إن كان صادق الودّ فلا يزيد عفاء الرسوم إلا جدة عهد، وشدة وجد، وإنما قرع له الأصمعي إلى إفادته هذه الفائدة خشية أن يعاب عليه، فيقال: أي فائدة لأن يعرفنا أنه لم يعف رسم منازل حبيبه? وأي معنى لهذا الحشو? فذكر ما يمكن أن يذكر، ولكن لم يخلصه بانتصاره له من الخلل.

امرؤ القيس يكذب نفسه , ثم في هذه الكلمة خلل آخر، لأنه عقب البيت بأن قال: "فهل عند رسم دارس من معول?"، فذكر أبو عبيدة أنه رجع فأكذب نفسه، كما قال زهير:

قف بالديار التي لم يعفُها القدمُ      نعم وغيرها الأرواحُ والديمُ

في البيت تناقض , وقال غيره: "أراد بالبيت الأول أنه لم ينطمس أثره كله، وبالثاني أنه ذهب بعضه، حتى لا يتناقض الكلامان: وليس في هذا انتصار، لأن معنى "عفا ودرس"، فإذا قال لم يعف رسمها ثم قال: قد عفا فهو تناقض لا محالة، واعتذار أبي عبيدة أقرب لو صح، ولكن لم يرد هذا القول مورد الاستدراك كما قاله زهير، فهو إلى الخلل أقرب. تعسف لما قال لما نسجتها

وقوله: "لما نسجتها"، كان ينبغي أن يقول" لما نسجها ولكنه تعسف فجعل ما في تأويل التأنيث لأنها في معنى الريح، والأولى التذكير دون التأنيث، وضرورة الشعر قد دلته على هذا التعسف.

كان الأولى أن يقول لم يعف رسمه ) اه

 

القرآن الكريم يخلو من عيوب الشعر , وهي [87] : -

1) الحشو : وهو أن يأتي في الكلام ألفاظ زائدة ليس فيها فائدة .

2) الفساد : وهو المجاوزة أو الملاءمة بين الكلمات .

3) التناقض : وهو أن يناقض الشاعر كلامه أو يعارض بعضه بعضا .

4) التهجين : وهو أن يصحب اللفظ لفظ آخر يزري به ويخفي في حسنه .

5) المعاظلة : وهي استعمال اللفظة في غير موضعها في المعنى او سوء النظم ورداءة التركيب .

6) الجهامة : وهي الكلمات القبيحه أو الثقيلة في السمع والمستهركة .

7) الفك : وهو انفصال الصدر عن العجز من حيث المعنى .

8) التكلف : وهو الإفتعال والتصنيع أو تعقيد العبارة بما يقضي بها الى الغموض .

9) التطويل : وهو زيادة الكلام بلا فائدة .

10) الإطناب : وهو زيادة الكلام لفائدة

11) الإيغال : وهو ان ينتعي المعنى الذي يريده الشاعر قبل القافية فيأتي لفظ القافية من قبيل الحشو أي مفيدا بفائدة زائدة عن المطلوب لأن ماقبلها قد كفى عنها .

القرآن و النثر

تعريف النثر : - [88]

( هو خلاف الشعر، وهو شكل أدبي للكتابة قد يكون فيه سمات جمالية كالطباق والسجع وغيرها، وتعتبر معظم الأعمال الأدبية نثرا ) 

من الفروق العامة : -

1 القرآن الكريم لم يأت بما علم من قواعد النثر و اساليبه المعهودة و وإذا قرأت آياته تجدها مختلفة كل الإختلاف عن النثر لأن النثر صنعة البشر و أما القرآن الكريم فهو كلام الله سبحانه وتعالي .

2 لا نجد في القرآن الكريم الإلتزام المعهود بالسجع والطرق البلاغية المعهودة في النثر , بل نجد ألفاظه  سلسة بها حلاوة وطلاوة , قوي المص وغيرها )

4 للقرآن الكريم إسلوبه المميز المعجز في تصريف الكلام

5 طريقة نهايات السور في القرآن الكريم تأتي بإعجاز وجمال ما بعده جمال , ولا نجد هذا في النثر و بل نجد فيه التكلف و التصنع , وغير ذلك مما يعرفه كل دارس للغة العرب

القرآن الكريم والأمثال

ا - تعريف المثل :

لغة : عبارة عن قول في شيء يشبه قولاً في شيء آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر ويصوره نحو الصيف ضيعت اللبن [89].       

والمثل في الأدب العربي : قول محكي سائر يقصد به تشبيه حال الذي حكي فيه بحال الذي قيل لأجله ، أي يشبه مضربه بمورده ، مثل رب رمية من غير رام  [90].

تعريف المثل القرآني اصطلاحا : نظم من التنزيل يعرض نمطا واضحا معروفا من الكائنات أو الحوادث الكونية أو التاريخية عرضا لافتا للأنظار ، ليشبه أو يقارن به سلوك بشري ، أو فكرة مجردة ، أو أي معنى من المعاني ، بقصد التوضيح أو الإقناع أو البرهان أو التأثير ، أو لمجرد الإقتداء به ، أو التنفير منه والابتعاد عنه أو بقصد بيان الفارق بين أمرين متناقضين للأخذ بأحدهما والابتعاد عن الآخر أو للبرهان على صحة أحدهما ، وبطلان الآخر [91] .

ب - أهم أهداف الأمثال القرآنية : [92]

1- الأهداف الإعتقادية :

أ- البرهان على وجوب توحيد الله بالعبادة .

ب- البرهان على البعث والحشر والحساب

2- الأهداف السلوكية : وسيأتي تعدادها إن شاء الله في أهمية المثل في التربية . 

3- أهداف عامة :

 أ- صرف الناس عن الجدل بالباطل إلى تأييد الحق

ب- التذكير بسنن الله في الأمم الماضية لأخذ العبرة منها

من خصائص الأمثال القرآنية وإعجازها [93] :

1- الجمع بين الحكم والحكمة مثال { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) [94].

2- الجمع بين معان متفاوتة ، كلها صحيحة مقبولة مثال { وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [95]

3- إيجاز اللفظ ، وإعجاز المعنى مثال { وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ ) [96]

4- جوامع الكلم تتناسب مع تفاوت الأفهام البشرية وتنوع إدراكاتها مثال: { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [97]

5- دقة التصوير مع إبراز العناصر المهمة من الصورة التمثيلية .

6- التصوير المتحرك الحي الناطق ،ذو الأبعاد المكانية والزمانية والذي تبرز فيه المشاعر النفسية والوجدانية والحركات الفكرية للعناصر الحية في الصورة .

7- البناء على المثل والحكم عليه كأنه عين الممثل له ، على اعتبار أن المثل قد كان وسيلة  المركب الذي يطابق  كل جزء منه جزءا من الممثل له ، وأخرى بالتمثيل المركب الذي ينتزع منه وجه الشبه بنظرة كلية عامة وغير ذلك من فنون القول وأساليبه .

8- البناء على المثل والحكم عليه كأنه عين الممثل له ، على اعتبار أن المثل قد كان وسيلة لإحضار صورة الممثل له في ذهن المخاطب ونفسه ، وإن حضرت صورة الممثل له ولو تقديرا ، فالبيان البليغ يستدعي تجاوز الممثل ، ومتابعة الكلام عن الممثل له ، وتسقط صورة المثل لتبرز القضايا المقصودة .

9- كثيرا ما يحذف من المثل القرآني مقاطع من الصورة التمثيلية ، اعتمادا على ذكاء أهل الاستنباط ، إذ باستطاعتهم أن يتصوروا في أذهانهم كامل الصورة ويتموا ما حذف منها  [98] وقد ذكر سبحانه المثلين المائي والناري في سورة الرعد ولكن في حق المؤمنين فقال تعالى   أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله شبه الوحي الذي أنزله لحياة القلوب والأسماع والأبصار بالماء الذي أنزله لحياة الأرض بالنبات وشبه القلوب بالأودية فقلب كبير يسع علما عظيما كواد كبير يسع ماء كثيرا وقلب صغير إنما يسع بحسبه كالوادي الصغير فسالت أودية بقدرها واحتملت قلوب من الهدى والعلم بقدرها كما أن السيل إذا خالط الأرض ومر عليها احتملت غثاء وزبدا فكذلك الهدى والعلم إذا خالط القلوب أثار ما فيها من الشهوات والشبهات ليقلعها ويذهبها كما يثير الدواء وقت شربه من البدن أخلاطه فتكرب بها شاربه وهي من تمام نفع الدواء فانه أثارها ليذهب بها فإنه لا يجامعها ولا يساكنها وهكذا   يضرب الله الحق والباطل ثم ذكر المثل الناري فقال   ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله وهو الخبث الذي يخرج عند سبك الذهب والفضة والنحاس والحديد فتخرجه النار وتميزه وتفصله عن الجوهر الذي ينتفع به فيرمى ويطرح ويذهب جفاء فكذلك الشهوات والشبهات يرميها قلب المؤمن ويطرحها ويجفوها كما يطرح السيل والنار ذلك الزبد والغثاء والخبث ويستقر في قرار الوادي الماء الصافي الذي يسقي منه الناس ويزرعون ويسقون أنعامهم كذلك يستقر في قرار القلب وجذره الإيمان الخالص الصافي الذي ينفع صاحبه وينتفع به غيره ومن لم يفقه هذين المثلين ولم يتدبرهما ويعرف ما يراد منهما فليس من أهلهما والله الموفق

مثال (   قوله تعالى   إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض

مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها و ازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون شبه سبحانه الحياة الدنيا في أنها تتزين في عين الناظر فتروقه بزينتها وتعجبه فيميل إليها ويهواها اغترارا منه بها حتى إذا ظن أنه مالك لها قادر عليها سلبها بغتة أحوج ما كان إليها وحيل بينه وبينها فشبهها بالأرض الذي ينزل الغيث عليها فتعشب ويحسن نباتها ويروق منظرها للناظر فيغتر به ويظن أنه قادر عليها مالك لها فيأتيها أمر الله فتدرك نباتها الآفة بغتة فتصبح كأن لم تكن قبل فيخيب ظنه وتصبح يداه صفرا منهما فهكذا حال الدنيا والواثق بها سواء وهذا من أبلغ التشبيه والقياس فلما كانت الدنيا عرضة لهذه الآفات والجنة سليمة منها قال تعالى تعالى   والله يدعوا إلى دار السلام فسماها هنا دار السلام لسلامتها من هذه الآفات التي ذكرها في الدنيا فعم بالدعوة إليها وخص بالهداية من شاء فذلك عدله وهذا فضله  [99]

بين القرآن الكريم و التوراة والإنجيل

ا - هل التوراة والإنجيل معجزان

قال القاضي الباقلاني [100]‏:‏ فإن قيل هل تقولون أن غير القرآن من كلام الله معجزًا كالتوراة والإنجيل قلنا‏:‏ ليس شيء من ذلك بمعجز في النظم والتأليف وإن كان معجزًا كالقرآن فيما يتضمن من الأخبار بالغيوب وإن لم يكن معجزًا لأن الله تعالى لم يصفه بما وصف به القرآن ولأنا قد علمنا أنه لم يقع التحدي إليه كما وقع في القرآن ولان ذلك اللسان لا يتأتى فيه من وجوه الفصاحة ما يقع به التفاضل الذي ينتهي إلى حد الإعجاز‏.‏

ب - نماذج من التوراة :-

قارن بين ( ماورد من المزمور الأول ) [101]

 - 1 طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ.

وبين  (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ .  فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ  )[102].

 - 2 لكِنْ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلاً.

وبين (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) [103]

3-  فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ. وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ.

وبين (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [104]

 

مقارنة بين بعض  ماورد من إنجيل متي [105] وبين القرآن الكريم

من الإنجيل ( كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ  ) [106]

قارن من القرآن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) ) [107]

من الإنجيل ( إِبْراهِيمُ وَلَدَ إِسْحاقَ. وَإِسْحاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يَهُوذَا وَإِخْوَتَهُ )  [108], وَسَلْمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَابَ. وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوثَ. وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى. وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ الْمَلِكَ. وَدَاوُدُ الْمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ الَّتِي لأُورِيَّا )  [109] يقولون بزنا داوود عليه السلام

(وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) ) [110]

مقارنة بين أمور تتعلق ببعض الفروق بين القرآن  التوراة  الإنجيل [111]

القرآن :تكفل الله بحفظه قال تعالى

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )  [112]

التوراة  والإنجيل  : أوكل الله حفظهما  إلى اليهود والنصارى ,  قال تعالى ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ) [113] 

القرآن : قام الصحابة بكتابته في عهد النبي محمد  صلي الله عليه وسلم

التوراة : كانت مكتوبة في ألواح في عهد موسى عليه السلام

الإنجيل : لم تكن مكتوبة في عهد عيسى عليه السلام بل كتبت بعد موته بحوالي35عام

 القرآن : هيأ الله العرب في ذلك الزمن حافظة قوية فيتم الحفظ للبعض بسماع مرةً واحدة فقط.

التوراة :  لم يحفظ منها إلى القليل.

الإنجيل : حفظ التلاميذ تعاليم المسيح ولكنهم لم يكبتوها

القرآن : يحفظ القرآن اليوم ملايين المسلمين مع كبر حجم القرآن.

التوراة : لا يوجد حفظة لتوراة موسى

الإنجيل : لا يوجد من يحفظ الإنجيل رغم قلة حجمه.

القرآن  : جميع مخطوطات القرآن متطابقة.

التوراة  : المخطوطات ليست متطابقة.

الإنجيل :  لا يوجد مخطوطتان متطابقتان كلها مختلفة متناقضة.

القرآن : نسخ القرآن المطبوعة في العالم متطابقة لا تختلف في حرف واحد.

 التوراة : يوجد للعبرانيين نسخة وللسامريين نسخة والنسخة اليونانية للكاثوليك والأرثوذكس وهذه النسخ تختلف عن بعضها البعض والتوراة تحتوي على تناقضات كثيرة في النسخة الواحدة.

الإنجيل:   الأناجيل الأربعة تختلف فيما بينها بل وتتناقض نصوص الإنجيل الواحد بعضه بعضاً، بل في الصفحة الواحدة   تناقض

القرآن : تلقي الحفظة عن مشايخهم اليوم سنداً متصلاً إلى رب العزة عز وجل.

التوراة والإنجيل  : لا يوجد سند متصل .

القرآن : لغة القرآن هي اللغة العربية التي تحدث بها محمد  صلى الله عليه وسلم ،قال تعالى(  إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) [114]

التوراة : كان بين موسى وعزرا(1000)عام وهذا زمن تطور فيه اللغات فليست لغة التوراة هي نفسها لغة موسى عليه السلام وإن كانت عبرية.

الإنجيل : أقدم مخطوطة في الإنجيل باللغة اليونانية وعيسى عليه السلام تحدث بالآرامية.

القرآن حفظه الله (  إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [115]

التوراة : أحرقت التوراة زمن نبوخذنصر عام 588ق.م (سفر الملوك الثاني 24-25) وقتل جميع اللاويين حفظة التوراة.

 الإنجيل :أقر الإنجيل ككتاب مقدس في مجمع نيقية عام 325م بقرار من قسطنطين إمبراطور الرومان الوثني.

نماذج من محاولات معاصرة لمحاكاة القرآن الكريم

من سرقات زعيم البهائية [116] من كتابهم (  الأنجس , وهو عندهم الأقدس )

ا -  ومنها قوله:"إياكم أن تغرنكم الحياة الدنيا"

وهذا منقول من قوله تعالى:

{فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ }[117]

ب - و قوله "قد حرم عليكم القتل والزنا. ثم الغيبة والافتراء ( وذلك مأخوذ من آيات وردت في القرآن الكريم حرمت تلك الجرائم كقوله تعالى  {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً }[118]

ج - ومن سرقاته .. قوله " ألا بذكره تستنير الصدور وتقر الأبصار"

مأخوذ من قوله سبحانه « تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }[119]

د - ومن سرقاته أيضا : " إن الذين نكثوا عهد الله في أوامره ،ونكصوا على أعقابهم، أولئك من أهل الضلال لدى الغني المتعال" ، وهي مأخوذة من قوله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }[120]

من محاولة تقليد القرآن الكريم من أحد المواقع الصهيونية:-

سورة التجسد ومنها : (( سبحان الذي خلق السماوات فلم يجعل لها حداَ(1) وخلق الأرض وكورها وجعلها ماءً وجلداً (2) قل للذين خدعوا بدعوة الشيطان عميت بصائرهم فافتريتم على الله كذباً وكنتم للشيطان سنداً(3) إن الشيطان كان للإنسان عدواً ألدَّا (4) لو شاء ربكم لاتخذ من الحجارة أولاداً له إذا هو قال للكون كن فكان وسبحانه   أن   يستشير في أمره أحداً (5) سبحانه رب العالمين أن يتخذ من خلائقه ولداً (6)  قل للذين يمترون فيما أنزل من قبل ليس المسيح خليقة الله إذ كان مع الله قبل البدء وهو معه أبداً   (7) ))

يلاحظ أن اللغة غاية في الركاكة و الإبتذال , ويحاول كاتبها إقحام عقيدة التثليث و محاولة تقليد بعض الآيات القرآنية الكريمة

يقول الأستاذ محمد قطب   [121]

( منذ فترة من الزمن، ظهر على ((الإنترنت)) كلام مسجوع من تأليف عربى لا يدين بالإسلام، يعيش فى أمريكا، يحاول فيه أن يقلد النسق القرآنى،  من حيث تقسيم الكلام إلى عبارات مسجوعة تنتهى بحرف الميم أو النون مسبوقة بمد يائى أو واوى0 وظن المسكين أنه قد أتى بما لم تستطعه الأوائل، كما قال الشاعر:

وإنى وإن كنت الأخيرة زمانه        لآت بما لم تستطعه الأوائل   

    كما ظن أنه بعمله هذا قد أبطل التحدى الذى تحدى الله به الإنس والجن حين قال سبحانه:

( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) [122] 0 وكأنه يقول: هاأنذا قد أتيت يمثله! وإذاً فقد أبطلت التحدى، وأبطلت دعوى الإعجاز القرآنى الذى قامت عليه رسالة محمدصلي الله عليه وسلم 00 وإذاً فالإسلام ليس من عند الله، إنما هو صناعة بشرية قام بها محمد صلي الله عليه وسلم !

ولعل المسكين لم يعلم أن مسيلمة الكذاب قد قام بمثل هذا العمل من قبل، وأتى بسجعات مثل سجعاته قال إنها مثل القرآن0 ومر الزمن وبطلت سجعات مسيلمة، وبقى القرآن يتحدى الإنس والجن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها  )

القرآن الكريم وسجع الكهان

ا - تعريف سجع الكهان [123] :

 ضرب خاص من الخطابة عرف في الجاهلية وانقرض بظهور الاسلام . لال ففي سجعهم نلاحظ عدد القوافي المكررة اكثر والغموض اعم والتكلف ظاهر ، اما الكهان فهم طبقة من الرجال كانوا في العصر الجاهلي يشغلون الوظائف الدينية الوثنية في اماكن العبادات وبيوت الالهة ، وكان يطلق على احدهم الكاهن منهم اكثم بن صيفي ، والمامور الحارثي ، ومن النساء وزبراء كاهنة بني رئام التي انذرت قومها بالغارة عليهم فقالت: واللوح الخافق ، والليل الغاسق ، والصباح الشارق ، والنجم الطارق ، والمزن الوادق ) اه.

ب كان أهل الجاهلية يعرفون سجع الكهان جيدا , ولهذا لم يلجأ المشركون للكهان للتصدي للقرآن  .

ومن أمثلة هذا في البخاري (عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏ ‏قَالَ مَا سَمِعْتُ ‏ ‏ عُمَرَ ‏ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ ‏ ‏ بَيْنَمَا ‏ ‏ عُمَرُ ‏ ‏ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ ‏ ‏ رَجُلٌ جَمِيلٌ ‏ ‏فَقَالَ لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ عَلَيَّ الرَّجُلَ فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ قَالَ فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي قَالَ كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ فَقَالَتْ أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ ‏ ‏إِنْكَاسِهَا وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا قَالَ ‏ ‏ عُمَرُ ‏ ‏صَدَقَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ ‏ ‏ رَجُلٌ ‏ ‏بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ يَا ‏ ‏جَلِيحْ ‏ ‏أَمْرٌ ‏ ‏نَجِيحْ رَجُلٌ ‏ ‏فَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَوَثَبَ الْقَوْمُ قُلْتُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا ثُمَّ نَادَى يَا ‏ ‏جَلِيحْ ‏ ‏أَمْرٌ ‏ ‏نَجِيحْ رَجُلٌ ‏ ‏فَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقُمْتُ فَمَا ‏ ‏نَشِبْنَا ‏ ‏أَنْ قِيلَ هَذَا نَبِيٌّ ) [124]

ج - نظم القرآن يخرج عن كلام الإنس والجن

وهو أن نظم القرآن وقع موقعاً في البلاغة يخرج عن عادة كلام الإنس والجن، فهم يعجزون عن الإتيان بمثله كعجزنا، ويقصرون دونه كقصورنا، وقد قال الله عز وجل: " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَاْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً".

إن هذا الكلام خرج على ما كانت العرب تعتقده من مخاطبة الجن، وما يروون لهم من الشعر، ويحكون عنهم من الكلام.

د - فصاحة الجن لا تتعدى فصاحة الإنس [125]

وقد علمنا أن ذلك محفوظ عندهم عنهم، والقدر الذي نقلوه قد تأملناه، فهو في الفصاحة لا يتجاوز حد فصاحة الإنس، ولعله يقصر عنها. ولا يمتنع أن يسمع الناس كلامهم، ويقع بينهم وبينهم محاورات في عهد الأنبياء صلوات الله عليهم، وذلك الزمان مما لا يمتنع فيه وجود ما ينقض العادات، على أن القوم إلى الآن يعتقدون مخاطبة الغيلان، ولهم أشعار محفوظة، مروية في دواوينهم.

ص - كلام الجن ومخاطباتهم في مستوى فصاحة العرب

الله تعالى حكى عن الجن ما تفاوضوا فيه من القرآن، فقال: " وإِذْ صَرَفْنَا إلَيُكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرآنَ، فَلَمَّا حَضَرُوهُ ٌقَالُواْ أَنْصِتُواْ، فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّواْ إِلَى قَوْمِهِمِ مُنْذِرِينَ". إلى آخر ما حكى عنهم فيما يتلوه، فإذا ثبت أنه وصف كلامهم، ووافق ما يعتقدونه من نقل خطابهم، صح أن يوصف الشيء المألوف بأنه ينحط عن درجة القرآن في الفصاحة.

قيل عجز الإنس عن القرآن يثبت عجز غيرهم

القرآن الكريم والحديث القدسي و الحديث النبوي: -

ا - الحديث القدسي والنبوي لم يقع بهما  التحدي

ب - الفرق بين القرآن الكريم و الحديث القدسي [126]

القرآن : نزل به جبريل عليه السلام على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ،

أما الحديث القدسي فلا يُشترط فيه أن يكون الواسطة فيه جبريل ، فقد يكون جبريل هو الواسطة فيه ، أو يكون بالإلهام ، أو بغير ذلك , 

القرآن : قطعي الثبوت ، فهو متواتر كله .

أما الحديث القدسي منه الصحيح والضعيف والموضوع

القرآن : يشترط الوضوع لمس المصحف

أما الحديث القدسي : لا يشترط

القرآن  تكفل الله بحفظه

أما الحديث القدسي : قد يقع فيه التحريف

القرآن : نتعبّد بتلاوته ، فمن قرأه فكلّ حرف بحسنة ، والحسنة بعشر أمثالها .

أما الحديث القدسي : غير مُتعبد بتلاوته .

القرآن : مقسم إلى سور وآيات وأحزاب وأجزاء .

أما الحديث القدسي : لا يُـقسّم هذا التقسيم .

القرآن : مُعجز بلفظه ومعناه .

أما الحديث القدسي : فليس كذلك على الإطلاق .

القرآن : جاحده يُكفر ، بل من يجحد حرفاً واحداً منه يكفر .

أما الحديث القدسي : فإن من جحد حديثاً أو استنكره نظراً لحال بعض روايته فلا يكفر .

القرآن : لا تجوز روايته أو تلاوته بالمعنى .

أما الحديث القدسي : فتجوز روايته بالمعنى .

القرآن : كلام الله لفظاً ومعنى .

أما الحديث القدسي : فمعناه من عند الله ولفظه من عند النبي صلى الله عليه على آله وسلم .

القرآن : تحدى الله العرب بل العالمين أن يأتوا بمثله لفظاً ومعنى .

وأما الحديث القدسي : فليس محلّ تحـدٍّ .

القرآن : ينفرد بتسميته قرآنا وتسمية سوره و آياته .

ج - الحديث النبوي

ا -   لفظه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم باتفاق، ومعناه من عند الله تعالى

ب -   ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

وجوه الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم

أولا وجوه تتصل بعلم البلاغة

الوجه الأول من الإعجاز اللغوى

الدرجة العليا من البلاغة التي لم يعهدها العرب

الوجه الثاني من الإعجاز اللغوي

خلوه من العيوب اللغوية 

الوجه الثالث من الإعجاز اللغوي

إشتماله علي المعاني الدقيقة

الوجه الرابع من الإعجاز اللغوي

عدم الإختلاف والتناقض

الوجه الخامس من الإعجاز اللغوي

الجمع بين الجزالة والعذوبة , وهما متضادان

ثانيا : وجوه من الإعجاز من علم المعاني

الوجه السادس من الإعجاز اللغوي

عدوله عن التكرار(  المخل والممل  وبلا حاجة  )

الوجه السابع من الإعجاز اللغوي

قصد في اللفظ مع وفاء المعني

الوجه الثامن من  الإعجاز اللغوي

 جمعه بين الإجمال والبيان

الوجه التاسع من الإعجاز اللغوي

ما فيه من النظم والتأليف والترصيف وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب

ومباين لأساليب خطاباتهم 

الوجه العاشر من الإعجاز اللغوي

إيراد المعني الواحد بطرق مختلفة

الوجه الحادي عشر من الإعجاز اللغوي

براعته في تصريف القول   

الوجه الثاني عشر من الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم

النسخ ( لأن المنسوخ والناسخ يصدران من منبع واحد معجز )

ثالثا وجوه أخري من الإعجاز اللغوى

الوجه الثالث عشر من الإعجاز اللغوي

أنه شيء لا يمكن التعبير عنه

الوجه الرابع عشر  من الإعجاز اللغوي

تأثيره في سامعيه ( الإعجاز النفسي )

الوجه الخامس عشر من الإعجاز  اللغوي

لا تنبض ينابيع إعجازه اللغوي

الوجه السادس عشر من الإعجاز اللغوي

جمعه لعلوم  لغوية بصورة معجزة إختص بها

الوجه السابع عشر من الإعجاز اللغوي

ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة

الوجه الثامن عشر من الإعجاز اللغوي

حفظه من التحريف

الوجه التاسع عشر من الإعجاز اللغوي

اللفظ و المعني كأنهما روحان يمتزجان لا يطغي احدهما علي الآخر

الوجه العشرون من الإعجاز اللغوي

نزوله علي سبعة أحرف

الوجه الحادي والعشرون  من الإعجاز اللغوي

إرضاؤه للعقل والعاطفة

الوجه الثاني من الإعجاز اللغوي

إرضاؤه للعامة والخاصة

الوجه الثالث والعشرون من الإعجاز اللغوي

عجز الرسول صلي الله عليه وسلم عن الإتيان ببدل له

الوجه الرابع والعشرون

الإعجاز الصوتي

وجوه باطلة مسألة الإعجاز اللغوي

أولا : -إعجاز رسم القرآن

ثانيا : - ما أقحمه البعض من خزعبلات حول إعجاز ترتيب فواتح السور و الإعجاز العددي فأدخلوا في القرآن ماليس فيه

ثالثا : - الصرفة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كيث مور عالم الأجنة الشهير [127]

 

 

 

وهذه قصة إسلامه: [128]

 

قال دكتور زغلول النجار  ( دعيت مرة لحضور مؤتمر عقد للإعجاز في موسكو فكرهت في بادئ الأمر أن أحضره لأنه يعقد في بلد كانت هي عاصمة الكفر والإلحاد لأكثر من سبعين سنة وقلت في نفسي: ماذا يعلم هؤلاء الناس عن الله حتى ندعوهم إلي ما نادي به القرآن الكريم؟!.فقيل لي: لابد من الذهاب فإن الدعوة قد وجهت إلينا من قبل الأكاديمية الطبية الروسية.

فذهبنا إلى موسكو وفي أثناء استعراض بعض الآيات الكونية وبالتحديد عند قول الله تعالي{ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } [129]

وقف أحد العلماء المسلمين وقال: إذا كانت ألف سنة تساوي قدران من الزمان غير متكافئين دل ذلك علي اختلاف السرعة.

ثم بدأ يحسب هذه السرعة فقال: ألف سنة..لابد وأن تكون ألف سنة قمرية لأن العرب لم يكونوا يعرفون السنة الشمسية والسنة القمرية اثنا عشر شهراً قمرياً ومدة الشهر القمري هي مدار القمر حول الأرض, وهذا المدار محسوب بدقة بالغة, وهو 2.4 بليون كم.فقال: 2.4 بليون مضروب في 12 -وهو عدد شهور السنة-ثم في ألف سنة, ثم يقسم هذا الناتج علي أربع وعشرين-وهو عدد ساعات اليوم-ثم على ستين-الدقائق-ثم علي ستين-الثواني-.فتوصل هذا الرجل إلي سرعة أعلي من سرعة الضوء.فوقف أستاذ في الفيزياء- وهو عضو في الأكاديمية الروسية-وهو يقول :لقد كنت كنت أظنني-قبل هذا المؤتمر-من المبرزين في علم الفيزياء,وفي علم الضوء بالذات,فإذا بعلم أكبر من علمي بكثير.

ولا أستطيع أن أعتذر عن تقصيري في معرفة هذا العلم إلا أن أعلن أمامكم جميعاً أني( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).

ثم تبعه في ذلك أربعة من المترجمين, الذين ما تحدثنا معهم على الإطلاق وإنما كانوا قابعين في غرفهم الزجاجية يترجمون الحديث من العربية إلي الروسية والعكس, فجاءونا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

ليس هذا فحسب وإنما علمنا بعد ذلك أن التلفاز الروسي قد سجل هذه الحلقات وأذاعها كاملة فبلغنا أن أكثر من 37 عالماً من أشهر العلماء الروس قد أسلموا بمجرد مشاهدتهم لهذه الحلقات.

ليس هذا فحسب..وإنما كان معنا أيضاًً كيث مور*وهو من أشهر العلماء في علم الأجنة ويعرفه تقريباً كل أطباء العالم,فهو له كتاب يدرس في معظم كليات الطب في العالم وقد ترجم هذا الكتاب لأكثر من 25 لغة فهو صاحب الكتاب الشهير (The Developing Human).فوقف هذا الرجل في وسط ذلك الجمع قائلاً:

"إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول ما لم يبلغه العلم الحديث, وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلام الله, وأن محمداً رسول الله"

.فقيل له: هل أنت مسلم؟!؟.قال: لا ولكني أشهد أن القرآن كلام الله وأن محمداً مرسل من عند الله.فقيل له:إذاً فأنت مسلم,قال: أنا تحت ضغوط اجتماعية تحول دون إعلان إسلامي الآن ولكن لا تتعجبوا إذا سمعتم يوماً أن كيث مور قد دخل الإسلام. ولقد وصلنا في العام الماضي أنه قد أعلن إسلامه فعلاً فلله الحمد والمنة.

وفي مؤتمر الإعجاز العلمي الأول للقرآن الكريم والسنة المطهرة والذي عقد في القاهرة عام 1986 وقف الأستاذ الدكتور، كيث مور (Keith Moore) في محاضرته قائلاً : (إنني أشهد بإعجاز الله في خلق كل طور من أطوار القرآن الكريم، ولست أعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم أو أي شخص آخر يستطيع معرفة ما يحدث في تطور الجنين لأن هذه التطورات لم تكتشف إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين، وأريد أن أؤكد على أن كل شيء قرأته في القرآن الكريم عن نشأة الجنين وتطوره في داخل الرحم ينطبق على كل ما أعرفه كعالم من علماء الأجنة البارزين).

 علماً أن مراحل خلق الإنسان (بني آدم ) التي ذكرها القرآن هي سبع مراحل. قال تعالى: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ،ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )) [130]

وقد أثبت علم الأجنة هذه المراحل وصحتها وتطابقها مع المراحل المذكورة في القرآن. وهذه المراحل هي:1- أصل الإنسان (سلالة من طين) 2- النطفة  3- العلقة  4- المضغة    5-العظام 6- الإكساء باللحم 7- النشأة.

وقد اعتبر المؤتمر الخامس للإعجاز العلمي في القرآن والسنة والذي عقد في موسكو (أيلول 1995) هذا التقسيم القرآني لمراحل خلق الجنين وتطوره صحيحاً ودقيقاً وأوصى في مقرراته على اعتماده كتصنيف علمي للتدريــس علماً أن الأستاذ الدكتور  كيث مور Keith Mooreوهو من أشهر علماء التشريح وعلم الأجنة في العالم ورئيس هذا القسم في جامعة تورنتو بكندا (والذي كان أحد الباحثين المشاركين في المؤتمر المذكور ) ، ألف كتاباً يعد من أهم المراجع الطبية في هذا الاختصاص ( مراحل خلق الإنسان _ علم الأجنة السريري ) وضمنه ذكر هذه المراحل المذكورة في القرآن، وربط في كل فصل من فصول الكتاب التي تتكلم عن تطور خلق الجنين وبين الحقائق العلمية والآيات والأحاديث المتعلقة بها وشرحها وعلق عليها بالتعاون مع الشيخ الزنداني وزملائه.

 

 

 

 

 

 

وجوه الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم

أولا وجوه تتصل بعلم البلاغة

الوجه الأول من الإعجاز اللغوى

الدرجة العليا من البلاغة التي لم يعهدها العرب

 

ا - تكلم في هذا الجانب كثير من  السلف كما ذكر السيوطي - رحمه الله - في الإتقان مثل الجرجاني في دلائل الإعجاز  والباقلاني  في إعجاز القرآن .

 وأيضا الرمانى (ت سنة 386 في : ( النكت في إعجاز القرآن) قسم  البلاغة في عشرة أقسام: الإيجاز، والتشبية، والاستعارة، والتلاؤم، والفواصل، والتجانس، والتصريف، والتضمين، والمبالغة، وحسن البيان، ثم يفسرها باباً باباً، مستشهداً لها بالقرآن)

 ومن المحدثين ( مصطفي صادق الرافعي و محمد عبد الله دراز في (النبأ العظيم) ,  سيد قطب في ظلال القرآن و التصوير الفني في القرآن  و الشعراوي في الخواطر ومعجزة القرآن ) [131]

و شهد علي ذلك كبار الكفار مثل الوليد بن المغيرة , وغيره , فقد كانوا يعلمون الشعر و يتذوقونه , وكما سبق علقوا علي الكعبة المشرفة ما يسمي بالمعلقات السبع , فكان عجزهم إعترافا بالدرجة العليا المعجزة لبلغة القرآن علي ما سيأتي بيانه إن شاء الله .

الوجه الثاني من الإعجاز اللغوي

خلوه من العيوب اللغوية  [132]

تعريف علم النحو:

علم النحو، ويسمى علم الإعراب ، وهو علم يعرف به كيفية التركيب العربي صحة وسقما، وما يتعلق بالألفاظ من حيث وقوعها في التراكيب  . [133]

والغرض منه الاحتراز عن الخطأ في التأليف والاقتدار على فهمه والإفهام به.

نشأة علم النحو:

أشهر القصص في تاريخ النحو ما أورده الأصفهاني في الأغاني، إذ دخل أبو الأسود الدؤلي في وقدة الحر بالبصرة على ابنته، فقالت له: ياأبت ما أشدُّ الحر؟ فرفعت كلمة (أشد) فظنها تسأله وتستفهم منه أي زمان الحر أشد؟ فقال لها: شهرا ناجر، فقالت: ياأبت إنما أخبرتك ولم أسألك، والحقيقة أنه كان عليها أن تقول إذا أرادت إظهار التعجب من شدة الحر والإخبار عنه ماأشدَّ الحر.

بعض الجهلة  , يتكلمون عن أخطاء نحوية مزعومة , وهم لا يعرفون النحو

إن علم النحو مبنى على الاستقراء , فسيبويه ـ مثلاً ـ أخذ يحلل كل النصوص الواردة عن العرب ، من شعر وخطابة ونثر وغير ذلك ، فوجد أنهم ـ العرب ـ دائماً يرفعون الفاعل فى كلامهم ، فاستنبط من ذلك قاعدة " الفاعل مرفوع " .. وهكذا نتجت لدينا " قاعدة نحوية " تسطر فى كتب النحو ، ليتعلمها الأعاجم فيستقيم لسانهم بالعربية إذا جرت عليه .

وهو أن العرب لم تكن كلها لهجة واحدة ، ولم تكن كلها تسير على نفس القواعد النحوية ذاتها ، ولم تكن تلتزم كل قبيلة منها بنفس المعاملات النحوية .

وليس معنى ذلك أنه كان لكل قبيلة " نحوها " الخاص بها .. كلا .. وإنما اشتركت كل قبائل العرب فى " معظم " القواعد النحوية المشهورة الآن .. لكنها ـ أبداً ـ لم تجتمع على " كل " تلك القواعد بعينها و وكما تعلمون علي سبيل المثال الخلافات بين المدرسة البصرية والمدرسة الكوفية.

القرآن الكريم هو المهيمن علي اللغة العربية و علومها

" أهم " مصادر العلماء التى اعتمدوا عليها فى الاستقراء هو القرآن العظيم نفسه !

إن علماء النحو يستدلون على صحة قاعدة نحوية ما بورودها فى القرآن ، ليس فى قراءة حفص عن عاصم فقط ، بل يكفى ورودها فى أى قراءة متواترة أخرى .

أى أن القرآن ـ عند النحاة ـ هو الحاكم على صحة القاعدة النحوية ، وهى التى تسعى لتجد شاهداً على صحتها فى أى من قراءاته المتواترة .

القرآن هو الحاكم على النحو وليس العكس .

وضع النحويين القرآن مادة أستنباط القواعد النحوية وتطبيقها , وألف اللغويين ( غريب القرآن )

شبهات حول أخطاء قرآنية مزعومة

من الشبهات والرد عليها [134]

رفع المعطوف على المنصوب

جاء في سورة المائدة ( إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ) [135] . وكان يجب أن ينصب المعطوف على اسم إن فيقول والصابئين كما فعل هذا في سورة البقرة  62 والحج 17.

الجواب: لو كان في الجملة اسم موصول واحد لحق لك أن تنكر فإنه لا يكون إلا وجه واحد: (إن الذين آمنوا والصابئين) لكن لا يلزم لاسم الموصول الثاني أن يكون تابعا لإن. فالواو هنا استئنافية وليست عطفا على الجملة الأولى. والصابئون رفع على الابتداء، وخبره محذوف، والنية به التأخير عما في (إن) من إسمها وخبرها، كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى: حكمهم كذا. والصابئون كذلك. هذا ما رجحه ابن سيبويه في مخالفة الإعراب، وأنشد شاهدا له:

وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا على شقاق

أي فاعلموا أنّا بغاة وأنتم كذلك. ويكون العطف من باب عطف الجمل، فالصابئون وخبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله: إن الذين آمنوا، ولا محل لها، كما لا محل للجملة التي عطفت عليها، وإنما قدم (الصابئون) تنبيها على أن هؤلاء أشد إيغالا في الضلالة واسترسالا في الغواية لأنهم جردوا من كل عقيدة»

الوجه الثالث من الإعجاز اللغوي

إشتماله علي المعاني الدقيقة

من دقة اللفظ في القرآن الكريم  [136]

يتأنق إسلوب القرآن في اختيار ألفاظه ولما بين الألفاظ من فروق دقيقة في دلالتها يستخدم كلا حيث يؤدي معناه في دقة فائقة تكاد بها تؤمن بان هذا المكان كانما خلقت له، تللك الكلمة بعينها وان كلمة اخرى لاتستطيع توفيه المعنى الذى وفت به اختها فكل لفظة وضعت لتؤدى نصيبها من المعنى اقوى اداء ولذلك لاتجد في القران ترادفا بل فيه كل كلمة تحمل اليك معنى جديدا ولما بين الكلمات من فروق ولما يبعثه بعضها في نفس من ايحاءات خاصة دعا القران الايستخدم لفظ مكان اخر فقال { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم  } [137]فهو لايرى التهاون في استعمال اللفظ ولكنه يرى التدقيق فيه ليدل على الحقيقة من غير لبس ولا تمويه ولما كانت كلمة ( راعنا ) لها معنى في العبرية مذموم نهى المؤمنين عن مخاطبة الرسول بها فقال(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [138] فالقرآن شديد الدقة فيما يختار من لفظ يؤدي به المعنى .

- وتنكير كلمة حياة في قوله تهالى ( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ) [139]  يعبر تعبيرا دقيقا عن حرص هؤلاء الناس علي مطلق حياة يعيشونها مهما كانت حقيرة القدر ضئيلة القيمة وعندما اضيفت هذه الكلمة الى ياء المتكلم في قوله تعالى ( وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وانى له الذكرى يقول ياليتني قدمت لحياتي ) عبرت ادق تعبير عن شعور الانسان يومئذ وقد ادرك في جلاء ووضوح أن تلك الحياة الدنيا لم تكن الاوهما ىباطلا وسرابا خادعا اما الحياة الحقة الباقية فهي تلك التي بعد البعث لانها دائمة لاانقطاع لها فلا جرم أن سماها حياته وندم على انه لم يقدم عملا صالحا ينفعه في تلك الحياة...

- ومن دقة التمييز بين معاني الكلمات مانجده من الفرق في الاستعمال بين يعلمون ويشعرون ففي الامور التي ترجع الى العقل وحده امر الفصل فيها تجد كلمة يعلمون صاحبة الحق في التعبير عنها ؛ اما الامور التي يكون للحواس مدخل في شانها فكلمة ( يشعرون ) اولى بها؛

- وتأمل لذلك قوله تعالى{ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } [140] فالسفاهه امر مرجعه الى العقل وقوله تعالى {فاما الذي امنو فيعلمون انه الحق من ربهم } وقولة تعالى { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } [141]وقوله تعالى{ أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }[142] وقوله تعالى(  أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) [143]    وقوله تعالى (  بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ )  [144]

 وقوله تعالى { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) [145] إلى غير ذلك مما يطول بي امر تعداده اذا مضيت قي ايراد كل مااستخدمت فيه كلمة يعلمون وتأمل قوله تعالى (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ  }[146] فمن الممكن أن يرى الأحياء وان يحس بهم وقوله تعالى{ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }[147] فالعذاب مما يشعر به ويحس وقوله تعالى(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ . أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ) [148]

 وقوله تعالى (  قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [149] وقوله تعالى {وقلت لاخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لايشعرون }وغير ذلك كثير...

- واستخدم القرآن كلمة التراب ولكنه حين اراد هذا التراب الدقيق الذي لايقوى على عصف الريح استخدم الكلمة الدقيقة وهي الرماد فقال (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ  ) [150] كما انه اثر عليها كلمة الثرى عندما قال { تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى . الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى . لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى } [151] لانه يريد على مايبدو من سياق الايات الكريمة الارض المكونة من التراب وهي من معاني الثرى فضلا عما في اختيار الكلمة من المحافظة على الأوزان اللفضية في فواصل الايات...

الوجه الرابع من الإعجاز اللغوي

عدم الاختلاف والتناقض

قال الله تعالي ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } [152]

ا - قال الحافظ إبن كثير [153] (يقول تعالى آمرا لهم بتدبر القرآن وناهيا لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة ومخيرا لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب ولا تعارض لأنه تنزيل من حكيم حميد فهو حق من حق ولهذا قال تعالى " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " ثم قال " ولو كان من عند غير الله " أي لو كان مفتعلا مختلفا كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم لوجدوا فيه اختلافا أي اضطرابا وتضادا كثيرا أي وهذا سالم من الاختلاف فهو من عند الله )  

 ب - في فتح القدير للإمام الشوكاني ما نصه (تفاوتاً وتناقضاً، ولا يدخل في هذا اختلاف مقادير الآيات، والسور؛ لأن المراد اختلاف التناقض والتفاوت، وعدم المطابقة للواقع، وهذا شأن كلام البشر لا سيما إذا طال، وتعرّض قائله للإخبار بالغيب، فإنه لا يوجد منه صحيحاً مطابقاً للواقع إلا القليل النادر) [154].

ج - قال  الفخر الرازي [155] : (أي لكان بعضه وارداً على نقيض الآخر، ولتفاوت نسق الكلام في الفصاحة والركاكة).

د- قال البيضاوي  [156]  ما نصه:

({ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله } أي ولو كان من كلام البشر كما تزعم الكفار. { لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً } من تناقض المعنى وتفاوت النظم، وكان بعضه فصيحاً وبعضه ركيكاً، وبعضه يصعب معارضته وبعضه يسهل، ومطابقة بعض أخباره المستقبلة للواقع دون بعض، وموافقة العقل لبعض أحكامه دون بعض، على ما دل عليه الاستقراء لنقصان القوة البشرية. ولعل ذكره ها هنا للتنبيه على أن اختلاف ما سبق من الأحكام ليس لتناقض في الحكم بل لاختلاف الأحوال في الحكم والمصالح).

ه قال النسفي  [157]:

(أي تناقضاً من حيث التوحيد والتشريك والتحليل والتحريم، أو تفاوتاً من حيث البلاغة فكان بعضه بالغاً حد الإعجاز وبعضه قاصراً عنه يمكن معارضته، أو من حيث المعاني فكان بعضه إخباراً بغيب قد وافق المخبر عنه، وبعضه إخباراً مخالفاً للمخبر عنه، وبعضه دالاً على معنى صحيح عند علماء المعاني، وبعضه دالاً على معنى فاسد غير ملتئم ).

الوجه الخامس من الإعجاز اللغوي

الجمع بين الجزالة والعذوبة , وهما متضادان

ا - قال حازم في منهاج البلغاء [158]‏:‏ وجه الإعجاز في القرآن من حيث استمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها في جميعه استمرارًا لا يوجد له فترة ولا يقدر عليه أحد من البشر وكلام العرب ومن تكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلا في الشيء اليسير المعدود ثم تعرض الفترات الإنسانية فينقطع طيب الكلام ورونقه فلا تستمر لذلك الفصاحة في جميعه بل توجد في تفاريق وأجزاء منه‏.

ب - قال الخطابي [159]‏:‏ ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها وصغوا فيه إلى حكم الذوق‏.‏

والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة ومراتبها في درجات البيان متفاوتة فمنها البليغ الرصين الجزل ومنها الفصيح القريب السهل ومنها الجائز المطلق الرسل‏.‏

وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود‏.‏

فالأول أعلاها والثاني أوسطها والثالث أدناها وأقربها‏.‏

فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة وأخذت من كل نوع شعبة فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة وهما على الانفراد في نعومتهما كالمتضادين لأن العذوبة نتاج السهولة والجزالة والمتانة يعالجان نوعًا من الذعورة فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبوكل واحد منهما على الآخر فضيلة خص بها القرآن ليكون آية بينة لنبيه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وإنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور‏.‏

منها‏:‏ أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف المعاني ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه المنظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض فيتواصلوا باختيار الأفضل من الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة‏:‏ لفظ حاصل ومعنى قائم ورباط لهما ناظم وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئًا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولاأعذب من ألفاظه ولا ترى نظمًا أحسن تأليفًا وأشد تلاوة وتشاكلًا من نظمه‏.‏

ل  - وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقدم في أبوابه والترقي إلى أعلى درجاته وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام فإما أن توجد مجموعة في نوع واحد فلم توجد إلا في كلام العليم القدير فخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزًا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمنًا أصح المعاني من توحيد الله تعالى وتنزيهه في صفاته ودعائه إلى طاعته وبيان لطريق عبادته من تحليل وتحريم وحظر وإباحة ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها واضعًا كل شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه مودعًا أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن مضى وعائد منهم منبئًا عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الآتية من الزمان جامعًا في ذلك بين الحجة والمحتج له والدليل والمدلول عليه ليكون ذلك آكد للزوم ما دعا عليه وأداء عن وجوب ما أمر به ونهى عنه ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتنسق أمر يعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قدرتهم فانقطع الخلق دونه وعجزوا عن معارضته بمثله أومناقضته في شكله ثم صار المعاندون له يقولون مرة أنه شعر لما رأوه منظومًا ومرة أنه سحر لما رأوه ومعجوز عنه غير مقدور عليه وقد كانوا يجدون له وقعًا في القلوب وقرعًا في النفوس يرهبهم ويحيرهم فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعًا من الاعتراف ولذلك قالوا‏:‏ إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وكانوا مرة بجهلهم يقولون أساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلًا مع علمهم أن صاحبهم أمي وليس بحضرته من يملي أويكتب في نحوذلك من الأمور التي أوجبها العناد والجهل والعجز‏.

ومنها‏:‏ جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة وهما كالمتضادين لا يجتمعان غالبًا في كلام البشر

ا - مفهوم  البلاغة [160]

البَلاغةُ: الفَصاحةُ. ورجل بَلِيغٌ وبِلْغٌ: حسَنُ الكلام فَصِيحُه يبلغ بعبارة لسانه كُنْهَ ما في قلبه، والجمعُ بُلَغاءُ، وقد بَلُغَ، بالضم، بَلاغةً أَي صار بَلِيغاً.

وقولٌ بَلِيغٌ: بالِغٌ وقد بَلُغَ. والبَلاغاتْ: كالوِشاياتِ.

والبِلَغْنُ: البَلاغةُ؛ عن السيرافي، ومثَّل به سيبويه.

وقد سئل ارسطو: ما البلاغة؟ قال حسن الاستعارة. وقال أكثم بن صيفي: في خطبة له (البلاغة الإيجاز).

وعرف أبو هلال العسكري البلاغة فقال: إنها مأخوذة من قولهم بلغت الغاية إذا انتهيت إليها فهي كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع فتمكنه في نفسه على صورة مقبولة حسنة.

وذهب السكاكي إلى أن البلاغة هي بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حداً له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها.

والبلاغة هي: تأدية المعنى الجليل بعبارة صحيحة فصيحة. يكون لها في النفس أثر كبير مع ملاءمة كل كلام للموطن الذي يقال فيه والأشخاص الذين يخاطبون.

ب - أقسام البلاغة

1 - علم المعاني.

2- علم البديع

3 - علم البيان

ا - علم المعاني

ثانيا : وجوه من الإعجاز من علم المعاني

تعريف : -علم المعاني : [161]

هو علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي يطابق بها مقتضى الحال مع وفائه بغرض بلاغي يفهم ضمناً من السياق وما يحيط به من قرائن.

وعلم المعاني يتألف من المباحث التالية :  [162]

1- أحوال الإسناد الخبري.

2- أحوال المسند إليه.

3- أحوال المسند.

4- أحوال متعلقات الفعل.

5- القصر.

6- الإنشاء.

7- الفصل والوصل.

8-الإيجاز والإطناب والمساواة.

الخبر والإنشاء , الكلام إما خبر أو إنشاء.

فالخبر:  ما نقصد به المطابقة بين النسبة الكلامية والنسبة الخارجية, أو يقصد عدم المطابقة بينهما. فإن تطابقت النسبة الخارجية والنسبة الداخلية فهو الصدق. وإن لم تتطابقا فهو الكذب.

كقول: سافر الرجل إلى مكة. فالسفر هو النسبة الكلامية وحصول السفر من عدمه هو النسبة الخارجية.

والإنشاء : ما ليس فيه قصد لتلك المطابقة ولا لعدمها أو ما يعبر عنه بأنه مالا يحتمل الصدق والكذب.

* المساواة والإيجاز والإطناب : - [163]

المساواة: تأدية المعنى المراد بعبارة مساوية له بأن تكون على الحد المتعارف بين أوساط الناس وهي الحد الوسط بين الإيجاز والإطناب. أي أن تكون الألفاظ على قدر المعاني والمعاني على قدر الألفاظ لا يزيد بعضها على بعض.

الإيجاز: تأدية المعنى المراد بلفظ اقل من المتعارف مع وفائه بالغرض وهو نوعان:

1- إيجاز قصر: هو ما قصد فيه الإكثار في المعنى من غير أن يكون في التركيب حذف فهو قائم على اتساع الألفاظ للمعاني الكثيرة.

2- إيجاز حذف : هو ما قصد فيه إكثار المعنى مع حذف شيء من التركيب والمحذوف أنواع عده :

- ما يكون حرفاً كقوله تعالى (ولم أك بغيّا).

- ما يكون مفرداً كقوله تعالى (واسأل القرية).

- ما يكون مضافاً إليه.

- ما يكون موصوفا.ً

- ما يكون صفه.

- ما يكون شرطاً.

دليل الحذف: لابد من دليل على الحذف وهو إما العقل وحده كقوله تعالى (وجاء ربك) أي أمر ربك، أو العقل والعرف كقوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم)، أو العقل والعادة، أو العقل والشروع في الفعل مثل بسم الله.

الإطناب :  تأدية المعنى المراد بلفظ زائد عن المتعارف لفائدة.

وأقسام الإطناب كثيرة منها:

1/ الإيضاح بعد الإبهام أو ذكر الشيء إجمالاً ثم تفصيلة.

2/ عطف الخاص على العام تنبيهاً على فضل الخاص.

3/ عطف العام على الخاص اهتماما بذكره.

4/ التكرار ويكون لتأكيد الردع والإنذار.

5/ الإيغال وهو ختم الكلام بما يفيد ويتم المعنى بدونها كزيادة المبالغة. أو زيادة الترعيب.

6/ التذليل وهو تعقيب الجملة بجملة أخرى لا محل لها من الإعراب تكون دالة على المعنى الأول بالفحوى.

 

الوجه السادس من الإعجاز اللغوي

عدوله عن التكرار(  المخل والممل  وبلا حاجة  )

التكرار في القرآن الكريم[164]

ا - تعريف التكرار لغة واصطلاحاً .

التكرار في اللغة : -

قال ابن منظور : [165]

الكَرُّ : الرجوع ، يقال : كَرَّه وكَرَّ بنفسه ، يتعدّى ولا يتعدّى ، والكَرُّ مصدر كَرَّ عليه يَكُرُّ كرًّا ... والكَرُّ : الرجوع على الشيء ، ومنه التَّكْرارُ ... ( قال ) الجوهري : كَرَّرْتُ الشيء تَكْرِيراً وتَكْراراً .

التكرار في الاصطلاح :-

 تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرة لمعاني متعددة كالتوكيد ، والتهويل ، والتعظيم ، وغيرها .

ثانياً :التكرار من الفصاحة .

اعترض بعض من لا يفقه لغة العرب فراح يطعن بالتكرار الوارد في القرآن ، وظن هؤلاء أن هذا ليس من أساليب الفصاحة ، وهذا من جهلهم ، فالتكرار الوارد في القرآن ليس من التكرار المذموم الذي لا قيمة له كما سيأتي تفصيله والذي يرد في كلام من لا يحسن اللغة أو لا يحسن التعبير .

قال السيوطي رحمه الله - [166] :

التكرير وهو أبلغ من التأكيد ، وهو من محاسن الفصاحة خلافاً لبعض من غلط .

ج -ً :أنواع التكرار .

قسَّم العلماء التكرار الوارد في القرآن إلى نوعين :

أحدهما : تكرار اللفظ والمعنى .

وهو ما تكرر فيه اللفظ دون اختلاف في المعنى ، وقد جاء على وجهين : موصول ، ومفصول .

أما الموصول : فقد جاء على وجوه متعددة : إما تكرار كلمات في سياق الآية ، مثل قوله تعالى (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ  ) [167]، وإما في آخر الآية وأول التي بعدها ، مثل قوله) [168]

 ، وإما في أواخرها ، مثل قوله تعالى ( كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً ) [169]

، وإما تكرر الآية بعد الآية مباشرة ، مثل قوله تعالى ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) [170]

وأما المفصول : فيأتي على صورتين : إما تكرار في السورة نفسها ، وإما تكرار في القرآن كله .

مثال التكرار في السورة نفسها : تكرر قوله تعالى ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) في سورة " الشعراء " 8

مرات ، وتكرر قوله تعالى ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) في سورة " المرسلات " 10 مرات ، وتكرر قوله تعالى ( فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) في سورة " الرحمن " 31 مرة .

ومثال التكرار في القرآن كله : تكرر قوله تعالى ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) 6 مرات : في " يونس " ( 48 ) و "الأنبياء" ( 38 ) و " النمل " ( 71 ) و "سبأ" ( 29 ) و " يس " ( 48 ) و " الملك " ( 25 ) ، وتكرر قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) مرتين : في " التوبة " ( 73 ) و " التحريم " ( 9 ) .

والثاني : التكرار في المعنى دون اللفظ .

وذلك مثل قصص الأنبياء مع أقوامهم ، وذِكر الجنة ونعيمها ، والنار وجحيمها .

د -  فوائد التكرار

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - :

وليس في القرآن تكرار محض ، بل لابد من فوائد في كل خطاب .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية   رحمه الله في التعليق على تكرار قصة موسى مع قومه - :[171]

وقد ذكر الله هذه القصة في عدة مواضع من القرآن ، يبين في كل موضع منها من الاعتبار والاستدلال نوعاً غير النوع الآخر ، كما يسمَّى اللهُ ورسولُه وكتابُه بأسماء متعددة ، كل اسم يدل على معنى لم يدل عليه الاسم الآخر ، وليس في هذا تكرار ، بل فيه تنويع الآيات مثل أسماء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قيل : محمد ، وأحمد ، والحاشر ، والعاقب ، والمقفى ، ونبي الرحمة ، ونبي التوبة ، ونبي الملحمة ، في كل اسم دلالة على معنى ليس في الاسم الآخر ، وإن كانت الذات واحدة فالصفات متنوعة .

وكذلك القرآن إذا قيل فيه : قرآن ، وفرقان ، وبيان ، وهدى ، وبصائر ، وشفاء ، ونور ، ورحمة ، وروح : فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الآخر .

وكذلك أسماء الرب تعالى إذا قيل : الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور : فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الذي في الاسم الآخر ، فالذات واحدة ، والصفات متعددة ، فهذا في الأسماء المفردة .

وكذلك في الجمل التامة ، يعبَّر عن القصة بجُمَل تدل على معانٍ فيها ، ثم يعبر عنها بجُمَل أخرى تدل على معانٍ أُخَر ، وإن كانت القصة المذكورة ذاتها واحدة فصفاتها متعددة ، ففي كل جملة من الجُمَل معنًى ليس في الجُمَل الأُخَر [172] .

وقال السيوطي , رحمه الله [173]

 : وله أي : التكرار - فوائد :

منها : التقرير ، وقد قيل " الكلام إذا تكرَّر تقرَّر " ، وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله ( وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا )  [174]

ومنها : التأكيد .  ومنها : زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول ، ومنه ( وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ . يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ ) [175]، فإنه كرر فيه النداء لذلك . ومنها : إذا طال الكلام وخشي تناسي الأول أعيد ثانيها تطرية له وتجديداً لعهده ، ومنه (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا ) [176] ، (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا )  [177]، ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) [178] إلى قوله ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) ، ( لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ ) [179] ، (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ ) [180] .

ومنها : التعظيم والتهويل نحو ( الْحَاقَّةُ . مَا الْحَاقَّةُ ) ، ( الْقَارِعَةُ . مَا الْقَارِعَةُ ) ، (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) [181] .

ل - : فوائد تكرار بعض القصص والآيات

1. قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله - :

فإن قيل : ما الفائدة في تكرار قوله : ( فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذِّبانِ )  .

الجواب : أن ذلك التكرير لتقرير النِّعم وتأكيد التذكير بها ، قال ابن قتيبة : من مذاهب العرب التكرار للتوكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز ؛ لأن افتنان المتكلِّم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاره في المقام على فنٍّ واحدٍ ، يقول القائل منهم : واللهِ لا أفعله ، ثم واللهِ لا أفعله ، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع مِنْ أنْ يفعله ، كما يقول : واللهِ أفعلُه ، بإضمار " لا " إذا أراد الاختصار ، ويقول القائل المستعجِل : اعْجَل اعْجَل ، وللرامي : ارمِ ارمِ ، ... .

قال ابن قتيبة : فلمّا عَدَّد اللهُ تعالى في هذه السورة نعماءَه ، وأذكَرَ عِبَادَه آلاءَه ، ونبَّههم على قُدرته ، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نِعمتين ، ليُفَهِّمهم النِّعم ويُقَرِّرهم بها ، كقولك للرجل : أَلم أُبَوِّئْكَ مَنْزِلاً وكنتَ طريداً ؟ أفتُنْكِرُ هذا ؟ ألم أحُجَّ بك وأنت صَرُورَةٌ [ هو من لم يحج قط ] ؟ أفَتُنْكِرُ هذا ؟ . " [182].

2. قال القرطبي رحمه الله - :

وأما وجه التكرار أي : { قل يا أيها الكافرون } - فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم ، كما تقول : والله لا أفعل كذا ، ثم والله لا أفعله .

قال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب ، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز ؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد ، قال الله تعالى : (فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذِّبان ) ، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) ، (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ . ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ) [183]

و (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا  . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) [184]  ) : كل هذا على التأكيد [185].

الوجه السابع من الإعجاز اللغوي

قصد في اللفظ مع وفاء المعني

من الإيجاز في القرآن الكريم  

ومن بديع الإيجاز قوله تعالى في وصف خمر الجنة:﴿ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ  ) [186]

فقد جمع عيوب خمر الدنيا من الصداع ، وعدم العقل ، وذهاب المال ، ونفاد الشراب. 

وحقيقة قوله تعالى:﴿ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ﴾. أي: لا يصدر صداعهم عنها. والمراد: لا يلحق رؤوسهم الصداع ، الذي يلحق من خمر الدنيا. وقيل: لا يفرقون عنها ، بمعنى: لا تقطَع عنهم لذتهُم بسبب من الأسباب، كما تفرق أهل خمر الدنيا بأنواع من التفريق.

وقرأ مجاهد:﴿ لَا يَصَدَّعُونَ ﴾، بفتح الياء وتشديد الصاد، على أن أصله: يتصدعون، فأدغم التاء في الصاد. أي: لا يتفرقون؛ كقوله تعالى:﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ) [187] وقُرِىءَ:﴿ لَا يَصَدَعُونَ ﴾، بفتح الياء والتخفيف. أي: لا يصدع بعضهم بعضًا، ولا يفرقونهم. أي: لا يجلس داخل منهم بين اثنين، فيفرق بين المتقاربين؛ فإنه سوء أدب، وليس من حسن العشرة.

وقوله تعالى:﴿ وَلَا يُنْزِفُونَ ﴾، قال مجاهد، وقتادة، والضحاك: لا تذهب عقولهم بسكرها، من نزف الشارب، إذا ذهب عقله. ويقال للسكران: نزيف ومنزوف. قيل: وهو من نزف الماء: نزحه من البئر شيئًا فشيئًا. 

ب -  بديع الإطناب قوله تعالى في سورة يوسف عليه السلام:﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى ) [188]

ففي قوله:﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴾ [189] تحيير للمخاطب وتردد، في أنه كيف لا يبرىء نفسه من السوء، وهي بريئة، قد ثبت عصمتها ! ثم جاء الجواب عن ذلك بقوله:﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى ﴾.

والمراد بالنَّفْسَ النفس البشرية عامة. وأمَّارَةٌ صيغة مبالغة على وزن: فعَّالة. أي: كثيرة الأمر بِالسُّوءِ. أي: بجنسه. والمراد: أنها كثيرة الميل إلى الشهوات. والمعنى: إن كل نفس أمارة بالسوء، إلا نفسًا رحمها الله تعالى بالعصمة. وهذا التفسير محمول على أن القائل يوسف عليه السلام. والظاهر أنه من قول امرأة العزيز، وأنه اعتذار منها عما وقعت فيه مما يقع فيه البشر من الشهوات. والمعنى: وما أبريء نفسي، مع ذلك من الخيانة، فإني قد خنته حين قذفته، وقلت:﴿ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [190]، وأودعته السجن. تريد بذلك الاعتذار مما كان منها. ثم استغفرت ربها، واسترحمته مما ارتكبت.

ج -  ومن الآيات البديعة، التي جمعت بين الإيجاز والإطناب، في أسلوب رفيع من النظم بديع، قول الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾(النمل: 18)

أما الإطناب [191] فنلحظه في قول هذه النملة:﴿ يَا أَيُّهَا ﴾، وقولها:﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. أما قولها:﴿ يَا أَيُّهَا ﴾ فقال سيبويه:” الألف والهاء لحقت { أيًّا } توكيدًا؛ فكأنك كررت { يا } مرتين، وصار الاسم تنبيهًا “.

وقال الزمخشري:” كرر النداء في القرآن بـ﴿ يَا أَيُّهَا ﴾، دون غيره؛ لأن فيه أوجهًا من التأكيد، وأسبابًا من المبالغة؛ منها: ما في { يا } من التأكيد، والتنبيه، وما في { ها } من التنبيه، وما في التدرُّج من الإبهام في { أيّ } إلى التوضيح. والمقام يناسبه المبالغة، والتأكيد “.

وأما قولها:﴿ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ فهو تكميل لما قبله، جيء به، لرفع توهُّم غيره، ويسمَّى ذلك عند علماء البلاغة والبيان: احتراسًا؛ وذلك من نسبة الظلم إلى سليمان- عليه السلام- وكأن هذه النملة عرفت أن الأنبياء معصومون، فلا يقع منهم خطأ إلا على سبيل السهو. قال الرازي:” وهذا تنبيه عظيم على وجوب الجزم بعصمة الأنبياء، عليهم السلام “.

ومثل ذلك قوله تعالى:﴿ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ )  [192] أي: تصيبكم جناية كجناية العَرِّ؛ وهو الجرب.

وأما الإيجاز فنلحظه فيما جمعت هذه النملة في قولها من أجناس الكلام؛ فقد جمعت أحد عشر جنسًا: النداء، والكناية، والتنبيه، والتسمية، والأمر، والقصص، والتحذير، والتخصيص، والتعميم، والإشارة، والعذر.

فالنداء:{ يا }. والكناية:{ أيُّ }. والتنبيه:{ ها }. والتسمية:{ النمل }. والأمر:{ ادخلوا }. والقصص:{ مساكنكم }. والتحذير:{ لا يحطمنكم }. والتخصيص:{ سليمان }. والتعميم:{ جنوده }. والإشارة:{ هم }. والعذر:{ لا يشعرون }.

فأدَّت هذه النملة بذلك خمسة حقوق: حق الله تعالى، وحق رسوله، وحقها، وحق رعيتها، وحق الجنود.

فأما حق الله تعالى فإنها استُرعيت على النمل، فقامت بحقهم. وأما حق سليمان- عليه السلام- فقد نبَّهته على النمل. وأما حقها فهو إسقاطها حق الله تعالى عن الجنود في نصحهم. وأما حق الرعية فهو نصحها لهم؛ ليدخلوا مساكنهم. وأما حق الجنود فهو إعلامها إياهم. وجميع الخلق، أن من استرعاه الله تعالى رعيَّة، وجب عليه حفظها، والذبِّ عنها، وهو داخل في الخبر المشهور:”  كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته “. هذا من جهة المعنى. وأما من جهة المبنى ( اللفظ ) فإن كلمة { نملة } من الكلمات، التي يجوز فيها أن تكون مؤنثة، وأن تكون مذكرة؛ وإنما أنث لفظها للفرق بين الواحد، والجمع من هذا الجنس. ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام:” لا تضحِّي بعوراءَ، ولا عجفاءَ، ولا عمياءَ “ كيف أخرج هذه الصفات على اللفظ مؤنثة، ولا يعني الإناث من الأنعام خاصة !

وأما تنكير { نملة } ففيه دلالة على البعضيَّة، والعموم. أي: قالت نملة من هذا النمل. وهذا يعني أن كل نملة مسؤولة عن جماعة النمل.

وأما قولها:﴿ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾ ففيه إيجاز بالحذف بليغ؛ لأن أصله: ادخلوا في مساكنكم، فحذف منه { في }، تنبيهًا على السرعة في الدخول.

وأما قولها:﴿ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ ﴾، بنون مشددة أو خفيفة، فظاهره النفيُ؛ ولكن معناه على النهي. والنهيُ إذا جاء على صورة النفي، كان أبلغ من النهي الصريح. وفيه تنبيه على أن من يسير في الطريق، لا يلزمه التحرُّز؛ وإنما يلزم من كان في الطريق.

الوجه الثامن من  الإعجاز اللغوي

 جمعه بين الإجمال والبيان

البيان في اللغة [193] : -

( بان الشيء إذا انفصل فهو بائن وأبنته بالألف فصلته وبانت المرأة بالطلاق فهي بائن بغير هاء وأبانها زوجها بالألف فهي مبانة قال ابن السكيت في كتاب التوسعة وتطليقة بائنة والمعنى مبانة قال الصغاني فاعلة بمعنى مفعولة , وبان الحي بينا وبينونة ظعنوا وبعدوا وتباينوا تباينا إذا كانوا جميعا فافترقوا )   

  عبارة عن إظهار المعنى بعبارة مبيِّنة عن حقيقته من غير توسع في الكلام، فإنْ تأنقت في إسهاب فهي البلاغة.

 نجد هذا واضحا وضوح شمس النهار في القرآن الكريم , تسمع منه الكلمة فنجد هذا واضحا وضوح شمس النهار في القرآن الكريم , تسمع منه الكلمة فإذا هي في غاية الحسن والبيان في موضعها , فإذا جئت تعبر عنها بكلمة أخري وجدتها ركيكة مخلة للنظم والمعني

مثال كلمة  ضيزى : -

كقوله تعالى: (تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى) [194] وقد وقف الرافعي عند هذه الكلمة وتبين من جمالها مظاهر كثيرة، ومخايل لا يملك من يطلع عليها إلا أن يخفض جناح الإقرار والتأييد، قال الرافعي: فإن حسن (ضِيزَى) في نظم الكلام من أغرب الحسن وأعجبه، ولو أردت اللغة عليها ما صلح لهذا الموضع غيرها؛ فإن السورة التي هي منها، وهي سورة النجم، مفصلة كلها على الياء، فجاءت الكلمة فاصلة من الفواصل، ثم هي في معرض الإنكار على العرب، إذ وردت في ذكر الأصنام وزعمهم في قسمة الأولاد، فإنهم جعلوا الملائكة والأصنام بناتٍ لله مع أولادهم البنات، فقال تعالى: (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى* تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى)، فكانت غرابة اللفظ أشد الأشياء ملاءمة لغرابة هذه القسمة التي أنكرها، وكانت الجملة كلها كأنها تصور في هيئة النطق بها، الإنكار في الأولى والتهكم في الأخرى، وكان هذا التصوير أبلغ ما في البلاغة، وخاصة في اللفظة الغريبة التي تمكنت في موضعها من الفصل، ووصفت حالة المتهكم في إنكاره من إمالة اليد والرأس بهذين المدين فيها إلى الأسفل والأعلى.‏ وجمعت إلى كل ذلك غرابة الإنكار بغرابتها اللفظية ... وأن تعجب فعاجب لنظم هذه الكلمة الغريبة وائتلافه مع ما قبلها، إذ هي مقطعان: أحدهما مد ثقيل، والآخر مد خفيف، وقد جاءت عقب غُنَّتين في (إِذًا) و (قِسْمَةٌ). وأحداهما خفيفة حادة، والأخرى ثقيلة متفشية، فكأنها بذلك ليست إلا مجاورة صوتية لتقطيع موسيقي. وهذا معنى رابع للثلاثة التي عددناها آنفاً. أما خامس هذه المعاني، فهو أن الكلمة التي جمعت المعاني الأربعة على غرابتها، إنما هي أربعة أحرف .

الفصاحة لغة:- [195]

 فعبارة عن الظهور من قولهم: "أفصح الصبح"، إذا ظهر. واللفظ الفصيح هو الظاهر، والغالب أنه يستعمل باعتبار اللفظ الكثير الاستعمال في معناه وإنْ خالف القياس.  [196]

, قال فخر الدين الرازي يعرفها بانها خلوص الكلام من التعقيد. وقال الابشيهي ان اللفظ الفصيح هو اللفظ الحسن المألوف في الاستعمال بشرط أن يكون معناه المفهوم منه صحيحاً حسناً. ومن هذين التعريفين يمكننا ان نستنتج ان الفصاحة تتركب من شيئين وهما صحة الشيئ و حسنه، سواء أكان كلمة او كلاما. ومع هذا لا يمكننا ان نعرّف الفصاحة بحد ينطبق على جميع انواعه الثلاثة، لاختلاف معناها بحسب هذه الثلاثة. ولكن كل تلك المعاني يرجع الى معناها اللغويالظهور والبيان والحسن.

الفصاحة عند بعضهم مقصورة على وصف الالفاظ ، فلا علاقة بينها وبين المعاني. ولكن رد هذه الفكرة الشيخ عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الاعجاز وأسهب في الرد على من قال ان الفصاحة انما هي وصف للالفاظ دون المعاني بل جعل الجرجاني الفصاحة وصفا خاصا للمعاني. فقال مثلا “وهل تجد احدا يقول هذه اللفظة فصيحة الا وهو يعتبر مكانها من النظم وحسن ملائمة معناها لمعاني جاراتها وفضل مؤانستها لاخواتها وهل قالوا لفظة متمكنة ومقبولة وفي خلافه قلقة ونابية ومستكرهة الا وغرضهم ان يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناهما وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم”. وبعد ان تكلم كثيرا في هذا المجال استنتج الجرجاني فقال: “فقد اتضح اذن اتضاحا لا يدع للشك مجالا ان الالفاظ لا تتفاضل من حيث هي الفاظ مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة وان الالفاظ تثبت لها الفضييلة وخلافها في ملائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها او ما أشبه لك مما لا تعلق له بصريح اللفظ”.

انواع الفصاحة [197]

1 -فصاحة الكلمة

فصاحة الكلمة هي وصف للكلمة العربية حينما تخلو من اربعة عيوب، وهي التنافر، والغرابة، مخالفة القياس، و كراهة السمع لها. والمراد بالتنافر هنا وصف في الكلمة يوجب ثقلها على اللسان وعسر النطق بها. والمعيار في هذه المسألة هو العرب، فالذي يستلذه آذان العرب ويمارسه السنتهم فهو كلمة فصيحة. وبعض العلماء قسم التنافر قسمين متناه في الثقل وعسر النطق وغير متناه. فمثال الاول قول الاعرابي حين سئل عن ناقته تركتها ترعى الهعخع، ومثال الثاني كلفظ مستشزرات من قول امرئ القيس:

غدائره مستشزرات الى العلى * تضل العقاس في مثنى ومرسل

والمراد بالغرابة كون الكلمة غير ظاهرة المعنى ولا مألوفة الاستعمال بالنسبة الى العرب العرباء. والسبب في الغرابة اما ندرة استعمال العرب لها، واما لاحتياج التوصل الى المراد منها الى تخريج متكلَّف بعيد.

 وذلك كقول رؤبة بن العجاج: ……………….   و فاحما ومرسنا مسرًّجا

فان مسرجا وصفا لمرسن وهو الأنفلا يدرى لغرابته هل معناه كالسراج في البريق واللمعان أو كالسيف السريجي في الدقة والاستواء.

والثالث مخالفة القياس. وهي مخالفة القواعد النحوية او الصرفية، مثل فك الادغام في محل يوجب عدمه. وذلك كقول أبي النجم: الحمد لله العلي الاجلل * الواحد الفرد القديم الاول

والقياس يقتضي ادغام لفظ الاجلل فصار الاجلّ. واما الالفاظ المستعملة المخالفة للقواعد فهي في حكم المستثنيات وليست من المخالفة، لكونه ثبتت عن الواضع كذلك، مثل أبى، يأبى، وآل.

والرابع كراهة السمع. وهو ما يمجه السماع وتأنفه الطباع كقول ابي الطيب:

مبارك الاسم أغر اللقب * كريم الجرشى شريف النسب

فان السمع يمج لفظ الجرشى، قيل لتتابع الكسرات وتماثل الحروف. ولكن هذا الشرط الاخير للفصاحة اختلف فيه، بل قال السيوطي ان اشتراط هذا في الفصاحة ممنوع. لان كراهة السمع ان كانت لاستغرابه فقد دخلت في الغرابة او من جهة قبح الصوت فلا تعلق بالفصاحة لان السمع قد يستلذ غير الفصيح.

والجرجاني رد جعل اللفظ معيارا للفصاحة، للزوم القول بذلك اخراج الفصاحة من حيز البلاغة ومن ان تكون نظيرة لها. وذلك باحد الامرين اما بجعل اللفظ عمدة في المفاضلة بين العبارتين ولا نبالي بغيره واما بجعله احد ما يتفاضل به الكلام، وكلا الامرين لا يقبل. واجاب عن كون الفصاحة انما يوصف بها اللفظ دون المعنى، بكونها “عبارة عن كون اللفظ على وصف اذا كان عليه دل على المزية التي نحن في حديثها” . وقال في محل آخر: “ان المزية التي من اجلها استحق اللفظ الوصف بانه فصيح عائدة في الحقيقة الى معناه ولو قيل انها تكون فيه دون معناه لكان ينبغي اذا قلنا في اللفظة انها فصيحة ان تكون تلك الفصاحة واجبة لها بكل حال”.

2 - فصاحة الكلام

عرف بعضهم ان الكلام الفصيح هو الظاهرالبين، وذلك ان تكون الفاظه مفهومه لا يحتاج في فهمه الى استخراج من كتاب لغة، وهذا لكونه مألوفة الاستعمال بين ارباب الكلام ولا يكون مألوفة الاستعمال الا لحسنه .

 ولا بد- مع سلامته من العيوب في فصاحة الكلمةأن يسلم من اربعة عيوب: [198]

ا -. تنافر الكلمات عند اجتماعها ولو كانت في مفرداتها فصيحة. وهذامثل فصاحة الكلمةينقسم الى قسمين، متناه في الثقل ودونه. فمثال الاول ما اورده الجاحظ:

وقبر حرب بمكان قفر * وليس قرب قبر حرب قبر

والثقل في النصف الاخير في هذا البيت جاء من تكرار الراء والباء. ومثال الثاني قول ابي تمام:

كريم متى امدحه امدحه والورى * معي واذا ما لمته لمته وحدي

وجاء الثقل فيه من تكرير لفظ ((امدحه)) بما فيه من حاء وهاء.

ب - ضعف التأليف اما بكون تأليف الكلمات وإجراؤها على خلاف القواعد المشتهرة النحوية واما ان يكون فيه لحن نحوي او صرفي. ومن أمثلة ضعف التأليف: عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، استعمال الضمير المنفصل مع امكان استعمال الضمير المتصل، ونصب الفعل او جزمه بدون ناصب او جازم. وذلك مثل قول الشاعر: قد جفوني ولم * أجف الاخلاءُ

فان لفظ الاخلاء فاعل لـ”جفوني” على لغة اكلوني البراغيث، وهذا مخالف للقواعد النحوية المشهورة.

ج - التعقيد اللفظي بان يكون على غير ترتيب مفهوم للكلام العربي، كتقديم الصفة على الموصوف، والصلة على الموصول، وكالتشتيت في الروابط بين عناصر الجملة الواحدة او بين عناصر الجمل في الكلام الواحد. وهذا بخلاف ضعف التأليف، فان الاول لا يخل بفهم الكلام على الجملة وهذا قد يؤدي الى سوء فهم الكلام لعدم ترتيبه ترتيبا مفهوما. ومثاله قول الفرزدق:

وما مثله في الناس الا مملكا * ابو امه حي ابوه يقاربه

واصل ترتيب هذا الكلام: وما مثله في الناس حي يقاربه الا مملكا ابو امه ابوه، فغير هذا الترتيب وأتى بترتيب آخر صعب فهم الكلام به.

د -  التعقيد المعنوي باستخدام لوازم فكرية بعيدة او خفية العلاقة او استخدام ما يسبب عسر فهم الكلام. مثاله قول العباس بن الاحنف:

سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا * وتسكب عيناي الدموع لتجمدا

ولا يفهم هذا البيت الا بعد إجهاد ذهني. ومعنى هذا البيت سأطلب عنكم وأتحمل آلام الفراق واصبر عليه لان عاقبة الالم والصبر الفرج، وحين يأتي الفرج يكون قرب دائم، ووصل مستمر مصحوب بسرور لا ينقطع.

ثالثا : وجوه من الإعجاز اللغوي في علم البيان

تعريف علم البيان [199]

لغة:  الظهور والوضوح.

واصطلاحاً:  هو العلم الذي يعبر به عن المعنى الواحد بطرق مختلفة مع مراعاة مقتضى الحال في وضوح الدلالة.

الدلالة ,  وهي ثلاثة أنواع :

1/ دلاله المطابقة: وهي دلالة اللفظ على تمام المعنى الموضوع له.

2/ دلالة التضمين: وهي دلالة اللفظ على بعض ما وضع له.

3/ دلالة الالتزام: وهي دلالة اللفظ على لزوم معناه الموضوع له.

* طرق علم البيان :

1/ التشبيه: والتشبيه لغة الدلالة على مشاركة أمر لأمر آخر في معنى. واصطلاحا إلحاق المشبه بالمشبه به بأداة تشبيه.

أركان التشبيه (المشبه، المشبه به وهو طرفي التشبيه، أداة التشبيه، وجه الشبه).

أغراض التشبيه:  [200]

هي الأمور التي تحمل على الإتيان به وتعود في الغالب إلى المشبه لأنه هو الذي يطلب ما يتعلق به وقد يعود الغرض إلى المشبه به.

1/ بيان أن وجود المشبه ممكن، وذلك في كل أمر غريب يمكن أن يخالف فيه ويدعى امتناعه فيقاس على شيء مسلم الوقوع، كقول البحتري:

دان إلى أيدي العفاة وشاسع ... عن كل ند في الندى وضريب

كالبدر أفرط في العلو وضوءه ... للعصبة السارين جد قريب

2/ بيان حال المشبه: أي صفته التي هو عليها وذلك إذا كان المخاطب يجهل صفة المشبه فتلحقه بمشبه به معروف عنده، كما في قول النابغة:

كأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

3/ بيان مقدار حال المشبه: من القوة والضعف والزيادة والنقصان وذلك إذا كان المخاطب يعرف صفته على الجملة ولكنه يجهل مقدار تلك الصفة فتقيسه على شيء يعرف مقدار حاله

كقول المتنبي في وصف الأسد: ما قوبلت عينه إلا ظنتا ... تحت الدجى نار الفريق حلولا

4/ تقرير حال المشبه: أي تمكينها وتقويتها في ذهن السامع بإظهارها في صورة أوضح وأقوى ما يكون في تشبيه المعقول بالمحسوس، كقوله تعالى (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه)

5/ تزيين المشبه: والمراد تحسينه في ذهن السامع بقرنه إلى صورة حسنة.

كقول الشاعر:

لا يرعك المشيب يا ابنة عبد ... الله فالشيب زينة ووقار

إنما تحسن الرياض إذا ما ... ضحكت في خلالها الأنوار

6/ تقبيح المشبه: أي تصويره للمخاطب بصورة قبيحة، كقول أعرابي في ذم امرأة:

وتفتح لا كانت فما لو رأيته ... توهمته باباً من النار يفتح

إذا عاين الشيطان صورة وجهها ... تعود منها حين يمسي ويصبح

لها جسم برغوث وساق بعوضة ... ووجه كوجه القرد بل هو أقبح

 * الحقيقة والمجاز: ـ

الحقيقة:  هي استعمال الكلمة وفق المعنى الأصلي لها. والحقائق ثلاث:

(حقيقة لغوية، حقيقة شرعية، حقيقة عرفية)

فالشرعية مقدمة على ما سواها والعرفية مقدمة على اللغوية لأن العرف طارئ على اللغة.

مثال: جاءت الدواب. ففي الدواب حقيقتان، لغوية وعرفية، فاللغوية كل ما دب على الأرض ودرج. والعرفية ما يفهم من لفظة الدواب وهي البهائم. وهنا الحقيقة العرفية مقدمة على اللغوية.

المجاز:استعمال الكلمة في غير معناها الأصلي. مثل ( وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم )  [201] أي المطر.

المجاز المرسل: هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له لعلاقة غير المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي.

القول المختار في المجاز في القرآن ما ذهب إليه كثير من أهل العلم [202]

ليس في القرآن مجاز على الحد الذي يعرفه أصحاب فن البلاغة وكل ما فيه فهو حقيقة في محله ومعنى قول بعض المفسرين أن هذا الحرف زائد يعني من جهة قواعد الإعراب وليس زائدا من جهة المعنى، بل له معناه المعروف عند المتخاطبين باللغة العربية؛ لأن القرآن الكريم نزل بلغتهم كقوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [203] يفيد المبالغة في نفي المثل، وهو أبلغ من قولك: (ليس مثله شيء)، وهكذا قوله سبحانه: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [204]

فإن المراد بذلك سكان القرية وأصحاب العير، وعادة العرب تطلق القرية على أهلها والعير على أصحابها، وذلك من سعة اللغة العربية وكثرة تصرفها في الكلام، وليس من باب المجاز المعروف في اصطلاح أهل البلاغة ولكن ذلك من مجاز اللغة أي مما يجوز فيها ولا يمتنع، فهو مصدر ميمي كـ المقام والمقال وهكذا قوله سبحانه: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [205]يعني حبه، وأطلق ذلك لأن هذا اللفظ يفيد المعنى عند أهل اللغة المتخاطبين بها، وهو من باب الإيجاز والاختصار لظهور المعني

من إعجاز التشبيه في القرآن الكريم : -

تشبيه الكافر والمشرك والضال:

1 ـ قال تعالى: "وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ" ) [206] هذا تشبيه لحال المشرك، فهو ساقط عند الله، منتكس بضلالته، لا شأن له، يشبه من خر من السماء، لا شيء يحميه، أو ينقذه من الخطر الذي يحيط به، وهو لا بد ولقع في المعاطب، هاوٍ إلى التهلكة، ستخطفه الطير فتقطعه بمخالبها، وتمزقه إربا إربا، أو ستهوي به الريح في مكان سحيق.

إنها صورة التمزق والضياع التي يعيشها المشرك بالله، الكافر بنعمه، وهي صورة مرعبة مخيفة، تمثل سوء العاقبة وهولا لنهاية، وردت على شكل التشبيه التمثيلي: المشرك في انخلاعه من حماية الله، وتركه المرفأ الأمين، كالساقط من السماء والأخطار التي تحدق به منكل مكان. [207]

2 ـ قال تعالى: "قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" ) [208]

هذا تصوير لحال المؤمن الذي يهم أن يرتد في الضلالة بعد الهداية، بتأثير أهل الباطل وإغوائهم وإفسادهم، بحال من استهوته الشياطين ـوهم أهل الضلال ـ واستغوته، وزينت له هواه، وحاولت إبعاده عن أصحابه أهل الحق، فهو حيران مضطرب، لا يدري إلى أين ينحاز؟ إلى أصحابه الذين يدعونه إل ىالهدى ويقولون له: تعالى ائتنا، أم الشياطين التي تجذبه بعيدا ؟

صورة تمثل هذه الحيرة وهذا الاضطراب، وتصور هذا التمزق النفسي والضياع الروحي اللذين يتعرض لهما من يحاول أن يبتعد عن هدي الله. إنه عندئذ أسلم نفسه للشياطين، وضع نفسه تحت سلطانهم. إنه تشبيه أخرج الفكرة المجردة المبهمة في هذه الصورة التجسيدية المحسوسة. [209]

3 ـ قال تعالى: " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ

مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" ) [210]

هذه صورة رائعة لحال الكافر الذي انسلخ من آيات الله بعد أن أعطيها وهُدي إليها، فكان هذا الانسلاخ سببا في أن يجتاله الشيطان ويتبعه ويضله عن سواء االسبيل، وسيعيش في هذه الحالة ـ حالة الكفر والضلال ـ شقيا ظمآن، يعاني الضنك والحرمان، لن يرويه شيء، ولن يشبعه شيء، ولن يقنعه شيء، "وَمَن أعْرَضَ عَنْ ذِكري فَإنّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكا" وسيعيش في تعب وصغار طوال عمره، وقد شبهه القرآن ـ في حاله هذه ـ بحال الكلب الذي لا يعرف السكينة ولا الراحة، فهو يلهث باستمرار، حملت عليه ام لم تحمل، عطش أم روِي، جاع أم شبع.

إنها صورة لسوء الحال والتعب المستمر، جاءت على شكل التشبيه التمثيلي تزرع الرعب والخوف من مصير الكافر، وتنفر من صورة الضلال والارتداد عن الهدى أو الارتكاس في الضلال، أخرجت المعنى المجرد ـ معنى الانسلاخ من الإيمان ـ في صورة محسوسة، صورة الكلب المشاهدة المعاينة المعروفة. [211]

 

 

الوجه التاسع من الإعجاز اللغوي

ما فيه من النظم والتأليف والترصيف وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب ومباين لأساليبهم

تعريف النظم لغويا [212] : -

( ن ظ م ) : نظمت الخرز نظما من باب ضرب جعلته في سلك وهو النظام بالكسر ونظمت الأمر فانتظم أي أقمته فاستقام وهو على نظام واحد أي نهج غير مختلف .

ونظمت الشعر نظما .

تعريف الترصيف لغويا  [213]: -

( ر ص ف ) : رصفت الحجارة رصفا من باب قتل ضممت بعضها إلى بعض فهي رصف بالفتح الواحدة رصفة مثال قصب وقصبة وعمل رصيف ثابت محكم وجواب رصيف قوي لا يرد .

ا - قال الزملكاني ‏:‏ وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاص به لا مطلق التأليف بأن اعتدلت مفرداته تركيبًا وزنة وعلة مركباته معنى بأن يوقع كل فن في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى‏. [214]

 ب - قال ابن عطية [215]‏:‏ الصحيح والذي عليه الجمهور والحذاق في وجه إعجازه أنه بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه وذلك أن الله أحاك بكل شيء علمًا وأحاط بالكلام كله فإذا ترتيب اللفظة من القرآن علوبإحاطته‏:‏ أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره والبشر يعمهم الجهل والنسيان والذهول‏.

ثم علق السيوطي فقال (  ومعلوم ضرورة أن أحدًا من البشر لا يحيط بذلك فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة وبهذا يبطل قول من قال‏:‏ إن العرب كان في قدرتها الإتيان بمثله فصرفوا عن ذلك‏.‏

والصحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قط ولهذا ترى البليغ ينقح القصيدة أوالخطبة حولًا ثم ينظر فيها فيغير فيها وهلم جرًا وكتاب الله تعالى لونزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد ونحن يتبين لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة وقامت الحجة على العالم بالعرب إذا كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحرة وفي معجزة عيسى بالأطباء فإن الله إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبدع ما يكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره فكان السحر قد انتهى في مدة موسى إلى غايته وكذلك الطب في زمن عيسى والفصاحة في زمن محمد صلى الله عليه وسلم‏.

ج -  قال الأصبهاني في تفسيره  [216]

( ............... الإعجاز المختص بالقرآن يتعلق بالنظم المخصوص وبيان كون النظم معجزًا يتوقف على بيان نظم الكلام ثم بيان أن هذا النظم مخالف لنظم ما عداه فنقول‏:‏ مراتب تأليف الكلام خمس‏.‏

الأولى‏:‏ ضم الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض لتحصل الكلمات الثلاث الاسم والفعل والحرف‏.‏والثانية‏:‏ تأليف هذت الكلمات بعضها إلى بعض لتحصل الجمل المفيدة وهوالنوع الذي يتداوله الناس جميعًا في مخاطباتهم وقضاء حوائجهم ويقال له المنثور من الكلام‏.‏

والثالثة‏:‏ يضم بعض ذلك إلى بعض ضمًا له مباد ومقاطع ومداخل ومخارج ويقال له المنظوم‏.‏

والرابعة‏:‏ أن يعتبر في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع ويقال له المسجع‏.‏والخامسة‏:‏ أن يجعل مع ذلك وزن ويقال له الشعر والمنظوم إما محاورة ويقال له الخطابة وإما مكاتبة ويقال له الرسالة‏.‏

فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام ولكل من ذلك نظم مخصوص والقرآن جامع لمحاسن الجميع على نظم غير نظم شيء منها يدل على ذلك لأنه لا يصح أن يقال له رسالة أوخطابة أوشعراء أوسجع كما يصح أن يقال هوكلام والبليغ إذا قرع سمعه فصل بينه وبين ما عداه من النظم ولها قال تعالى وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنبيهًا على أن تأليفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر فيمكن أن يغير بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخر‏)

د - قال الجرجاني  [217] , مع عدم إهتمامه بغير النظم ( أعجزتهم مزايا ظهرت لهم في نظمه، وخصائص صادفوها في سياق لفظه، وبدائع راعتهم من مبادئ آية ومقاطعها، ومجاري ألفاظها ومواقعها، وفي مضرب كل مثل، ومساق كل خبر ، وصورة كل عظة وتنبيه وإعلام، وتذكير وترغيب وترهيب، ومع كل حجة وبرهان، وصفة وتبيان وبهرهم أنهم تأملوه سورة سورة، وعشراً عشراً، وآية آية، فلم يجدوا في الجميع كلمة ينبوبها مكانها ولفظة ينكر شأنها، أو يرى أن غيرها أصلح هناك أو أشبه، أو أحرى وأخلق، بل وجدوا اتساقاً بهر العقول، وأعجز الجمهور، ونظاماً التئاماً، وإتقاناً وإحكاماً، لم يدع في نفس بليغ منهم لوحك بيافوخه السماء موضع طمع، حتى خرست الألسن عن أن تدعي وتقول وخلدت القروم. فلم تملك أن تصول... .

ويعقب ذلك بأن هذه كانت دلائل إعجاز القرآن، ومزايا ظهرت في نظمه وسياقه، بهرت العرب الأوائل، فهل ينبغي للفتى الذكي العاقل أن يكون مقلداً في ذلك، أيكون باحثاً ومتتبعاً كي يعلم ذلك بيقين؟ ومن ثم وضع كتابه الحاضر (دلائل الإعجاز) ليدل الناشدين على ضالتهم، ويضع يدهم على مواقع الإعجاز من القرآن، ويدعم مدعاه في ذلك بالحجة والبرهان. والرائد لا يكذب أهله. قال: وبذلك قد قطعت عذر المتهاون، ودللت على ما أضاع من حظه، وهدايته لرشده... .

وقال ـ في رسالته الشافية ـ : كيف يجوز أن يظهر في صميم العرب وفي مثل قريش ذوي الأنفس الأبية والهمم العلية والأنفة والحمية من يدعي النبوة ويقول: وحجتي أن الله قد أنزل عليّ كتاباً تعرفون ألفاظه وتفهمون معانيه، إلا أنكم لا تقدرون على أن تأتوا بمثله ولا بعشر سور منه ولا بسورة واحدة، ولو جهدتهم جهدكم واجتمع معكم الجن والإنس.

 ثم لا تدعوهم نفوسهم إلى أن يعارضوه ويبينوا سرفه في دعواه، لو كان ممكناً لهم، وقد بلغ بهم الغيظ من مقالته حداً تركوا معه أحلامهم وخرجوا عن طاعة عقولهم، حتى واجهوه بكل قبيح ولقوه بكل أذى ومكروه ووقفوا له بكل طريق. وهل سمع قط بذي عقل استطاع أن يخرس خصمه بكلمة يجيبه بها، فيترك ذلك إلى أمور ينسب معها إلى ضيق الذرع وأنه مغلوب قد أعوزته الحيلة وعزّ عليه المخلص، وهل مثل هذا إلا مثل رجل عرض له خصم فادعى عليه دعوى خطيرة وأقام على دعواه بينة، وكان عند المدعى عليه ما يبطل تلك البينة أو يعارضها، فيترك إظهار ذلك ويضرب عنه الصفح جملة، ليصير الحال بينهما إلى جدال عنيف وإخطار بالمهج والنفوس... قال: هذه شهادة الأحوال، وأما شهادة الأقوال فكثيرة... .

ثم قال ـ في وجه التحدي ـ : لم يكن التحدي إلى أن يعبروا عن معاني القرآن أنفسها وبأعيانها بلفظ يشبه لفظه ونظم يوازي نظمه، هذا تقدير باطل. فإن التحدي كان إلى أن يجيؤوا، في أي معنى شاؤوا من المعاني، بنظم يبلغ نظم القرآن، في الشرف أو يقرب منه. يدل على ذلك قوله تعالى: (قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) أي مثله في النظم، وليكن المعنى مفترى لما قلتم. فلا إلى المعنى دعيتم، ولكن إلى النظم... .

قال: ويجزم القول بأنهم تحدوا إلى أن يجيؤوا في أي معنى أرادوا مطلقاً غير مقيد، وموسعاً عليهم غير مضيق، بما يشبه نظم القرآن أن يقرب من ذلك )

قال السيوطي رحمه الله ( قال آخرون‏:‏ هوكونه خارجًا عن جنس كلام العرب من النظم والنثر والخطب والشعر مع كون حروفه في كلامهم ومعانيه في خطابهم وألفاظه من جنس كلماتهم وهوبذاته قبيل غير قبيل كلامهم وجنس آخر متميز عن أجناس خطابهم حتى أ من اقتصر على معانيه وغير حروفه أذهب رونقه ومن اقتصر على حروفه وغير معانيه أبطل فائدته فكان في ذلك أبلغ دلالة على إعجازه

ل - قال الرماني (قال‏:‏ ونقض العادة هوا العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة‏:‏ منها الشعر ومنها السجع ومنها الخطب ومنها الرسائل ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن تفوق به كل طريقة ويفوق الموزون الذي هوأحسن الكلام‏.‏

قال‏:‏ وأما قياسه بكل معجزة فإنه يظهر إعجازه من هذه الجهة إذا كان سبيل فلق البحر وقلب العصا حية وما جرى هذا المجرى في ذلك سبيلًا واحدًا في الإعجاز إذ خرج عن العادة فصد الخلق عن المعارضة‏.‏ )

ف - قال القاضي عياض في الشفا‏ [218]:‏ اعلم أن القرآن منطوعلى وجوه من الإعجاز كثيرة وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه‏.‏

أولها‏:‏ حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إيجازه وبالغته الخارقة عادة العرب الذين هم فرسان الكلام وأرباب هذا الشأن‏.‏

والثاني‏:‏ صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومنها نظمها ونثرها الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته وانتهت إليه فواصل كلماته ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له‏.‏

قال‏:‏ وكل واحد من هذين النوعين الإيجاز والبلاغة بذاتها والأسلوب الغريب بذاته نوع إعجاز على التحقيق لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما إذ كل واحد خارج عن قدرتها مباين لفصاحتها وكلامها خلافًا لمن زعم أن الإعجاز في مجموع البلاغة والأسلوب‏ هو البيان والفصاحة‏.‏

 

الوجه العاشر من الإعجاز اللغوي

إيراد المعني الواحد بطرق مختلفة

مثال علي ذلك القصة

القصة منهجها ومن أسرار التكرار فيها

القصة لغة: (القصة: الخبر،وهو القَصَص، وقصَّ علي خبره يقصه قصا وقَصَصا:أورده ) 

 . ومنه: (القص وهو تتبع الأثر), (والقـَـصص: الأثر)(والقصص: الأخبار المتتبعة) [219]

وللقصة معان أخرى متقاربة، فهي تأتي بمعنى(الخبر), و(الأمر والحديث) و(الجملة من الكلام) [220]

 (والقــَـصـص: الخبر المقصوص، بالفتح, وُضِع موضعَ المصدر حتى صار أغلب عليه,والقِـصص, بكسر القاف: جمع القِصة التي تكتب) [221]

فمدلول القصة في اللغة واضح, وواسع, ولكن بعض المُحْدَثين يختار مدلولا للقصة فيه بعض القيود, وهو: ( الحكاية عن خبر وقع في زمن مضى لا يخلو من بعض عبرة فيه شيء من التطويل في الأداء) [222]

ب)  القصة اصطلاحا: أما مفهوم القصة في القرآن الكريم, فهو وإن كان واضحا في مفرداته وما صدقاته,

وذلك من خلال وضوحه في اللغة, غير أن ضبطه بحدٍّ في القرآن الكريم قد تتفاوت فيه وجهات النظر, وذلك نظرًا لما في القصة القرآنية من خصائص تميزها عن غيرها؛ من صدقٍ في الواقعية التاريخية, وجاذبيةٍ في العرض والبيان, و( شموليةٍ في الموضوع, وعلوٍ في الهدف, وتنوعٍ في المقصد والغرض, ووضوحٍ في الإعجاز) [223]

خصائص القصص القرآني  [224]

يتميز القَصَص القرآنيّ عن غيره من سائر القصص بخصائص يعلو بها جلالةً وقداسةً, ويزداد بها بلاغة وإعجازًا, ويعظم بها أهمية وتأثيرًا, وبهذه الخصائص استحق أن يُوسَم بأحسن القصص في قوله تعالى: (  نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ) [225]

 فمن تلك الخصائص:

1ـ التكرار الهادف المعجز:  ولما لهذه الخِصِّـيصة من تميز وظهور.. فإنما أفردنا الحديث عنها لبيان المراد بإطلاق ( التكرار)  في القرآن, وبيانِ مغازيه وأهدافه التي تزيده سموا ورفعة, وبيانِ الكتب التي ألفت خاصة في بيان تلك الروعة القرآنية . [226]

2ـ الواقعية التاريخية :  ونعني بها أن كل ما في قـَـصص القرآن من أخبار الأولين فإنها هي حقائق تاريخية صادقة لا يصادمها عقل, ولا يخالفها نقل, وسواءٌ في تلك المصداقية ما كان من أخبار الأنبياء مع أقوامهم, وما كان من قبيل المعجزات وخوارق العادات, كانفلاق البحر وكلام الهدهد والنملة, وليس فيها أي نوع من التناقض أو الاختراع, ولا أي شكل من أشكال الخيال أو التصوير المجرد عن الحقيقة, ولا أي صورة من صور الرمز أو الإشارة, كما يدعي بعض المستشرقين, أو أذنابهم ممن ختم الله على قلوبهم, فهم ينعقون بما لا يعلمون؛ باسم الإبداع الأدبي تارةً, وباسم الفن القصصي تارة أخرى, وباسم الإمتاع وسعة الخيال تارة ثالثة, وبأسماء أخرى تاراتٍ و تاراتٍ, وليس لهؤلاء همٌّ ولا هدفٌ من أدبٍ  وغيره.. إلا تقويضَ دعائم القرآن, والتشكيكَ في مصداقيته (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )  [227]

ما ضرَّ هذا البحرَ أمسى زاخِرًا         أنْ رمَى  فـيـه غـلامٌ  بـحَـجَـر

وأيُّ مصداقية أعظم مما يقول الله فيه ـ وهو أصدق القائلين ـ : (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) [228] . وسوف نعقد ـ إن شاء الله تعالى ـ فصلا خاصا لدحض شبهات المفترين، ولبيان المفارقة بين القصة القرآنية والقصة الفنية المعاصرة . [229]

3- الشمولية المطلقة: فـقـصص القرآن شاملة من عدة جهات:

أ-  ( في حصر النفوس المخاطبة وطباعها وخلالها ووجهاتها ومكامن شعورها..

ب-  في تـنـويع الأساليب والوسائل الملائمة لكل جنس وطبقة ولون..

ج- ومن حيث الزمن؛ فالقصة تـتحـدث عن الماضي والحاضر والمستقبل..)

د-  ومن حيث شمولية موضوعاتها؛ فكما أنك تجد في موضوعات القرآن شمولا.. فكذلك تجد في قصص القرآن شمولا لكل تلك الموضوعات,  من عقائد وعبادات وأخلاق وآداب اجتماعية واقتصادية وسلطانية وغير ذلك..[230]

4-  كونا هادفة : [231]

 فالغاية الأولى من قصص القرآن هي تأملها وأخذ العبرة منها وتصحيح العقائد والأخلاق, حتى ينصلح الفرد والمجتمع,  وليست الغاية قاصرةً على إمتاع النفوس بسماع قصص مسـليِّة أو بطولات خيالية, أو إظهارَ براعة أدبية مجردة عن هدف الإصلاح, كما هو الحال في عامة الفنِّ القصصي, وليست الغاية أيضا سردًا تاريخيًا جافا, كما هي مهمة المؤرخين, فالقرآن بكل ما فيه من قصص وغيرها هو كتاب هداية وعبرة بالدرجة الأولى , قال جل شأنه:  (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [232]

5-  الإعـجـاز الـقـصـصـي :

 إن القصة تمثل جزءًا كبيرًا من القرآن,  وبالتالي فهي كسائر القرآن في كل خصائصه وسِمَاته العامة, ومن ذلك كونه معجزًا؛ فوجوه الإعجاز التي تجدها في سائر القرآن غير القصص تجدها في القصص, لكن القصص يزيد على ذلك بوجوه أخرى من الإعجاز تميزه عن غيره.. فمن تلك الوجوه: التكرار الهادف؛ حيث تجـد في كل موطن من العبر واللطائف والإشارات ما لا تجده في نفس القصة في موطن آخر, ومن وجه آخر؛ حيث يعجز إنسان ـ مهما أوتي من البيان ـ عن التـنويع في قصة واحدة بضروب من الفصاحة , دون أن تظهـر عليه علامات الضعف أو الرِّكَّـة أو التفكك أو التكلف. ومنها: إخباره عن قصص ماضية دارسة صـدَّقـهـا أهل الكتاب. ومنها: إخباره عن قصص مستقبلة غيبية.. منها ما صدقتها الأيام, ومنها ما سيقع..  وغير ذلك مما هو مبسوط في مظانـِّه من كتب الإعجاز...  ولله تعالى أعلم . [233]

من إعجاز القصة , قال الباقلاني رحمه الله [234] (أتى القرآن على ذكر القصة بضروب مختلفة , بدأ بذكر السور ة ، إلى أن بين أن القرآن من عنده، فقال: "وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ"، ثم وصل بذلك قصة موسى عليه السلام وأنه رأى ناراً فقال لأهله امكثوا: "إِنّيِ آنَسْتُ نَاراً سَأَتِيكُم منها بِخَبَرٍ أوْ آتِيكُم بِشهابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ".

وقال في سورة طه في هذه القصة: "لَعَّلَّيِ آتِيكُم مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجدُ عَلَى النَّارِ هُدَّى".

وفي مواضع: "لعلِّي آتِيكُم مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَة مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ"، قد تصرف في وجوه، وأتى بذكر القصة على ضروب ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك.

تحداهم أن يأتوا بحديث مثله

ولهذا قال: "فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ"، ليكون أبلغ في تعجيزهم، وأظهر للحجة عليهم. وكل كلمة من هذه الكلمات وإن أنبأت عن قصة، فهي بليغة بنفسها، تامة في معناها.

انظر إلى علو أمر النداء

ثم قال: "فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ". فانظر إلى ماجرى له من الكلام ، من علو أمر هذا النداء ، وعظم شأن هذا الثناء ، وكيف انتظم مع الكلام الأول ، وكيف اتصل بتلك المقدمة ، وكيف وصل بها ما بعدها من الأخبار عن الربوبية ، وما دل به عليها من قلب العصامية ، وجعلها دليلاً يدله عليه ومعجزة تهديه إليه .

انظر إلى الكلمات المفردة القائمة بالحسن

وانظر إلى الكلمات المفردة القائمة بأنفسها في الحسن، وفيما تتضمنه من المعاني الشريفة، ثم ما شفع به هذه الآية، وقرن به هذه الدلالة: من اليد البيضاء - عن نور البرهان - من غير سوء.

انظر إلى كل آية وكل كلمة

ثم انظر في آية آية، وكلمة كلمة، هل تجدها كما وصفنا من عجيب النظم، وبديع الرصف? فكل كلمة لو أفردت كانت في الجمال غاية، وفي الدلالة آية، فكيف إذا قارنتها أخواتها، وضامتها ذواتها، تجري في الحسن مجراها، وتأخذ في معناها.. ثم من قصة إلى قصة، ومن باب إلى باب، من غير خلل يقع في نظم الفصل إلى الفصل، وحتى يصور لك الفصل وصلاً، ببديع التأليف، وبليغ التنزيل.

إن كنت من أهل الصنعة

فاعمد إلى قصة فعبر عنها بأسلوب

وإن أردت أن تتبين ما قلناه فضل تبين، وتتحقق بما ادعيناه زيادة تحقق، فإن كنت من أهل الصنعة فاعمد إلى قصة من هذه القصص، وحديث من هذه الأحاديث، فعبر عنه بعبارة من جهتك، وأخبر عنه بألفاظ من عندك، حتى ترى فيما جئت به النقض الظاهر، وتتبين في نظم القرآن الدليل الباهر.

ولذلك أعاد قصة موسى في سور، وعلى طرق شتى، وفواصل مختلفة، مع اتفاق المعنى.

سترجع إلى عقلك وتستر ما عندك

فلعلك ترجع إلى عقلك، وتستر ما عندك، إن غلطت في أمرك، أو ذهبت في مذاهب وهمك، أوسطت على نفسك وجه ظنك.

متى تهيأ لبليغ أن يتصرف في قدر آية، في أشياء مختلفة، فيجعلها مؤتلفة، من غير أن يبين على كلامه أعباء الخروج والتنقل، أو يظهر على خطابه آثار التكلف والتعمل? وأحسب أنه يسلم من هذا - ومحال أن يسلم منه - حتى يظفر بمثل تلك الكلمات الإفراد، والألفاظ الأعلام، حتى يجمع بينها، فيجلو فيها فقرة من كلامه، وقطعة من قوله? ولو اتفق له في أحرف معدودة، وأسطر قليلة، فمتى يتفق له في قدر ما نقول إنه من القرآن معجز? هيهات هيهات!

لا يمكن أن يتهيأ لبشر أن يقول ما قال القرآن

إن الصبح يطمس النجوم وإن كانت زاهرة، والبحر يغمر الأنهار وإن كانت زاخرة. متى تهيأ للآدمي أن يقول في وصف كتاب سليمان عليه السلام، بعد ذكر العنوان والتسمية، هذه الكلمة الشريفة العالية: "أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ"، والخلوص من ذلك إلى ما صارت إليه من التدبير، واشتعلت به من المشورة، ومن تعظيمها أمر المستشار، ومن تعظيمهم أمرها، وطاعتها بتلك الألفاظ البديعة، والكلمات العجيبة البليغة، ثم كلامها بعد ذلك، لتعلم تمكن قولها: "يَا أَيُّهَا الْملأُ أََفْتُونِي في أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ"، وذكر قولهم: "قَالُوا نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ وَأُوْلُواْ بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ".

لا تجد في صفتهم أنفسهم أبدع مما وصفهم به، وقوله: "الأَمْرُ إِلَيْكِ"، وتعلم براعته بنفسه وعجيب معناه، وموضع اتفاقه في هذا الكلام، وتمكن الفاصلة، وملاءمته لما قبله، وذلك قوله: "فانظري ماذا تأمُرِينَ".

انظر إلى الاختصار مع البيان والإيجاز

ثم إلى هذا الاختصار، وإلى البيان مع الإيجاز، فإن الكلام قد يفسده الاختصار، ويعميه التخفيف منه والإيجاز، وهذا مما يزيده الاختصار بسطاً، لتمكنه ووقوعه موقعه، ويتضمن الإيجاز منه تصرفاً يتجاوز محله وموضعه.

وكما جئت إلى كلام مبسوط يضيق عن الإفهام، ووقعت على حديث طويل يقصر عما يراد به من التمام، ثم لو وقع على الإفهام.

فما يجب فيه من شروط الأحكام، أو بمعاني القصة وما تقتضي من الإعظام، ثم لو ظفرت بذلك كله رأته ناقصاً في وجه الحكمة، أو مدخولاً في باب السياسة، أو مصفوفاً في طريق السيادة، أو مشترك العبارات إن كان مستوجد المعنى، أو جيد البلاغة مستجلب المعنى، أو مستجلب البلاغة جيد المعنى، أو مستنكر اللفظ وحشي العبارة، أو مستبهم الجانب مستكره الوضع.

إنك تجد فيما تلونا عليك ما إذا بسط أفاد

وإذا اختصر كمل  , وأنت لا تجد في جميع ما تلونا عليك إلا ما إذا بسط أفاد، وإذا اختصر كمل في بابه وجاد، وإذا سرح الحكيم في جوانبه طرف خاطره، وبعث العليم في أطرافه عيون مباحثه، لم يقع إلا على محاسن تتوالى، وبدائع تترى. , فكر في قوله تعالى: "إن الملوك إذا دخلوا...".

ثم فكر بعد ذلك في آية آية، أو كلمة كلمة في قوله: "إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةٌ أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أّذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ"، هذه الكلمات الثلاث: كل واحدة منها كالنجم في علوه ونوره، وكالياقوت يتلألأ بين شذوره... ثم تأمل تمكن الفاصلة - وهي الكلمة الثالثة - وحسن موقعها، وعجيب حكمها، وبارع معناها.

وإن شرحت لك ما في كل آية طال عليك الأمر، ولكني قد بينت بما فسرت، وقررت بما فصلت، الوجه الذي سلكت، والنحو الذي قصدت، والغرض الذي إليه رميت، والسمت الذي إليه دعوت ) اه

الحلف والقسم في القرآن الكريم

تعريف الحلف : -

قال في اللسان :  [235]

حلف: الـحِلْفُ والـحَلِفُ: القَسَمُ لغتان، حَلَفَ أَي أَقْسَم يَحْلِفُ حَلْفاً وحِلْفاً وحَلِفاً ومَـحْلُوفاً .

قال أبو هلال العسكري القسم ابلغ من الحلف

من الإعجاز اللغوي في القسم في القرآن الكريم  [236]

وردت مادة (حلف)في القرآن في ثلاثة عشر موضعا واستعراضها يوحي بأن الحلف دائما يكون في موضع اعتذار عن فعل أو اعتقاد وقع أو سيقع بعد زمن التكلم ، ولذا لم يرد الحلف مسندا إلى الله عز وجل في القرآن

...وورد القسم مسندا إليه سبحانه . وكفى به فرقا دلاليا على تغاير اللفظين.

1- (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ )   [237]

2- (  لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ )  [238]

3 (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ) [239]

4- (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ )[240]

 (12 موضع من ال 13 موضع الذي ذكر فيه الحلف ذكر منسوبا إلى أعداء الإسلام ...7 منها في سورة التوبة وحدها وهي الفاضحة )

أما القسم في القرآن فعلى ضربين :

 الأول قسم من الله تعالى بذاته أو بعض مخلوقاته ... وقسم من اليشر وفي الحالين لا يأتي القسم في موضع الضلال ...بل هو من الله تعظيم ...ومن البشر يأتي في مواضع الحماس والعزم وعقد النية على فعل مع إظهار القوة والتصميم

1-  (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) [241]

2- (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) [242] , 3- (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) [243]

4- (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ) [244]

5- (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) [245]

الاستعارة: [246] ـ

تعريف الاستعارة : -

 هي تشبيه حذف أحد طرفيه ووجه الشبه وأداته. وهي ضرب من المجاز والمجاز أبلغ من الحقيقة لأن المعاني لا تقنع بالبقاء في حقيقتها إذا النفس الإنسانية تضيق بها وتتوق إلى الخروج عن مصطلحاتها المحدودة إلى آفاق مديدة من المعاني التي تتصور في أطر جديدة من التعبير المجازي.

* أنواع الاستعارة:  [247]

الاستعارة التصريحية:

هي ما صرح فيها بلفظ المشبه به دون المشبه. كما في قول المتنبي:

وأقبل يمشي في البساط فما درى ... إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي

والاستعارة المكنية :

ما حذف منها المشبه به واكتفي بذكر المشبه كقوله تعالى (رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً).

من روائع الإستعارة في القرآن الكريم  [248]

ا - قال تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ) [249]

استعير في الآية الكريمة : " السلخ " وهو كشط الجلد عن الشاة ونحوها لإزالة ضوء النهار عن الكون قليلاً قليلاً، بجامع ما يترتب على كل منهما من ظهور شيء كان خافياً، فبكشط الجلد يظهر لحم الشاة، وبغروب الشمس تظهر الظلمة التي هي الأصل والنور طاريء عليها، يسترها بضوئه . و هذا التعبير الفني يسميه علماء البلاغة " الاستعارة التصريحية التبعية " .

استعارة رائعة وجملية، إنها بنظمها الفريد وبإيحائها وظلها وجرسها قد رسمت منظر بديعاً للضوء وهو ينحسر عن الكون قليلاً قليلاً وللظلام وهو يدب إليه في بطء .

إنها قد خلعت على الضوء والظلام الحياة، حتى صارا كأنهما جيشان يقتتلان، قد أنهزم أحدهما فولى هارباً، وترك مكانه للآخر .

تأمل اللفظة المستعارة وهي " نسلخ " إن هذه الكلمة هي التي قد استقلت بالتصوير والتعبير داخل نظم الآية المعجز فهل يصلح مكانها غيرها ؟

ب - قال تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ)  [250]

استعير في الآية الكريمة خروج النفس شيئاً فشيئاً لخروج النور من المشرق عند انشقاق الفجر قليلاً قليلاً بمعنى النفس ، تنفس بمعنى خرج النور من المشرق عند انشقاق الفجر .

استعارة قد بلغت من الحسن أقصاه، وتربعت على عرش الجمال بنظمها الفريد، إنها قد خلعت على الصبح الحياة حتى لقد صار كائنا حيا يتنفس، بل إنساناً ذا عواطف وخلجات نفسية، تشرق الحياة بإشراق من ثغره

المنفرج عن ابتسامة وديعة، وهو يتنفس بهدوء، فتتنفس معه الحياة، ويدب النشاط في الأحياء على وجه الأرض والسماء، أرأيت أعجب من هذا التصوير، ولا أمتع من هذا التعبير؟

ثم تأمل اللفظة المستعارة وهي " تنفس " أنها بصوتها الجميل وظلها الظليل، وجرسها الساحر قد رسمت هذه الصورة البديعة في إطار نظم الآية المعجزة، فهل من ألفاظ اللغة العربية على كثرتها يؤدي ما أدته، ويصور ما صورته ؟

ج - قال تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ)  [251]

استعير في الآية الكريمة " الطغيان " للأكثر الماء بجامع الخروج عن حد الاعتدال والاستعارة المفرط في كل منها .  ثم اشتق من الطغيان : " طغى " بمعنى كثر .

استعارة فريدة لا توجد في غير القرآن إنها تصور لك الماء إذا كثر وفار واضطرب بالطاغية الذي جاوز حده، وأفرط في استعلائه . أرأيت أعجب من هذا التصوير الذي يخلع على الماء صفات الإنسان الآدمي ؟ ثم تأمل اللفظة المستعارة " طغى " إنها بصوتها وظلها وجرسها إيحائها قد استقلت برسم هذه الصورة الساحرة في إطار نظم الآية المعجز

 

الكناية :  [252]

تعريف الكناية  : -

لفظ استعمل في غير معناه الأصلي الذي وضع له مع جواز إرادة المعنى الأصلي. وهي كما عرفها البلاغيون: إرادة المتكلم إثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ولكن يأتي إلى معنى هو مرادفه في الوجود فيومئ إليه ويجعله دليلاً عليه.

أقسام الكناية، تنقسم الكناية باعتبار المكنى عنه إلى ثلاث أقسام:  [253]

1- أن يكون الأمر المقصود صفة معنوية كالكرم والشجاعة.

2- أن يكون الأمر نسبة بين شيئين.

3- أن يكون الأمر المقصود موصوفاً.

ا/ الكناية عن صفة: المقصود بها إيراد صفة من الصفات المعنوية لم تذكر بلفظها وإنما ذكرت ألفاظ صفات أخر انتقل منها إلى المراد.

ب/ الكناية عن نسبة: الكناية عن نسبة هي التي يصرح فيها بالصفة منسوبة لشيء يتعلق بالموصوف.

ج/ الكناية عن موصوف: الكناية عن موصوف لفظ يدل على معنى واحد أريد به موصوف

وقال المراكشي في شرح المصباح‏:‏ الجهة المعجزة في القرآن تعرف بالتفكير في علم البيان وهوكما اختاره جماعة في تعريفه ما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى وعن تعقيده ويعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه لمقتضى الحال لأن جهة إعجازه ليس مفردات ألفاظه وإلا لكانت قبل نزوله معجزة ولا مجرد تأليفها وإلا لكان كل تأليف معجزًا ولا إعرابها وإلا لكان كل كلام معرب معجزًا ولا مجرد أسلوبه وإلا لكان الابتداء بأسلوب الشعر معجزًا والأسلوب الطريق ولكان هذيان مسيلمة معجزًا ولأن الإعجاز يوجد دونه‏:‏ أي الأسلوب في نحو فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًا فاصدع بما تؤمر ولا بالصرف عن معارضتهم لأن تعجبهم كان من فصاحته ولأن مسيلمة وابن المقفع والمعري وغيرهم قد تعاطوها فلم يأتوا إلا بما تمجه الأسماع وتنفر منه الطباع‏.‏

ويضحك منه في أحوال تركيبه وبها‏:‏ أي بتلك الأحوال أعجز البلغاء وأخرص الفصحاء فعلى إعجازه دليل إجمالي وهوأن العرب عجزت عنه وهوبلسانها فغيرها أحرى ودليل تفصيلي مقدمته التفكر في خواص تركيبه ونتيجته العلم بأنه تنزيل من المحيط بكل شيء علمًا‏.

أيراد المعني الواجد بطرق مختلفة , مثل قصة آدم

براعته في تصريف القول الواحد بطرق مختلفة

من روائع الكناية : -

ا - قال تعالى : (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)  [254] لقد كنى القرآن الكريم في هذه الآية بكلمة " الحرث " عن المعاشرة الزوجية .

إن هذه الكناية الفردية مما انفرد به القرآن الكريم فهي لطيفة دقيقة راسمة مصورة ، مؤدية مهذبة ، فيها من روعة التعبير و جمال التصوير ، و ألوان الأدب و التهذيب ما لا يستقل به بيان ، و لا يدركه إلا من تذوق حلاوة القرآن . إنها عبرت عن العاشرة الزوجية التي من شأنها أن تتم في السر و الخفاء بالحرث و هذا نوع من الأدب رفيع وثيق الصلة بالمعاشرة الزوجية ، و تنطوي تحته معاني كثيرة تحتاج في التعبير عنها إلى الآف الكلمات انظر إلى ذلك التشابه بين صلة الزراع بحرثه وصلة الزوجة في هذا المجال الخاص ، و يبن ذلك النبت الذي يخرجه الحرث ، و ذلك النبت الذي تخرجه الزوج ، و ما في كليهما من تكثير و عمران و فلاح كل هذه الصور و المعاني تنطوي تحت كلمة " الحرث " أليست هذه الكلمة معجزة بنظمها و تصورها ؟  هل في مفردات اللغة العربية ـ على كثرتها ـ ما يقوم مقامها و يؤدي ما أدته و يصور ما صورته . إن المعنى لا يتحقق إلا بها . و عن التصوير لا يوجد بسواها .

قال تعالى : (  فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) [255]

هذه الآية كناية عن عدم العناية عند ظهور المعجزة . أي لا تعاندوا عند ظهور المعجزة فتمسكم هذه النار العظيمة تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من جمال التعبير ، و روعة التصوير ، و لطافة الإيجاز . إنها عبرت عن العناد عند ظهور المعجزة بالنار العظيمة ، و هذا التعبير فيه ما فيه من شدة التنفيذ و قوة التأثير ، ثم أن هذا التعبير قد أبرز لك هذا المعنى الفكري المجرد في صورة محسوسة ملموسة و لم يقف عند هذا الحد من التجسيم والتشخيص بل تعداه إلى التصيير و التحويل . فحوله على نار ملتهبة متأججة متوهجة بل تعداه إلى أعجب من هذا التصوير ، و لا أروع و ألذ من هذا التعبير ؟ إنه الإعجاز يلبس ثوب الكناية فتنحني له هامات البلغاء ، و يثير في النفس أسمى آيات الإعجاب .

ب - قال تعالى :  (وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ) [256]

في هذه الآية كنى القرآن الكريم عن الجماع بالسر . تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من اللطائف و الأنوار و الأسرار . تأمل هذه الكناية و مدى ما فيها من اللطائف و الأنوار و الأسرار . إن في الكناية بالسر عن الجماع من ألوان الأدب و التهذيب ما يعجز عن وصفه أساطين البيان ، و فيها من جمال التعبير ما يسترق الأسماع و يهز العواطف و يحرك الأحاسيس و المشاعر . لقد ألبست الجماع الذي يتم في السر ثوب السر فذهبت بسر الفصاحة و البيان . أبعد هذا يقال أن الكناية في القرآن يستطيع أن يحاكيها بنو الإنسان ؟ أبداً و الله إن بني الإنسان من المعجز بحيث لا يمكنهم فهم ما تنطوي عليه الكناية في القرآن من الأسرار .

الوجه الحادي عشر من الإعجاز اللغوي

براعته في تصريف القول [257]

ا - منها تعبيره عن طلب الفعل من المخاطبين بالوجوه الآتية :

1- الإتيان بصريح مادة الأمر نحو قوله سبحانه (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) [258]

2- والإخبار بأن الفعل مكتوب على المكلفين ؛نحو ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [259]

3- والإخبار بكونه على الناس؛ نحو(  وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) [260]

4- والإخبار عن المكلف بالمطلوب منه ؛ نحو (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ) [261] أي مطلوب منهن أن يتربصن.

5- والإخبار عن المبتدأ بمعنى يطلب تحقيقه من غيره؛ نحو ( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) [262]

(آل عمران: 79) أي مطلوب من المخاطبين تأمين من دخل الحرم

6- وطلب الفعل بصيغة فعل الأمر ؛ نحو ( حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ) [263]  أو بلام الأمر ؛نحو(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) [264]

7- والإخبار عن الفعل بأنه خير( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ) [265]

8- ووصف الفعل وصفا ً عنوانيا ًً بأنه بِر ؛نحو ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى َ ) [266]

9- ووصف الفعل بالفرضية؛ نحو (َ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ) [267]

10- وترتيب الوعد والثواب على الفعل؛ نحو (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ) [268] , 11- وترتيب الفعل على شرط قبله ، نحو (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) [269]

21- وإيقاع الفعل منفيا معطوفا عقب استفهام ؛ نحو (  أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) [270] أي فليتذكروا

13-وإيقاع الفعل عقب ترج ؛ نحو ( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [271]

14-وترتيب وصف شنيع على ترك الفعل ؛ نحو { ومن لم يحكمْ بما أنزل اللهُ فأولئكَ هم الكافرون}(المائدة 44).

ب - ومنها تعبيره عن النهي بالوسائل الآتية : -

1 -  الإتيان في جانب الفعل بمادة الفعل بمادة النهي نحو (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [272]

2 - والإتيان في جانبه بمادة التحريم نحو (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ) [273]

3 - نفي الحل عنه نحو (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا ) [274]

 4 - النهي عنه بلفظ لا نحو (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [275]

5 -  ووصفه بأنه ليس برا نحو ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا) [276]  

6 - ووصفه بأنه شر نحو (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )  [277]

7 -  وذكر الفعل مقرونا بالوعيد ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) [278]

8 -  وذكر الفعل منسوبا إليه الإثم نحو (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) [279]

9 -  ونظم الأمر في سلك ما هو بالغ الإثم والحرمة والإخبار عن الفعل بأنه رجس ووصفه بأنه من عمل الشيطان والأمر باجتنابه ورجاء الفلاح في تركه وترتيب مضار مؤذية على فعله والأمر بالانتهاء عنه في صورة الاستفهام ونمثل لهذه الطرق كلها بتحريم الخمر والميسر في قوله سبحانه (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) [280]

  ومنها تعبيره عن إباحة الفعل بالطرق الآتية : -

1 -  التصريح في جانبه بمادة الحل نحو (  أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ) [281]

2 - والأمر به مع قرينه صارفة عن الطلب نحو ( كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينََ ) [282]

3 -  ونفي الإثم عن الفعل نحو : -

( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) [283]

4 -  ونفي الحرج عنه نحو (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) [284]  أي في ترك القتال أو في الأكل من البيوت

5 -  ونفي الجناح عنه في غير ما ادعى فيه الحرمة نحو (  لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )  [285]

أما ما ادعى فيه الحرمة فإن نفى الجناح عنه يصدق بوجوبه نحو ( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا )  [286]

6 -  وإنكار تحريمه في صورة استفهام نحو (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) [287]

7 -  والامتنان بالشي ووصفه بأنه رزق حسن نحو (  وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ) [288]

 وهكذا تجد القرآن يفتن في أداء المعنى الواحد بألفاظ وطرق متعددة بين إنشاء وإخبار وإظهار وإضمار وتكلم وغيبة وخطاب ومضي وحضور واستقبال واسمية وفعليه واستفهام وامتنان ووصف ووعد ووعيد إلى غير ذلك ومن عجب أنه في تحويله الكلام من نمط إلى نمط كثيرا ما تجده سريعا لا يجاري في سرعته ثم هو على هذه السرعة الخارقة لا يمشي مكبا على وجهه مضطربا أو متعثرا بل هو محتفظ دائما بمكانته العليا من البلاغة .

تصرفه في أقوال من حكي عنهم

ومن ذلك قصة آدم , فقد وردت بصور مختلفة , وكلها معجزة و نجد في كل مرة ثمرات مختلفة .

تفننه في تنقلاته : -

أمثلة على التقديم و التأخير [289]

ا-   تقديم وتأخير اللهو على اللعب في آية سورة العنكبوت

كل الآيات في القرآن جاء اللعب مقدّماً على اللهو إلا في هذه الآية من سورة العنكبوت (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) [290] ولو لاحظنا الآية التي سبقت هذه الآية في نفس السورة (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [291] والرزق ليس من مدعاة اللعب وإنما اللهو كما في قوله تعالى في سورة المنافقون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) [292]

ب -  تقديم وتأخير كلمة (شهيداً) في آية سورة العنكبوت وآية سورة الإسراء

قال تعالى في سورة العنكبوت (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) [293]

 وقال في سورة الإسراء (قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) [294]

في آية سورة الإسراء ختم تعالى الآية بذكر صفاته (خبيراً بصيرا) لذا اقتضى أن يُقدّم صفته (شهيداً) على (بيني وبينكم)، أما في آية سورة العنكبوت فقد ختمت الآية بصفات البشر (أولئك هم الخاسرون) لذا اقتضى تقديم ما يتعلّق بالبشر (بيني وبينكم) على (شهيدا).

 تقديم شبه الجملة (عليها زكريا) في قوله تعالى في سورة آل عمران (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [295]

قاعدة نحوية: يقول سيبويه في التقديم والتأخير: يقدمون الذي هو أهمّ لهم وهم أعنى به.

والتقديم والتأخير في القرآن الكريم يقرره سياق الآيات فقد يتقدم المفضول وقد يتقدم الفاضل. والكلام في الآية في سورة آل عمران والآيات التي سبقتها في مريم عليها السلام وليس في زكريا ولا في المحراب لذا قدّم عليها لأن الكلام كله عن مريم عليها السلام.

تقديم وتأخير فوقكم والطور

ج - قوله تعالى في الكلام عن بني إسرائيل والطور فقد قال تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [296]

 وقال في سورة النساء (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً ) [297]

د - في سورة الأعراف (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [298]

من حيث التقديم والتأخير هو قائم على الإهتمام الذي يقتضيه سياق الآيات سواء كان ـفضل أو مفضول وإنما للأهمية. في سورة البقرة (ورفعنا فوقكم الطور) فوقكم أهمّ من الطور نفسه وكذلك في آية سورة النساء أما آية سورة الأعراف فالجبل أهم من فوقهم.

في آية سورة الأعراف وصف تعالى الجبل كأنه ظُلّة وذكر (وظنوا أنه واقع بهم) ومعنى واقع بهم أي أوقع بهم أو أهلكهم وهذا كله له علاقة بالجبل فالجبل في الأعراف أهمّ. ولم يذكر عن الطور شيئاً آخر في سورة البقرة أو النساء.

آية البقرة والنساء يستمر الكلام بعد الآيات على بني إسرائيل حوالي أربعين آية بعد الآية التي جاء فيها ذكر الطور لذا قدّم فوقهم في النساء وفوقهم في البقرة على الطور للأهمية. أما في سورة الأعراف فبعد الآية التي تحدث فيها عن الجبل انتهى الكلام عن بني إسرائيل ولم يذكر أي شيء عنهم بعد هذه الآية لذا قدّم الجبل.

والجبل : هو إسم لما طال وعظُم من أوتاد الأرض والجبل أكبر وأهم من الطور من حيث التكوين. أما النتق فهو أشد وأقوى من الرفع الذي هو ضد الوضع. ومن الرفع أيضاً الجذب والإقتلاع وحمل الشيء والتهديد للرمي به وفيه إخافة وتهديد كبيرين ولذلك ذكر الجبل في آية سورة الأعراف لأن الجبل أعظم ويحتاج للزعزعة والإقتلاع وعادة ما تُذكر الجبال في القرآن في موقع التهويل والتعظيم ولذا جاء في قوله تعالى (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) [299] ولم يقل الطور. إذن النتق والجبل أشد تهديداً وتهويلاً

الوجه الثاني عشر من الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم

النسخ ( لأن المنسوخ والناسخ يصدران من منبع واحد معجز )

ولم نسمع أن الكفار قالوا إن المنسوخ غير الناسخ

- تعريف النسخ [300]

1- لغة: الإزالة. يقال: نسخت الشمس الظّل، أي أزالته. ويأتي بمعنى التبديل والتحويل، يشهد له قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} ) [301]

2- اصطلاحاً: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر. فالحكم المرفوع يسمى: المنسوخ، والدليل الرافع

يسمى: الناسخ، ويسمى الرفع: النسخ.

فعملية النسخ على هذا تقضي منسوخاً وهو الحكم الذي كان مقرراً سابقاً، وتقتضي ناسخاً، وهو الدليل اللاحق.

 

ثالثا وجوه أخري من الإعجاز اللغوى

الوجه الثالث عشر من الإعجاز اللغوي

أنه شيء لا يمكن التعبير عنه

من أشهر من قال ذلك  السكاكي .

 قال  في (  المفتاح ) [302] ‏:‏ اعلم أن إعجاز القرآن يدرك وصفه كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها وكالملاحة كما يدرك طيب النغم العارض لهذا الصوت ولا يدرك تحصيله لغير الفطرة السليمة إلا بإتقان علمي المعاني والبيان والتمرين فيهما‏.‏

وقال أبوحيان التوحيدي [303]:‏ سئل بندار الفارسي عن موضع الإعجاز من القرآن فقال‏:‏ هذه مسألة فيها حيف على المعنى وذلك أنه شبيه بقولك ما موضع الإنسان من الإنسان فليس لإنسان موضع من الإنسان بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته ودللت على ذاته كذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء منه إلا وكان ذلك المعنى آية في نفسه ومعجزة لمحاوله وهدى لقائله وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كلامه وأسراره في كتابه فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده‏.

الوجه الرابع عشر  من الإعجاز اللغوي

تأثيره في سامعيه ( الإعجاز النفسي )

ا - من أشهر من قال ذلك الخطابى (ت سنة 388ه‍) الذي عاصر الرمانى (بيان إعجاز القرآن)

و القاضي عياض بن موسى إلىحصبي(ت سنة 544ه‍) فصلا في الجزء الأول من كتابه: (الشفا بتعريف حقوق المصطفي)لإعجاز القرآن أن قارئه لايمله، وسامعه لا يمجه، بل الإكباب على تلاوته يزيده حلاوة، وترديده يوجب له محبه، ولايزال غضا طريا، وغيره من الكلام ولو بلغ  في الحسن والبلاغة مبلغه يمل مع الترديد، ويُعادى إذا أعيد، وكتابنا يستلذ به في الخلوات، ويؤنس  بتلاوته في الأزمات ) [304]

وقال أيضا ه - قال الخطابي ( ثم قال‏:‏ وقد قلت في إعجاز القرآن وجهًا ذهب عنه الناس وهوصنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس فإنك لا تسمع كلامًا غير القرآن منظومًا ولا منثورًا إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ذوي الروعة والمهابة في حال آخر ما يخلص منه إليه قال تعالى لوأنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله وقال الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم )

  ب - أما التأثير الذي قوبل بالعناد لدفعه وعدم الاستسلام له، فمن أمثلته ما ذكره السيوطي [305] وغيره من مجيء عتبة بن ربيعة إلى النبي صلي الله عليه وسلم  وكلامه إياه فيما جاء به قومه مما يخالف ما هم عليه، وأن النبي صلي الله عليه وسلم تلا (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ )  [306]   وعند ذلك أمسك عتبة بيده على فم رسول الله صلي الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف، وأنه قام لا يدري بما يراجع رسول الله صلي الله عليه وسلم : ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه فاعتذر لهم وقال: والله لقد كلمني بكلام والله ما سمعت أذناي بمثله قط، فما دريت ما أقول له . وعاند عتبة وظل على كفره، وكان من قتلى المشركين في بدر

ع - وقال عياض [307]

ومنها‏:‏ الروعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته وقد أسلم جماعة عند سماع آيات منه كما وقع لجبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور قال‏:‏ فلما بلغ هذه الآية (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) [308]  إلى قوله المسيطرون كاد قلبي أن يطير‏.‏

قال‏:‏ وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي‏.‏

وقد مات جماعة عند سماع آيات منه أفردوا بالتصنيف‏

ع - بل أسلم البعض عندما سمع هذا الصوت الجميل، ففي ذات يوم التقى "علي خليل" شيخ الإذاعيين، وكان بصحبته ضابط طيَّار إنجليزي- بالشيخ رفعت، فأخبره "علي خليل" أن هذا الضابط سمع صوته في "كندا"، فجاء إلى القاهرة ليرى الشيخ رفعت، ثم أسلم هذا الضابط بعد ذلك.

من ثأثيره في الكفار

ا قال الوليد بن المغيرة لكفار قريش [309] - وقد حضر الموسم - " ستقدم عليكم وفود العرب من كل جانب وقد سمعوا بأمر صاحبكم . فأجمعوا فيه رأيا ، ولا تختلفوا ، فيكذب بعضكم بعضا . فقالوا : فأنت فقل . فقال بل قولوا وأنا أسمع . قالوا : نقول كاهن . قال ما هو بزمرة الكهان ولا سجعهم . قالوا نقول مجنون قال ما هو بمجنون . لقد رأينا الجنون وعرفناه . فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخالجه . قالوا : نقول شاعر . قال ما هو بشاعر . لقد عرفنا الشعر رجزه وهزجه وقريضه . ومقبوضه ومبسوطه قالوا : نقول ساحر قال ما هو بساحر . لقد رأينا السحرة وسحرهم فما هو بعقدهم ولا نفثهم قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال ما نقول من شيء من هذا إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول أن تقولوا : ساحر يفرق بين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك . فجعلوا يجلسون للناس لا يمر بهم أحد إلا حذروه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ب نماذج من تأثير القرآن علي غير المسلمين في العصر الحالي  : -

1 - آرنولد  [310]

قال : -".. [ إننا ] نجد حتى من بين المسيحيين مثل الفار Alvar [ الإسباني ] الذي عرف بتعصبه على الإسلام، يقرر أن القرآن قد صيغ في مثل هذا الأسلوب البليغ الجميل، حتى إن المسيحيين لم يسعهم إلا قراءته والإعجاب به. .") [311] 

2 - بلاشير  [312]

قال :- "لا جرم في أنه إذا كان ثمة شيء تعجز الترجمة عن أدائه فإنما هو الإعجاز البياني واللفظي والجرس الإيقاعي في الآيات المنزلة في ذلك العهد.. إن خصوم محمد [عليه الصلاة والسلام] قد أخطئوا عندما لم يشاءوا أن يروا في هذا إلا أغاني سحرية وتعويذية، وبالرغم من أننا على علم استقرائيًا فقط بتنبؤات الكهان، فمن الجائز لنا الاعتقاد مع ذلك بخطل هذا الحكم وتهافته، فإن للآيات التي أعاد الرسول [عليه الصلاة والسلام] ذكرها في هذه السور اندفاعًا وألقًا وجلالة تخلِّف وراءها بعيدًا أقوال فصحاء البشر كما يمكن استحضارها من خلال النصوص الموضوعة التي وصلتنا") [313]

3 - حتي  [314]

قال :- "إن الأسلوب القرآني مختلف عن غيره، ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن يقلّد. وهذا في أساسه، هو إعجاز القرآن.. فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة  الكبري )  [315]

وقال أيضا :- ".. إن إعجاز القرآن لم يحل دون أن يكون أثره ظاهرًا على الأدب العربي. أما إذا نحن نظرنا إلى النسخة التي نقلت في عهد الملك جيمس من التوراة والإنجيل وجدنا أن الأثر الذي تركته على اللغة الإنكليزية ضئيل، بالإضافة إلى الأثر الذي تركه القرآن على اللغة العربية. إن القرآن هو الذي حفظ اللغة العربية وصانها من أن تتمزق لهجات" [316]

* دي كاستري  [317]

قال : - ".. إن العقل يحار كيف يتأتى أن تصدر تلك الآيات عن رجل أمي وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز فكر بني الإنسان عن الإتيان بمثلها لفظًا ومعنى. آيات لما سمعها عتبة بن ربيعة حار في جمالها، وكفى رفيع عبارتها لإقناع عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] فآمن برب قائلها، وفاضت "عين نجاشيّ الحبشة بالدموع لما تلا عليه جعفر بن أبي طالب سورة زكريا وما جاء في ولادة يحيى وصاح القسس أن هذا الكلام وارد من موارد كلام عيسى [عليه السلام].. لكن نحن معشر الغربيين لا يسعنا أن نفقه معاني القرآن كما هي لمخالفته لأفكارنا ومغايرته لما ربيت عليه الأمم عندنا. غير أنه لا ينبغي أن يكون ذلك سببًا في معارضة تأثيره في عقول العرب. ولقد أصاب (جان جاك روسو) حيث يقول: (من الناس من يتعلم قليلاً من العربية ثم يقرأ القرآن ويضحك منه ولو أنه سمع محمدًا [صلى الله عليه وسلم] يمليه على الناس بتلك اللغة الفصحى الرقيقة وصوته المشبع المقنع الذي يطرب الآذان ويؤثر في القلوب.. لخر ساجدًا على الأرض وناداه: أيها النبي رسول الله خذ بيدنا إلى مواقف الشرف والفخار أو مواقع التهلكة والأخطار فنحن من أجلك نودّ الموت أو الانتصار).. وكيف يعقل أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ألف هذا الكتاب باللغة الفصحى مع أنها في الأزمان الوسطى

كاللغة اللاتينية ما كان يعقلها إلا القوم العالمون.. ولو لم يكن في القرآن غير بهاء معانيه وجمال مبانيه لكفى بذلك أن يستولي على الأفكار ويأخذ بمجامع القلوب..") [318]

4- دينيه  [319]

قال : - "لقد حقق القرآن معجزة لا تستطيع أعظم المجامع العلمية أن تقوم بها، ذلك أنه مكن للغة العربية في الأرض بحيث لو عاد أحد أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلينا اليوم لكان ميسورًا له أن يتفاهم تمام التفاهم مع المتعلمين من أهل اللغة العربية، بل لما وجد صعوبة تذكر للتخاطب مع الشعوب الناطقة بالضاد.

وذلك عكس ما يجده مثلاً أحد معاصري (رابيليه) من أهل القرن الخامس عشر الذي هو أقرب إلينا من عصر القرآن، من الصعوبة في مخاطبة العدد الأكبر من فرنسيي اليوم"  [320]

وقال أيضا : - ".. أحسّ المشركون، في دخيلة نفوسهم، أن قد غزا قلوبهم ذلك الكلام العجيب الصادر من أعماق قلب الرسول الملهم [صلى الله عليه وسلم] وكلهم كثيرًا ما كانوا على وشك الخضوع لتلك الألفاظ الأخاذة التي ألهمها إيمان سماوي، ولم يمنعهم عن الإسلام إلا قوة حبهم لأعراض الدنيا.." [321]

وقال أيضا :- "إن معجزة الأنبياء الذين سبقوا محمدًا كانت في الواقع معجزات وقتية وبالتالي معرضة للنسيان السريع. بينما نستطيع أن نسمي معجزة الآيات القرآنية: (المعجزة الخالدة) وذلك أن تأثيرها دائم ومفعولها مستمر، ومن اليسير على المؤمن في كل زمان وفي كل مكان أن يرى هذه المعجزة بمجرد تلاوة في كتاب الله، وفي هذه المعجزة نجد التعليل الشافي للانتشار الهائل الذي أحرزه الإسلام، ذلك الانتشار الذي لا يدرك سببه الأوروبيون لأنهم يجهلون القرآن،  [322]  

وقال أيضا : - "إن كان سحر أسلوب القرآن وجمال معانيه، يحدث مثل هذا التّأثير في [نفوس علماء] لا يمتون إلى العرب ولا إلى المسلمين بصلة، فماذا ترى أن يكون من قوة الحماسة التي تستهوي عرب الحجاز وهم الذين نزلت الآيات بلغتهم الجميلة؟.. لقد كانوا لا يسمعون القرآن إلا وتتملك نفوسهم انفعالات هائلة مباغتة، فيظلون في مكانهم وكأنهم قد سمِّروا فيه. أهذه الآيات الخارقة تأتي من محمد [صلى الله عليه وسلم] ذلك الأمي الذي لم ينل حظًا من المعرفة؟.. كلا إن هذا القرآن لمستحيل أن يصدر عن محمد، وأنه لا مناص من الاعتراف بأن الله العلي القدير هو الذي أملى تلك الآيات البينات.." [323]

وقال أيضا : - "لا عجب أن نرى النبي الأمي يتحدى الشعراء، ويعترف لهم بحق نعتهم له بالكذب، أن ائتوا بعشر سور من مثله، فقد آمن بعجزهم عن ذلك" [324]

5 - ريسلر  [325]

قال : - ".. لما كانت روعة القرآن في أسلوبه فقد [أنزل] ليقرأ ويتلى بصوت عال. ولا تستطيع أية ترجمة أن تعبر عن فروقه الدقيقة المشبعة بالحساسية الشرقية. ويجب أن تقرأه في لغته التي كتب بها لتتمكن من تذوق جماله وقوته وسمو صياغته. ويخلق نثره الموسيقى والمسجوع سحرًا مؤثرًا في النفس حيث تزخر الأفكار قوة وتتوهج الصور نضارة. فلا يستطيع أحد أن ينكر أن سلطانه السحري وسموه الروحي يسهمان في إشعارنا بأن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان ملهمًا بجلال الله وعظمته" [326]

وقال أيضا : -"كان في القرآن فوق أنه كتاب ديني خلاصة جميع المعارف.. وظل زمنًا طويلاً أول كتاب يتخذ للقراءة إلى الوقت الذي شكل فيه وحدة كتاب المعرفة والتربية. ولا يزال حتى اليوم النص الذي تقوم عليه

أسس التعليم في الجامعات الإسلامية. ولا تستطيع الترجمات أن تنقل ثروته اللغوية (إذ يذبل جمال اللغة في الترجمات كأنها زهرة قطفت من جذورها) ولذلك يجب أن يقرأ القرآن في نصه الأصلي" [327]

 6 -  سارتون [328]

قال : - "[إن] لغة القرآن على اعتبار أنها اللغة التي اختارها الله جل وعلا للوحي كانت، بهذا التحديد، كاملة... وهكذا يساعد القرآن على رفع اللغة العربية إلى مقام المثل الأعلى في التعبير عن المقاصد،.. [وجعل منها] وسيلة دولية للتعبير عن أسمى مقتضيات الحياة" [329]

ث - تأثير القرآن على وظائف أعضاء الجسم البشري  [330]

وقياسه بواسطة أجهزة المراقبة الإلكترونية  و تجربة من الولايات المتحدة الأمريكية

هناك اهتمام متزايد بالقوة الشفائية للقرآن والتي وردت الإشارة إليها في القرآن وفي تعاليم الرسول صلي الله عليه وسلم . وحتى وقت قريب لم يكن من المعروف كيف يحقق القرآن تأثيره، وهل هذا التأثير عضوي أم روحي أم خليط من الاثنين معا.

ولمحاولة الإجابة على هذا السؤال بدأنا في العام الأخير إجراء البحوث القرآنية في عيادات " أكبر " في مدينة بنما سيتي بولاية فلوريدا. وكان هدف المرحلة الأولى من البحث هو إثبات ما إذا كان للقرآن أي أثر على وظائف أعضاء الجسد وقياس هذا الأثر إن وجد . واستعملت أجهزة المراقبة الإلكترونية المزودة بالكمبيوتر لقياس أية تغيرات فسيولوجية عند عدد من المتطوعين الأصماء أثناء استماعهم لتلاوات قرآنية. وقد تم تسجيل وقياس أثر القرآن عند عدد من المسلمين المتحدثين بالعربية وغير العربية، وكذلك عند عدد من غير المسلمين. وبالنسبة للمتحدثين بغير العربية، مسلمات كانوا أو غير مسلمين، فقد تليت عليهم مقاطع من القرآن باللغة العربية ثم تليت عليهم ترجمة هذه المقاطع باللغة الإنجليزية.

وفي كل هذه المجموعات أثبتت التجارب المبدئية وجود أثر مهدىء مؤكد للقرآن في 97 % من التجارب المجراة . وهذا الأثر ظهر في شكل تغيرات فسيولوجية تدل على تخفيف درجة توتر الجهاز العصبي التلقائي. وتفاصيل هذه النتائج المبدئية عرضت على ، المؤتمر السنوي السابع عشر للجمعية الطبية الإسلامية في أمريكا الشمالية والذي عقد في مدينة سانت لويس بولاية ميزوري في أغسطس (آب) 1984.

ولقد ظهر من الدراسات المبدئية أن تأثير القرآن المهدىء للتوتر يمكن أن يعزي إلى عاملين: العامل الأول هو صوت الكلمات القرآنية باللغة العربية بغض النظر عما إذا كان المستمع قد فهمها أو لم يفهمها وبغض النظر عن إيمان المستمع . أما العامل الثاني فهو معنى المقاطع القرآنية التي تليت حتى ولو كانت مقتصرة على الترجمة الإنجليزية بدون الاستماع إلى الكلمات القرآنية باللغة العربية.

أما المرحلة الثانية لبحوثنا القرآنية في عيادات " أكبر " فتضمنت دراسات مقارنة لمعرفة ما إذا كان أثر القرآن المهدىء للتوتر وما يصاحبه من تغيرات فسيولوجية عائدا فعلا للتلاوة القرآنية وليس لعوامل أخرى غير قرآنية مثل صوت أو رنة القراءة القرآنية العربية أو لمعرفة السامع بأن ما يقرأ عليه هو جزء من كتاب مقدس. وبعبارة أخرى فإن هدف هذه الدراسة المقارنة هو تحقيق الافتراض القائل بأن الكلمات القرآنية في حد ذاتها لها تأثير فسيولوجي بغض النظر عما إذا كانت مفهومة لدى السامع. وهذا البحث يضم تفاصيل ونتائج هذه الدراسة.

المعدات:- استعمل جهاز قياس ومعالجة التوتر المزود بالكمبيوتر ونوعه ميداك 2002 (ميديكال داتا أكويزين) والذي ابتكره وطوره المركز الطبي لجامعة بوسطن وشركة دافيكون في بوسطن. وهذا الجهاز يقيس ردود الفعل الدالة عام التوتر بوسيلتين إحداهما الفحص النفسي المباشر عن طريق الكمبيوتر والأخرى بمراقبة وقياس التغيرات الفسيولوجية في الجسد. وهذا الجهازمتكامل ويضم المقومات التالية:-

- برنامج للكمبيوتر يشمل الفحص النفساني ومراقبة وقياس التغيرات الفسيولوجية وطباعة تقرير النتائج .

- كمبيوتر من نوع أبل 2 إي مزود بقرصين متحركين وشاشة عرض وطابع.

- أجهزة مراقبة الكترونية مكونة من 4 قنوات، قناتان لقياس التيارات الكهربائية في العضلات معبرة عن ردود الفعل العصبية العضلية وقناة لقياس قابلية التوصيل الكهربائي للجلد. وقناة لقياس كمية الدورة الدموية في الجلد وعدد ضربات القلب ودرجة حرارة الجلد .

وبالنسبة للتيارات الكهربائية في العضلات فإنها تزداد مع ازدياد التوتر والذي يسبب بدوره ازديادا في انقباض العضلات. ولقياس، هذه التغيرات يستعمل موصل كهربائي سطحي يوضع فوق عضلة الجبهة.

أما قابلية التوصيل للجلد فإنها تتأثر بدرجة إفراز العرق في الجلد فتزداد بازدياده وتقل بقلته ، والتوتر يزيد من إفراز العرق في الجلد ، وأما الهدوء وإزالة التوتر فيؤديان إلى نقصان الرطوبة في الجلد وبالتالي نقصان قابليته للتوصيل الكهربائي. ولقياس هذه التغيرات يستعمل موصل كهربائي حول طرف أحد الأصابع.

أما قياس كمية الدم التي تمر في الجلد إضافة إلى قياس درجة حرارة الجلد فيدل على مدى توسع شرايين الجلد أو انقباضها ويستعمل لقياس هذه التغيرات موصل كهربائي حساس يربط حول طرف أحد الأصابع وأية تغيرات في كمية الدم الجاري في الجلد تظهر مباشرة على شاشة العرض إضافة إلى سرعة القلب. ومع زيادة التوتر تنقبض الشرايين فتنخفض كمية الدم الجاري في شرايين الجلد وتنخفض درجة حرارة الجلد وتسرع ضربات القلب.  ومع الهدوء أو نقصان التوتر تتسع الشرايين وتزداد كمية الدم الجاري في الجلد ويتبع ذلك ارتفاع في درجة حرارة الجلد ونقصان في ضربات القلب.

الطريقة والحالات المستعملة. أجريت مائتان وعشرة تجارب على خمسة متطوعين صم ثلاثة ذكور وأنثيان ، تتراوح أعمارهم بين 17، 40 سنة ومتوسط أعمارهم 22 سنة.

وكل المتطوعين كانوا من غير المسلمين ومن غير الناطقين بالعربية. وقد أجريت هذه التجارب خلاله42 جلسة علاجية تضمنت كل جلسة خمس تجارب وبذلك كان المجموع الكلى للتجارب 210. وتليت على المتطوعين قراءات قرآنية باللغة العربية الموجودة خلال 85 تجربة، وتليت عليهم قراءات عربية غير قرآنية خلال 85 تجربة أخرى، وقد روعي في هذه القراءات ، غير القرآنية أن تكون باللغة العربية المجودة بحيث تكون مطابقة للقراءات القرآنية من حيث الصوت واللفظ والوقع عام الأذن ولم يستمع المتطوعون لأية قراءة خلال 40 تجربة أخرى، وخلال تجارب الصمت كان المتطوعون جالسين جلسة مريحة وأعينهم مغمضة، وهي نفس الحالة التي كانوا عليها أثناء المائة وسبعين تجربة الأخرى التي استمعوا فيها للقراءات العربية القرآنية غير القرآنية.

ولقد استعملت القراءات العربية غير القرآنية كدواء خال من المادة العلاجية (بلاسيبو) مشابه للقرآن حيث أنه لم يكن في استطاعه المتطوعين المستمعين أن يميزوا بين القرآن وبين القراءات غير القرآنية، وكان الهدف من ذلك هو معرفة ما إذا كان للفظ القرآن أي أثر فسيولوجي على من لا يفهم معناه وإذا كان هذا الأثر موجودا فهو فعلا أثر لفظ القرآن وليس أثرا لوقع اللغة العربية المرتلة وهي غريبة على أذن السامع .

أما التجارب التي لم يستمع فيها المتطوعون لأية قراءة فكانت لمعرفة ما إذا كان الأثر الفسيولوجي نتيجة للوضع الجسدي المسترخي أثناء الجلسة المريحة والأعين مغمضة.

ولقد ظهر بوضوح منذ التجارب الأولى أن الجلسات الصامتة التي لم يستمع فيها المتطوع لأية قراءات لم يكن لها أي تأثير مهدىء للتوتر، ولذلك اقتصرت التجارب في المرحلة المتأخرة من الدراسة على القراءات القرآنية وغير القرآنية للمقارنة.

ولقد روعي تغيير ترتيب القراءات القرآنية بالنسبة للقراءات الأخرى باستمرار فمرة تكون القراءة القرآنية سابقة للقراءة الأخرى، ثم تكون تالية لها في الجلسة التالية أو العكس.

وكان المتطوعون على علم بأن إحدى القراءات قرآنية والأخرى غير قرآنية ولكنهم لم يتمكنوا من التعرف على نوعية أية من القراءات في أية تجربة.

أما طريقة المراقبة في كل تجارب هذه الدراسة فاقتصرت على استعمال قناة قياس التيارات الكهربائية في العضلات وهي جزء من جهاز " ميداك " الموصوف أعلاه، مستخدمين في ذلك موصلا كهربائيا سطحيا مثبتا فوق عضلة الجبهة.  و المعايير التي تم قياسها وتسجيلها خلال هذه التجارب تضمنت متوسط الجهد الكهربائي في العضلة إضافة إلى درجة التذبذب في التيار الكهربائي في أي وقت أثناء القياس، ومدى حساسية العضلة للإنارة والنسبة المئوية للجهد الكهربائي في نهاية كل تجربة بالنسبة إلى أولها. وقد تم قياس وتسجيل كل هذه المعايير الكترونيا بواسطة الكمبيوتر.

والسبب في تفضيل هذه الطريقة للمراقبة هو أنها تنتج أرقاما فعلية دقيقة تصلح للمقارنة وللتقويم الكمي للنتائج

وفي أية تجربة "و أية مجموعة من التجارب المقارنة اعتبرت النتيجة إيجابية لنوع العلاج الذي أدى إلى أقل جهد كهربائي للعضلة، لأن هذا اعتبر مؤشرا لفعالية أفضل في تهدئة التوتر أو إنقاصه مقارنا بأنواع العلاج الأخرى المستعملة مع نفس المتطوع  في نفس الجلسة.

النتائج: كانت النتائج إيجابية في 65% من تجارب القراءات القرآنية. وهذا يعني أن الجهد الكهربائي للعضلات كان أكثر انخفاضا في هذه التجارب مما يدل على أثر مهدىء للتوتر، بينما ظهر هذا الأثر في 33% فقط من تجارب القراءات غير القرآنية.

وفي عدد من المتطوعين أمكن تكرار هذه النتائج كالإيجابية للقراءات القرآنية بالرغم من إعادة تغيير ترتيبها بالنسبة للقراءات الأخرى مما أكد الثقة في هذه النتائج.

مناقشة النتائج والاستنتاج من الدراسة: لقد أظهرت النتائج المبدئية لبحوثنا القرآنية في دراسة سابقة أن للقرآن أثرآ إيجابيا مؤكدا لتهدئة التوتر، وأمكن تسجيل هذا الأثر نوعا وكما. وظهر. هذا الأثر على شكل تغيرات في التيار الكهربائي في العضلات، وتغيرات في قابلية الجلد للتوصيل الكهربائي، وتغيرات في الدورة الدموية وما يصحب ذلك من تغير في عدد ضربات القلب وكمية الدم الجاري في الجلد ودرجة حرارة الجلد.

وكل هذه التغيرات تدل على تغير في وظائف الجهاز العصبي التلقائي والذي بدوره يؤثر على أعضاء الجسد الأخرى ووظائفها. ولذلك فإنه توجد احتمالات لا نهاية لها للتأثيرات الفسيولوجية التي يمكن أن يحدثها القرآن.

وكذلك فإن من المعروف أن التوتر يؤدي إلى نقص المناعة في الجسم واحتمال أن يكون ذلك عن طريق إفراز الكورتيزول أو غير ذلك من ردود الفعل بين الجهاز العصبي وجهاز الغدد الصماء ولذلك فإنه ومن المنطق افتراض أن الأثر القرآني المهدىء للتوتر يمكن أن يؤدي إلى تنشيط وظائف المناعة في الجسم، والتي بدورها ستحسن من قابلية الجسم على مقاومة الأمراض أو الشفاء منها وهذا ينطبق على الأمراض المعدية والأورام السرطانية وغيرها.

كما أن نتائج هذه التجارب المقارنة تشير إلى أن كلمات القرآن بذاتها وبغض النظر عن مفهوم معناها، لها أثر فسيولوجي مهدىء للتوتر في الجسم البشري.

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن هذه النتائج المذكورة هي النتائج المبدئية لعدد محدود من التجارب المجراة علىعدد صغير من المتطوعين .

وبرنامج البحوث القرآنية مازال مستمرا لتحقيق عدد من الأهداف نذكر منها التالي:

ا- إجراء عدد أكبر من التجارب على عدد أكبر من المتطوعين لتأكيد النتائج الحالية.

2- مقارنة أثر الكلمات لقرآنية بأثر المعاني القرآنية سواء باللغة العربية أو المترجمة.

3- مقارنة تأثير الآيات المختلفة من القرآن مثل آيات الترغيب وآيات الترهيب.

4- مقارنة تأثير القرآن بتأثير الوسائل العلاجية الأخرى المستعملة حاليا لتهدئة التوتر.

5- اختبار أثر القرآن العلاجي الطويل المدى على وظائف المناعة في الجسم سواء منها المتعلق بالخلايا أو الأجسام المضادة في الدم.

6- اختبار أثر القرآن العلاجي في حالات مرضية معينة وخاصة الحالات البدنية منها، وتمحيص هذا الأثر بالطرق العلمية الدقيقة.

ويتضح من المذكور أعلاه أن هذا البرنامج للبحوث القرآنية برنامج طويل ومعقد وسيتطلب عددا من الدراسات المستقلة وسيستغرق عددا من السنين لإتمامه. ولكنه كذلك موضوع في غاية من الأهمية ويبشر بنتائج طيبة نرجو أن تكون لها فائدة عملية مجزية.

حكم العلاج العضوى والنفسي بالقرآن [331] , للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ,

سؤال من : م . ب - من الرياض : هل التداوي والعلاج بالقرآن يشفي من الأمراض العضوية كالسرطان كما هو يشفي من الأمراض الروحية كالعين والمس وغيرهما؟ وهل لذلك دليل؟ جزاكم الله خيرا .

الجواب: القرآن والدعاء فيهما شفاء من كل سوء بإذن الله ، والأدلة على ذلك كثيرة ، منها قوله تعالى : ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء ) [332]

 وقوله سبحانه: ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) [333]

أَنَّ النَّبِيَّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ ‏ ‏نَفَثَ ‏ ‏فِيهِمَا ‏ ‏فَقَرَأَ فِيهِمَا ‏ ‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ‏ ‏وَ ‏ ‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ‏ ‏وَ ‏ ‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ‏ ‏ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.  ا ه [334]

الوجه الخامس عشر من لإعجاز  اللغوي

لا تنبض ينابيع إعجازه اللغوي

ا - قال ابن سراقة‏:‏ اختلف أهل العلم في أوجه إعجاز القرآن فذكروا في ذلك وجوهًا كثيرة كلها حكمة وصوابًا وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءًا واحدًا من عشر معشاره [335]

ب - قال السيوطي : (  أنه لم يزل ولا يزال غضًا طريًا في أسماع السامعين وعلى ألسنة القارئين‏ ) [336].‏

ج -  ‏عَنْ ‏ ‏ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الْحَارِثِ ‏ ‏قَالَ ‏

مَرَرْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ فَدَخَلْتُ عَلَى ‏ ‏عَلِيٍّ ‏ ‏فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا ‏ ‏تَرَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الْأَحَادِيثِ قَالَ وَقَدْ فَعَلُوهَا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ ‏ ‏فِتْنَةٌ ‏ ‏فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ ‏ ‏الْفَصْلُ ‏ ‏لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ ‏ ‏قَصَمَهُ ‏ ‏اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا ‏ ‏تَزِيغُ ‏ ‏بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا ‏ ‏يَخْلَقُ ‏ ‏عَلَى كَثْرَةِ ‏ ‏الرَّدِّ ‏ ‏وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا ‏ (  إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِه )  [337]

‏من التعليقات الطيبة علي هذا الحديث [338] :

 ‏( ولا يشبع منه العلماء )  ‏أي لا يصلون إلى الإحاطة بكنهه حتى يقفوا عن طلبه وقوف من يشبع من مطعوم بل كلما اطلعوا على شيء من حقائقه اشتاقوا إلى آخر أكثر من الأول , وهكذا فلا شبع ولا سآمة ‏

‏( ولا يخلق ) ‏‏بفتح الياء وضم اللام , وبضم الياء وكسر اللام من خلق الثوب إذا بلي , وكذلك أخلق ‏

‏( عن كثرة الرد ) ‏‏, أي لا تزول لذة قراءته وطراوة تلاوته , واستماع أذكاره وأخباره من كثرة تكراره . ‏

‏قال القاري : وعن على بابها , أي لا يصدر الخلق من كثرة تكراره كما هو شأن كلام غيره تعالى , وهذا أولى مما قاله ابن حجر , من أن عن بمعنى مع انتهى . قلت : قد وقع في بعض نسخ الترمذي على مكان عن , وهو يؤيد ما قاله ابن حجر ‏

‏( ولا تنقضي عجائبه ) ‏أي لا تنتهي غرائبه التي يتعجب منها ) اه

الوجه السادس عشر من الإعجاز اللغوي

جمعه لعلوم  لغوية بصورة معجزة إختص بها

ا -  قال السيوطي ( وقال آخرون‏:‏ هوكونه جامعًا لعلوم يطول شرحها ويشق حصرها أه‏. ) [339]

قال القاضي عياض (ومنها‏:‏ جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب ولا أحاط بعلمها أحد في كلمات قليلة وأحرف معدودة‏.‏قال‏:‏ وهذا الوجه داخل في بلاغته فلا يجب أن يعد فنًا مفردًا في إعجازه ) [340]

ب - كل ما فيه من علوم لغوية جزء منه لا تنفصل عنه

منها القصص , الأمثال

الوجه السابع عشر من الإعجاز اللغوي

ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة

ومن أشهر من قال ذلك الرماني في كتابه ( النكت في إعجاز القرآن)  

قال الرماني‏:‏ وجوه إعجاز القرآن تظهر من جهات ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة والتحدي للكافة والصرفة والبلاغة ..................ونقض العادة وقياسه بكل معجزة‏.‏

الناس مولعون بتقليد الجميل , ما الذي منعهم من تقليد القرآن

قال د. دراز [341] ( وما ذلك إلا أن فيه منعة طبيعية كانت وما زالت تكف أيديهم عنه , تتمثل أول ما تتمثل في غريب تأليفه , وما اتخذه في رصف حروفه وكلماته وجملهوآياته من نظام له سمت واحد خرج عن كل نظم تعاطاه الناس , أو يتعاطونه , ولهذا لم يجدوا سبيلا يسلكونه في إلي تذليل منهجه , وآية ذلك أن أحدا لو حاول أن يدخل عليه شيئا من كلام الناس لأفسد بذلك مزاجه عند كل قارئ , ولجعل نظامه يضطرب في أذن كل سامع , وأذن لنا علي نفسه بانه دخيل واغل , ولنفاه القرآن عن نفسه كما ينفي الكير خبث الحديد )

التحدي [342]

ا - معظم آيات التحدي نزلت في زمن ضعف المسلمين!! فعندما ادعى المشركون أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو من تقوّل القرآن، أجابهم الله تعالى: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) [343]  وهذه الآية نزلت في مكة المكرمة في بدايات الدعوة.

ب - عندما اتهم الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كذب على الله وافترى عليه القرآن، أمر الله حبيبه محمداً أن يرد عليهم ويطلب منهم وهم أرباب البلاغة- أن يأتوا بسورة واحدة مثل القرآن. يقول تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [344] وهذه الآية نزلت في مكة المكرمة أيضاً في مرحلة ضعف المسلمين.

ج -  نزول آيات التحدي في بدايات الدعوة هو دليل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان محمد هو الذي ألّف القرآن إذن فالأجدر به أن ينتظر حتى يصبح قوياً ثم يتحدى!! فالضعيف لا يمكن أن يتحدى أحداً، ولكن النبي الكريم كان قوياً لأن الله معه!

د -  القرآن الكريم قد عرض أقوال أعدائه وحججهم منذ بداية نزوله، وهذا دليل إضافي على أن القرآن ليس من قول الرسول. ونحن لا نعلم أبداً في التاريخ رجلاً واحداً بدأ دعوته بالتحدي، ولا نعلم أن أحداً عرض في كتابه أقوال معارضيه بصورة كاملة، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا لبحث منذ اللحظة الأولى عن مؤيدين له بغض النظر عن معتقداتهم، كما يفعل أي إنسان يبتغي الشهرة والمال والجاه.

ب - القرآن يرد علي منكريه : -

1- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [345]

2- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)  [346] , 3- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) [347]

4- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)  [348]

5- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)  [349]

نلاحظ أنه لدينا خمس أسئلة وهي (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ؟) ولدينا خمس إجابات كما يلي:

1- تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة مثل القرآن فقال في الآية الأولى: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ).

2- تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثل القرآن، فقال في الآية الثانية (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ).

3- بيَّن لهم أن الرسول لو كان كاذباً فإنما كذبه على نفسه ولن يضرهم شيئاً، فقال في الآية الثالثة: (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي).

4- بيَّن لهم أن كلامهم غير صحيح وأن القرآن حق من عند الله تعالى، فقال في الآية الرابعة: (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ).

5- بين لهم أنه لو كذب على الله فمن يحميه من الله؟؟ فقال في الآية الخامسة والأخيرة: (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا).

نلاحظ أن الآيات الخمس نزلت بمكة أي في مرحلة ضعف المسلمين وقلة عددهم، وهذا أبلغ أنواع التحدي أن تتحدى الكفار وليس معك أحد إلا الله تعالى

من عارض القرآن بقرآن من عنده , أشهرهم :-

1 مسيلمة الكذاب

ا - يا ضفادع كم تنقين أعلاك في الماء وأسفلك في الطين لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين .

وفي ذلك يقول الجاحظ ( ولا أدري ما الذي هيج مسيلمة علي ذكرها , ولم أساء رأيه فيها حتي جعل بزعمه فيها فيما أنزل عليه من قرآنه يا ضفدع  كم .......... [350]

ب -  والمبذرات زرعا؛ والحاصدات حصدا؛ والذريات قمحا؛ والطاحنات طحنا؛ والحافرات حفرا؛ والخابزات خبزا؛ والثاردات ثردا؛ واللاقمات لقما؛ لقد فضلتم على أهل الوبر وما سبقكم أهل المدر؛ ريفكم فامنعوه؛ والمعتر فآوه؛ والباغي فناوئوه.

يقلد السورة الكريمة ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا 1 وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا 2 وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا 3 فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا 4 فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) 5  [351]......

ج -  ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وأحشا.. ومن ذكر وأنثى

د -  ولليل الدامس؛ والذئب الهامس؛ ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس.

ي -  ألم تر أن الله خلقنا أفواجا وجعل النساء لنا أزواجا فنولج فيهن الغراميل إيلاجا ثم نخرجها إخراجا فينتجن لنا سخالا إنتاجا.

ب - الفيل ما الفيل وما أدراك ما الفيل له ذنب وثيل ومشفر طويل وان ذلك من خلق ربنا لقليل..

يقلد السورة الكريمة ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ 1 أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ 2 وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ 3 تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ 4 فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ 5  ) [352]

ف - إ نا أعطيناك الجواهر فصل لربك وهاجر إن مبغضك رجل فاجر

ع -  انا أعطيناك الكواثر فصل لربك وبادر في الليالي الغوادر واحذر أن تحرص أو تكاثر..

يقلد سورة الكوثر ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ 1 فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ 2 إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ  ) 3 [353]

ثم علق الرافعي رحمه الله ( وكل كلامه علي هذا النمط واه سخيف لا ينهض ولا يتماسك و بل هو مضطرب النسج مبتذل المعني مستهلك من جهتيه ) [354]

2 - طليحة الأسدي من معارضي للقرآن

روى سهل بن يوسف قال: أخذ المسلمون رجلاً من بني أسد فأتى به خالد بالغمر ـ وكان عالماً بأمر طليحة ـ فقال له خالد: حدثنا عنه، وعما يقول، فزعم أن مما أتى به ( والحمام واليمام والصرد الصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغ ملكنا العراق والشام).

3 -  ذكر بعض الرواة أن الشاعر أحمد بن الحسين الشهير بالمتنبي ( ت 354 ه )  ، عارض القرآن بمائة وأربع عشرة عبرة، منها :-

: ((والنجم السَّيار)) والفلك الدوار، والليل والنهار إن الكافر لفي أخطار، إمضِ على سننك، واقف أثر من كان قبلك من المرسلين، فان الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه، وضل عن سبيله)).

قال الرافعي (  ونحن لاى نمنع أن يكون للرجل شيء من هذا ومثله , ......... ولم يكن المتنبي كاتبا , ولا بصيرا بأساليب الكتابة وصناعتها  ووجوهها , ولا هو عربي قح من فصحاء البادية , وإن كان في حفظ اللغة ما هو , فليس يمنع سقوط ذلك الكلام الذي نسب إليه  ) [355]

4 - أبي العلاء المعرى، وقد قالوا إنه عارض القرآن بكتابه (الفصول والغايات) وقد اختار صاحب معجم الأدباء الكلمتين الآتيتين: ـ

ا ـ ((أقسم بخالق الخيل ، والريح الهابة بلَيْل، ما بين الأشراط ومطالع , سهيل، إن الكافر لطويل الويل، وان العمر لمكفوف الذيل، اتق مدارج ، وطالع التوبة من قبَيْل ، تنج، وما أخالك بناج)).

ب ـ ((أذلت العائذة أباها، وأصاب الوحدة وربّاها، والله بكرمه اجتباها، أولاها الشرف بما حباها، أرسل الشمال صباها، ((ولا يخاف عقباها))، وقد ذكروا أنه قيل له: ما هذا إلا جيد غير أنه ليس عليه طلاوة القرآن.

قال: حتى تصقله الألسن في المحاريب أربعمائة سنة، وعند ذلك انظروا كيف يكون.

الوجه الثامن عشر من الإعجاز اللغوي

حفظه من التحريف

ا - قال القاضي عياض ‏:‏ ومن وجوه إعجازه كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع ما تكفل الله بحفظه [356]

ا- وقد تعاقبت الأجيال جيلا بعد جيل تتلو كتاب الله وتتدارسه بينهم ، فيحفظونه ويكتبونه ، لا يغيب عنهم حرف ، ولا يستطيع أحد تغيير حركة حرف منه ، ولم تكن الكتابة إلا وسيلة من وسائل حفظه وإلا فإن الأصل أن القرآن في صدورهم .

ب-  وإن تحدَّث القرآن عن أشياء غيبية مستقبلية ، أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ليبيِّن أنه من عند الله ، وأن البشر لو أرادوا كتابة كتاب فإنهم قد يبدعون في تصوير حادث ، أو نقل موقف ، لكن أن يتحدث أحدهم عن أمر غيبي فليس له في هذا المجال إلا الخرص والكذب ، وأما القرآن فإنه أخبر عن هزيمة الروم من قبل الفرس ، وليس هناك وسائل اتصال تنقل لهم هذا الحدث ، وأخبر في الآيات نفسها أنهم سيَغلبون فيما بعد في مدة معينة ، ولو أن ذلك لم يكن لكان للكفار أعظم مجال للطعن في القرآن .

ج-  ولو جئت إلى آية من كتاب الله تعالى فذهبت إلى أمريكا أو آسيا أو أدغال أفريقيا أو جئت إلى صحراء العرب أو إلى أي مكان يوجد فيه مسلمون لوجدت هذه الآية نفسها في صدورهم جميعاً أو في كتبهم لم يتغير منها حرف

الوجه التاسع عشر  من الإعجاز اللغوي

اللفظ و المعني كأنهما روحان يمتزجان لا يطغي احدهما علي الآخر

ونجد هذا الإعجاز واضحا جليا في القرآن الكريم كله , مما صح من القرآت , ونجد العجز جليا عند كبار الشعراء و الأدباء , فمن المشهور عند فحول الشعراء وضع لفظة لا يريدها للحفاظ علي القافية , وبالتالي نجد إخلالها بالمعني , وذلك متناثر في كتب الأدب و النقد ومن شاء فليراحع   .

الوجه العشرون من الإعجاز اللغوي

نزوله علي سبعة أحرف

القرآن نزل على حرف واحد أول الأمر ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل يستزيد جبريل حتى أقرأه على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ والدليل على ذلك حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أقرأني جبريل على حرف فراجعته فزادني فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى على سبعة أحرف " [357]

ا - معنى الأحرف : ( سبعة أوجه من القراءة تختلف باللفظ وقد تتفق بالمعنى واٍن اختلفت بالمعنى : فاختلافها من باب التنوع والتغاير لا من باب التضاد والتعارض  ). [358]

 ومعنى " حرف " في اللغة : الوجه ، قال تعالى : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ) [359].

ب - اختلف العلماء في تفسير معنى هذه الأحرف حتى قال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى : ( أنها وصلت إلى أكثر من أربعين قولاً ) وأكثر هذه الآراء متداخل

ج - ذهب أكثرالعلماء إلى أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب في التعبير عن معنى من المعاني فيأتي القرآن منزلاً بألفاظ على قدر هذه اللغات لهذا المعنى الواحد وحيث لا يكون هناك اختلاف فإنه يأتي بلفظ واحد أوأكثر .

قال السيوطي رحمه الله تعالى : ( واختلفوا في تحديد اللغات السبع فقيل : هي لغات قريش ، وهذيل ، وثقيف ، وهوازن ، وكنانة ،وتميم ، واليمن ، وقيل غير ذلك ) .

فربما أدخل البعض لهجات أخرى في هذه المذكورات و أخرج غيرها منها ، وقد تتداخل أكثر من لهجة مع بعضها في كيفية النطق ببعض الكلمات .

ج - تحديد القراءات السبعة فهي ليست من تحديد الكتاب والسنة ولكنها من اجتهاد ابن مجاهد رحمه الله فظن الناس أن الأحرف السبعة هي القراءات السبعة لاتفاقها في العدد

نزوله منجما في نيف وعشرين عاما , وجاء كله علي درجة واحدة من التماسك والفصاحة والجلال , .............إلخ

وهذا مما يعجز عنه البشر

قال السيوطي في الإتقان [360] : (  نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجماً في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين على حسب الخلاف في مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة.

ومعنى نزوله منجماً أنه نزل مفرقاً أي لم ينزل دفعة واحدة، وإنما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجزءاً حسب الوقائع والأحداث، والعرب تقول للمفرق: منجَماً.

وأما لماذا نزل كذلك، ولم ينزل دفعة واحدة؟ فقد تولى الله جواب ذلك، فقال سبحانه ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَة ) [361]

قال السيوطي : يعنون كما أنزل على من قبله من الرسل. فأجابهم الله بقوله "كذلك" أي أنزلناه كذلك مفرقاً "لنثبت به فؤادك" أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى بالقلب، وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم كثرة نزول الملك إليه، وتجدد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز؟، فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة[362]

الحكمة في نزوله منجما : -

اولا: تثبيت قلب النبي (صلي الله عليه وسلم) امام اذي المشركين.

ثانيا : التلطف بالنبي (صلي الله عليه وسلم) عند نزول الوحي .

ثالثا : التدرج في تشريع الا حكام السماوية .

رابعا: تسهيل حفظ القران وفهمه علي المسلمين .

خامسا: مسايرة الحوادث والوقائع.والتنبيه عليها في حينها.

سادسا:الارشاد الى مصدر القران

الوجه الحادي و العشرون  من الإعجاز اللغوي

إرضاؤه للعقل والعاطفة :

يخاطب العقل و القلب في آن واحد فلا يطغي أحدهما علي الآخر

وعلي سبيل المثال آيات وصف الجنة ومنها (قال الله تعالى: { مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَـرُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَـفِرِينَ النَّارُ } [363]

، وقال تعالى: { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ } [364]

وقال تعالى: { وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّـتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَـرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ

مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَـبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَـلِدُونَ } [365]

-وقال تعالى: { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِـَانِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَنٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } [366] ، وقال تعالى: { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } [367]

وقال تعالى: { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [368]

فالعقل يتمتع بالوصف العظيم وما فيه من روائع حيرت البلغاء والباحثين مما حيرهم جيلا بعد جيل , والعاطفة تتمتع بهذه الأوصاف الجميلة و التي تاسر النفس وتجعلها أسيرة لهذه المتع العاطفية بلا كلل أو ممل  , والقرآن كله علي هذا الإمتاع العاطفي والعقلي , فسبحان الله رب العالمين .

الوجه الثاني والعشرون من الإعجاز اللغوي

إرضاؤه للعامة والخاصة

قال محمد عبد العظيم الزرقاني  في ( مناهل العرفان ) [369]

إرضاؤه العامة والخاصة ومعنى هذا أن القرآن الكريم إذا قرأته على العامة أو قرئ عليهم أحسوا جلاله وذاقوا حلاوته وفهموا منه على قدر استعدادهم ما يرضي عقولهم وعواطفهم وكذلك الخاصة إذا قرؤوه أو قرئ عليهم أحسوا جللاه وذاقوا حلاوته وفهموا منه أكثر مما يفهم العامة ورأوا أنهم بين يدي كلام ليس كمثله كلام لا في إشراق ديباجته ولا في امتلائه وثروته ولا كذلك كلام البشر فإنه إن أرضى الخاصة والأذكياء لجنوحه إلى التجوز والإغراب والإشارة لم يرض العامة لأنهم لا يفهمونه وإن أرضى العامة لجنوحه إلى التصريح والحقائق العارية المكشوفة لم يرض الخاصة لنزوله إلى مستوى ليس فيه متاع لأذواقهم ومشاربهم وعقولهم .

الوجه الثالث والعشرون من الإعجاز اللغوي

عجز الرسول صلي الله عليه وسلم عن الإتيان ببدل له

قال الحافظ إبن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالي (  وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمم ) [370]

يخبر تعالى  عن تعنت الكفار من مشركي قريش الجاحدين المعرضين عنه أنهم إذا قرأ عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب الله وحجته الواضحة قالوا له ائت بقرآن غير هذا أي رد هذا وجئنا بغيره من نمط آخر أو بدله إلى وضع آخر قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم " قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي " أي ليس هذا إلي إنما أنا عبد مأمور ورسول مبلغ عن الله " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [371]      ) [372]

الوجه الرابع والعشرون من الإعجاز اللغوي

الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم [373]

نشطت الجهود لتتبع الظواهر اللغوية في القرآن الكريم، للكشف عن أسرار هذا الكتاب المعجز، في نظمه ولفظه وصوته.. المعجز في معانيه، المعجز في أثره..الخ.

و الخطوط العريضة للإعجاز الصوتي ما يلي : -

1 - أثر صوتيات القرآن الكريم في الاستقرار الصوتي للغة العربية.

2- الفاصلة بين التناسق الصوتي ورعاية المعنى.

3 -  قضية التناسق الصوتي على مستوى اللفظ والصوت المفرد والتركيب في القرآن الكريم.

أولاً: أثر صوتيات القرآن الكريم في الاستقرار الصوتي للغة العربية:

كان التلقي الشفاهي هو الأساس في نقل القرآن الكريم، بداية من سيدنا جبريل عليه السلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وصولاً إلى زماننا المعاصر، وهكذا إلى أن تقوم الساعة.

لهذه الخاصية (المشافهة) آثار تصل إلى حد الإعجاز، لكن إلف العادة هو الذي يمنعنا أو يحجب عنا ملاحظة نواحي الإعجاز. ولكن إذا ما قورنت العربية بغيرها من اللغات وما حدث لها ـ يظهر أثر القرآن على الاستقرار الصوتي للغة العربية. ويمكن إجمال الأثر في العناصر التالية:

ثانياً: الفاصلة بين التناسق الصوتي ورعاية المعنى :

أود هنا ـ بدايةً ـ توضيح ملاحظة تتصل بأدب السلف من صالحي هذه الأمة، حيث أطلقوا على نهايات الآيات القرآنية تسمية (رءوس الآيات)، تمييزاً لها عن مصطلحات الشعر والنثر، ففي الشعر نقول: صدر البيت وعجزه، وفي النثر نقول بداية الجملة ونهايتها، فبداية الآية عندهم كنهايتها : رأس، أي مستوى من الارتفاع والارتقاء لا ينتهي ولا يهبط أبداً، والوقف عند الرأس يشعر بأن آيات القرآن قمم يرقى القارئ إليها، وكلما مضى في القراءة ازداد رقياً، فهو صاعد أبداً، حيث يقال لقارئ القرآن : (أقرأ وارق، فأن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) ..

ومعلوم أن رءوس الآيات توقيفية، أي كما جاءت بالتلقي عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والملاحظ في رءوس الآيات التناسب الصوتي الذي يلفت الانتباه وتستريح له الآذان إلى حد يأخذ بالنفس، ولعله كان أحد الأسباب التي جعلت الوليد يقول بعد سماعه القرآن: (إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة) وهما من حس اللسان وحسن الأذن. وإذا ما أحببت محاولة الكشف عن الظاهرة بأسلوب علمي، وذلك بتتبع أصوات الحروف والحركات التي تكوّن هذه الفواصل، بهذا التناسق الصوتي المبدع، فإننا نلاحظ التالي :

كثرة ورود الحركات، وبخاصة الطويلة [ حروف المد: الألف والواو، والياء]، بما لها من نغمات منتظمة تسيطر على لحن الكلام، يضاف إلى هذا كثرة ورود الصوامت المتوسطة(النون ـ الميم ـ الراء ـ الواو ـ الياء)، وهي قريبة ـ من الناحية الفيزيائية ـ إلى طبيعة الحركات، التي تسهم في خاصية التنغيم الشجيّ بشكل واضح. يدعم هذا ظواهر صوتية خاصة بالقرآن: المد والغنّة . وكل هذه العناصر الصوتية لا تكون بهذا التناسب الفريد في غير القرآن من فنون الشعر والنثر.

سؤال اعتراضي :هل هذا التناسب الصوتي هو من قبيل السجع، حيث يتوالى الكلام المنثور على حرف واحد، ليكتسب النثر ضرباً من الموسيقى والنغم؟ وهل هو من قبيل القافية في الشعر؟

والجواب:لا هذا ولا ذالك، فالفاصلة في القرآن ليست على وتيرة واحدة، كما هو الحال في كل من السجع والتقفية، فهي لا تلتزم شيئاً من ذلك، حيث تجري في عدد من آيات القرآن على نمط، ثم يتحول عنه إلى نمط آخر، ومن خلال جريها على نمط واحد، فأغلب ما تقوم عليه هو حرف المد.

يقول الله تعالى : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ {1} بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ {2} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ {3} قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ {4} بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ{5} أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ [374]

والفاصلة قيمة صوتية ذات وظيفة دلالية، ورعايتها تؤدي إلى تقديم عنصر أو تأخيره، ليس فقط رعاية للتناسق الصوتي، بل رعاية للمعنى أيضاً، وهذا هو الإعجاز.

الأمثلة :( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ  )

[375]، فإن قلت: لم قدم العبادة على الاستعانة؟ أجابك اللغويون أصحاب الحس المرهف، وعلى رأسهم الزمخشري، حيث قال : (هو من تقديم العلة على المعلول).

وقال أبو السعود: (هو من باب تقديم الشرف).

وقوله تعالى :( وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى  ) [376]، لماذا قدم الآخرة على الأولى؟

 والجواب أن ذلك مرتبط بسياق السورة ومقصدها، فقد قامت السورة لتأكيد سوء العاقبة والإنذار لمن كذب وأعرض بالتنكيل به في الآخرة، في مقابل الثواب الذي ينتظر من أحسن وتصدق، فإذا ما تحقق مع هذا المعنى الانسجام الصوتي وتناسب الإيقاع في الفواصل، فذلك لا يتم على هذا الوجه من الكمال في غير هذا النظام القرآني المعجز.

ومن قال بالتقديم لرعاية الفاصلة فقط، فهو قصور عن فهم المعنى المراد، فالتقديم والتأخير يرتبطان بالسياق والمعنى المراد.

أيضاً الترتيب في تقديم الصفات الخاصة بالله تبارك وتعالى، أو الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ـ مرتبط بالسياق، من ذلك قوله تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [377]

، وقال تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [378]

فقدم الرحمة في آية سبأ، لأنها منشأ المغفرة. أما الغفور فتقدم في كل موضع في القرآن فيه ولو إشارة إلى وقوع المعاصي وكفران النعم.

ثالثاً: التناسق الصوتي على مستوى اللفظ والصوت والمفرد والتركيب في القرآن الكريم:

أول ما يلفت الانتباه هو إن القرآن الكريم قد خلا من التنافر في بنية كلماته، فأصواته كلها قامت على الائتلاف، هذا من جانب، ومن جانب آخر فقد سجلت كلمات القرآن الكريم قمة التناسق بين أصواتها والمعاني المرادة لها، وهذا هو الجديد في الصوت القرآني : أن يوظف الصوت المفرد داخل الكلمة لخدمة المعنى المقصود، وإليك هذه الأمثلة.

(1) التناسب بين صفات الصوت ومعنى الكلمة:

من ذلك التشديد بعد قلب التاء من جنس ما بعدها ليدل على التردي الجماعي، أو المبالغة في التثاقل، أو الاستعصاء على الهدى، من ذلك قوله تعالى:( حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ ) [379]

أصل الفعل (تداركوا) وقلبت التاء دالاً وأدغمت في الدال، فلما سكنت جئ بهمزة الوصل، والتشديد يوحي هنا بتداعيهم في النار متزاحمين بغير نظام، بل إن اشتمال التشديد على سكون فحركة يدل على أن تزاحمهم في النار جعل بعضهم يعوق بعضاً قبل أن يتردوا فيها، فكأن النقطة التي تداعوا عندها كانت كعنق زجاجة. ويشبه هذا إيحاء التكرار في قوله تعالى:( فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ )) [380]

ومن هذا أيضاً قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ  ) [381] , أيضاً ما يوحيه التفخيم من الإحساس بالمبالغة في الحدث او الصفة، من ذلك قوله تعالى: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [382]

فكأن ارتفاع الصوت بالصراخ ومشاركتهم جميعاً فيه وتكرار ذلك منهم لا يكفي أن يعبر عنه بالفعل المجرد (يصرخون)، فجاءت تاء الافتعال لتدل على المبالغة، وقصد لها أن تجاور الصاد المطبقة فتتحول بالمجاورة إلى التفخيم (تصبح طاء) ليكون في تفخيمها فضل مبالغة في الفعل . ومن ذلك أيضاً قوله تعالى:( تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ) [383]

و(ضيزى) تعني : جائزة ظالمة، لكن لفظ (ضيزى) جاء هنا ليحقق غرضين هما: رعاية الفاصلة التي غلبت فيها الألف المقصورة، والثاني: الإيحاء ـ بماء في الضاد من تفخيم ـ إلى أن الجور في هذه القسمة لا مزيد عليه.

قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ  ) [384]

والصيب : النزول الذي له وقع وتأثير، ويطلق على المطر والسحاب، وتنكيره لما أنه أريد به نوع شديد هائل، كما أن الصاد المستعلية (المفخمة) والياء المشددة والباء الشديدة تدل على القوة والتدفق وشدة الانسكاب.

(2) التناسب بين إيحاء الصوت ومعنى الكلمة:

ومن التناسب بين إيحاء الصوت والدلالة المقصودة للكلمة قوله تعالى : (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا  ) [385]

[386]حيث يوحي لفظ السلسبيل بالسلاسة والسهولة ويسر الاستساغة، وذلك لما بين اللفظين (سلسبيل/سلاسة) من شركة في بعض الحروف. هذا في مقابل الإيحاء في جهة الضد للمعنى السابق، كما في قوله تعالى: (إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا )  [387] , حيث أن مادة (غسق) في القرآن الكريم منها الغسق، والغاسق والغساق ـ توحي أن القسط المشترك بين هذه المشتقات الدلالة على أمور كريهة، فالغسق :الظلمة، والغاسق: الليل الشديد الظلمة، والغساق : شئ كريه لا يشرب، وفسروه بالصديد، وتستفاد هذه الدلالة لغوياً من إيحاء الغين والقاف هنا. ومثله في التفسير قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ  ) [388]

، وقوله تعالى :( لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ )

[389]، والضريع نبات شوكي. وإيحاء لفظ (ضريع ) في الطعام يفيد ذلاً يؤدي إلى تضرع كل منهم وسؤال الله العفو عن ذلك. يقابله في المعنى على الجهة الأخرى قوله تعالى :( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ  ) [390]

(  قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ  ) [391]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث

(إعجاز رسم القرآن - ما أقحمه البعض من خزعبلات حول إعجاز ترتيب فواتح السور و الإعجاز العددي فأدخلوا في القرآن ماليس فيه الصرفة القدر المعجز من القرآن  )

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  وجوه باطلة مسألة الإعجاز اللغوي

أولا : -إعجاز رسم القرآن

معني رسم القرآن[392] :-

الرسم في اللغة: الأثر أي: أثر الكتابة في اللفظ،وهو تصوير الكلمة بحروف هجائها بتقدير الابتداء بها و الوقوف عليها.

وفي اصطلاح العلماء: - الرسم هو الوضع الذي ارتضاه سيدنا عثمان رضي الله عنه في كتابة كلمات القرآن و حروفه. فالأصل في المكتوب موافقته للمنطوق،لكن ذلك أهمل في المصاحف العثمانية لأغراض تأتي.

 ليس من الإعجاز لأنه جاء بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم فليس وحيا إلهيا 

ثانيا : - ما أقحمه البعض من خزعبلات حول إعجاز ترتيب فواتح السور و الإعجاز العددي فأدخلوا في القرآن ماليس فيه

مثل : -مصطلح الإعجاز العددي يتألف من ركنين أساسين:

أولهما: أن يكون أمراً معجزاً ليس في مقدور البشر المجيء بمثله.

الثاني: أن يكون الأمر المعجز معتمدا على الأرقام والأعداد.

يجب التنبيه أن الإسلام لم يدلنا علي طريقة إستنتاج أحداث أو أي أمر من تلقاء أنفسنا بل الشرع بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة , بفهم علماء السلف الصالح .

هذا المصطلح قد أحاط ظهوره في العصر الحديث كثير من الدخل والدخن؛ فالحسابات العددية ارتبطت بالبهائية , و غيرها .

وما أجمل ما ذكره سيد قطب رحمه الله [393] (   وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن ، الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه، وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه، وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها... كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه!.

إن القرآن كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها... لأنه هو الإنسان ذاته الذي يكتشف هذه المعلومات وينتفع بها.. والبحث والتجريب والتطبيق من خواص العقل في الإنسان. والقرآن يعالج بناء هذا الإنسان -بناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره- كما يعالج بناء المجتمع الإنساني الذي يسمح بأن يحسن استخدام هذه الطاقات المذخورة فيه. وبعد أن يوجد الإنسان السليم التصور والتفكير والشعور، ويوجد المجتمع الذي يسمح له بالنشاط، يتركه القرآن يبحث ويجرب، ويخطئ ويصيب، في مجال العلم والبحث والتجريب. وقد ضمن له موازين التصور والتدبر والتفكير الصحيح.

كذلك لا يجوز أن نعلق الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن أحيانا عن الكون في طريقة لإنشاء التصور الصحيح لطبيعة الوجود وارتباطه بخالقه، وطبيعة التناسق بين أجزائه.. لا يجوز أن نعلق هذه الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن بفرض العقل البشري ونظرياته، ولا حتى بما نسميه (حقائق علمية) مما ينتهي إليه بطريق التجربة القاطعة في نظره.

إن الحقائق القرآنية حقائق نهائية قاطعة مطلقة، أما ما يصل إليه البحث الإنساني -أيا كانت الأدوات المتاحة له- فهي حقائق غير نهائية ولا قاطعة، وهي مقيدة بحدود تجاربه وظروف هذه التجارب وأدواتها... فمن الخطأ المنهجي -بحكم المنهج العلمي الإنساني ذاته- أن نعلق الحقائق النهائية القرآنية بحقائق غير نهائية. وهي كل ما يصل إليه العلم البشري.

هذا بالقياس إلى (الحقائق العلمية)... والأمر أوضح بالقياس إلى النظريات والفروض التي تسمى (علمية).. ومن

هذه النظريات والفروض كل النظريات الفلكية، وكل النظريات الخاصة بنشأة الإنسان وأطواره، وكل النظريات الخاصة بنفس الإنسان وسلوكه.. وكل النظريات الخاصة بنشأة المجتمعات وأطوارها... فهذه كلها ليست (حقائق علمية) حتى بالقياس الإنساني. وإنما هي نظريات وفروض كل قيمتها أنها تصلح لتفسير أكبر قدر من الظواهر الكونية أو الحيوية أو النفسية أو الاجتماعية، وإلى أن يظهر فرض آخر يفسر قدرا أكبر من الظواهر، أو يفسر تلك الظواهر تفسيرا أدق! ومن ثم فهي قابلة للتغيير والتعديل والنقص والإضافة، بل قابلة لأن تنقلب رأسا على عقب، وبظهور أداة كشف جديدة، أو بتفسير جديد لمجموعة الملاحظات القديمة!.

وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة -أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة كما أسفلنا- تحتوي أولاً على خطأ منهجي أساسي. كما أنها تنطوي على معانٍ ثلاثة كلها لا يليق بالقرآن الكريم:

المعنى الأول: الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع، ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم، أو الاستدلال له من العلم. على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه، ونهائي في حقائقه، والعلم لا يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس، وكل ما يصل إليه غير نهائي ولا مطلق؛ لأنه مقيد بوسع الإنسان وعقله وأدواته، وكلها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة.

والمعنى الثاني: سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته، وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان بناء يتفق -بقدر ما تسمح طبيعة الإنسان النسبية- مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهي؛ حتى لا يصطدم الإنسان بالكون من حوله، بل يصادقه ويعرف بعض أسراره، ويستخدم بعض نواميسه في خلافته. نواميسه التي تكشف له بالنظر والبحث والتجريب والتطبيق، وفق ما يهديه إليه عقله الموهوب له ليعمل لا ليتسلم المعلومات المادية جاهزة!.

والمعنى الثالث:

هو التأويل المستمر -مع التمحل والتكلف- لنصوص القرآن كي نحملها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر، وكل يوم يوجد جديد، وكل أولئك لا يتفق وجلال القرآن، كما أنه يحتوي على خطأ منهجي، كما أسلفنا.

ثالثا : - الصرفة

الصرفة لغة :على وزن فعلة- بفتح الفاء واللام وسكون العين-:رد الشيء عن وجهه ، يقال: صرفه  يصرفه ، صرفا ، فانصرف ،وصارف نفسه عن الشيء :صرفها عنه . قال تعالى : (ثم انصرفوا )  أي: رجعوا عن المكان الذي استمعوا منه ، وقيل :- انصرفوا عن العمل بشيء مما سمعوا . وقوله تعالى : -(صرف الله قلوبهم )[394]أي :- أضلهم الله مجازاة على فعلهم ، وصرفت الرجل عني فانصرف ). [395]

الصرفة في الاصطلاح : أن الله صرف همم العرب عن معارضة القرآن ،  وكانت في مقدورهم ، لكن عاقهم عنها أمر خارجي ، فصار معجزة كسائر المعجزات ، ولو لم يصرفهم عن ذلك ، لجاءوا بمثله

يعزى القول بالصرفة عند كثير من الباحثين،  إلى أنه من التيارات التي وفدت علينا من الخارج ، وأن بعض

المتفلسفين من علماء الكلام  ، وقفوا على أقوال البراهمة في كتابهم الفيدا[396] ،  وهو يشتمل على مجموعة من الأشعار  ، ليس في كلام الناس ما يماثلها  -في زعمهم -،   بل يقول خاصتهم : إن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثله ، لأن  براهما- [397]صرفهم عن أن يأتوا بمثلها ، يقول-أبو الريحان البيروني ( ت سنة 430هـ) في كتابه  - ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة          ما نصه : ( إن خاصتهم يقولون إن في مقدورهم أن يأتوا بأمثالها ، ولكنهم ممنوعون عن ذلك احتراما لها ) [398]

القائلون بالصرفة من المعتزلة : -

النظام :( ابراهيم بن سيار بن هانئ النظام البصري  ت  سنة 221هـ) ، فهو أول من جاهر بالقول بالصرفة

، ترجم له أبو منصورعبد  القاهر البغدادي ( ت 424هـ)- في كتابه : ( الفرق بين الفرق ) ، عند ذكره الفرقة النظامية ،  فقال : (  عاشر النظام في شبابه قوما من الثنوية [399] وقوما من السمنية [400]، وخالط قوما من ملاحدة الفلاسفة ، ثم دون مذاهب الثنوية ، وبدع الفلاسفة ، وشبه الملاحدة في دين  الإسلام، وأعجب بقول البراهمة بإبطال النبوات ، ولم يجسر على إظهار هذا القول خوفا من السيف ، فأنكر إعجاز القرآن في نظمه) . ثم قال :  ( والفضيحة الخامسة عشرة من فضائحه -   أي النظام -: أن نظم  القرآن وحسن تأليف كلماته ، ليست بمعجزة للنبي عليه الصلاة والسلام  ............ فإن العباد قادرون على مثله ، وعلى ما هو أحسن منه في النظم ،  والتأليف  ) [401]

نسبت الصرفة إلي البعض -على سبيل الفرض والاحتمال- :  كالرازي ، ومنهم من عدها وجها من وجوه الإعجاز ، مثل :- الاسفراييني ، والراغب الأصفهاني ، والماوردي، وابن حزم الأندلسي الظاهري ،  ، والغزالي .

وعدها البعض من وجوه الإعجاز مثل :-

الراغب الأصفهاني ( الحسين بن محمد ت 425هـ ) كذلك  وجها من وجوه الإعجاز ،  فقال : -(اعلم أن إعجاز القرآن ذكر من وجهين ،  أحدهما : إعجاز يتعلق بنفسه ، والثاني : بصرف الناس عن معارضته ،  إلى أن يقول :  فلما دعا الله أهل البلاغة  والخطابة ، الذين يهيمون في كل واد من المعاني -  بسلاطة لسانهم -  إلى معارضة القرآن ، وعجزوا عن الإتيان بمثله ، ولم يقصدوا لمعارضته ، فلم يخف على ذوي البلاغة أن صارفا إلهيا صرفهم عن ذلك ، وأي إعجاز أعظم من أن يكون كافة البلغاء عجزوا في الظاهر عن معارضة   مصروفة في الباطن عنها. )[402]

المفاهيم المختلفة في القول بالصرفة : -

  المفهوم الأول :  مفهوم النظام ومن تابعه، فقد ذهبوا إلى أن العرب صرفوا عن المعارضة جبرا ،  ولم يتوجهوا إليها ، ولو توجهوا لاستطاعوا الإتيان  بمثل القرآن ، وهذا المذهب ينفي عن القرآن الإعجاز

  والمفهوم الثاني : قال به الشريف المرتضى ، وابن سنان الخفاجي، ومن تابعهما ، فقد ذهبوا إلى أن الله سلب من العرب علومهم التي يحتاجون إليها في معارضة القرآن ، والإتيان بمثله ، ولو توجهوا لمعارضته ،  لما استطاعوا أن يأتوا بمثل القرآن .

المفهوم الثالث : وهو مفهوم الجاحظ ، والرماني لها ، وهولا يقدح في إعجاز القرآن ، بل هو ضرب من التدبير الإلهي ، فصرف نفوس العرب وأوهامهم عن معارضة القرآن ، ليحفظه  من عبث العابثين

   المفهوم الرابع  :-  وهو ما ذهب إليه القاضي عبد الجبار ، حيث رفض المفاهيم السابقة للصرفة ، واعتبر أن الصرفة مرتبطة بالقوم أنفسهم ،  وليست شيئا خارجا عنهم ، أو مفروضة عليهم فرضا ، بل إن دواعيهم انصرفت عن المعارضة ، لعلمهم أنها غير ممكنة ، فهي في الواقع  انصراف  ، وليست صرفة .

الرد علي القائلين  بالصرفة [403] :-

ا -  قال  الخطابي :( أبو سليمان أحمد بن محمد بن ابراهيم  ت388هـ) :- إن قوما  ذهبوا الى أن العلة في إعجازه     أي القرآن الصرفة ، أى صرف الهمم عن المعارضة ، ولم يرتض الخطابي ذلك، بل رد عليهم بقوله : (  إن دلالة الآية تشهد بخلافه ، وهي قوله تعالى :

  (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)[404]،  فأشار سبحانه في ذلك إلى أمر طريقه التكلف والاجتهاد ، وسبيله التأهب والاحتشاد  ، والمعنى في الصرفة التي وصفوها  ، لا يلائم هذه الصفة ، فدل على أن المراد غيرها .)[405]

 2-  رد الباقلاني (أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم ت 403هـ)  الصرفة بردود  منها : -  أولا :-   لو كان الأمر على ما ذهبوا اليه ، وكان الإعجاز بالصرفة حقا ، لكان الأقوى في الحجة ، والأبين في الدلالة ، أن يجيء القرآن في أدنى درجات البلاغة ، لأن ذلك أبلغ في الأعجوبة ، فإن الذي يعجز عن كلام هو في مستوى كلام الناس أو أدنى منه، يكون ذلك دليلاعلى أن هناك قوة غلابة ،  حالت بينه وبين المعارضة، ولم يكن هناك حاجة لمجيء القرآن الكريم في نظم بديع ، ومستوى رفيع عجيب ، لأن الأقرب إلى قوة الدليل ،  ووضوح الحجة  حين تكون الصرفة هي الوجه للإعجاز- أن يكون القرآن في مستوى كلامهم ، أو دونه .

ثانيا :- إننا لوسلمنا أن العرب المعاصرين للبعثة قد صرفوا كما يزعمون ، لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية مصروفين عما كان يعدل به في الفصاحة والبلاغة ، وحسن النظم ، وعجيب الرصف ، فلما لم يوجد في كلام

من قبله مثله ، علم أن ما ادعاه القائل بالصرفة ظاهر البطلان

ثالثا :- إنه لو كانت المعارضة ممكنة، وإنما منع منها الصرفة، لم يكن الكلام معجزا ، وإنما يكون المنع هو المعجز ، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره.)[406].

3-  أفرد الإمام عبد القاهر الجرجاني( أبو بكر بن عبد الرحمن ت 471هـ ) فصلا كاملا في رسالته الشافية ( في الذي يلزم القائلين بالصرفة ) ، أبطل فيه مذهبهم ، بردود كاقية شافية ، منها : - ( أنه يلزم على ادعائهم هذا ، أن يكون العرب قد تراجعت حالها في البلاغة والبيان ، وفي جودة النظم وشرف اللفظ ، وأن يكونوا قد نقصوا في قرائحهم وأذهانهم ، وعدموا الكثير مما كانوا يستطيعون ، وأن تكون أشعارهم التي قالوها ،  والخطب التي  قاموا بها ،  - من بعد أن أوحي إلى النبي  - صلى الله عليه وسلم - وتحدوا إلى المعارضة - قاصرة عما سمع منهم من قبل ذلك القصور الشديد  ، وإذا كان الأمر كذلك  ، وأنهم منعوا منزلة من الفصاحة قد كانوا عليها ، لزمهم أن يعرفوا ذلك من أنفسهم ، ولو عرفوا لجاء عنهم ذكره ، ولكانوا  قد قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -:إنا كنا نستطيع هذا قبل  الذي جئتنا به ، ولكنك سحرتنا ، واحتلت علينا في شيء حال بيننا وبينه ، وكان أقل ما يجب عليهم في ذلك أن يتذاكروه فيما بينهم ، ويشكوا البعض إلى البعض ، ويقولوا :  ما لنا  نقصنا  في  قرائحنا ..؟ وإذا كان ذلك لم يرد ، ولم يذكر إن كان منهم قول في هذا المعنى ، لا ما قل ولا ما كثر ، فهذا دليل على أنه قول فاسد ، ورأي ليس من آراء ذوي التحصيل.

ومنها :-الأخبار التي جاءت عن العرب في شأن تعظيم القرآن ، وفي وصفه بما وصفوه به من نحو :-( إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدق ، وإن أعلاه لمثمر  ) فمحال أن يعظموه وأن يبهتوا عند سماعه ، ويستكينوا له ، وهم يرون فيما قالوه وقاله الأولون مايوازيه ، ويعلمون أنه لم يتعذر عليهم  ، لأنهم لا يستطيعون مثله ، ولكن وجدوا في أنفسهم شبه الآفة ، والعارض يعرض للإنسان فيمنعه بعض ما كان سهلا عليه ، بل الواجب في مثل هذه الحال أن يقولوا : - إن كنا لا يتهيأ لنا أن نقول في معاني ما جئت به ما يشبهه ، إنما نأتيك في غيره من المعاني بما شئت ،  وكيف شئت ،  بما لا يقصر عنه  .

وخلاصة القول : - إن دليل النبوة عند القائلين بالصرفة ، إنما كان  في الصرف والمنع عن الإتيان بمثل نظم القرآن ، لا في نفس النظم ، ولو كان ذلك صحيحا ، لكان ينبغي إذا تعجب متعجب ، أن يقصد بتعجبه إلىالمنع من شيء كان يستطيعه ، لا أن  يقصد بتعجبه وإكباره الى الممنوع  وهو القرآن الكريم ، وهذا واضح لا يشكل .) [407]

4-  رد  ابن عطية : ( القاضي أبو محمد عبد الحق بن غالب ت 546هـ ) القول بالصرفة فقال :- ( ووجه إعجازه : أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما ، وأحاط بالكلام كله علما ، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن ، علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى ،   وتبين المعنى بعد المعنى ، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره ، والبشر معهم الجهل ، والنسيان ، والذهول ، ومعلوم ضرورة  أن بشرا لم يكن قط محيطا ، فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة ، وبهذا النظر يبطل قول من قال : إن العرب كان في قدرتها أن تأتي بمثل القرآن ، فلما جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه .

والصحيح : أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين ، ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يضع خطبة ، أو قصيدة يستفرغ فيها جهده ، ثم لايزال ينقحها حولا كاملا ، ثم تعطى لآخر بعده ، فيبدل فيها وينقح ، ثم لا تزال فيها بعد ذلك مواضع للنظر والبدل ، وكتاب الله لو نزعت منه لفظة ، ثم أدير لسان العرب أن يوجد أحسن منها لم يوجد .    إلى أن يقول :   فصورة قيام الحجةبالقرآن علىالعرب : أنه لما جاء محمد- صلى الله عليه وسلم به وقال : ( فأتوا بسورة من مثله ) [408]  ، قال كل فصيح في نفسه : وما بال هذا الكلام حتى لا آتي بمثله ؟ فلما تأمله وتدبره ، ميز منه ما ميز الوليد بن المغيرة حين قال :   والله ما هو بالشعر ، ولا هو بالكهانة ، ولا بالجنون ، وعرف كل فصيح بينه وبين نفسه أنه لا قدرة لبشر على مثله ، فصح عنده أنه من عند الله ، فمنهم من آمن وأذعن ، ومنهم من حسد  كأبي جهل وغيره ، ففر إلى القتال ، ورضي بسفك الدم ،عجزا عن المعارضة ، حتى أظهر الله دينه ، ودخل جميعهم فيه ، ولم يمت رسول الله     صلى الله عليه وسلم    وفي الأرض قليل من العرب يعلن كفره . )[409]

5 - قال أبو حيان ( أبو علي محمد بن يوسف بن علي الأندلسي ت 654هـ) :  

( اختلفوا فيما به إعجاز القرآن ، فمن توغل في أساليب الفصاحة وأفانينها ، وتوغل في معارف الآداب وقوانينها ، أدرك بالوجدان أن القرآن أتى في غاية من الفصاحة لا يوصل إليها ، ونهاية من البلاغة لا يمكن أن يحام عليها ، فمعارضته عنده غير ممكنة للبشر ، ولا داخلة تحت القدر ، ومن لم يدرك هذا المدرك ، ولا سلك هذا المسلك ، رأى أنه من نمط كلام العرب ، وأن مثله مقدور لمنشئ الخطب ، فإعجازه عنده إنما هو بصرف الله تعالى إياهم عن معارضته ، ومناضلته ، وإن كانوا قادرين على مماثلته . والقائلون بأن الإعجاز وقع بالصرف  ، هم من نقصان الفطرة الإنسانية في رتبة بعض النساء ، حين رأت زوجها يطأ جارية ، فعاتبته ، فأخبر أنه ما وطئها ، فقالت له : إن كنت صادقا فاقرأ شيئا من القرآن ، فأنشدها بيت شعر  ذكر الله فيه ورسوله وكتابه فصدقته ، فلم ترزق من الرزق ما تفرق به بين كلام الخلق وكلام الحق .)[410]            

6 -  الإمام القرطبي:( محمد بن أحمد ت684هـ) الإجماع في كتابه (الجامع لأحكام القرآن ) فقال بعد أن ذكر قول القائلين بالصرفة : ( وهذا فاسد ، لأن الإجماع  قبل حدوث المخالف : أن القرآن هو المعجز ، فلو قلنا : إن المنع والصرفة هو المعجز  ، لخرج القرآن عن أن يكون معجزا ، وذلك خلاف الإجماع ، وإذا كان كذلك ، علم أن نفس القرآن هو المعجز  ، وأن فصاحته وبلاغته أمر خارق للعادة ، إذ لم يوجد  كلام قط على هذا الوجه ، فلما لم يكن كذلك مألوفا معتادا منهم ، دل على أن المنع والصرفة  ، لم يكن معجزا .)[411]

7 - قرر السيوطي : (جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر  ت 911هـ ) بطلان مذهب الصرفة ، فقال:   :( زعم النظام أن إعجازه بالصرفة ، أي أن الله صرف العرب عن معارضته ، وسلب عقولهم ، وكان مقدورا لهم ، لكن عاقهم أمر خارجي ، فصار كسائر المعجزات، وهذا قول فاسد بدليل : (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) [412]     فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم ، ولو سلبوا القدرة ، لم تبق فائدة لاجتماعهم ، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى ، وليس عجز الموتى مما يحتفل بذكره ،  هذا مع أن الإجماع منعقد على إضافة إعجاز إلى القرآن ، فكيف يكون معجزا وليس فيه صفة إعجاز  ،  بل المعجز هو الله تعالى ، حيث سلبهم القدرة على الإتيان بمثله  ؟  وأيضا فيلزم من القول بالصرفة : زوال إعجازه بزوال زمن التحدي ، وخلو القرآن من الإعجاز ، وفي ذلك خرق لإجماع الأمة : أن معجزة الرسول العظمى باقية ، ولا معجزة له باقية سوى القرآن . ) [413]

8 - -قال ( محمد عبد العظيم الزرقاني ) :    تحت عنوان  شبهة  القول الصرفة :- ( ومن الباحثين من طوعت له نفسه أن يذهب إلى القول بأن وجه إعجاز القرآن هو الصرفة ، أي : صرف الله العرب عن معارضته ، على حين أنه لم يتجاوز في بلاغته مستوى طاقتهم البشرية ، وضربوا لذلك مثلا ،  فقالوا : إن الإنسان كثيرا ما يترك عملا هو من جنس أفعاله الإختيارية ، ومما يقع مثله في دائرة كسبه وقدرته ، إما لأن البواعث على هذا العمل لم تتوافر ، وإما لأن الكسل أو الصدود أصابه فأقعده همته ، وثبط عزيمته ، وإما لأن حادثا مفاجئا لا قبل له به قد اعترضه ، فعطل آلاته ووسائله ، وعاق قدرته قهرا عنه ، على رغم انبعاث همته نحوه ، وتوجه إرادته إليه ، فكذلك انصراف العرب عن معارضتهم للقرآن ، لم ينشأ من أن القرآن بلغ في بلاغته حد الإعجاز الذي لا تسمو إليه قدرة البشر عادة ، بل لواحد من ثلاثة :

أولها : أن بواعث هذه المعارضة ودواعيها لم تتوافر لديهم .

ثانيها : أن صارفا إلهيا زهدهم في المعارضة ، فلم تتعلق بها إرادتهم ، ولم تنبعث إليها عزائمهم ، فكسلوا وقعدوا على رغم توافر البواعث والدواعي .

ثالثها : أن عارضا مفاجئا عطل مواهبهم البيانية ، وعاق قدرتهم البلاغية ، وسلبهم أسبابهم العادية إلى المعارضة على رغم تعلق إرادتهم بها وتوجه همتهم إليها .

بهذا التوجيه أو نحوه ، يعزى القول بالصرفة إلى : أبي اسحق الاسفراييني من أهل السنة ، والنظام من المعتزلة ، والمرتضى من الشيعة . وأنت إذا تأملت هذه الفروض الثلاثة التي التمسوها ،  أو التمست لهم ، علمت أن عدم معارضة العرب للقرآن لم تجئ من ناحية إعجازه البلاغي في زعمهم ، بل جاءت على الفرضين الأولين ، من ناحية عدم اكتراث العرب بهذه المعارضة ، ولو أنهم حاولوها لنالوها ، وجاءت على الفرض الأخير ، من ناحية عجزهم عنها بسبب خارجي عن القرآن ، وهووجود مانع منعهم منها قهرا ، ذلك المانع هو :  حماية الله لهذا الكتاب ، وحفظه إياه من معارضة المعارضين ، وإبطال المبطلين . ولو أن هذا المانع زال لجاء الناس بمثله ،لأنه لا يعلو على مستواهم في بلاغته ونظمه . 

وبعد أن ذكر الزرقاني شبه القائلين بالصرفة ،  أخذ في تفنيد شبههم فقال :  وهذا القول  بفروضه التي افترضوها ، أو بشبهاته التي تخيلوها ، لا يثبت أمام البحث ، ولا يتفق والواقع .

أما الفرض الأول : فينقضه ما سجل التاريخ وأثبت التواتر ، من أن دواعي المعارضة كانت قائمة موفورة ، ودوافعها كانت ماثلة متآخذة ، وذلك لأدلة كثيرة :

منها :  أن القرآن تحداهم غير مرة أن يأتوا ولو بمثل أقصر سورة منه ، ثم سجل العجز عليهم ، وقال بلغة واثقة  : إنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا ،  ولن يفعلوا ، ولو ظاهرهم الإنس والجن ، فكيف لا تثور حميتهم إلى المعارضة بعد هذا ، ولو كانوا أجبن خلق الله .؟

ومنها : أن صناعتهم البيان ، وديدنهم التنافس في ميادين الكلام ، فكيف لا يطيرون بعد هذه الصيحة إلى حلبة المساجلة .؟  ,   ومنها :  أن القرآن أقام حربا شعواء على أعز شيء لديهم ، وهي عقائدهم المتغلغلة فيهم ، وعوائدهم المتمكنة منهم ، فأي شيء يلهب المشاعر ويحرك الهمم إلى المساجلة أكثر من هذا ..؟  ما دامت المساجلة هي السبيل المتعين لإسكات خصمهم لو استطاعوا .

وأما الفرض الثاني : فينقضه الواقع التاريخي أيضا ، ودليلنا على هذا ما تواترت به الأنباء ، من أن بواعث العرب إلى المعارضة قد وجدت سبيلها إلى نفوسهم ، ونالت منالها من عزائمهم ، فهبوا هبة رجل واحد ، يحاولون القضاء على دعوة القرآن ، بمختلف الوسائل ، فلم يتركوا طريقا إلا سلكوه ، ولم يدعوا بابا إلا دخلوه . لقد آذوه ، وآذوا أصحابه ، فسبوا من سبوا ، وعذبوا من عذبوا ، وقتلوا من قتلوا . ولقد قاطعوه وقاطعوا أسرته الكريمة ، لا يبيعون لهم  ولا يبتاعون ،  ولا يتزوجون منهم ،  ولا يزوجون ، واشتد الأمر حتى أكلت الأسرة الكريمة ورق الشجر . ولقد فاوضوه أثناء هذه المقاطعة التي تلين الحديد مفاوضات عدة ، وعرضوا عليه عروضا سخية مغرية ، منها : أن يعطوه حتى يكون أكثرهم مالا ، وأن يعقدوا له لواء الزعامة فلا يقطعوا أمرا دونه ، وأن يتوجوه ملكا عليهم إن كان يريد ملكا ، وأن يلتمسوا له الطب إن كان به مس من الجن . كل ذلك في نظير أن يترك هذا الذي جاء به . ولما أبى عليهم ذلك عرضوا عليه أن يهادنهم ويداهنهم ، فيعبد آلهتهم سنة ، ويعبدون إلهه سنة ، فأبى أيضا . 

ولقد اتهموه صلى الله عليه وسلم بالسحر ، وأخرى بالشعر ، وثالثة بالجنون ، ورابعة بالكهانة ، وكانوا يتعقبونه وهو يعرض نفسه على قبائل العرب أيام الموسم ، فيبهتونه ، ويكذبونه أمام من لا يعرفونه ، ولقد شدوا وطأتهم على أتباعه حتى اضطروهم أن يهاجروا من وطنهم ، ويتركوا أهلهم وأولادهم وأموالهم فرارا إلى الله بدينهم . ولقد تآمروا على الرسول أن يثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه ، لولا أن حفظه الله وحماه من مكرهم ، وأمره بالهجرة من بينهم . ولقد أرسلوا إليه الأذى بعد ذلك في مهاجره ، فشبت الحرب بينه وبينهم في خمس وسبعين موقعة ، منها سبع وعشرون غزوة ، وثمان وأربعون سرية . فهل يرضى عاقل لنفسه أن يقول بعد ذلك كله : إن العرب كانوا مصروفين عن معارضة القرآن ،  ونبي القرآن ، وإنهم كانوا مخلدين إلى العجز والكسل ، زاهدين في النزول إلى هذا الميدان .؟

وأما الفرض الثالث : فينقضه ما هو معروف من أن العرب حين خوطبوا بالقرآن قعدوا عن معارضته ، اقتناعا بإعجازه ، وعجزهم الفطري عن مساجلته ، ولو أن عجزهم هذا كان لطارئ مباغت عطل قواهم البيانية ، لأثر عنهم أنهم حاولوا المعارضة بمقتضى تلك الدوافع القوية التي شرحناها ، ففوجئوا بما ليس في حسبانهم ، ولكان هذا مثار عجب لهم ، ولأعلنوا ذلك في الناس ، ليلتمسوا لأنفسهم العذر ، وليقللوا من شأن القرآن في ذاته ، ولعمدوا إلى كلامهم القديم ، فعقدوا مقارنة بينه وبين القرآن ، يغضون بها من مقام القرآن وإعجازه ، ولكانوا بعد نزول القرآن أقل فصاحة وبلاغة منهم قبل نزوله ، ولأمكننا نحن الآن ، وأمكن المشتغلين بالأدب العربي في كل عصر  ، أن يتبينوا الكذب في دعوى إعجاز القرآن ، وكل هذه اللوازم باطلة ، فبطل ما استلزمها وهو القول بالصرفة  ..) [414]

القدر المعجز من القرآن

هذه المسألة على أقوال  [415]:

1- ذهب بعضهم إلى أن القدر هو القرآن بجملته ، ونسب هذا إلى المعتزلة ( وهو قول باطل متكلف جدا ).

2- وذهب آخرون إلى أن القدر المعجز سورة كاملة ( هذ القول منسوب للقاضي الباقلاني )  ، ثم إن هؤلاء كانوا فريقين :

الأول : إعتبر السورة سورة طويلة ، مستندا إلى أن الآيات التي ورد فيها التحدي بالسورة _ سورة البقرة وسورة يونس _ سورتان طويلتان ، فالتحدي إنما هو بقدرهما ، وممن ذهب إلى ذلك الفخر الرازي _ وقد نص عليه في تفسيره- ونقله عن آخر لا يحضرني الآن .

الثاني : اعتبر مطلق السورة ، سواء طالت ، أم قصرت . وأقل ذلك ما كان بمقدار سورة الكوثر ، باعتبارها أقصر سور القرآن . وهذا معزوّ إلى الجمهور من العلماء . وهو الذي يسنده الدليل ، وظاهر القرآن

3 الإعجاز يتعلق بالقرآن قليله وكثيره و واستدلوا بقوله تعالي (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ) [416]  

ووجه الإستدلال أن القرآن يطلق علي القليل والكثير .

3-إعتبر كل آية وكل حرف قد وقع به التحدي ، وذهب إلى ذلك مصطفي صادق الرافعي ,  مناع القطان في كتابه الجميل :"مباحث في علوم القرآن" .

والراجح

أرجح القول الرابع , لأن الآية مهما صغرت لها موضوعها وأعجازها , وإن جاءت علي نسق السورة التابعة لها . الآية الكبيرة مثل آية الدين تحوي علوما ومسائل شتي , فهي معجزة لأننا لا نستطيع فصل اللفظ عن المعني في القآن لانهما روحان يمتزجان

الآية الصغيرة مثل ( اللَّهُ الصَّمَدُ ) [417]

معجزة بمفردها لتناسق الآية مع السورة واشتمالها علي لفظ الصمد ,ووقعها شديد التأثير علي العامة والخاصة

الآية الكبيرة مثل (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )  [418]

حين نبتدأ الآية الكريمة من قوله تعالي (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ .......... 

اقول وبالله التوفيق : معجزة في كل جزء من أجزاءها , فهذا التشبيه فوق طاقة البشر , وهذه الفصاحة والعذوبة .......... إلخ مما حير الأدباء جيلا بعد جيل , وقد أسلم بعض الملاحدة عند تأمله لها وقال لا يقول هذا بشر ., أما الكلمة والحرف فهي معجزة لوجودها آية أو في آية

فحين نسمع (  وَلَا يَسْتَثْنُونَ ) [419] , فهي معجزة لما سبق ثم أنها كلام الله سبحانه وتعالي , ووضع الحروف معجز لأنك إن حذفت من القرآن حرفا واحدا لاختل اللفظ و المعني وأصبح الإسلوب ركيكا , منصرفا عما وضع له , وهذا في كل القرآت الصحيحة

وقد كثر في القرآن الكريم إبدال كلمة بكلمة مثل ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) [420]

و (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) [421]

وإبدال حرف بحرف مثل ( وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ ) [422]

و (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ) [423]

كيف يعلم غير العربي إعجاز القرآن

قال الباقلاني [424] ( الأعاجم لا يعرفون إعجاز القرآن إلا من خلال عجز العرب الفصحاء , قد بينا أنه لا يتهيأ لمن كان لسانه غير العربية، من العجم والترك وغيرهم، أن يعرفوا إعجاز القرآن، إلا أن يعلموا أن العرب قد عجزوا عن ذلك، فإذا عرفوا هذا بأن علموا أنهم قد تحدوا على أن يأتوا بمثله، وقرعوا على ترك الإتيان بمثله، ولم يأتوا به، تبينوا أنهم عاجزون عنه، وإذا عجز أهل اللسان فهم عنه أعجز.

العرب غير الفصحاء كالأعاجم

وكذلك نقول: إن من كان من أهل اللسان العربي، إلا أنه ليس يبلغ في الفصاحة الحد الذي يتناهى إلى معرفة

أساليب الكلام، ووجوه تصرف اللغة، وما يعدونه فصيحاً بلغياً بارعاً من غيره، فهو كالأعجمي: في أنه لا يمكنه أن يعرف إعجاز القرآن إلا بمثل ما بينا أن يعرف به الفارسي الذي بدأنا بذكره، وهو ومن ليس من أهل اللسان سواء.

من تناهى في معرفة اللسان العربي يدرك الإعجاز

فأما من كان قد تناهى في كعرفة اللسان العربي، ووقف على طرقها ومذاهبها، فهو يعرق القدر الذي ينتهي إليه وسع المتكلم من الفصاحة، ويعرف ما يخرج عن الوسع، ويتجاوز حدود القدرة، فليس يخفى عليه إعجاز القرآن، كما يميز بين جنس الخطب والرسائل والشعر وكما يميز بين الشعر الجيد والرديء والفصيح والبديع النادر والبارع والغريب. وهذا كما يميز أهل كل صناعة صنعتهم، فيعرف الصيرفي من النقد ما يخفى على غيره، ويعرف البزاز من قيمة الثوب وجودته ما يخفى على غيره.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث

 

الشبهات حول الإعجاز اللغوي للقلرآن الكريم

 

شبهة حول ورود كلمات غير عربية في القرآن الكريم[425]

جاء فى سورة الشعراء:( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) [426]

وجاء فى سورة الزمر:( قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) [427]

 وجاء فى سورة الدخان: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [428]

 وجاء فى سورة النحل: ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) [429]

: " كيف يكون القرآن عربيًّا مبينًا ، وبه كلمات أعجمية كثيرة ، من فارسية ، وآشورية ، وسريانية ، وعبرية ، ويونانية ، ومصرية ، وحبشية ، وغيرها ؟ ".

هذا نص الشبهة الواردة فى هذا الصدد ، وتأكيدا لهذه الشبهة ذكروا الكلمات الأعجمية حسب زعمهم التى وردت فى القرآن الكريم وهى:

آدم أباريق إبراهيم أرائك استبرق إنجيل تابوت توراة جهنم حبر حور زكاة زنجبيل سبت سجيل سرادق سكينة سورة صراط طاغوت عدن فرعون فردوس ماعون مشكاة مقاليد ماروت هاروت الله.

الرد على هذه الشبهة:

هذه هى شبهتهم الواهية ، التى بنوا عليها دعوى ضخمة ، ولكنها جوفاء ، وهى نفى أن يكون القرآن عربيًّا مثلهم كمثل الذى يهم أن يعبر أحد المحيطات على قارب من بوص ، لا يلبث أن تتقاذفه الأمواج ، فإذا هو غارق لا محالة.

ولن نطيل الوقوف أمام هذه الشبهة ، لأنها منهارة من أساسها بآفة الوهن الذى بنيت عليه. ونكتفى فى الرد عليها بالآتى:

- إن وجود مفردات غير عربية الأصل فى القرآن أمر أقر به علماء المسلمين قديماً وحديثاً. ومن أنكره منهم مثل الإمام الشافعى كان لإنكاره وجه مقبول سنذكره فيما يأتى إن شاء الله.

- ونحن من اليسير علينا أن نذكر كلمات أخرى وردت فى القرآن غير عربية الأصل ، مثل: مِنْسَأَة بمعنى عصى فى سورة " سبأ " ومثل " اليم " بمعنى النهر فى سورة " القصص " وغيرها.

- إن كل ما فى القرآن من كلمات غير عربية الأصل إنما هى كلمات مفردات ، أسماء أعلام مثل: " إبراهيم ، يعقوب ، إسحاق ، فرعون " ، وهذه أعلام أشخاص ، أو صفات ، مثل:" طاغوت ، حبر" ، إذا سلمنا أن

كلمة " طاغوت " أعجمية.

- إن القرآن يخلو تمامًا من تراكيب غير عربية ، فليس فيه جملة واحدة إسمية ، أو فعلية من غير اللغة العربية.

- إن وجود مفردات أجنبية فى أى لغة سواء كانت اللغة العربية أو غير العربية لا يخرج تلك اللغة عن أصالتها ، ومن المعروف أن الأسماء لا تترجم إلى اللغة التى تستعملها حتى الآن. فالمتحدث بالإنجليزية إذا احتاج إلى ذكر اسم من لغة غير لغته ، يذكره برسمه ونطقه فى لغته الأصلية ومن هذا ما نسمعه الآن فى نشرات الأخبار باللغات الأجنبية فى مصر ، فإنها تنطق الأسماء العربية نُطقاً عربيَّا. ولا يقال: إن نشرة الأخبار ليست باللغة الفرنسية أو الإنجليزية مثلاً ، لمجرد أن بعض المفردات فيها نطقت بلغة أخرى.

والمؤلفات العلمية والأدبية الحديثة ، التى تكتب باللغة العربية ويكثر فيها مؤلفوها من ذكر الأسماء الأجنبية والمصادر التى نقلوا عنها ، ويرسمونها بالأحرف الأجنبية والنطق الأجنبى لا يقال: إنها مكتوبة بغير اللغة العربية ، لمجرد أن بعض الكلمات الأجنبية وردت فيها ، والعكس صحيح.

ومثيرو هذه الشبهة يعرفون ذلك كما يعرفون أنفسهم فكان حرياًّ بهم ألا يتمادوا فى هذه اللغو الساقط إما احتراماً لأنفسهم ، وإما خجلاً من ذكر ما يثير الضحك منهم.

- إنهم مسرفون فى نسبة بعض هذه المفردات التى ذكروها وعزوها إلى غير العربية:

فالزكاة والسكينة ، وآدم والحور ، والسبت والسورة ، ومقاليد ، وعدن والله ، كل هذه مفردات عربية أصيلة لها جذور لغُوية عريقة فى اللغة العربية. وقد ورد فى المعاجم العربية ، وكتب فقه اللغة وغيرها تأصيل هذه الكلمات عربيَّا فمثلاً:

الزكاة من زكا يزكو فهو زاكٍ. وأصل هذه المادة هى الطهر والنماء.

وكذلك السكينة ، بمعنى الثبات والقرار ، ضد الاضطراب لها جذر لغوى عميق فى اللغة العربية. يقال: سكن بمعنى أقام ، ويتفرع عنه: يسكن ، ساكن ، مسكن ، أسكن.

- إن هذه المفردات غير العربية التى وردت فى القرآن الكريم ، وإن لم تكن عربية فى أصل الوضع اللغوى فهى عربية باستعمال العرب لها قبل عصر نزول القرآن وفيه.. وكانت سائغة ومستعملة بكثرة فى اللسان العربى قبيل نزول القرآن وبهذا الاستعمال فارقت أصلها غير العربى ، وعُدَّتْ عربية نطقاً واستعمالاً وخطاًّ.

إذن فورودها فى القرآن مع قلتها وندرتها إذا ما قيست بعدد كلمات القرآن لا يخرج القرآن عن كونه " بلسان عربى مبين "

ومن أكذب الادعاءات أن يقال: إن لفظ الجلالة " الله " عبرى أو سريانى وإن القرآن أخذه عن هاتين اللغتين. إذ ليس لهذا اللفظ الجليل " الله " وجود فى غير العربية:

فالعبرية مثلاً تطلق على " الله " عدة إطلاقات ، مثل ايل ، الوهيم ، وأدوناى ، ويهوا أو يهوفا. فأين هذه الألفاظ من كلمة " الله " فى اللغة العربية وفى اللغةاليونانية التى ترجمت منها الأناجيل إلى اللغة العربية حيث نجد الله فيها " الوى " وقد وردت فى بعض الأناجيل يذكرها عيسى عليه السلام مستغيثاً بربه هكذا " الوى الوى " وترجمتها إلهى إلهى.

إن نفى عروبة القرآن بناء على هذه الشبهة الواهية أشبه ما يكون بمشهد خرافى فى أدب اللامعقول. . اه

القرآن الكريم وشعر امرىء القيس [430]

الادعاء بأن القرآن الكريم قد اقتبس من شعر امرىء القيس عدة فقرات منه، وضمنها في آياته وسوره، ولم يحصل هذا الأمر في آية أو آيتين، بل هي عدة آيات كما يزعمون .

وإذا كان الأمر كذلك، لم يكن لما يدندن حوله المسلمون من بلاغة

 القرآن وإعجازه مكان أو حقيقة، بل القرآن في ذلك معتمد على بلاغة من سبقه من فحول الشعراء وأساطين اللغة .

وقد استدل هؤلاء بما أورده المناوي في كتابه  [431] ، حيث قال ما نصه: " وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل، فقال:

يتمنى المرء في الصيف الشتاء      حتى إذا جاء الشتاء أنكره

فهو لا يرضى بحال واحد                   قتل الإنسان ما أكفره

وقال:

اقتربت الساعة وانشق القمر           من غزال صاد قلبي ونفر

وقال:

إذا زلزلت الأرض زلزالها               وأخرجت الأرض أثقالها

تقوم الأنام على رسلها                  ليوم الحساب ترى حالها

يحاسبها ملك عادل                     فإما عليها وإما لها  " ا.هـ

وقد أورد بعضهم شيئا من الأبيات السابقة بألفاظ مختلفة، فقال بعضهم إن امرأ القيس قال:

دنت الساعة وانشق القمر                   غزال صاد قلبي ونفر

مر يوم العيد بي في زينة                     فرماني فتعاطى فعقر

بسهام من لحاظ فاتك                      فر عني كهشيم المحتظر

وزاد بعضهم فقال:

وإذا ما غاب عني ساع                   كانت الساعة أدهى وأمر

وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:((  قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ) [432]

 وقوله تعالى: { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ  ) [433]

 وقوله تعالى: { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا , وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ) [434]

 وقوله تعالى: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ) [435]

وقوله تعالى: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) [436]

وهذه الشبهة منقوضة بأكثر من عشرين وجهًا، وبيان ذلك فيما يلي:

الوجه الأول: أن هذه الأبيات ليس لها وجود في كتب اللغة والأدب، وقد بحثنا في عشرات من كتب البلاغة والأدب واللغة والشعر المتقدمة، ولم يذكر أحد شيئا من الأبيات السابقة أو جزءًا منها .

الوجه الثاني: أنه لا توجد هذه الأبيات في ديوان امرىء القيس ، على اختلاف طبعاته، ونسخه ورواياته، ولو كانت إحدى الأبيات السابقة صحيحة النسبة إليه أو حتى كاذبة لذكرت في إحدى دواوينه .

الوجه الثالث: أن أي متخصص وباحث في الأدب العربي، وشعر امرئ القيس على وجه الخصوص يعلم أن شعر امرئ القيس قد وجد عناية خاصة، وتضافرت جهود القدماء والمحدثين على جمعه وروايته ونشره، وهناك العديد من النسخ المشهورة لديوانه كنسخة الأعلم الشنتمري ، ونسخة الطوسي ، ونسخة السكري ، ونسخة البطليوسي ، ونسخة ابن النحاس وغيرها، ولا يوجد أي ذكر لهذه الأبيات في هذه النسخ، لا من قريب ولا من بعيد، فهل كان هؤلاء أعلم بشعر امرئ القيس ممن عنوا بجمعه وتمحصيه ونقده .

الوجه الرابع: أنه حتى الدراسات المعاصرة التي عنيت بشعر امرئ القيس وديوانه، وما نسب إليه من ذلك، لم يذكر أحد منهم شيئاً من هذه الأبيات لا على أنها من قوله، ولا على أنها مما نحل عليه أي نسب إليه وليس هو من قوله ومنها دراسة للأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم في أكثر من 500 صفحة حول شعر امرئ القيس ، وقد ذكر فيه ما صحت نسبته إليه وما لم يصح، وما نحل عليه ومن نحله، ولم يذكر مع ذلك بيتاً واحداً من هذه الأبيات السابقة .

الوجه الخامس: أن امرأ القيس وغيره من الشعراء قد نحلت عليهم العديد من القصائد فضلا عن الأبيات، بل نحل على بعضهم قصص كاملة لا زمام لها ولا خطام، وقضية نحل الشعر ونسبته لقدماء الشعراء أمر معروف لا يستطيع أحد إنكاره، وقد عرف عن حماد الراوية و خلف الأحمر أنهم كانوا يكتبون الشعر ثم ينسبوه إلى من سبقهم من كبار الشعراء، وقد ذكر ابن عبد ربه وهو من المتقدمين توفي سنة 328 هـ - في كتابه ( العقد الفريد ) في باب عقده لرواة الشعر، قال: " وكان خَلف الأحمر أَروى الناس للشِّعر وأعلَمهم بجيّده....وكان خلف مع روايته وحِفظه يقول الشعر فيُحسن، وينَحله الشعراء، ويقال إن الشعر المَنسوب إلى ابن أخت تأبّط شَرّاً وهو:

إنَّ بالشِّعب الذي دون سَلْع         لقتيلاً دَمُه ما يُطَلُّ

لـ خلَف الأحمر ، وإنه نَحله إياه، وكذلك كان يفعل حمّاد الرواية، يَخلط الشعر القديم بأبيات له، قال حماد : ما مِن شاعر إلا قد زِدْتُ في شعره أبياتاً فجازت عليه إلا الأعشى ، أعشى بكر، فإني لم أزد في شعره قطُّ غيرَ بيت فأفسدتُ عليه الشعر، قيل له: وما البيتُ الذي أدخلته في شعر الأعشى ؟ فقال:

وأنكرتْني وما كان الذي نَكِرتْ    من الحوادث إلا الشَّيبَ والصلعَا " ا.هـ [437]

الوجه السادس: أن بعض المفسرين أنكر هذين البيتين صراحة ، قال محمود الألوسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى { قتل الإنسان ما أكفره } :" قال الرازي - إن الجملة الأولى تدل على استحقاقهم أعظم أنواع العقاب عرفًا، والثانية تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات شرعا، ولم يسمع ذلك قبل نزول القرآن، وما نسب إلى امرىء القيس من قوله:

يتمنى المرء في الصيف الشتا        فإذا جاء الشتا أنكره

فهو لا يرضى بحال واحد              قتل الإنسان ما أكفره

لا أصل له، ومن له أدنى معرفة بكلام العرب لا يجهل أن قائل ذلك مولد أراد الاقتباس لا جاهلي " اهـ  [438]

فانظر إلى كلام من ذاق أشعار العرب، وألف أساليبهم، حيث لم يخف عليه ركاكة الألفاظ وضعف السبك .

الوجه السابع: أن المتقدمين من أهل اللغة والأدب كانوا يعكسون القضية، فكانوا يذكرون الآيات القرآنية التي اقتبسها الشعراء من القرآن، وضمنوها شعرهم، فهذا ابن داود الظاهري الأصفهاني - وهو من أعلم الناس بأشعار العرب، كما أنه متقدم توفي سنة 227هـ - قد عقد في كتابه ( الزهرة ) فصلاً لما استعانت به الشعراء من كلام الله تعالى، وكان مما ذكر قوله سبحانه { إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها } وأن الخنساء ضمنته في أبيات لها فقالت:

أبعدَ ابن عمرو من آل الشّريد         حلَّتْ به الأرضُ أثقالها

فخر الشّوامِـخُ من فَقْدِه                وزُلزلتِ الأرضُ زلزالها

الوجه الثامن: أن كفار قريش كانوا أعلم الناس بأشعار العرب، وأحفظهم له، وأعرفهم بمداخله ومخارجه، وقد كانوا مع ذلك أحرص الناس على بيان كذب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ما هو إلا ساحر أو كاهن أو شاعر، ومع ذلك كله لم يقل له أحد منهم: إن ما جئت به يشبه شعر امرىء القيس أو أحد غيره،

الوجه التاسع : على فرض صحة نسبة تلك الأبيات إلى امرىء القيس ، فإنها لا تتعدى مع المكذوب منها عشرة أبيات، فلو سلمنا جدلا بأن القرآن اقتبس في عشر آيات منه، من عشرة أبيات، فمن أين أتى القرآن بأكثر من ستة آلاف آية أخرى !!!

شبهة فواتح السور [439]

يدعى المشكِّكُون أنه جاء فى فواتح 29 سورة بالقرآن الكريم حروف عاطلة ، لا يُفهم معناها مثل :

الر: يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، الحجر

الم: البقرة ، آل عمران ، العنكبوت ، الروم ، لقمان ، السجدة

المر: الرعد

المص: الأعراف

الرد على هذه الشبهة:

أطلقوا على هذه الحروف وصف " الكلام العاطل " والكلام العاطل هو " اللغو " الذى لا معنى له قط.

أما هذه الحروف ، التى أُفتتحت بها بعض سور القرآن ، فقد فهمت منها الأمة ، التى أُنزل عليها القرآن بلغتها العريقة ، أكثر من عشرين معنى ، " طه" و" يس " لأنهما اسمان للنبى صلى الله عليه وسلم ، حذف منهما أداة النداء والتقدير: يا " طه " يا " يس " ,  بدليل ذكر الضمير العائد عليه هكذا:

(مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى  )[440] و (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) [441]

وباستبعاد هاتين السورتين من السور التسع والعشرين تُصبح هذه السور سبعاً وعشرين سورة ، منها سورة الشورى ، التى ذكرت فيها هذه الحروف المقطعة مرتين هكذا:

"حم ، عسق " فيكون عدد الآيات موضوع هذه الملاحظة ثمانى وعشرين آية فى القرآن كله ، وعدد آيات القرآن الكريم 6236 آية. فكيف ينطبق وصف ثمانٍ وعشرين آية على 6208 آية ؟. , والمعانى التى فُهمتْ من هذه " الحروف " نختار منها ما يأتى فى الرد على هؤلاء الخصوم.

الرأىالأول: يرى بعض العلماء القدامى أن هذه الفواتح ، مثل: الم ، و الر ، والمص ". تشير إلى إعجاز القرآن ، بأنه مؤلف من الحروف التى عرفها العرب ، وصاغوا منها مفرداتهم ، وصاغوا من مفرداتهم تراكيبهم. وأن القرآن لم يغير من أصول اللغة ومادتها شيئاً ، ومع ذلك كان القرآن معجزاً ؛ لا لأنه نزل بلغة تغاير لغتهم ، ولكن لأنه نزل بعلم الله عز وجل ، كما يتفوق صانع على صانع آخر فى حذقه ومهارته فى صنعته مع أن المادة التى استخدمها الصانعان فى " النموذج المصنوع " واحدة وفى هذا قطع للحُجة عنهم.

ويؤيد هذا قوله سبحانه وتعالى:

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) [442]

يعنى أن اللغة واحدة ، وإنما كان القرآن معجزاً لأمر واحد هو أنه كلام الله ، نازل وفق علم الله وصنعه ، الذى لا يرقى إليه مخلوق.

الرأى الثانى: إن هذه الحروف " المُقطعة " التى بدئت بها بعض سور القرآن إنما هى أدوات صوتية مثيرة لانتباه السامعين ، يقصد بها تفريغ القلوب من الشواغل الصارفة لها عن السماع من أول وهلة. فمثلاً " الم " فى مطلع سورة البقرة ، وهى تنطق هكذا.

" ألف لام ميم " تستغرق مسافة من الزمن بقدر ما يتسع لتسعة أصوات ، يتخللها المد مد الصوت عندما تقرع السمع تهيؤه ، وتجذبه لعقبى الكلام قبل أن يسمع السامع قوله تعالى بعد هذه الأصوات التسعة: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) [443]

وإثارة الانتباه بمثل هذه المداخل سمة من سمات البيان العالى ، ولذلك يطلق بعض الدارسين على هذه " الحروف " فى فواتح السور عبارة " قرع عصى "  وهى وسيلة كانت تستعمل فى إيقاظ النائم ، وتنبيه الغافل. وهى كناية لطيفة ، وتطبيقها على هذه " الحروف " غير مستنكر. لأن الله عز وجل دعا الناس لسماع كلامه ، وتدبر معانيه ، وفى ذلك يقول سبحانه وتعالى:(وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [444]

الرأى الثالث: ويرى  الزمخشرى أن فى هذه " الحروف " سرًّا دقيقاً من أسرار الإعجاز القرآنى المفحم ، وخلاصة رأيه نعرضها فى الآتى:

" واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه فى الفواتح من هذه الأسماء يقصد الحروف وجدتها نصف حروف المعجم ، أربعة عشر سواء ، وهى: الألف واللام والميم والصاد ، والراء والكاف والهاء ، والياء والعين والطاء والسين والحاء ، والقاف والنون ، فى تسع وعشرين سورة ، على حذو حروفالمعجم ".

ثم إذا نظرت فى هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف ، بيان ذلك أن فيها:

من المهموسة نصفها:  " الصاد ، والكاف ، والهاء والسين والخاء ".

ومن المجهورة نصفها: الألف واللام والميم ، والراء والعين والطاء ، والقاف والياء والنون.

ومن الشديدة نصفها: " الألف والكاف ، والطاء والقاف ".

ومن الرخوة نصفها: " اللام والميم ، والراء والصاد ، والهاء والعين ، والسين والحاء والياء والنون ".

ومن المطبقة نصفها: " الصاد والطاء ".

ومن المنفتحة نصفها: " الألف واللام ، والميم والراء ، والكاف ، والهاء والعين والسين والحاء ، والقاف والياء والنون ".

ومن المستعلية نصفها: " القاف والصاد ، والطاء ".

ومن المنخفضة نصفها: " الألف واللام والميم ، والراء والكاف والهاء ، والياء ، والعين والسين ، والحاء والنون ". ومن حروف القلقلة نصفها: " القاف والطاء "

يريد أن يقول: إن هذه الحروف المذكورة يلحظ فيها ملحظان إعجازيان:

الأول: من حيث عدد الأبجدية العربية ، وهى ثمانية وعشرون حرفاً. فإن هذه الحروف المذكورة فى فواتح السور تعادل نصف حروف الأبجدية ، يعنى أن المذكور منها أربعة عشر حرفاً والذى لم يذكر مثلها أربعة عشر حرفا: 14+14 = 28 حرفاً هى مجموع الأبجدية العربية.

الثانى: من حيث صفات الحروف وهى:

الهمس فى مقابلة الجهارة.

الشدة فى مقابلة الرخاوة.

الانطباق فى مقابلة الانفتاح.

والاستعلاء فى مقابلة الانخفاض.

والقلقلة فى مقابلة غيرها.

نجد هذه الحروف المذكورة فى الفواتح القرآنية لبعض سور القرآن تعادل نصف أحرف كل صفة من الصفات السبع المذكورة. وهذا الانتصاف مع ما يلاحظ فيه من التناسب الدقيق بين المذكور والمتروك ، لا يوجد إلا فى كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . وهو ذو مغزى إعجازى مذهل لذوى الألباب ، لذلك نرى الإمام جار الله الزمخشرى يقول مُعقباً على هذا الصنع الحكيم:

" فسبحان الذى دقت فى كل شىء حكمته. وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته. فكأن الله عز اسمه عدد على العرب الألفاظ التى منها تراكيب كلامهم ، إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم ، وإلزام الحُجة إياهم

ثم أخذ الإمام الزمخشرى ، يذكر فى إسهاب الدقائق والأسرار واللطائف ، التى تستشف من هذه " الحروف " التى بدئت بها بعض سور القرآن ، وتابعه فى ذلك السيد الشريف فى حاشيته التى وضعها على الكشاف ، والمطبوعة بأسفل تفسير الزمخشرى. وذكر ما قاله الرجلان هنا يخرج بنا عن سبيل القصد الذى نتوخاه فى هذه الرسالة. ونوصى القراء الكرام بالاطلاع عليه فى المواضع المشار إليها فى الهوامش المذكورة وبقى أمرٌ مهمٌّ فى الرد على هذه الشبهة التى أثارها خصوم الإسلام ، وهى شبهة وصف القرآن بالكلام العاطل. نذكره فى إيجاز فى الأتى: - لو كانت هذه " الحروف " من الكلام العاطل لما تركها العرب المعارضون للدعوة فى عصر نزول القرآن ، وهم المشهود لهم بالفصاحة والبلاغة ، والمهارة فى البيان إنشاءً ونقداً ؛ فعلى قدرما طعنوا فى القرآن لم يثبت عنهم أنهم عابوا هذه " الفواتح " وهم أهل الذكر " الاختصاص " فى هذا المجال. وأين يكون " الخواجات " الذين يتصدون الآن لنقد القرآن من أولئك الذين كانوا أعلم الناس بمزايا الكلام وعيوبه ؟!

وقد ذكر القرآن نفسه مطاعنهم فى القرآن ، ولم يذكر بينها أنهم أخذوا على القرآن أىَّ مأخذ ، لا فى مفرداته ولا فى جمله ، ولا فى تراكيبه. بل على العكس سلَّموا له بالتفوق فى هذا الجانب ، وبعض العرب غير المسلمين امتدحوا هذا النظم القرآنى ورفعوه فوق كلام الإنس والجن.

ولشدة تأثيره على النفوس اكتفوا بالتواصى بينهم على عدم سماعه ، والشوشرة عليه.

والطاعنون الجدد فى القرآن لا قدرة لهم على فهم تراكيب اللغة العربية ، ولا على صوغ تراكيبها صوغاً سليماً ، والشرط فيمن يتصدى لنقد شىء أن تكون خبرته وتجربته أقوى من الشىء الذى ينقده. وهذا الشرط منعدم أصلاً عندهم.  

شبهة تعدد قراءات القرآن [445]

مقدمة: تعدد القراءات ألا يدل على الإختلاف فيه ، وهو نوع من التحريف ؟

القراءات: جمع قراءة ، وقراءات القرآن مصطلح خاص لا يراد به المعنى اللغوى المطلق ، الذى يفهم من اطلاع أى قارئ على أى مكتوب ، بل لها فى علوم القرآن معنى خاص من إضافة كلمة قراءة أو قراءات للقرآن الكريم، فإضافة " قراءة " أو "قراءات " إلى القرآن تخصص معنى القراءة أو القراءات من ذلك المعنى اللغوى العام ، فالمعنى اللغوى العام يطلق ويراد منه قراءة أى مكتوب ، سواء كان صحيفة أو كتابًا ، أو حتى القرآن نفسه إذا قرأه قارئ من المصحف أو تلاه بلسانه من ذاكرته الحافظة لما يقرؤه من القرآن ومنه قول الفقهاء:

القراءة فى الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء تكون جهرًا ، فإن أسرَّ فيهما المصلى فقد ترك سُنة من سنن الصلاة ، ويسجد لهما سجود السهو إن أسر ساهيًا. فقراءة القرآن هنا معنى لغوى عام ، لا ينطبق عليه ما نحن فيه الآن من مصطلح: قراءات القرآن. وقد وضع العلماء تعريفًا للقراءات القرآنية يحدد المراد منها تحديدًا دقيقًا. فقالوا فى تعريفها: [446]

" اختلاف ألفاظ الوحى فى الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما

وقد عرفها بعض العلماء فقال:

" القراءات: هى النطق بألفاظ القرآن كما نطقها النبى صلى الله عليه وسلم .." (القراءات القرآنية تاريخ وتعريف). ومما تجب ملاحظته أن القراءات القرآنية وحى من عند الله عزَّ وجل ، فهى إذن قرآنً ، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة:

قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )  [447]

 هذه قراءة حفص عن عاصم ، أو القراءة العامة التى كُتب المصحف فى خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه عليها ، والشاهد فى الآية كلمة "أنفُسِكُم" بضم الفاء وكسر السين ، وهى جمع: " نَفْس " بسكون الفاء ، ومعناها: لقد جاءكم رسول ليس غريبًا عليكم تعرفونه كما تعرفون أنفسكم لأنه منكم نسبًا ومولدًا ونشأة ، وبيئة ، ولغة. وقرأ غير عاصم: " لقد جاءكم رسول من أَنْفَسِكُمْ " بفتح الفاء وكسر السين ، ومعناها: لقد جاءكم رسول من أزكاكم وأطهركم.

و" أنْفَس " هنا أفعل تفضيل من النفاسة. فكلمة " أنفسكم " كما ترى قرئت على وجهين من حيث النطق. وهذا هو معنى القراءة والقراءات القرآنية.

مع ملاحظة مهمة ينبغى أن نستحضرها فى أذهاننا ونحن نتصدى فيما يأتى للرد على الشبهة التى سيوردها خصوم القرآن من مدخل: تعدد قراءات القرآن أن هذه القراءات لا تشمل كل كلمات القرآن ، بل لها كلمات فى الآية دون كلمات الآية الأخرى ، وقد رأينا فى الآية السابقة أن كلمات الآية لم تشملها القراءات ، بل كانت فى كلمة واحدة هى " أنفسكم ".

وهذا هو شأن القراءات فى جميع القرآن ، كما ينبغى أن نستحضر دائمًا أن كثيرًا من الآيات خلت من تعدد القراءات خلوًّا تامًّا.

ومثال آخر ، قوله تعالى: " مالك يوم الدين " والشاهد فى الآية كلمة " مالك " ، وفيها قراءتان:

" مالك " اسم فاعل من " مَلِكَ " وهى قراءة حفص وآخرين. " مَلِك " صفة لاسم فاعل ، وهى قراءة: نافع وآخرين. ومعنى الأولى " مالك " القاضى المتصرف فى شئون يوم الدين، وهو يوم القيامة.

أما معنى " مَلِك " فهو أعم من معنى " مالك " أى من بيده الأمر والنهى ومقاليد كل شىء. ما ظهر منها وما خفى. وكلا المعنيين لائق بالله تعالى ، وهما مدح لله عز وجل.

ولما كانت هذه الكلمة تحتمل القراءتين كتبت فى الرسم هكذا "ملك " بحذف الألف بعد حرف الميم ، مع وضع شرطة صغيرة رأسية بين الميم واللام ، ليصلح رسمها للنطق بالقراءتين.

ومثال ثالث هو قوله تعالى:  (يوم يُكشف عن ساق )

والشاهد فى الآية كلمة " يُكشَف " وفيها قراءتان الأولى قراءة جمهور القراء ، وهى " يُكشف " بضم الياء وسكون الكاف ، وفتح الشين. بالبناء للمفعول ، والثانية قراءة ابن عباس " تَكْشِفُ " بفتح التاء وسكون الكاف ، وكسر الشين ، بالبناء للفاعل ، وهو الساعة ، أى يوم تكشف الساعة عن سياق. قرأها بالتاء ، والبناء للمعلوم ، وقرأها الجمهور بالياء والبناء للمجهول.

والعبارة كناية عن الشدة ، كما قال الشاعر:

كشفت لهم ساقها * * * وبدا من الشر البراح هذه نماذج سقناها من القراءات القرآنية تمهيدًا لذكر الحقائق الآتية:

- إن القراءات القرآنية وحى من عند الله عز وجل.

- إنها لا تدخل كل كلمات القرآن ، بل لها كلمات محصورة وردت فيها ، وقد أحصاها العلماء وبينوا وجوه القراءات فيها.

- إن الكلمة التى تقرأ على وجهين أو أكثر يكون لكل قراءة معنى مقبول يزيد المعنى ويثريه.

- إن القراءات القرآنية لا تؤدى إلى خلل فى آيات الكتاب العزيز ، وكلام الله الذى أنزله على خاتم رسله عليهم الصلاة والسلام.

ومع هذا فإن خصوم الإسلام يتخذون من تعدد قراءات بعض كلمات القرآن وسيلة للطعن فيه ، ويرون أن هذه القراءات ما هى إلا تحريفات لحقت بالقرآن بعد العصر النبوى.

وكأنهم يريدون أن يقولوا للمسلمين ، إنكم تتهمون الكتاب المقدس بعهديه (التوراة والإنجيل) بالتحريف والتغيير والتبديل ، وكتابكم المقدس (القرآن) حافل بالتحريفات والتغييرات والتبديلات ، التى تسمونها قراءات ؟ وهذا ما قالوه فعلاً ، وأثاروا حوله لغطًا كثيرًا ، وبخاصة جيش المبشرين والمستشرقين ، الذين تحالفوا إلا قليلاً منهم على تشويه حقائق الإسلام ، وفى مقدمتها القرآن الكريم.

ونكتفى بما أثاره واحد منهم قبل الرد على هذه الشبهة التى يطنطنون حولها كثيرًا ، ذلكم الواحد هو المستشرق اليهودى المجرى المسمى: " جولد زيهر " الحقود على الإسلام وكل ما يتصل به من قيم ومبادئ.

إن هذا الرجل لهو أشد خطرًا من القس زويمر زعيم جيش المبشرين الحاقدين على الإسلام فى عهد الاحتلال الإنجليزى للهند ومصر.

أوهام جولد زيهر حول القراءات القرآنية:

المحاولة التى قام بها جولد زيهر هى إخراج القراءات القرآنية من كونها وحيًا من عند الله ، نزل به الروح الأمين إلى كونها تخيلات توهمها علماء المسلمين ، وساعدهم على تجسيد هذا التوهم طبيعة الخط العربى ؛ لأنه كان فى الفترة التى ظهرت فيها القراءات غير منقوط ولا مشكول ، وهذا ساعد على نطق الياء ثاء فى مثل " تقولون " أو " تفعلون " ! فمنهم من قرأ بالتاء " تقولون " ومنهم من قرأ بالياء " يقولون ".

هذا من حيث النقط وجودًا وعدمًا ، أما من حيث الشكل أى ضبط الحروف بالفتح أو الضم مثلاً ، وأرجع إلى هذا السبب قوله تعالى: (وهو الذى أرسل الرياح بُشرًا..)

فقد قرأ عاصم: " بُشرا " بضم الباء وقرأها الكسائى وحمزة: " نَشْرا " بالنون المفتوحة بدلاً من الباء المضمومة عند عاصم. وقرأ الباقون: " نُشُرا " بالنون المضمومة والشين المضمومة ، بينما كانت الشين فى القراءات الأخرى ساكنة .

وفى هذا يقول جولد زيهر نقلاً عن الترجمة العربية لكتابه الذى ذكر فيه هذا الكلام :

" والقسم الأكبر من هذه القراءات يرجع السبب فى ظهوره إلى خاصية الخط العربى ، فإن من خصائصه أن الرسم الواحد للكلمة قد يقرأ بأشكال مختلفة تبعًا للنقط فوق الحروف أو تحتها ، كما أن عدم وجود الحركات النحوية ، وفقدان الشكل (أى الحركات) فى الخط العربى يمكن أن يجعل للكلمة حالات مختلفة من ناحية موقعها من الإعراب. فهذه التكميلات للرسم الكتابى ثم هذه الاختلافات فى الحركات والشكل ، كل ذلك كان السبب الأول لظهور حركة القراءات ، فيما أهمل نقطه أو شكله من القرآن ".

إن المتأمل فى هذا الكلام ، الذى نقلناه عن جولد زيهر ، يدرك أن الرجل يريد أن يقول فى دهاء وخبث. إن هذه القراءات تحريفات معترف بها لدى المسلمين خاصتهم وعامتهم ، وأن النصوص الإلهية المنزلة على رسولهم أصابها بعض الضياع إنه لم يقل صراحة بالتحريف وإنما وضع المبررات لوجود التحريف فى القرآن الحكيم.

ثم أخذ بعد ذلك يورد أمثلة من القراءات وينسبها إلى السببين اللذين تقدم ذكرهما ، وهما:

- تجرد المصحف من النقط فى أول عهده.

- تجرد كلماته من ضبط الحروف.

فإلى السبب الأول نسب قوله تعالى:

(ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون).

والشاهد فى كلمة " تستكبرون " وهى قراءة الجمهور. وقد قارنها جولد زيهر بقراءة شاذة " تستكثرون " بإبدال الباء ثاء ، يريد أن يقول: إن الكلمة كانت فى الأصل " يستكبرون " غير منقوطة الحروف الأول والثالث والخامس فاختُلِف فى قراءتها:

فمنهم من قرأ الخامس " باء " والأول تاء فنطق: تستكبرون ، ومنهم من قرأ الخامس " ثاء " فنطق " تستكثرون.

هذا هو سبب هاتين القراءتين عنده.

وكذلك قوله تعالى:(وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه..).

والشاهد فى كلمة " إياه " ضمير نصب منفصل للمفرد الغائب الذكر.

ثم قارنها بقراءة شاذة لحماد الراوية هكذا " اباه " بإبدال الياء من " إياه " باء " اباه " أى وعدها إبراهيم عليه السلام أباه ؟ .

أما اختلاف القراءات للسبب الثانى ، وهو تجرد كلمات المصحف عن الضبط بالحركات ، فمن أمثلته عنده قوله تعالى:

(ومَنْ عِنْدَهُ علم الكتاب ).

وقارن بين قراءاتها الثلاث: " مَنْ عنْدَهُ " " مِنْ عِنْدِه " "مَنْ عِنْدِهِ " ؟ !

هذا هو منهجه فى إخراج القراءات القرآنية من كونها وحيًا من عند الله ، إلى كونها أوهامًا كان سببها نقص الخط العربى الذى كتب به المصحف أولاً عن تحقيق الألفاظ من حيث حروفها ومن حيث كيفية النطق بها. واقتفى أثره كثير من المبشرين والمستشرقين.

الرد على هذه الشبهة:

لقد حظى كتاب الله العزيز بعناية منقطعة النظير ، فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم ، وبعد وفاته. ومن الحقائق الراسخة رسوخ الجبال أن طريق تَلَقِّى القرآن كان هو السماع الصوتى.

- سماع صوتى من جبريل لمحمد عليهما السلام.

- وسماع صوتى من الرسول إلى كتبة الوحى أولاً وإلى المسلمين عامة.

- وسماع صوتى من كتبة الوحى إلى الذين سمعوه منهم من عامة المسلمين.

- وسماع صوتى حتى الآن من حفظة القرآن المتقنين إلى من يتعلمونه منهم من أفراد المسلمين.

هذا هو الأصل منذ بدأ القرآن ينزل إلى هذه اللحظة وإلى يوم الدين ، فى تلقى القرآن من مرسل إلى مستقبل.

وليست كتابة القرآن فى مصاحف هى الأصل ، ولن تكون. القرآن يجب أن يُسمع بوعى قبل أن يقرأ من المصحف ، ولا يزال متعلم القرآن فى أشد الحاجة إلى سماع القرآن من شيوخ حافظين متقنين ، وفى القرآن عبارات أو كلمات مستحيل أن يتوصل أحد إلى نطقها الصحيح عن مجرد القراءة فى المصحف ، ولو ظل يتعلمها وحده أيامًا وأشهرا.

وبهذا تهوى الأفكار التى أرجع إليها جولد زيهر نشأة القراءات إلى الحضيض ، ولا يكون لها أى وزن فى البحث العلمى المقبول ؛ لأن المسلمين من جيل الصحابة ومن تبعهم بإحسان لم يتعلموا القرآن عن طريق الخط العربى من القراءة فى المصاحف ، وإنما تعلموه سماعًا واعيًا ملفوظًا كما خرج من فم محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قيض الله لكتابه شيوخًا أجلاء حفظوه وتلوه غضًا طريًا كما كان صاحب الرسالة يحفظه ويتلوه كما سمعه من جبريل أمين الوحى. أجل.. كان سيكون لأفكار جولد زيهر وجه من الاحتمال لو كان المسلمون يأخذون القراءة قراءة من مصاحف. أما وقد علمنا أن طريق تلقى القرآن هو السماع الموثق ، فإن أفكار جولد زيهر تذهب هباء فى يوم ريح عاصف.

ثانيًا: إن القراءات الصحيحة مسموعة من جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسموعة من محمد صلى الله عليه وسلم لكتبة الوحى ، ومسموعة من محمد ومن كتبة الوحى لعموم المسلمين فى صدر الإسلام الأول ، ثم شيوخ القرآن فى تعاقب الأجيال حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

لقد سمع المسلمون من محمد المعصوم عن الخطأ فى التبليغ " فتبينوا " و " فتثبتوا " فى قوله تعالى:

(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا )  بالباء والياء والنون.

وسمعوها منه " فتثبتوا " بالتاء والثاء والباء والتاء وكلا القراءتين قرآن موحى به من عند الله. وليس كما توهم جولد زيهر، إنهما قراءتان ناشئتان عن الاضطراب الحاصل من خلو كلمات المصحف من النقط والشكل فى أول أمره ؟.

والقراءتان ، وإن اختلف لفظاهما ، فإن بين معنييهما علاقة وثيقة ، كعلاقة ضوء الشمس بقرصها: لأن التبين ، وهو المصدر المتصيد من " فتبينوا " هى التفحص والتعقب فى الخبر الذى يذيعه الفاسق بين الناس ، وهذا البَين هو الطريق الموصل للتثبت. فالتثبت هو ثمرة التبين. ومن تبيَّن فقد تثبت. ومن تثبت فقد تبين.

فما أروع هذه القراءات ، ورب السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما ، إن قراءات القرآن لهى وجه شديد الإشراق من وجوه إعجاز القرآن ، وإن كره الحاقدون.

وكما سمع المسلمون من فم محمد ، الذى لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فى الآية السابقة: " فتبينوا " و " فتثبتوا " سمعوا منه كذلك ، " يُفَصِّل " و " نُفصِّلُ " فى قوله تعالى:

(ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون ).

و " نفصل الآيات " وفاعل الفصل فى القراءتين واحد هو الله عز وجل:

وقد اختلف التعبير عن الفاعل فى القراءتين ، فهو فى القراءة الأولى " يفَصِّل " ضمير مستتر عائد على الله عز وجل فى قوله: (ما خلق الله ذلك إلا بالحق)أى يفصل هو الآيات. فالفاعل هنا مفرد لعوده على مفرد " الله ".

وفى القراءة الثانية عُبِّر عن الفاعل بضمير الجمع للمتكلم "نُفَصِّل" أى نفصل نحن.

والله واحد أحد ، ولكن النون فى " نفصل " لها معنى فى اللغة العربية هو التعظيم إذا كان المراد منها فردًا لا جماعة. ووجه التعظيم بلاغةً تنزيل الفرد منزلة " الجماعة " تعظيمًا لشأنه ، وإجلالاً لقدره.

وفى هاتين القراءتين تكثير للمعنى ، وهو وصف ملازم لكل القراءات.

وللبلاغيين إضافة حسنة فى قراءة " نفصل " بعد قوله: " ما خلق الله.. " هى الانتقال من الغيبة فى " ما خلق الله " إلى المتكلم فى " نفصل " للإشعار بعظمة التفصيل وروعته.

وبعد: إن إرجاع القراءات القرآنية لطبيعة الخط العربى الذى كان فى أول أمره خاليًا من النقط والشكل ، كما توهم " جولد زيهر " ومن بعده " آثر جيفرى " فى المقدمة التى كتبها لكتاب المصاحف ، لأبى داود السجستانى ، وتابعهما المستشرق " جان بيرك " ، إن هذه النظرية مجرد وَهْمٍ سانده جهل هؤلاء الأدعياء على الفكر الإسلامى، مبدؤه ومنتهاه الحقد على الإسلام والتطاول على القرآن ، لحاجات فى نفوس " اليعاقيب ".

وقد قدمنا فى إيجاز ما أبطل هذه الأوهام ، وبقى علينا فى الرد على هذه الشبهة أن نذكر فى إيجاز كذلك جهود علمائنا فى تمحيص القراءات ، وكيف وضعوا الضوابط الدقيقة لمعرفة القراءات الصحيحة ، من غيرها مما كان شائعًا وقت جمع القرآن فى عهد عثمان بن عفان " رضى الله عنه ".

تمحيص القراءات:

وضع العلماء الأقدمون ضوابط محكمة للقراءات الصحيحة التى هى وحى من عند الله. وتلك الضوابط هى:

1- صحة السند ، الذى يؤكد سماع القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2- موافقة القراءة لرسم المصحف الشريف ، الذى أجمعت عليه الأمة فى خلافة عثمان رضى الله عنه مع ملاحظة أن الصحابة الذين نسخوا القرآن فى المصحف من الوثائق النبوية فى خلافة عثمان ، نقلوه كما هو مكتوب فى الوثائق النبوية بلا تغيير أو تبديل. ورسم المصحف الذى بين أيدينا الآن سنة نبوية ؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم أقر تلك الوثيقة ، واحتفظ بها فى بيته حتى آخر يوم فى حياته الطيبة.

ولذلك أجمع أئمة المذاهب الفقهية على تحريم كتابة المصحف فى أى زمن من الأزمان ، على غير الرسم المعروف بالرسم العثمانى للمصحف الشريف. ونقل هذا الإجماع عنهم كثير من علماء تاريخ القرآن .

3- أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه تراكيب اللغة العربية ؛ لأن الله أنزل كتابه باللسان العربى المبين.

4- أن يكون معنى القراءة غير خارج عن قيم الإسلام ومقاصده الأصول والفروع.

فإذا تخلف شرط من هذه الشروط فلا تكون القراءة مقبولة ولا يعتد بها.

وعملاً بهذه الضوابط تميزت القراءات الصحيحة من القراءات غير الصحيحة ، أو ما يسمى بالقراءات الشاذة ، أو الباطلة. ولم يكتف علماؤنا بهذا ، بل وضعوا مصنفات عديدة حصروا فيها القراءات الصحيحة ، ووجهوها كلها من حيث اللغة ، ومن حيث المعنى.

كما جمع العلامة ابن جنى القراءات الشاذة ، حاصرًا لها ، واجتهد أن يقومها تقويمًا أفرغ ما ملك من طاقاته فيه ، وأخرجها فى جزءين كبيرين.

أما ذو النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه ، حين أمر بنسخ الوثائق النبوية فى المصاحف ، فقد أراد منه هدفين ، ننقل للقارئ الكريم كلامًا طيبًا للمرحوم الدكتور/ محمد عبد الله دراز فى بيانهما:

" وفى رأينا أن نشر المصحف بعناية عثمان كان يستهدف أمرين:

أولهما: إضفاء صفة الشرعية على القراءات المختلفة ، التى كانت تدخل فى إطار النص المدون يعنى المصحف ولها أصل نبوى مجمع عليه ، وحمايتها فيه منعًا لوقوع أى شجار بين المسلمين بشأنها ، لأن عثمان كان يعتبر التمارى (أى الجدال) فى القرآن نوعًا من الكفر.

ثانيهما: استبعاد ما لا يتطابق تطابقًا مطلقًا مع النص الأصلى (الوثائق النبوية) وقاية للمسلمين من الوقوع فى انشقاق خطير فيما بينهم ، وحماية للنص ذاته من أى تحريف ، نتيجة إدخال بعض العبارات المختلف عليها نوعًا ما ، أو أى شروح يكون الأفراد قد أضافوها إلى مصاحفهم " .

هذه هى عناية المسلمين من الرعيل الأول بالقرآن الكريم وتعدد قراءاته ، وحماية كتاب الله من كل دخيل على نصوص الوحى الإلهى. هذا ، وإذا كان جولد زيهر ، وآثر جيفرى المبشر الإنجليزى ، وجان بيرك قد أجهدوا أنفسهم فى أن يتخذوا من قراءات القرآن منفذًا للانقضاض عليه ، والتشكيك فيه ، فإن غيرهم من المستشرقين شهدوا للقرآن بالحق ، ونختم ردنا على هذه الشبهة بمستشرق نزيه ، أثنى على القرآن وقال إنه النص الالهى الوحيد ، الذى سلم من كل تحريف وتبديل ، لا فى جمعه ، و فى تعدد مصاحفه ، ولا فى تعدد قراءاته. قال المستشرق لوبلوا: [ إن القرآن هو اليوم الكتاب الربانى الوحيد ، الذى ليس فيه أى تغيير يذكر ]. ومن قبله قال مستشرق آخر (د. موير) كلاما طيباً فى الثناء على القرآن ، وهو: [ إن المصحف الذى جمعه عثمان ، قد تواتر انتقاله من يد ليد ، حتى وصل إلينا بدون أى تحريف ، ولقد حفظ بعناية شديدة ، بحيث لم يطرأ عليه أى تغيير يذكر ، بل نستطيع أن نقول إنه لم يطرأ عليه أى تغييرعلى الإطلاق فى النسخ التى لا حصر لها ، المتداولة فى البلاد الإسلامية الواسعة ، فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية

المتنازعة وهذا الاستعمال الإجماعى لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم حجة ودليل على صحة النص المُنزل، الموجود معنا والذى يرجع إلى عهد الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه الذى مات مقتولا.

 

الرد علي شبهة تأليف القرآن من جهة الرسول صلي الله عليه وسلم : -

أولاً: وضوح الفرق بين كلام الرسول صلي الله عليه وسلم والقرآن الكريم , وقد نال بعض كلامه التحريف كما يعلم أهل الحديث

ثانيا: إن القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد لاستطاع أئمة الفصاحة، والبلاغة، والبيان من العرب أن يكتشفوا ذلك،

ثالثا: إن القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد، لكان أسرع الناس في الرد على مَن حاجّهُ في ادعائه، أو افترى على زعمه، أو اعتدى على حرماته. فهذه قصة الإفك التي نالت من شرف زوجته عائشة، ومن كرم نبوته، فقد تأخر نزول الوحي بالقرآن تبرئة لها حوالي الشهر ذاق هو، وزوجته الأمرين طيلة هذه المدة، فلو كان القرآن من تأليفه، فما الذي يمنعه من الرد السريع القاطع لألسنة المتقولين في شرفه؟

رابعا: إن القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد، فكيف نفسر عتاب الله له في القرآن، وفي أكثر من موضع؟!! فهذا عتاب الله له في قبوله لأعذار المنافقين، وإذنه لهم بالتخلف عن غزوة تبوك، مصداق قوله تعالى: (عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ كَاذِبِينَ )  [448]

خامسا: نزول القرآن في نيف وعشرين عاما , يستحيل أن ينسجم مزاج بشر علي نسق واحد , ليلي ونهاري

مكي ومدني , سفري وحضر ..............إلخ

 

تراجم بعض أهم أعلام البحث حسب الترتيب الأبجدي

 

أبو بكر الباقلاني ( المتوفّى 403 هـ )  [449]

  هو أبو بكر محمد الطيب بن محمد القاضي المعروف بابن الباقلاني ، وليد البصرة وساكن بغداد ، يعرّفه الخطيب البغدادي بقوله : محمد بن الطيب بن محمد أبو بكر القاضي المعروف بابن الباقلاني المتكلّم على مذهب الأشعري ، من أهل البصرة ، سكن بغداد ، وسمع بها الحديث وكان ثقة. فأمّا الكلام فكان أعرف الناس به ، وأحسنهم خاطراً ، وأجودهم لساناً ، وأوضحهم بياناً ، وأصحّهم عبارة ، وله التصانيف الكثيرة المنتشرة في الرد على المخالفين من الرافضة والمعتزلة والجهمية والخوارج وغيرهم

  وقال ابن خلكان : كان على مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري ، ومؤيداً اعتقاده وناصراً طريقته ، وسكن بغداد وصنف التصانيف الكثيرة المشهورة في علم الكلام وغيره ، وكان في علمه أوحد زمانه ، وانتهت إليه الرئاسة في مذهبه ، وكان موصوفاً بجودة الاستنباط وسرعة الجواب. وسمع الحديث وكان كثير التطويل في المناظرة ، مشهوراً بذلك عند الجماعة ، وتوفّي آخر يوم السبت ودفن يوم الأحد لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة ببغداد ( رحمه الله ) تعالى ، و صلّى عليه ابنه الحسن ، ودفن في داره بدرب المجوس ، ثمّ نقل بعد ذلك فدفن في مقبرة باب حرب.

 والباقلاني نسبه إلى الباقلاء وبيعه!!

  ويظهر من فهرس تآليفه أنّه كان غزير الإنتاج وكثير التأليف ، فقد ذكر له 52 كتاباً ، غير أنّه لم يصل إلينا من هذه إلاّ ما طبع ، وهي ثلاثة :

1. « إعجاز القرآن » طبع في القاهرة كراراً ، وقد حقّقه أخيراً السيد أحمد صقر ، طبع بمطابع دار المعارف بمصر عام 1972 م.

1 ـ تاريخ بغداد : 5/379 ـ 383.

2 ـ وفيات الأعيان : 4/269 برقم 608

 

 

قال أبو يعقوب القراب : توفي الخطابي ببُسْت في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاث مائة .

قلت : وفيها مات محدث إسفرايين , أبو النضر شافع بن محمد بن أبي عوانة الإسفراييني في عشر التسعين , ومحدث بروجرد القاضي أبو الحسين عبيد الله بن سعيد البروجردي في عشر المائة , يروي عن ابن جرير , والباغندي . ومسنِد نيسابور أبو الفضل عبيد الله بن محمد الفامي , ومقرئ مصر أبو حفص عمر بن عراك الحضرمي , ومقرئ العراق أبو الفرج محمد بن أحمد الشنبوذي , وشيخ الأدب أبو علي محمد بن الحسـن بن المظفر الحاتمي ببغداد , ومسنِد مرو أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي الفقيه عن مائة عام , وعالم مصر أبو بكر محمد بن علي الأدفوي المقرئ المفسر , ومحدث مكة أبو يعقوب يوسف بن أحمد بن الدخيل .

أخبرنا أحمد بن سلامة كتابةً , عن عبد الغني بن سرور الحافظ , أخبرنا إسماعيل بن غانم , أخبرنا عبد الواحد بن إسماعيل , أخبرنا محمد بن أحمد البلخي , حدثنا حمد بن محمد , حدثنا محمد بن زكريا , حدثنا أبو داود , حدثنا محمد بن حزابة , حدثنا إسحاق بن منصور , حدثنا أسباط , عن السُّدِّيّ , عن أبيه , عن أبي هريرة , عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : الإيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ , لا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ .

وهو القائل : وما غُرْبَـةُ الإنسانِ فـي شُـقَّـةِ النَّــوى

ولكنَّهــا واللـهِ فـي عَــدَمِ الشَّـكْلِ وإنِّــي غــريبٌ بيــن بُسْــتٍ وأهلِهـا

وإن كـانَ فيهـا أُسْـرَتِي وبهـا أَهْلِـي

 

 

الرافعي [450]

ولد مصطفى صادق الرافعي على ضفاف النيل في قرية بهتيم من قرى مدينة القليوبية بمصر في يناير عام 1880م. لأبوين سوريَّين؛ حيث يتصل نسب أسرة والده بعمر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم في نسب طويل من أهل الفضل والكرامة والفقه في الدين. وقد وفد من آل الرافعي إلى مصر طائفة كبيرة اشتغلوا في القضاء على مذهب الإمام الأكبر أبي حنيفة النعمان حتى آل الأمر أن اجتمع منهم في وقت واحدٍ أربعون قاضياً في مختلف المحاكم المصرية؛ وأوشكت وظائف القضاء أن تكون حِكراً عليهم، وقد تنبه اللورد كرومر لذلك وأثبتها في بعض تقارير إلى وزارة الخارجية البريطانية.

أما والد الرافعي الشيخ عبد الرزاق سعيد الرافعي فكان رئيساً للمحاكم الشرعية في كثير من الأقاليم المصرية، وقد استقر به المقام رئيساً لمحكمة طنطا الشرعية، وهناك كانت إقامته حتى وفاته، وفيها درج مصطفى صادق وإخوته لا يعرفون غيرها، ولا يبغون عنها حولاً.

أما والدته فهي من أسرة الطوخي وتُدعى " أسماء " وأصلها من حلب، سكن أبوها الشيخ الطوخي في مصر قبل أن يتصل نسبهم بآل الرافعي. وهي أسرة اشتهر أفرادها بالاشتغال بالتجارة وضروبها.

ثقافته وأدبه

لهذه الأسرة المورقة الفروع ينتمي مصطفى صادق وفي فنائها درج، وعلى الثقافة السائدة لأسرة أهل العلم نشأ؛ فاستمع من أبيه أول ما استمع إلى تعاليم الدين، وجمع القرآن حفظاً وهو دون العاشرة، فلم يدخل المدرسة إلا بعدما جاوز العاشرة بسنة أو اثنتين، وفي السنة التي نال فيها الرافعي الشهادة الابتدائية وسنه يومئذٍ 17 عاماً أصابه مرض التيفوئيد فما نجا منه إلا وقد ترك في أعصابه أثراً ووقراً في أذنيه لم يزل يعاني منه حتى فقد حاسة السمع وهو بعد لم يجاوز الثلاثين.

وكانت بوادر هذه العلة هي التي صرفته عن إتمام تعليمه بعد الابتدائية. فانقطع إلى مدرسته التي أنشأها لنفسه وأعد برامجها بنفسه؛ فكان هو المعلم والتلميذ، فأكبَّ على مكتبة والده الحافلة التي تجمع نوادر كتب الفقه والدين والعربية؛ فاستوعبها وراح يطلب المزيد، وكانت علته سببًا باعد بينه وبين مخالطة الناس، فكانت مكتبته هي دنياه التي يعيشها وناسها ناسه، وجوها جوه وأهلها صحبته وخلانه وسمّاره، وقد ظل على دأبه في القراءة والاطلاع إلى آخر يوم في عمره، يقرأ كل يوم 8 ساعات لا يكل ولا يمل كأنه في التعليم شادٍ لا يرى أنه وصل إلى غاية.

نتاجه الأدبي والفكري  : استطاع الرافعي خلال فترة حياته الأدبية التي تربو على خمسٍ وثلاثين سنة إنتاج مجموعة كبيرة ومهمة من الدواوين والكتب أصبحت علامات مميزة في تاريخ الأدب العربي.

(1) دواوينه الشعرية:  كان الرافعي شاعراً مطبوعاً بدأ قرض الشعر وهو في العشرين، وطبع الجزء الأول من ديوانه في عام 1903 وهو بعد لم يتجاوز الثالثة والعشرين، وقد قدّم له بمقدمة بارعة فصّل فيها معنى الشعر وفنونه ومذاهبه وأوليته. وتألق نجم الرافعي الشاعر بعد الجزء الأول واستطاع بغير عناء أن يلفت نظر أدباء عصره، واستمر على دأبه فأصدر الجزأين الثاني والثالث من ديوانه. وبعد فترة أصدر ديوان النظرات، ولقي الرافعي حفاوة بالغة من علماء العربية وأدبائها قلّ نظيرها، حتى كتب إليه الإمام محمد عبده قائلاً: " أسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفاً يمحق الباطل، وأن يقيمك في الأواخر مقام حسان في الأوائل ".

 (2) كتبه النثرية: قلّ اهتمام الرافعي بالشعر عما كان في مبتدئه؛ وذلك لأن القوالب الشعرية تضيق عن شعوره الذي يعبر عن خلجات نفسه وخطرات قلبه ووحي وجدانه ووثبات فكره، فنزع إلى النثر محاولاً إعادة الجملة القرآنية إلى مكانها مما يكتب الكتاب والنشء والأدباء، أيقن أن عليه رسالة يؤديها إلى أدباء جيله، وأن له غاية هو عليها أقدر، فجعل هدفه الذي يسعى إليه أن يكون لهذا الدين حارساً يدفع عنه أسباب الزيغ والفتنة والضلال، وينفخ في هذه اللغة روحاً من روحه، يردّها إلى مكانها ويرد عنها فلا يجترئ عليها مجترئ، ولا ينال منها نائل، ولا يتندر بها ساخر إلا انبرى له يبدد أوهامه ويكشف دخيلته. فكتب مجموعة من الكتب تعبر عن هذه الأغراض عُدت من عيون الأدب في مطلع هذا القرن. وأهمها:

1. تحت راية القرآن: المعركة بين القديم والجديد: وهو كتاب وقفه كما يقول- على تبيان غلطات المجددين الذي يريدون بأغراضهم وأهوائهم أن يبتلوا الناس في دينهم وأخلاقهم ولغتهم، وهو في الأصل مجموعة مقالات كان ينشرها في الصحف في أعقاب خلافه مع طه حسين الذي احتل رده على كتاب " في الشعر الجاهلي " معظم صفحات الكتاب.

2. وحي القلم: وهو مجموعة من مقالاته النقدية والإنشائية المستوحاة من الحياة الاجتماعية المعاصرة والقصص والتاريخ الإسلامي المتناثرة في العديد من المجلات المصرية المشهورة في مطلع القرن الماضي مثل: الرسالة، والمؤيد والبلاغ والمقتطف والسياسة وغيرها.

الرافعي ومعاركه الأدبية

 كان الرافعي ناقداً أدبياً عنيفاً حديد اللسان والطبع لا يعرف المداراة، ولا يصطنع الأدب في نضال خصومه، وكانت فيه غيرة واعتداد بالنفس، وكان فيه حرص على اللغة كما يقول: " من جهة الحرص على الدين إذ لا يزال منهما شيء قائم كالأساس والبناء لا منفعة بأحدهما إلا بقيامهما معاً ". وكان يهاجم خصومه على طريقة عنترة، يضرب الجبان ضربة ينخلع لها قلب الشجاع، فكانت له خصومات عديدة مع شخصيات عنيدة وأسماء نجوم في الأدب والفكر والثقافة في مطلع القرن، فكانت بينه وبين المنفلوطي خصومة ابتدأها هذا الأخير بسبب رأي الرافعي في شعراء العصر. وكانت له صولات مع الجامعة المصرية حول طريقة تدريس الأدب العربي، وجولات أخرى مع عبد الله عفيفي وزكي مبارك. على أن أكثر معاركه شهرةً وحدة هو ما كان بينه وبين طه حسين، وبينه وبين العقاد، بل لعلها أشهر وأقسى ما في العربية من معارك الأدب.

خصومته مع طه حسين: كانت هذه الخصومة بسبب كتاب طه حسين " في الشعر الجاهلي " الذي ضمّنه رأيه في أن جُلّ الشعر الجاهلي منحول، وهي مقولة خطيرة تنبه لها الرافعي؛ فحمل عليه حملة شعواء في الصحافة المصرية واستعدى عليه الحكومة والقانون وعلماء الدين، وطلب منهم أن يأخذوا على يده وأن يمنعوه من أن تشيع بدعته بين طلاب الجامعة، وترادفت مقالاته عاصفة مهتاجة تفور بالغيظ والحميّة الدينية والعصبيّة للإسلام والعرب، كأن فيها معنى من معاني الدم، حتى كادت هذه الحملة تذهب بـ " طه " وشيعته؛ إذ وقف معقود اللسان والقلم أمام قوة قلم الرافعي وحجته البالغة، وقد أسرّ " طه " هذا الموقف للرافعي، فما سنحت له سانحة ينال بها من الرافعي إلا استغلها كي يرد له الصاع صاعين. غير أن الرافعي كان يقارعه حجة بحجة ونقداً بنقد حتى توفي رحمه الله.

وفاته: توفي الرافعي في مايو سنة 1937 عن عمر يناهز 57 عاماً وكان الرافعي إذ ذاك ما يزال يعمل كاتباً ومحصلاً مالياً في محكمة طنطا، وهو العمل الذي بدأ به حياته العملية عام 1900م.

 

سيد قطب  [451]

 

نشأة قروية : ولد سيد قطب لأسرة شريفة في مجتمع قروي (صعيدي) في يوم 9/10/1906م بقرية موشا بمحافظة أسيوط، وهو الابن الأول لأمه بعد أخت تكبره بثلاث سنوات وأخ من أبيه غير شقيق يكبره بجيل كامل. وكانت أمه تعامله معاملة خاصة وتزوده بالنضوج والوعي حتى يحقق لها أملها في أن يكون متعلمًا مثل أخواله , كما كان أبوه راشدًا عاقلاً وعضوًا في لجنة الحزب الوطني وعميدًا لعائلته التي كانت ظاهرة الامتياز في القرية، واتصف بالوقار وحياة القلب، يضاف إلى ذلك أنه كان دَيِّنًا في سلوكه.

ولما كتب سيد قطب إهداء عن أبيه في كتابه "مشاهد القيامة في القرآن" قال: "لقد طبعتَ فيّ وأنا طفل صغير مخافة اليوم الآخر، ولم تعظني أو تزجرني، ولكنك كنت تعيش أمامي، واليوم الآخر ذكراه في ضميرك وعلى لسانك.. وإن صورتك المطبوعة في مُخيلتي ونحن نفرغ كل مساء من طعام العشاء، فتقرأ الفاتحة وتتوجه بها إلى روح أبيك في الدار الآخرة، ونحن أطفالك الصغار نتمتم مثلك بآيات منها متفرقات قبل أن نجيد حفظها كاملات". وعندما خرج إلى المدرسة ظهرت صفة جديدة إلى جانب الثقة بالذات من أمه والمشاعر النبيلة من أبيه وكانت الإرادة القوية ، ومن شواهدها حفظه القرآن الكريم كاملاً بدافع من نفسه في سن العاشرة؛ لأنه تعود ألا يفاخره أبناء الكتاتيب بعد إشاعة بأن المدرسة لم تعد تهتم بتحفيظ القرآن.

، ثم انتهى به الأمر إلى كتابة الخطب والأشعار وإلقائها على الناس في المجامع والمساجد.

الاستقرار في القاهرة : ذهب سيد قطب إلى القاهرة في سن الرابعة عشرة وضمن له القدر الإقامة عند أسرة واعية وجهته إلى التعليم وهي أسرة خاله الذي يعمل بالتدريس والصحافة، وكان لدى الفتى حرص شديد على التعلم ,  إلا أنه في القاهرة واجه عقبات محصته تمحيصًا شديدًا جعلته يخرج من الحياة برؤية محددة قضى نحبه فيما بعد- من أجلها.

والتحق سيد قطب أولاً بإحدى مدارس المعلمين الأولية مدرسة عبد العزيز- ولم يكد ينتهي من الدراسة بها حتى بلغت أحوال الأسرة درجة من السوء جعلته يتحمل المسئولية قبل أوانه، وتحولت مهمته إلى إنقاذ الأسرة من الضياع بدلاً من استعادة الثروة وإعادة المجد.

واضطر إلى العمل مدرسًا ابتدائيًا حتى يستعين بمرتبه في استكمال دراسته العليا من غير رعاية من أحد اللهم إلا نفسه وموروثاته القديمة. وكان هذا التغير سببًا في الاحتكاك المباشر بالمجتمع الذي كان لا بد له من أسلوب تعامل يختلف عن أسلوب القرويين وتجربتهم.

فالمجتمع الجديد الذي عاش فيه انقلبت فيه موازين الحياة في المدينة السليمة، وبدت في القاهرة سوءات الاحتلال الأجنبي ومفاسد السياسة؛ حيث سادت عوامل التمزق الطبقي والصراع الحزبي وغدت المنفعة وما يتبعها من الرياء والنفاق والمحسوبية هي الروح التي تسري، ويصف عبد الرحمن الرافعي هذا المجتمع بأنه "مجتمع انهارت فيه الثقافة العربية أمام الثقافة الغربية التي تؤمن بالغرب حتى بلغت في بعض الأحيان حد التطرف في الإيمان بالغرب وبمبادئه إيمانًا مطلقًا". فكيف يواجهها هذا الشاب الناشئ المحافظ الطموح؟

كانت صلته بهذا المجتمع صلة تعليم، ثم أصبح الآن مشاركًا فيه، وعليه أن يختار ما بين السكون والعزلة، وبالتالي عدم إكمال تعليمه أو الحركة والنشاط، واختار سيد قطب المواجهة مع ما ينبت معها من عناصر

الإصرار والتحدي وعدم الرضا بهذا الواقع المؤلم.

ارتحال فكري : واختار سيد قطب حزب الوفد ليستأنس بقيادته في المواجهة، وكان يضم وقتذاك عباس محمود العقاد وزملاءه من كتاب الوفد، وارتفعت الصلة بينه وبين العقاد إلى درجة عالية من الإعجاب لما في أسلوب العقاد من قوة التفكير ودقة التغيير والروح الجديدة الناتجة عن الاتصال بالأدب الغربي.

ثم بلغ سيد قطب نهاية الشوط وتخرج في دار العلوم 1933 وعين موظفًا كما أمل وأملت أمه معه- غير أن مرتبه كان ستة جنيهات ولم يرجع بذلك للأسرة ما فقدته من مركز ومال؛ فهو مدرس مغمور لا يكاد يكفي مرتبه إلى جانب ما تدره عليه مقالاته الصحفية القيام بأعباء الأسرة بالكامل.

وهذه الظروف التي حرمته من نعيم أسلافه منحته موهبة أدبية إلا أن الأساتذة من الأدباء كما يصفهم- كانوا: "لم يروا إلا أنفسهم وأشخاصهم فلم يعد لديهم وقت للمريدين والتلاميذ، ولم تكن في أرواحهم نسمة تسع المريدين والتلاميذ" كل هذا أدى إلى اضطرابه وإحساسه بالضياع إلى درجة وصفها الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه "مذكرات سائح من الشرق" انقطعت عندها كل صلة بينه وبين نشأته الأولى وتبخرت ثقافته الدينية الضئيلة وعقيدته الإسلامية" ولكن دون أن يندفع إلى الإلحاد، وكان دور العقاد حاسمًا في ذلك.

وانتقل سيد قطب إلى وزارة المعارف في مطلع الأربعينيات، ثم عمل مفتشًا بالتعليم الابتدائي في عام 1944 وبعدها عاد إلى الوزارة مرة أخرى، وفي تلك الفترة كانت خطواته في النقد الأدبي قد اتسعت وتميزت وظهر له كتابان هما: "كتب وشخصيات"، "والنقد الأدبي أصوله ومناهجه".

وبعد ميدان النقد سلك سيد قطب مسلكًا آخر بعيدًا: بكتابه "التصوير الفني في القرآن" الذي لاقى مقابلة طيبة من الأوساط الأدبية والعلمية فكتب: "مشاهد القيامة في القرآن" ووعد بإخراج: "القصة بين التوراة والقرآن" و"النماذج الإنسانية في القرآن"، و"المنطق الوجداني في القرآن"، و"أساليب العرض الفني في القرآن"، ولكن لم يظهر منها شيء. وأوقعته دراسة النص القرآني على غذاء روحي لنفسه التي لم تزل متطلعة إلى الروح. وهذا المجال الروحي شده إلى كتابة الدراسات القرآنية فكتب مقالاً بعنوان "العدالة الاجتماعية بمنظور إسلامي" في عام 1944. ولما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها زادت الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية سوءًا وفسادًا وكانت جماعة الإخوان المسلمين هي أوضح الجماعات حركة وانتشارًا حتى وصلت لمعاقل حزب الوفد كالجامعة والوظائف والريف، وأخذت تجذب بدعوتها إلى الإصلاح وقوة مرشدها الروحية المثقفين، وأخذت صلة سيد قطب بالجماعة تأخذ شكلاً ملموسًا في عام 1946 ثم ازدادت حول حرب فلسطين 1948. وفي هذا الاتجاه ألف سيد قطب كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، وأهداه إلى الإخوان؛ ثم سافر إلى أمريكا وعند عودته أحسنوا استقباله، فأحسن الارتباط بهم وأكد صلته حتى أصبح عضوًا في الجماعة.

الرحلة إلى أمريكا

وجد سيد قطب ضالته في الدراسات الاجتماعية والقرآنية التي اتجه إليها بعد فترة الضياع الفكري والصراع النفسي بين التيارات الثقافية الغربية، ويصف قطب هذه الحالة بأنها اعترت معظم أبناء الوطن نتيجة للغزو الأوروبي المطلق.

المصلح والأديب : امتلك سيد قطب موهبة أدبية قامت على أساس نظري وإصرار قوي على تنميتها بالبحث الدائم والتحصيل المستمر حتى مكنته من التعبير عن ذاته وعن عقيدته يقول: "إن السر العجيب في قوة التعبير وحيويته ليس في بريق الكلمات وموسيقى العبارات، وإنما هو كامن في قوة الإيمان بمدلول الكلمات وما وراء المدلول، وإن في ذلك التصميم الحاسم على تحويل الكلمة المكتوبة إلى حركة حية، المعنى المفهوم إلى واقع ملموس".

وكان سيد قطب موسوعيًا يكتب في مجالات عديدة إلا أن الجانب الاجتماعي استأثر بنصيب الأسد من جملة كتاباته، وشغلته المسألة الاجتماعية حتى أصبحت في نظره واجبًا إسلاميًا تفرضه المسئولية الإسلامية والإنسانية، وهذا يفسر قلة إنتاجه في القصة التي لم يكثر فيها بسبب انشغاله بالدراسات النقدية ومن بعدها بالدراسات والبحوث الإسلامية.

العودة والرحيل : عاد سيد قطب من أمريكا في 23 أغسطس 1950 ليعمل بمكتب وزير المعارف إلا أنه تم نقله أكثر من مرة حتى قدم استقالته في 18 أكتوبر 1952،

من كتب سيد قطب

1 - مهمة الشاعر في الحياة، وشعر الجيل الحاضر. (نقد).  2 - الشاطئ المجهول (شعر)

3 - نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر (نقد). 4 - التصوير الفني في القرآن (نقد).

5 - مشاهد القيامة في القرآن (نقد) .6 - العدالة الاجتماعية في الإسلام (فكر)

7 - معركة الإسلام والرأسمالية (فكر). 8 - السلام العالمي والإسلام (فكر).

9 - في ظلال القرآن (تفسير). 10 - دراسات إسلامية (فكر)

11 - هذا الدين (فكر). 12 - المستقبل لهذا الدين (فكر)

13 - خصائص التصور الإسلامي (فكر)

 

عمرو بن بحر الجاحظ [452]

ولد عمرو بن بحر في مدينة البصرة، نشأ مثل جميع أبناء فقراء جنوب العراق بين الماء والنخيل، طلب العلم في سن مبكّرة، فقرأ القرآن ومبادئ اللغة على شيوخ بلده، ولكن اليتم والفقر حال دون تفرغه لطلب العلم، فصار يبيع السمك والخبز في النهار، ويكتري دكاكين الورّاقين في الليل، فما وقعت يده على كتاب إلا استوفى قراءته. كان دميماً قبيحاً جاحظ العينين، ولكنّه لم يضق بدمامته، وعاش عمره كائناً اجتماعيّاً متفائلاً، يفرض احترامه على الجميع بسبب فصاحته وجمال أسلوبه، ونصاعة بيانه.

اتجه نحو بغداد وكانت مجمع أهل العلم والفضل، ومهوى أهل الفضائل والنهى، فتتلمذ على أبي عبيدة صاحب عيون الأخبار، والأصمعي الراوية المشهور صاحب الأصمعيّات، وأخذ النحو عن الأخفش، والكلام عن النظام بن إسحق. وفي بغداد برز عمرو بن بحر بين أقرانه ككاتب بليغ، وسرعان ما تصدّر للتدريس، وتولّى ديوان الرسائل للخليفة المأمون.

امتاز أدبه بالعمق والأصالة والواقعيّة، وأسلوبه بالدقّة والإيجاز، والتلاؤم في مطابقة الكلام بمقتضى الحال، فجاءت عباراته واضحة بعيدة عن الابتذال والغموض.

وكان يميل إلى الفكاهة ويصور الواقع دون تستر أو محاولة للتجميل، فرسم طبقات المجتمع المتفاوتة التي خالطها، وبعد عن إستخدام الخيال والصور المجازية، وإعتمد في العرض علي الجدل المنطقي فأختار ألفاظاً دقيقة واضحة الأداء وبعد في ألفاظه عن الخشونة والغرابة.

وكان غزير التأليف، تربو كتبه على مائتي كتاب منها: (البيان والتبيين) في الأدب والإنشاء والخطابة، وهو أشرف كتبه، وأحسن تآليفه (كتاب الحيوان) سبعة أجزاء، وأجمل كتبه (البخلاء) وله (نظم القرآن)  .

تركت طريقته في الكتابة التي تميّز بها على أساليب الكتّاب والمصنّفين العرب عدّة قرون، وفي مقدمة من تأثّر بأسلوبه ابن قتيبة الدينوري، والصولي، والثعالبي، ولا يزال أسلوبه من أجمل الأساليب الفنيّة وأكثرها إمتاعاً للقرّاء.

قال عنه  الذهبي [453] الجاحظ : العلامة المتبحر ، ذو الفنون ، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب البصري المعتزلي ، صاحب التصانيف .

أخذ عن النظام ، وروى عن أبي يوسف القاضي ، وثمامة بن أشرس .

روى عنه أبو العيناء ، ويموت بن المزرع ابن أخته ، وكان أحد الاذكياء .

قال ثعلب : ما هو بثقة .  وقال يموت : كان جده جمالا أسود .

... قلت : يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق .

قال إسماعيل الصفار : حدثنا أبو العيناء ، قال : أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك ، فأدخلناه على الشيوخ ببغداد ، فقبلوه إلا ابن شيبة العلوي ، فإنه قال : لا يشبه آخر هذا الحديث أوله .

وقال  عنه ابن حجر : -  [454] عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف .

روى عنه أبو بكر بن ابي داود فيما قيل .

قال ثعلب : ليس بثقة ولا مأمون . قلت : وكان من أئمة البدع. اه .

... وروى الجاحظ عن حجاج الاعور وأبي يوسف القاضي وخلق كثير ، ورايته عنهم في اثناء كتابه في الحيوان

توفي في عام 868 م

 

 

 

 

عبد القاهر الجرجاني [455]

ولد في (جرجان) وهي مدينة مشهورة بين طبرستان وخراسان ببلاد فارس

ولد (أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني) في مطلع القرن الخامس للهجرة.. كان منذ صغره محبًّا للعلم ، فأقبل على الكتب والدرس، خاصة كتب النحو والأدب والفقه، ولما كان فقيرًا لم يخرج لطلب العلم نظرًا لفقره، بل تعلم في جرجان وقرأ كل ما وصلت إليه يده من كتب، فقرأ للكثيرين ممن اشتهروا باللغة والنحو والبلاغة والأدب، كـسيبويه والجاحظ والمبرِّد وابن دُرَيْد وغيرهم.

وتهيأت له الفرصة ليتعلم النحو، على يد واحد من كبار علماء النحو؛ عندما نزل جرجان واستقر بها، وتمضي الأيام ليصبح عبد القاهر عالمًا وأستاذًا، واشتهر شهرة كبيرة، وذاع صيته، فجاء إليه طلاب العلم من جميع البلاد يقرءون عليه كتبه ويأخذونها عنه، وكان عبد القاهر يعتز بنفسه كثيرًا ويكره النفاق، ولا يذل نفسه من أجل المال، ووصل عبد القاهر الجرجاني لمنزلة عالية من العلم، ولكنه لم يُقَدَّر التقدير الذي يستحقه.

وقضى عبد القاهر حياته بين كتبه، يقرأ ويؤلف، فكتب في النحو عدة كتب؛ منها: (المغني) و(المقتصد) و(التكملة) و(الجمل) وفي الشعر كتب؛ منها: (المختار من دواوين المتنبي والبحتري وأبو تمام) وترجع شهرة عبد القاهر إلى كتاباته في البلاغة، فهو يعتبر مؤسس علم البلاغة، أو أحد المؤسسين لهذا العلم، ويعد كتاباه: (دلائل الإعجاز) و(أسرار البلاغة) من أهم الكتب التي أُلفت في هذا المجال، وقد ألفها الجرجاني لبيان إعجاز القرآن الكريم وفضله على النصوص الأخرى من شعر ونثر، وقد قيل عنه: كان ورعًا قانعًا، عالـمًا، ذا نسك ودين.

وتوفي شيخ البلاغيين (عبد القاهر الجرجاني) سنة 471هـ، لكن علمه مازال باقيًا، يغترف منه كل ظمآن إلى المعرفة ويهدي إلى السبيل الصحيح في بيان إعجاز القرآن الكريم

 

عياض بن موسى بن عياض  [456]

هو عياض بن موسى بن عياض بن عمرون، أبو الفضل اليحصبي السبتي الغرناطي الأندلسي القاضي .

ولد بمدينة سبتة في شهر شعبان سنة ست وتسعين وأربعمائة 496هـ؛ لذا فهو أندلسي الأصل، قال ابنه محمد: "كان أجدادنا في القديم بالأندلس ثم انتقلوا إلى مدينة فاس، وكان لهم استقرار بالقيروان، لا أدري قبل حلولهم بالأندلس أو بعد ذلك، وانتقل عمرون إلى سبتة بعد سكنى فاس

 رحلاته العلمية: في سبيل العلم رحل عياض إلى الأندلس سنة تسع وخمسمائة 509هـ طالبا للعلم، فأخذ بقرطبة عن مجموعة غير قليلة من العلماء، وأجاز له بعضهم، ثم انتقل إلى المشرق فأخذ عن مجموعة أخرى من العلماء؛ فهو بذلك جمع إلى جانب علم المغاربة علوم المشارقة حيث نهل من المنبع والمصب معا.

أساتذته: تذكر المصادر القديمة عشرات الشيوخ والأساتذة الذين تلمذ لهم الرجل؛ ففي قرطبة أخذ عن القاضي أبي عبد الله محمد بن علي بن حمدين، كما أخذ عن أبي الحسين بن سراج وأبي محمد بن عناب وغيرهم، وأجاز له أبو علي الغساني.

وفي المشرق: أخذ عن القاضي أبي علي حسين بن محمد الصدفي، وأخذ أيضا عن أبي عبد الله المازني، وأجاز له الشيخ أبو بكر الطرطوشي، وذكر ولده محمد مجموعة أخرى من الشيوخ منهم: أحمد بن بقي، وأحمد بن محمد بن محمد بن مكحول، وأبو الطاهر أحمد ابن محمد السلفي، والحسن بن محمد بن سكره وغيرهم، وقال صاحب الصلة البشكوالية - بعد أن ذكر بعض شيوخه -: وقد اجتمع له من الشيوخ بين من سمع منه وبين من أجاز له مائة شيخ.

وكانت الحصيلة العلمية التي استقاها من هؤلاء العلماء كبيرة جدا؛ يقولون: إنه صار إمام وقته في الحديث وعلومه، والتفسير وعلومه، كما صار من أهل التفنن في العلم، واليقظة والفهم، حتى إنه بعد عودته من رحلاته العلمية أجلسه أهل سبتة للمناظرة في المدونة وهو ابن ثلاثين سنة أو ينيف عنها، ثم أجلس للشورى، ثم ولي قضاء بلده مدة طويلة، حمدت سيرته فيها، ثم نقل إلى قضاء غرناطة في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة 531هـ.

ولقد أشارت المصادر القديمة بمكانته العلمية؛ فقالت إنه كان فقيها أصوليا، عالما بالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم، بصيرا بالأحكام، عاقدا للشروط، بصيرا حافظا لمذهب مالك، ريانا في علم الأدب، خطيبا بليغا. كما تحدثت عن كريم أخلاقه، فقالت إنه كان صبورا حليما، جميل العشرة، جوادا سمحا كثير الصدقة، دؤوبا على العمل، صلبا في الحق.

ونظرا لمكانته الدينية والعلمية قربه الموحدون، حكام المغرب في عصره، حيث رحل إلى أميرهم بمدينة سلا؛ فأجزل له العطاء وأوجب بره، وظل عياض في رحابهم إلى أن اضطربت أمور الموحدين عام ثلاثة وأربعين وخمسمائة 543هـ، حيث رحل إلى مراكش مشردا، بعيدا عن وطنه، فكانت بها وفاته في شهر جمادى الثانية، وقيل في شهر رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة 544هـ، ودفن في باب أيلان. رحمه الله.

مصنفاته: صنف القاضي عياض مجموعة ضخمة من المصنفات أهمها:

1_ الإعلام بحدود قواعد الإسلام.

2_ الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع.

3_ ترتيب المدارك وتقريب المسالك، لمعرفة أعلام مذهب مالك.

4_ الشفا بتعريف حقوق المصطفى.

5_ مشارق الأنوار في تفسير غريب حديث الموطأ والبخاري ومسلم.

6_ المعلم في شرح مسلم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أهم نتائج البحث :-

 

1 أهمية النظم في فهم مسألة إعجاز القرآن الكريم

2 عجز أعداء الإسلام قديما وحديثا عن الإتيان بمثل القرآن, أو البرهان علي كونه من صنعة البشر

3 انفراد اللغة العربية بالقدرة علي إستيعاب إعجاز القرآن الكريم .

4 القرآن الكريم مخالفا لفنون اللغة , من شعر ونثر وأمثال و غير ذلك , لأن القرآن الكريم كلام الله , وليس من صنعة البشر .

5 القرآن الكريم حفظه الله من التبديل و التحريف , بخلاف التوراة والإنجيل

6 فشل محاولات معارضة القرآن الكريم منذ مسيلمة الكذاب حتي عصرنا الحالي متمثلة في البهائيين .

7 الحديث القدسي والنبوي ليسا معجزان , ولم يقع التحدي بهما , إلا من جهة الإنباء بالغيب , والإعجاز التشريعي .

8 القرآن الكريم علي الدرجة العليا من الفصاحة والبلاغة .

القرآن الكريم يخلوا من عيوب كلام البشر لأنه من لدن حكيم خبير .

9 القرآن الكريم يحوي إعجازا لغويا في البلاغة والبيان والبديع , وعلم المعاني.

10 لا يمكن التعبير عن جمال وإعجاز كلام الله في القرآن الكريم .

11 القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نزل علي سبعة أحرف .

12 إرضاؤه للعامة والخاصة علي نحو مبهر .

13 بطلان وجوه أقحمها البعض في مسألة إعجاز القرآن الكريم , مثل الإعجاز العددي

14 بطلان القول بالصرفة .

15 بطلان شبهة وجود أخطاء لغوية في القرآن الكريم .

16 بطلان شبهة أن القرآن الكريم مأخوذا من شعر إمرئ القيس .

17 بطلان شبهة حروف فواتح السور .

18 بطلان شبهة تأليف القرآن الكريم من لدن الرسول صلي الله عليه وسلم أو غيره

تم بحمد الله

مراجع البحث حسب الترتيب الأبجدي

القرآن الكريم

أ

* أثر القرآن الكريم في اللغة العربية والتحديات المعاصرة   د.محمد يوسف الشربجي 

* إعجاز القرآن : أبوبكر محمد بن الطيب الباقلاني ( ت403هـ ) ،  تحقيق السيد أحمد صقر ،   دار المعارف بالقاهرة ، 1954م .

* إعجاز القرآن والبلاغة النبوية :  مصطفى صادق الرافعي  ،  حققه محمد سعيد العريان  ط3 ، 1945 ، مطبعة الاستقامة بالقاهرة .

*  الإعجاز البياني للقرآن الكريم- د. عائشة عبد الرحمن- دار المعارف مصر ط: ثانية 1987 م.

*الإعجاز القرآني، وجوهه وأسراره : د . عبد الغني محمد سعد بركة  ،  ط1، 1989م، مكتبة وهبة بالقاهرة .

* الإتقان في علوم القرآن : جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت911هـ )  تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، دار التراث بالقاهرة ، ط 3 ، 1985م .

* -الإعجاز البلاغي: د. محمد محمد أبو موسى، ط2، 1977م ، مكتبة وهبة ، القاهرة  .

* الأمثال في القرآن الكريم تأليف ابن قيم الجوزية دار المعرفة بيروت تحقيق سعيد محمد نمر الخطيب الطبعة الرابعة 1421 هـ- 2000 م

* الأمثال من الكتاب والسنة تأليف أبي عبد الله محمد بن علي ابن الحسن المعروف بالحكيم الترمذي المتوفى سنة 320 هـ .

* أثر القرآن الكريم في اللغة , محمد عبد الواحد حجازي , سلسلة البحوث الإسلامية   43 ,  1971

 أزهار الرياض فى اخبار القاضى عياض.

   أحمد بن محمد المقري، 992؟-1041 هـ. 

* أحكام القرآن : إبن العربي

* الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم , د/ محمد محمد داود , أستاذ الدراسات اللغوية والإسلامية بكلية التربية جامعة قناة السويس

* إعراب القرآن : السيوطي

* الإعجاز القرآني وجوهه و أسراره  د . عبد الغني محمد سعد . ط مكتبة الوهبة  1989 م

* أعلام النثر في العصر الحديث , الجامعة الإسلامية , المدينة المنورة

* أسرار البيان في التعبير القرآني د      فاضــل صالـح السامرائى

* أسرار العربية : عبد الرحمن بن أبي الوفاء محمد بن عبيدالله بن أبي سعيد

الناشر : دار الجيل بيروت الطبعة الأولى ، 1995  

الأمثال من الكتاب والسنة :أبي عبد الله محمد بن علي ابن الحسن المعروف بالحكيم الترمذي المتوفى سنة 320 هـ,

الايضاح في علوم البلاغة المؤلف: زكريا بن محمد القزويني تحقيق: محمد السعدي فرهود

مراجع غير اسلامية  ( انجيل يوحنا )

ب

*البرهان في علوم القرآن  : بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي ( ت794هـ ) تحقيق :

محمد أبو الفضل ابراهيم   ،  الطبعة الأولى  ، دار إحياء الكتب العربية ،  مصر 1957م . 

* بيان إعجاز القرآن الكريم  : لأبي سليمان حمد بن محمد بن ابراهيم الخطابي

    ( ت388هـ ) ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن تحقيق محمد خلف الله أحمد ، وزميله ، ط3، دار المعارف ،  بالقاهرة .

*البيان في إعجاز القرآن: د. صلاح عبد الفتاح الخالدي ،  دار عمار - عمان ، الأردن .

* بلاغة القرآن في آثار القاضي عبد الجبار-د. عبد الفتاح لاشين-دار الفكر العربي 1987م.

*  البرهان في علوم القرآن-بدر الدين محمد بن عبد الله  الزركشي- دار الكتب العلمية بيروت طـ:أولى 1408ه‍.

* بحوث في الثقافة الإسلامية، تأليف عدد من أساتذة جامعة قطر، ص 275

* بحوث في قصص القرآن     السيد عبد الحافظ عبد ربه، ط: دار الكتاب اللبناني- بيروت، 1972م

* البلاغة العربية اسسها وعلومها وفنونه عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني،  ا، دار القلم، دمشق، سوريا، ط 1، 1416هـ / ))

* بلاغة القرآن الكريم    محمد الخضر حسين، ط:الدار الحسينية للكتاب، 1417هـ-1997م

* البلاغة العربية          وليد قصاب

*  البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن : كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم

* بحوث في قصص القرآن، للسيد عبد الحافظ عبد ربه، ط: دار الكتاب اللبناني- بيروت، 1972م

*  البرهان في علوم القرآن، للإمامُ الزركشيُّ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط: عيسى البابي الحلبي, الثانية

* البرهان في وجوه البيان : أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم بن وهب الكاتب

*  بلاغة القرآن الكريم، للعلامة محمد الخضر حسين، ط:الدار الحسينية للكتاب، 1417هـ-1997م

* البيان في إعجاز القرآن : د. صلاح عبد الفتاح الخالدي     

ت

* التحرير والتنوير- الشيخ محمد الطاهر بن عاشور-دار سحنون تونس دون تاريخ.

* تفسير القرآن العظيم- الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير-دار المعرفة بيروت 1403ه‍

*  التربية بضرب الأمثال تأليف عبدالرحمن النحلاوي دار الفكر دمشق دار الفكر المعاصر بيروت الطبعة الأولى 1419 هـ 1998م

* تاريخ الأدب العربي   نوري حمودي القيسي

* تاريخ الأدب العربي : كارل بروكلمان

* تاريخ آداب العرب       مصطفي صادق الرافعي، (ط2، دار الكتاب العربي، بيروت: 1974م)

* تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي : المباركفوري

ث

* ثلاث رسائل في إعجاز القرآن:للرماني، والخطابي، والجرجاني- تحقيق محمد خلف الله  أحمد، ود .محمد زغلول سلام-سلسلة ذخائر العرب- دار المعارف مصر ط: رابعة 1991

ج

*  الجامع لأحكام القرآن أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي- الهيئة المصرية العامة للكتاب ط: ثانية 1987.

* الجامع لأحكام القرآن : لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ( ت671هـ )  دار الكتب العلمية ،  بيروت 1993م 

* الجاحظ : دائرة معارف عصره / فوزى عطوى.

الناشر بيروت : دار الفكر العربى، 1989.

د

* دلائل الاعجاز فى علم المعانى / تأليف عبدالقاهر الجرجانى; صحح اصله محمد عبده, محمد محمود التركزى الشنقيطى; وقف على تصحيح طبعه و علق حواشيه محمد رشيد رضا.  الناشر بيروت : دار الكتب العلمية، 1988.

* دلائل النظام          الفراهي  - ط2، الدائرة الحميدية الهندية: 1991م.‏

* الدعوة إلى الله تعالى، د.عبد الرب نواب الدين آل نواب، ط: دار القلم- دمشق، الدار الشامية- بيروت، 1410هـ-1990م

ر

* روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني  : لأبي الفضل شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي البغدادي  ( ت 1270هـ) ، بيروت ، 1978م.

رسم المصحف و ضبطه بين التوقيف و الاصطلاح ، د.شعبان محمد اسماعيل،الثقافة،الدوحة ـ قطر،الطبعة الأولى1992 .

س

* سر الفصاحة : لأبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي

    ( ت466هـ ) ،تصحيح  وتعليق عبد المتعال الصعيدي ،   مكتبة ومطبعة  محمد علي صبيح وأولاده ، القاهرة ،  1953م  .

*  السيرة النبوية  : لأبي محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري

   ( ت218هـ) - حققها وضبطها مصطفى السقا وزملاؤه .الطبعة الأولى - دار الخير بدمشق

* السلسلة  الصحيحة : الألباني

* سيد قطب من القرية الى المشنقة " تحقيق وثائقي تأليف :عادل حمودة

ش

* الشفا : القاضي عياض

شرح الجلال على العقائد العضدية  :   جلال الدين الدواني , القاهرة : المطبعة العامرة، [1899]

* الشعر الجاهلي       فؤاد افراد البستاني ..  سلسلة الروائع

ص

* الصرفة دلالتها لدى القائلين بها وردود المعارضين لها

د. سامي عطا حسن جامعة آل البيت

ع

( العربية لغة عالمية : نشر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة 1966 )

* علم المعانى، البيان، البديع / عبدالعزيز عتيق. الناشر بيروت : دار النهضة العربية

نقلا عن عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم ,  د . محمد السيد راضي جبريل 

 ف

* فكرة إعجاز القرآن  : نعيم الحمصي ، ط2،1980م ، مؤسسة الرسالة بيروت .

*  فكرة النظم في تطورها وأهدافها : د. بسيوني عرفة ، ط 1، دار الرسالة بالقاهرة ، 1982م.

*  الفهرست  : لابن النديم ، محمد بن اسحق ( ت 383هـ) ،  ط بيروت 1964م .

* * الفصاحه :[مفهومها و بما تتحقق قيمتها الجماليه / توفيق على الفيل. الناشر الكويت: تصدر عن كليه الآداب جامعه الكويت، 1996.

* * الفصحى في مواجهة التحديات : نذير محمد مكتبي

*  الفوائد المشوق إلى علوم القرآن   : ابن القيم الجوزية

ق

قضية الإعجاز بين المتقدمين والمتأخرين : د. عبد الفتاح محمد سلامة ، دار التوفيقية

القصص القرآني في منطوقه ومفهومه، لعبد الكريم الخطيب، ط: السنة المحمدية- القاهرة، 1384هـ-1964م

 

ك

* كيف تبدع القصيدة       : عبد اللطيف الوحيد

* كمال اللغة القرآنية بين حقائق الإعجاز وأوهام الخصوم    د.محمد محمد داود

ل

* لايأتون بمثله      محمد قطب   , ط دار الشروق

* لسان العرب  : لأبي الفضل  جمال الدين محمد بن مكرم بن  منظور الإفريقي

  (ت 711هـ) ، الطبعة الثالثة ، 1999م، عني بتصحيحها أمين محمد عبد الوهاب وزميله ، دار إحياء الثراث العربي ، بيروت _ لبنان .

*  اللغة العربية التحديات والمواجهة    : سالم مبارك الفلق

م

*- مباحث في إعجاز القرآن : د. مصطفى مسلم ، دار المسلم للنشر والتوزيع ، الرياض ، ط2، 1996م . 

* مجاز القرآن خصائصه الفنية وبلاغته العربية    

الدكتور محمد حسين علي الصغير اُستاذ الدّراسات القرآنية في جامعة الكوفة

*- مناهل العرفان في علوم القرآن : محمد عبد العظيم الزرقاني ، دار إحياء الكتب العربية  عيسى البابي الحلبي ، القاهرة .

*  مفهوم الإعجاز القرآني حتى القرن السادس الهجري-د.أحمد جمال العمري- دار المعارف مصر 1984م.

*  الملل والنحل أبو الفتح محمد بن عبدالله الشهرستاني- دار صعب بيروت 1986م.

* المفردات في غريب القرآن : الراغب الأصفهاني ضبطه وراجعه محمد خليل عيتاني دار المعرفة بيروت الطبعة الأولى 1418 هـ 1998م

* من الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم _ دراسة في ظاهرة الترادف اللفظي _ د . السيد خضر . ط دار الوفاء 2001

* المعجم الوجيز , مجمع اللغة العربية , طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم , 1994 م

* مجاز القرآن خصائصه الفنية وبلاغته العربية    

الدكتور محمد حسين علي الصغير اُستاذ الدّراسات القرآنية في جامعة الكوفة

*   المصباح المنير فى غريب الشرح الكبير للرافعى / تاليف احمد بن محمد بن على المقرى الفيومى ؛ تحقيق عبد العظيم الشناوى.

الناشر القاهرة : دار المعارف، [1994].    

* مجموع فتاوي شيخ الإسلام : إبن تيمية

* مجلة الدعوة في العدد ( 1497 ) بتاريخ 1 / 2 / 1416

* من بلاغة القرآن :  أحمد أحمد بدوي

دار نهضة مصر للطبع والنشر القاهرة

* مصطفى صادق الرافعى : رائد الرمزية العربية المطلة على السوريالية / مصصطفى الجوزو.

الناشر بيروت : دار الاندلس، 1985.

* مناهل العرفان في علوم القرآن   عبد الرحيم الزرقاني

بعض مواقع الشبكة العنكبوتية

موقع صيد الفوائد

موقع الإعجاز العلمي

موقع الأستاذ الكحيل

موقع الإسلام سؤال وجواب

موقع الشبكة الإسلامية

موقع البهاية في الميزان

موقع المجلس الأعلي للشؤن الإسلامية جمهورية مصر 

ع

*-  عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز : أ.د  محمد السيد راضى جبريل

* عبد القاهر الجرجانى : بلاغته و نقده      أحمد مطلوب.

الناشر الكويت ؛ بيروت : وكالة المطبوعات، 1973.

ن

* النكت في  إعجاز القرآن ( ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ): علي بن عيسى الرماني ( ت386هـ)  الطبعة الثالثة ،  دار المعارف بمصر ،   تحقيق د. محمد خلف الله أحمد وزميله 63 1928م.

د

*  دلائل الإعجاز- الإمام عبـد القاهر الجرجاني-دار المدني جدة ط: ثالثة 1992م.

ر

32*  روح المعاني-شهاب الدين الألوسي البغدادي-دار التراث العربي بيروت  طـ: ثانية دون تاريخ .

ش

*  الشفا بتعريف حقوق المصطفي- القاضي عياض بن موسى اليحصبي مكتبة دار التراث بالقاهرة دون تاريخ.

ص

*  صحيح البخاري للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري مع فتح الباري للحافظ أحمد بن العسقلاني- دار المعرفة بيروت دون تاريخ.

*  صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، حققه ورقم أحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي- دار إحياء التراث العربي- دون تاريخ.

ف

*  الفصل في الملل والأهواء والنحل- علي بن أحمد بن حزم الظاهري- دار المعرفة بيروت

* في ظـلال القـرآن- سيد قطب- دار الشروق ط: تاسعة 1400ه‍.

* الفرق بين الفرق : البغدادي

* الفوائد الغياثية فى علوم البلاغة / عضد الدين الايجى ؛ دراسة و تحقيق و تعليق عاشق حسين. 

الناشر القاهرة : دار الكتاب المصرى ؛ بيروت : دار الكتاب اللبنانى، 1991

ق

*   القصص القرآني في منطوقه ومفهومه: عبد الكريم الخطيب، ط: السنة المحمدية- القاهرة، 1384هـ-1964م

ك

* كمال اللغة القرآنية بين حقائق الإعجاز وأوهام الخصوم .. د.محمد محمد داود

* النهاية فى الكناية, المعروف بالكناية و التعريض / أبى منصور اسماعيل الثعالبى ؛ تحقيق فرج الحوار .

الناشر سوسة : دار المعارف، [1995]

 

مراجع باللغة الإنجليزية

The Amazing Quran  By: Dr. Gary Miller 

 

:

 

 

 

 

 

 

الفهرس

مقدمة البحث.........................................................................

لماذا الإعجاز اللغوي..................................................................

أهمية الموضوع وأسباب إختياره....................................................

أهم الدراسات السابقة..........................................................

تعريفات هامة (وجوه الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم )...................

تعريف اللغة , وظائف اللغة.................................................... :

التحدي  .............................................................

اللغة العربية في القرآن الكريم   , من فضل تعلّم اللغة  العربية , بعض الأقوال لبعض العلماء الأجانب قبل العرب في أهمية اللغة العربية , إنفراد العربية بالإعجاز , بعض خصائص اللغة العربية , القرآن الكريم و اللغة العربية , اللغة العربية قبل نزول القرآن الكريم , اللغة العربية بعد نزول القرآن الكريم , من أثر القرآن الكريم في اللغة العربية , ..............   :

مقارنة بين القرآن الكريم وكلام المخلوقين , القرآن والشعر , القرآن والنثر

القرآن الكريم والأمثال,..........................................................

قرآن الكريم التوراة والإنجيل........................................................

نماذج من محاولا معاصرة لمحاكاة القرآن الكريم..................................

القرآن الكريم وسجع الكهان..............................................

القرآن الكريم والحديث القدسي و الحديث النبوي ......................... ......

وجوه الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم

أولا وجوه تتصل بعلم البلاغة , الوجه الأول من الإعجاز اللغوى

الدرجة العليا من البلاغة التي لم يعهدها العرب...............................

الوجه الثاني من الإعجاز اللغوي

خلوه من العيوب اللغوية   ...........................................................

الوجه الثالث من الإعجاز اللغوي  , إشتماله علي المعاني الدقيقة

من دقة اللفظ في القرآن الكريم   ...............................................

الوجه الرابع من الإعجاز اللغوي , عدم الإختلاف والتناقض .........................................................

الوجه الخامس من الإعجاز اللغوي الجمع بين الجزالة والعذوبة , وهما متضادان.................................

الوجه السادس من الإعجاز اللغوي

عدوله عن التكرار(  المخل والممل  وبلا حاجة  ) ..............................

الوجه السابع من الإعجاز اللغوي

قصد في اللفظ مع وفاء المعني...............................................

الوجه الثامن من  الإعجاز اللغوي

جمعه بين الإجمال والبيان ............................................................

الوجه التاسع من الإعجاز اللغوي

ما فيه من النظم والتأليف والترصيف وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب

ومباين لأساليب خطاباتهم   ...................................................

الوجه العاشر من الإعجاز اللغوي

إيراد المعني الواحد بطرق مختلفة............................................

الوجه الحادي عشر من الإعجاز اللغوي

براعته في تصريف القول  ........................................

الوجه الثاني عشر من الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم

النسخ ( لأن المنسوخ والناسخ يصدران من منبع واحد معجز ) .......................

ثالثا وجوه أخري من الإعجاز اللغوى

الوجه الثالث عشر من الإعجاز اللغوي

أنه شيء لا يمكن التعبير عنه.....................................................

الوجه الرابع عشر  من الإعجاز اللغوي

تأثيره في سامعيه ( الإعجاز النفسي ) ..........................................

الوجه الخامس عشر من الإعجاز  اللغوي

لا تنبض ينابيع إعجازه اللغوي ......................................................

الوجه السادس عشر من الإعجاز اللغوي

جمعه لعلوم  لغوية بصورة معجزة إختص بها ....................................... 88

الوجه السابع عشر من الإعجاز اللغوي

ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة ..................................

الوجه الثامن عشر من الإعجاز اللغوي

حفظه من التحريف ........................................................................

الوجه التاسع عشر  من الإعجاز اللغوي

اللفظ و المعني كأنهما روحان يمتزجان لا يطغي احدهما علي الآخر ...........

الوجه العشرون من الإعجاز اللغوي

نزوله علي سبعة أحرف..................................................

الوجه الحادي و العشرون  من الإعجاز اللغوي

إرضاؤه للعقل والعاطفة :.......................................

الوجه الثاني والعشرون من الإعجاز اللغوي

إرضاؤه للعامة والخاصة ..............................................................

الوجه الثالث والعشرون من الإعجاز اللغوي

عجز الرسول صلي الله عليه وسلم عن الإتيان ببدل له ..............................

الوجه الرابع والعشرون من الإعجاز اللغوي

الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم.........................................

وجوه باطلة مسألة الإعجاز اللغوي

أولا : -إعجاز رسم القرآن..............................................

ثانيا : - ما أقحمه البعض من خزعبلات حول إعجاز ترتيب فواتح السور و الإعجاز العددي فأدخلوا في القرآن ماليس فيه ............................................................

الصرفة ...................................................................

القدر المعجز من القرآن ...........................................

العرب غير الفصحاء كالأعاجم ........................................

الشبهات حول الإعجاز اللغوي للقلرآن الكريم

تعريف الاستشراق   .......................................................

شبهة حول ورود كلمات غير عربية في القرآن الكريم....................

القرآن الكريم وشعر امرىء القيس..................................

شبهة فواتح السور...................................................

شبهة تعدد قراءات القرآن ................................................

شبهة تأليف القرآن من جهة الرسول صلي الله عليه وسلم ..................................

تراجم أهم أعلام البحث

أبو بكر الباقلاني..............................................

الخطابي ...........................................................

الرافعي .............................................................

سيد قطب ..................................................................

الجاحظ ..............................................................

عبد القاهر الجرجاني........................................................

عياض بن موسى بن عياض   ...............................................

الشعراوي ....................................................

قصيدة عن الإعجاز..............................................

أهم نتائج البحث....................................................

 

 

 



[1] - ( آل عمران : 122) .
[2] - ( النساء : 1) .
[3] - ( الأحزاب : 71،70)
[4] - (الكهف /109).
[5] - (الإسراء/20).
[6] - رواه البخاري (029) ومسلم (58)
[7] - الأنبياء 69
[8] - البقرة 23
[9] - الحجر 9
[10] - المائدة 15 , 16
[11] - سورة طه 124
[12] - المائدة 48
[13] - البخاري - 7274
[14] - الإسراء 88
[15] - إعجاز القرآن للباقلاني:22
[16] - من فقهاء المالكية
[17] - الجاحظ من كبار المعتزلة
[18] - إعجاز القرآن للباقلاني ص 24
[19] - قدرا أو مكانة
[20] - الشفاء:1/217
[21] - ([21]) البرهان في علوم القرآن:2/101 وما بعدها
[22] - روح المعاني ج 1 ص 31
[23] - نقلا عن , By: Dr. Gary Miller , The Amazing Quran
[24] - النساء 82
[25] - البقرة 23
[26] - سورة الأعراف 184
[27] - الرحمن 27
[28] - المعجم الوجيز , مجمع اللغة العربية , طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم بمصر , 1994 م , ص 661 , 662
[29] - شرح الجلال على العقائد العضدية، 2/276.
[30] - بحوث في الثقافة الإسلامية ، تأليف عدد من أساتذة جامعة قطر، ص 275
[31] - انظر: المصباح المنير، ص 149
[32] - لسان العرب: مادة ( عجز)
[33] - نقلا عن عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم , د . محمد السيد راضي جبريل
[34] - صحيح البخاري – 6363 , 6369 , 5425
[35] - في شرح الحديث في فتح الباري , باب الاستعاذة من الجبن والكسل
[36] - لسان العرب مادة عجز
[37] - - نقلا عن عناية المسلمين بإبراز وجوه الإعجاز في القرآن الكريم , د . محمد السيد راضي جبريل
[38] - البيان في إعجاز القرآن : د. صلاح عبد الفتاح الخالدي ، ص 23-31.
[39] - إعجاز القرآن : الرافعي ، ص 139
[40] - الإتقان في علوم القرآن ج 1 ص 153 , 154 . ط المكتبة التوفيقية .
[41] - تجد هذا التعريف بأساليب مختلفة في كتب علوم القرآن الكريم , راجع الإتقان في علوم القرآن : جلال الدين السيوطي , مناهل العرفان في علوم القرآن : محمد عبد العظيم الزرقاني الجزء الأول الطبع دار المعارف .
[42] - الفتح 15
[43] - نقلا عن اللغة العربية التحديات والمواجهة , للأستاذ/ سالم مبارك الفلق , ص 2 , 3
[44] - [النمل:16]
[45] - نقلا عن اللغة العربية التحديات والمواجهة , للأستاذ/ سالم مبارك الفلق , ص 3 , 4
[46] - للإستزادة راجع , خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى
[47] - الطور 34
[48] - يونس 38
[49] - يونس 38
[50] - هود 13
[51] - هود 35
[52] - السجدة 3
[53] - الأحقاف 8
[54] - [الشعراء:192-195]
[55] - [الزخرف:3]
[56] - [فصلت:3]
[57] - [الزمر:28].
[58] - [الحجر:9]
[59] - للاستزادة (الفصحى لغة القرآن – أنور الجندي )
[60] - الفوائد المشوق إلى علوم القرآن (ص: 7)
[61] - اقتضاء الصراط المستقيم (ص: 203)
[62] - الفتاوى (32 / 255)
[63] - وحي القلم (3 / 33-34)
[64] - راجع أسرار العربية : عبد الرحمن بن أبي الوفاء محمد بن عبيدالله بن أبي سعيد
الناشر : دار الجيل – بيروت الطبعة الأولى ، 1995
[65] - ( الفصحى لغة القرآن – أنور الجندي ص: 302)
[66] - إعجاز القرآن : الباقلاني
[67] - راجع أسرار العربية : عبد الرحمن بن أبي الوفاء محمد بن عبيدالله بن أبي سعيد
الناشر : دار الجيل – بيروت الطبعة الأولى ، 1995 , و موقع صيد الفوائد في الشبكة العنكبوتية
[68] - سورة العاديات 1 : 5
[69] - الفصحى في مواجهة التحديات : نذير محمد مكتبي , ص 43 - و راجع ( العربية لغة عالمية : نشر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة 1966 )
[70] - سورة فصلت 44
[71] - تفسير القرآن العظيم : إبن كثير , سورة فصلت
[72] - سورة إبراهيم 14
[73] - أثر القرآن الكريم في اللغة , محمد عبد الواحد حجازي , سلسلة البحوث الإسلامية 43 , 1971 م
[74] - راجع أثر القرآن الكريم في اللغة العربية والتحديات المعاصرة د.محمد يوسف الشربجي , أثر القرآن في اللغة العربية : حسن الباقوري
[75] - [البقرة: 23 –24
[76] - [الإسراء: 88
[77] - تاريخ آداب العرب، الرافعي، (ط2، دار الكتاب العربي، بيروت: 1974م) 2 /74
[78] - باب النوع السابع والثلاثون فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز – ص 416 و ما بعدها - الإتقان في علوم القرآن، تعليق د. مصطفى البنا (ط. بيروت).‏
[79] - المزهر في علوم اللغة العربية السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، (ط. مصر).
[80] - دلائل النظام الفراهي - ط2، الدائرة الحميدية الهندية: 1991م.‏
[81] - )- ، تاريخ الأدب العربي : كارل بروكلمان
[82] - : الشعر الجاهلي. فؤاد افراد البستاني .. (سلسلة الروائع) ص : 69.
[83] - الإتقان في علوم القرآن ج 4 ص 20 . ط المكتبة التوفيقية
[84] - في الحديث عن الشعر
[85] - التوبة 14
[86] - في الحديث عن الشعر
[87] - نقلا عن , كيف تبدع القصيدة : عبد اللطيف الوحيد
[88] - راجع البرهان في وجوه البيان : أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم بن وهب الكاتب ص350 – و الهوامل والشوامل : علي بن محمد بن العباس التوحيدي ص 275
[89] - المفردات في غريب القرآن : الراغب الأصفهاني ضبطه وراجعه محمد خليل عيتاني دار المعرفة بيروت الطبعة الأولى 1418 هـ 1998م
[90] - التربية بضرب الأمثال : عبدالرحمن النحلاوي دار الفكر دمشق دار الفكر المعاصر بيروت الطبعة الأولى 1419 هـ 1998م
[91] - الأمثال في القرآن الكريم : ابن قيم الجوزية دار المعرفة بيروت تحقيق سعيد محمد نمر الخطيب الطبعة الرابعة 1421 هـ- 2000 م
[92] - راجع الأمثال من الكتاب والسنة :أبي عبد الله محمد بن علي ابن الحسن المعروف بالحكيم الترمذي المتوفى سنة 320 هـ, أمثال القرآن تأليف إبراهيم بن محمد بن نفطويه المتوفى سنة 323 هـ., الأمثال في القرآن الكريم د محمد بكر إسماعيل
[93] - المصدر السابق
[94] - البقرة 256
[95] - البقرة 195
[96] - النساء 128
[97] - النحل 125
[98] - نقلا عن كتاب الأمثال في القرآن الكريم محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله - دار النشر مكتبة الصحابة ، الجزء 1، صفحة 11.
[99] - كتاب الأمثال في القرآن الكريم محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله - دار النشر مكتبة الصحابة ، الجزء 1، صفحة 12
[100] - إعجاز القرآن للباقلاني في الحديث عن إعجاز التوراة والإنجيل
[101] - المزمور الأول 1 : 3
[102] - القمر 54 , 55
[103] - النساء 69
[104] - سورة إبراهيم 24 , 25
[105] - الإصحاح الأول
[106] - المصدر السابق 1
[107] - سورة الصمد
[108] - المصدر السابق 2
[109] - المصدرالسابق 5 و 6
[110] - سورة ص 30 : 33
[111] - راجع خصائص القرآن الكريم في , أحكام القرآن : إبن العربي
[112] - الحجر 9
[113] - المائدة 44
[114] - الزخرف 3
[115] - الحجر 9
[116] - نقلا عن موقع البهائية في الميزان
[117] - لقمان33
[118] - الفرقان68
[119] - الرعد28
[120] - البقرة27
[121] - لايأتون بمثله , محمد قطب : المقدمة , ط دار الشروق
[122] - الإسراء 88
[123] - تاريخ الادب العربي / نوري حمودي القيسي: ص‏358
[124] - أخرجه: البخاري (3577).
[125] - إعجاز القرآن لللباقلاني في الحديث عن القرآن و الجن
[126] - راجع : الاحاديث القدسية و منزلتها فى التشريع - شعبان محمد اسماعيل.
الناشر الرياض : دار المريخ، 1982.
[127] - البروفيسور كيث مور من أكبر علماء التشريح والأجنة في العالم, في عام 1984 إستلم الجائزة الأكثر بروزا في حقل علم التشريح في كندا (جي. سي. بي) جائزة جرانت من الجمعية الكندية لاختصاصيي التشريح ترأس العديد من الجمعيات الدولية، مثل الجمعية الكندية والأمريكية لاختصاصيي التشريح ومجلس إتحاد العلوم الحيوية.
[128] - من كتاب الذين هدى الله للدكتور زغلول النجار
[129] - السجدة:5
[130] - [المؤمنون 12ـ14]
[131] - إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ط دار المنا ر 1997ص 114
[132] - للإستزادة راجع كمال اللغة القرآنية بين حقائق الإعجاز وأوهام الخصوم .. د.محمد محمد داود
[133] - ( كشاف اصطلاحات الفنون. محمد علي الفاروقي التهانوي.: مكتبة لبنان . ط: 1 - 1 – 17 )
[134] - (إعراب القرآن2/526).
[135] - المائدة 69
[136] - من بلاغة القرآن : أحمد أحمد بدوي , دار نهضة مصر للطبع والنشر – القاهرة
[137] - الحجرات 14
[138] - البقرة 104
[139] - البقرة 96
[140] - البقرة 13
[141] - البقرة 77
[142] - الأنعام 114
[143] - يونس 55
[144] - الأنبياء 24
[145] - النور 25
[146] - البقرة 154
[147] - الزمر 55
[148] - البقرة 11 , 12
[149] - النمل 18
[150] - إبراهيم 18
[151] - طه 4 : 6
[152] - النساء 82
[153] - تفسير القرآن العظيم , سورة النساء
[154] - الفتح القدير سورة النساء
[155] - تفسير سورة النساء للرازى
[156] - تفسير سورة النساء للبيضاوى
[157] - تفسير سورة النساء للنسفي
[158] - الإتقان ج 4 ص 11 و ط المكتبة التوفيقية
[159] - المصدر السابق ص 14
[160] - راجع الفوائد الغياثية فى علوم البلاغة / عضد الدين الايجى ؛ دراسة و تحقيق و تعليق عاشق حسين.
الناشر القاهرة : دار الكتاب المصرى ؛ بيروت : دار الكتاب اللبنانى، 1991
[161] - راجع العنوان الفوائد الغياثية فى علوم البلاغة / عضدالدين الأيجى; دراسة و تحقيق و تعليق عاشق حسين. الناشر القاهرة : دار الكتاب المصرى، 1991. ,
[162] - المصدر السابق
[163] - المصدر السابق
[164] - نقلا عن موقع الإسلام سؤال وجواب , الشيخ محمد المنجد
[165] - " لسان العرب " ( 5 / 135 )
[166] - " الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 280 ) طبعة مؤسسة النداء
[167] - المؤمنون 36
[168] - الإنسان 15 , 16
[169] - الفجر 21
[170] - الشرح 5 , 6
[171] - " مجموع الفتاوى " ( 14 / 408 ) .
[172] - " مجموع الفتاوى " ( 19 / 167 ، 168 )
[173] - " الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 280 ) طبعة مؤسسة النداء
[174] - طه 113
[175] - غافر 38 , 39
[176] - النحل 119
[177] - النحل 110
[178] - البقرة 189
[179] - آل عمران 188
[180] - يوسف 4
[181] - " الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 281 ، 282 ) طبعة مؤسسة النداء .
[182] - زاد المسير " ( 5 / 461 )
[183] - النبأ 4 , 5
[184] - الشرح 5 , 6
[185] - " تفسير القرطبي " ( 20 / 226 )
[186] - الواقعة 19
[187] - الروم 43
[188] - يوسف 53
[189] - راجع المصدر السابق سورة يوسف
[190] - يوسف 25
[191] - المصدر السابق سورة النمل
[192] - الفتح 25
[193] - المصباح المنير , الباء مع الياء
[194] - النجم 22
[195] - راجع الفصاحه :[مفهومها و بما تتحقق قيمتها الجماليه / توفيق على الفيل. الناشر الكويت: تصدر عن كليه الآداب جامعه الكويت، 1996.
[196] - البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن : كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم
[197] - المصدر السابق
[198] - راجع المصدر السابق , و سر الفصاحة: الأمير أبى محمد عبدالله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجى الحلبى؛ حقق و علق علية وصنع فهارسة النبوى عبدالواحد شعلان.
[199] - راجع العنوان علم المعانى، البيان، البديع / عبدالعزيز عتيق. الناشر بيروت : دار النهضة العربية
[200] - المصدر السابق
[201] - الأنعام 6
[202] - راجع مجاز القرآن خصائصه الفنية وبلاغته العربية
الدكتور محمد حسين علي الصغير اُستاذ الدّراسات القرآنية في جامعة الكوفة
[204] - يوسف 82
[205] - البقرة 93
[206] - الحج 31
[207] - البلاغة العربية ـ وليد قصاب: 71 ـ 72
[208] - الأنعام 71
[209] - البلاغة العربية ـ وليد قصاب ـ ص 77 ـ 78
[210] - الأعراف 176
[211] - البلاغة العربية ـ وليد قصاب ـ ص 77 ـ 78
[212] - المصباح المنير فى غريب الشرح الكبير للرافعى / تاليف احمد بن محمد بن على المقرى الفيومى ؛ تحقيق عبد العظيم الشناوى.
الناشر القاهرة : دار المعارف، [1994].
[213] - المصدر السابق , الراء مع الفاء
[214] - الإتقان في علوم القرآ ج4 ص 10 . ط المكتبة التوفيقية
[215] - المصدر السابق
[216] - المصدر السابق ص 12
[217] - دلائل الإعجاز
[218] - المصدر السابق ص 17
[219] - بحوث في قصص القرآن، للسيد عبد الحافظ عبد ربه، ط: دار الكتاب اللبناني- بيروت، 1972م
[220] - البرهان في علوم القرآن، للإمامُ الزركشيُّ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط: عيسى البابي الحلبي, الثانية
[221] - بلاغة القرآن الكريم، للعلامة محمد الخضر حسين، ط:الدار الحسينية للكتاب، 1417هـ-1997م
[222] - الدعوة إلى الله تعالى، د.عبد الرب نواب الدين آل نواب، ط: دار القلم- دمشق، الدار الشامية- بيروت، 1410هـ-1990م
[223] - القصص القرآني في منطوقه ومفهومه، لعبد الكريم الخطيب، ط: السنة المحمدية- القاهرة، 1384هـ-1964م
[224] - ( نقلا عن القِصَّة في القرآنِ الكريم : عبد الباسط شاكر – موقع عالم القرآن الكريم – الشبكة العنكبوتية )
[225] - يوسف 3
[226] - الدعوة إلى الله تعالى، د.عبد الرب نواب الدين آل نواب، ط: دار القلم- دمشق، الدار الشامية- بيروت، 1410هـ-1990م. ص: (160).
[227] - الصف 8
[228] - آل عمران 62
[229] - بلاغة القرآن الكريم، للعلامة محمد الخضر حسين، ص 105 .
[230] - الدعوة إلى الله تعالى، د.عبد الرب نواب الدين آل نواب، ط: دار القلم- دمشق، الدار الشامية- بيروت، 1410هـ-1990م. ص 162
[231] - القصة القرآنية هداية وبيان، د.وهبة الزحيلي، ط:دار الخير- دمشق، بيروت، الثانية: 1418هـ 1998م. ص 5
[232] - سورة يوسف 111
[233] - القصة في القرآن الكريم , بقلم : عبد الباسط شاكر – موقع عالم القرآن الكريم بالشبكة العنكبوتية
[234] - فصل أتى القرآن على ذكر القصة بضروب مختلفة : إعجاز القرآن الكريم : الباقلاني
[235] - لسان العرب مادة حلف
[236] - بتصرف , نقلا عن ( من الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم _ دراسة في ظاهرة الترادف اللفظي _ د . السيد خضر . ط دار الوفاء 2001
[237] - (التوبة 107)
[238] - التوبة 42
[239] - التوبة 74
[240] - المجادلة 18
[241] - الأنعام 109
[242] - النحل 38
[243] - النور 53
[244] - القلم 17
[245] - الأعراف 21
[246] - نقلا عن (الايضاح في علوم البلاغة المؤلف: زكريا بن محمد القزويني تحقيق: محمد السعدي فرهود 4 / 1 – 3 )
[247] - راجع علم المعانى، البيان، البديع / عبدالعزيز عتيق. الناشر بيروت : دار النهضة العربية
[248] - نقلا عن موسوعة الإعجاز العلمي بالشبكة العنكبوتية
[249] - يس 37
[250] - التكوير 18
[251] - الحاقة 11
[252] - النهاية فى الكناية, المعروف بالكناية و التعريض / أبى منصور اسماعيل الثعالبى ؛ تحقيق فرج الحوار . الناشر سوسة : دار المعارف، [1995]
[253] - المصدرالسابق
[254] - البقرة 223
[255] - البقرة 24
[256] - البقرة 235
[257] - مناهل العرفان : الزرقاني ج 4 ص 229 : 232
[258] - النساء 58
[259] - البقرة 183
[260] - آل عمران 108
[261] - البقرة 288
[262] - آل عمران 97
[263] - البقرة 238
[264] - اللج 29
[265] - البقرة 220
[266] - البقرة 189
[267] - الأحزاب 50
[268] - البقرة 245
[269] - البقرة 196
[270] - النحل 17
[271] - البقرة 185
[272] - الممتحنة 9
[273] - الأعراف 33
[274] - النساء 19
[275] - الإسراء 34
[276] - البقرة 189
[277] - آل عمران 180
[278] - التوبة 34
[279] - البقرة 181
[280] - المائدة 90
[281] - المائدة 1
[282] - البقرة 60
[283] - البقرة 173
[284] - الفتح 17
[285] - المائدة 93
[286] - البقرة 158
[287] - الأعراف 32
[288] - النحل 67
[289] - ( نقلا عن أسرار البيان في التعبير القرآني ) للدكتور - فاضــل صالـح السامرائي أستاذ النحو في جامعة الشارقة
[290] - العنكبوت 64
[291] - العنكبوت 62
[292] - المنافقون 9
[293] - العنكبوت 52
[294] - الإسراء 96
[295] - آ ل عمران 37
[296] - البقرة 63
[297] - النساء 154
[298] - الأعراف 171
[299] - الأعراف 143
[300] - الإتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج 4 ص 53 و ما بعدها – ط دار الحديث القاهرة 1427 ه – و الناسخ و المنسوخ / تأليف أبى القاسم هبة الله ابن سلامة ابى النصر. ,
[301] - النحل 101
[302] - الإتقان : السيوطي ج 4 ص 13 . ط المكتبة التوفيقية
[303] - المصدر السابق ص 14
[304] - الشفاء ج 1 ص 232
[305] - الدر المنثور للسيوطي:7/310،311
[306] - فصلت 13
[307] - الشفا ج 1 ص 232
[308] - الطور 35
[309] - راجع السيرة النبوية لإبن هشام ج 1 , ومختصر السير : محمد بن عبد الوهاب
[310] - سير توماس أرنولد ( 1864 – 1930). Sir Thomas Amold
من كبار المستشرقين البريطانيين. صاحب فكرة كتاب (تراث الإسلام) الذي أسهم فيه عدد من مشاهير البحث والاستشراق الغربي. وقد أشرف آرنولد على تنسيقه وإخراجه. تعلم في كمبردج وقضى عدة سنوات في الهند أستاذًا للفلسفة في كلية عليكرة الإسلامية. وهو أول من جلس على كرسي الأستاذية في قسم الدراسات العربية في مدرسة اللغات الشرقية بلندن. وصفه المستشرق البريطاني المعروف (جب) بأنه "عالم دقيق فيما يكتب، وأنه أقام طويلاً في الهند وتعرف إلى مسلميها، وأنه متعاطف مع الإسلام، وكل هذه أمور ترفع أقواله فوق مستوى الشهادات" (دراسات في حضارة الإسلام ص244). ذاع صيته بكتابيه: (الدعوة إلى الإسلام) الذي ترجم إلى كثر من لغة، و(الخلافة). كما أنه نشر عدة كتب قيمة عن الفن الإسلامي
[311] - نقلا عن قالوا عن الإسلام , إعداد / الدكتور عماد الدين خليل ص 40
[312] - بلاشير R. L. Blachere
ولد بالقرب من باريس، وتلقى دروسه الثانوية في الدار البيضاء، وتخرج بالعربية في كلية الآداب بالجزائر (1922)، وعين أستاذًا لها في معهد مولاي يوسف بالرباط، ثم انتدب مديرًا لمعهد الدراسات المغربية العليا بالرباط (1924-19359، واستدعته مدرسة اللغات الشرقية بباريس أستاذًا لكرسي الآداب العربي (1935-1951)، ونال الدكتوراه (1936)، وعين أستاذًا محاضرًا في السوربون (19389، ومشرفًا على مجلة (المعرفة)، التي ظهرت في باريس باللغتين العربية والفرنسية، من آثاره: دراسات عديدة عن تاريخ الأدب العربي في أشهر المجلات الاستشراقية، وكتاب (تاريخ الأدب العربي) (باريس 1952)، وترجمة جديدة للقرآن الكريم في ثلاثة أجزاء (باريس 1947-1952)، وغيرها
[313] - نقلا عن قالوا عن الإسلام , إعداد / الدكتور عماد الدين خليل ص 43
[314] - ) د. فيليب حتى P. Hitti
ولد عام 1886م ، لبناني الأصل، أمريكي الجنسية، تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت (1908م)، ونال الدكتوراه من جامعة كولومبيا (1915م)، وعين معيدًا في قسمها الشرقي (1915-1919)، وأستاذًا لتاريخ العربي في الجامعة الأمريكية ببيروت (1919-1925)، وأستاذًا مساعدًا للآداب السامية في جامع برنستون (1926-1929م)، وأستاذًا ثم أستاذ كرسي ثم رئيسًا لقسم اللغات والآداب الشرقية (1929-1954م)، حين أحيل على التقاعد، أنتخب عضوًا في جمعيات ومجامع عديدة.
من آثاره: (أصول الدولة الإسلامية) (1916م)، (تاريخ العرب) (1927م)، (تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين) (1951م)، (لبنان في التاريخ) (1961م)، وغيرها.
[315] - الإسلام منهج حياة ، ص 62 .
[316] - الإسلام منهج حياة، ص 287 - 288 .
[317] - (1) الكونت هنري دي كاستري (1850-1927)
مقدم في الجيش الفرنسي، قضى في الشمال الأفريقي ردحًا من الزمن. من آثاره: (مصادر غير منشورة عن تاريخ المغرب) (1950)، (الأشراف السعديون) (1921)، (رحلة هولندي إلى المغرب) (1926)، وغيرهما.
[318] - الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 18 – 20 .
[319] - ) ايتين دينيه ( 1861 – 1929 ) Et. Dinet
تعلم في فرنسا، وقصد الجزائر، فكان يقضي في بلدة بوسعادة نصف السنة من كل عام، وأشهر إسلامه وتسمى بناصر الدين (1927)، وحج إلى بيت الله الحرام (1928).
من آثاره : صنف بمعاونة سليمان بن إبراهيم (محمد في السير النبوية)، وله بالفرنسية (حياة العرب)، و(حياة الصحراء)، و(أشعة خاصة بنور الإسلام)، و(الشرق في نظر الغرب)، و(الحج إلى بيت الله الحرام).
[320] - (2) أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 35
[321] - (3) محمد رسول الله ، ص 106 .
[322] - (4) محمد رسول الله، ص 118 .
[323] - (5) محمد رسول الله، ص 119 – 121 .
[324] - (6) محمد رسول الله، ص 121 .
[325] - (1) جاك . س . ريسلر J. S. Restler
باحث فرنسي معاصر، وأستاذ بالمعهد الإسلامي بباريس.
[326] - (2) الحضارة العربية ، ص 30 – 31 .
[327] - (3) الحضارة العربية ، ص 45 .
[328] - جورج سارتون ( 1884 – 1956 ) G. Sarton
ولد في بلجيكا، وحصل على الدكتوراه في العلوم الطبيعية والرياضية (1911)، فلما نشبت الحرب رحل إلى إنكلترا، ثم تحول عنها إلى الولايات المتحدة، وتجنّس بجنسيتها فعين محاضرًا في تاريخ العلم بجامعة واشنطن (1916)، ثم في جامعة هارفارد (1917-1949). وقد انكب على دراسة اللغة العربية في الجامعة الأمريكية ببيروت (1931-1932) وألقى فيها وفي كلية المقاصد الإسلامية محاضرات ممتعة لتبيان فضل العرب على التفكير الإنساني، زار عددًا من البلدان العربية، وتمرس بالعديد من اللغات، ومنح عدة شهادات دكتوراه كما انتخب عضوًا في عشرة مجامع علمية وفي عديد من الجمعيات العالمية، وأشرف على عدد من المجلات العلمية.
من آثاره: خلف أكثر من خمسمائة بحث، وخير تصانيفه وأجمعها: (المدخل إلى تاريخ العلم) في خمسة مجلدات (1927، 1931، 1947).
[329] - ) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 37 – 38 .
[330] - نقلا عن الشبكة العنكبوتية - منتديات ضوء القمر - - دراسة مقارنة- للدكتور أحمد القاضي
[331] - مجلة الدعوة في العدد ( 1497 ) بتاريخ 1 / 2 / 1416 هـ .
-: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة _الجزء الثامن
[332] - سورة فصلت 44
[333] - (الاسراء:82)
[334] - صحيح البخاري - 5017 - 5056 - صحيح الترمذي -: 3402 - صحيح أبي داود -: 5056
[335] - الإتقان في علوم القرآن : السيوطي ج 4 ص 312 ط دار الحديث القاهرة 1427 ه
[336] - المصدر السابق ج 3 ص 286 و ما بعدها
[337] - الراوي: علي بن أبي طالب: سنن الترمذي - 2906 - إسناده مجهول وفي الحارث [الأعور] مقال
[338] - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
[339] - الإتقان في علوم القرآن : السيوطي ج 4 ص 312 ط دار الحديث القاهرة 1427 ه
[340] - الإتقان في علوم القرآن : السيوطي ج 4 ص 312 ط دار الحديث القاهرة 1427 ه
[341] - نقلا عن ( الإعجاز القرآني وجوهه و أسراره د . عبد الغني محمد سعد . ط مكتبة الوهبة 1989 م )
[342] - للإستزادة راجع , خواطر محمد متولي الشعراوي
[343] - الطور 34
[344] - يونس 38
[345] - يونس 38
[346] - هود 13
[347] - هود 35
[348] - السجدة 3
[349] - الأحقاف 8
[350] - إعجاز القرآن , الرافعي ص 137
[351] - سورة النازعات 1 : 5
[352] - سورة الفيل
[353] - سورة الأبتر
[354] - إعجاز القرآن : الرافعي ص 138
[355] - إعجاز القرآن والبلاغة النبوية : الرافعي , ط دار المنا ر 1997ص145
[356] - الإتقان في علوم القرآن : السيوطي ج 4 ص 312 ط دار الحديث القاهرة 1427 ه
[357] - . رواه البخاري ( 3047 ) ومسلم ( 819 ) .
[358] - راجع , الأحرف السبعة : الداني
[359] - الحج 11
[360] - الإتقان ج 1 ص 126 ط المكتبة التوفيقية
[361] - الفرقان 32
[362] - الإتقان في علوم القرآن : السيوطي ج 1 ص 138 و ما بعدها ط دار الحديث القاهرة 1427
[363] - [الرعد: 53]
[364] - [محمد: 15]،
[365] - [البقرة: 25].
[366] - [الإِنسان: 14 20]
[367] - [الغاشية: 10 16]،
[368] - [الحج: 23].
[369] - مناهل العرفان ج 2 ص 225 ط دار الفكر
[370] - يونس 16
[371] - يونس 15
[372] - تفسير القرآن العظيم , تفسير سورة النساء
[373] - الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم , د/ محمد محمد داود , أستاذ الدراسات اللغوية والإسلامية بكلية التربية جامعة قناة السويس
[374] - (ق/1_6).
[375] - (الفاتحة/5)
[376] - ( الليل /13)
[377] - (سبأ/2)
[378] - (الحجرات/14).
[379] - (الأعراف: 38).
[380] - (الشعراء/94).
[381] - (التوبة/38).
[382] - (فاطر/37) .
[383] - (النجم/22).
[384] - (البقرة/19).
[385] - الإنسان. 7.
[386] - (الإنسان/18).
[387] - (النبأ/25)
[388] - (المطفيين/7)
[389] - (الغاشية /6)
[390] - (المطففين/18) .
[391] - (يوسف/15).
[392] - راجع رسم المصحف و ضبطه بين التوقيف و الاصطلاح ، د.شعبان محمد اسماعيل،الثقافة،الدوحة ـ قطر،الطبعة الأولى1992 .
[393] - في ظلال القرآن ج 1 ص 180- 182 طبعة دار الشروق
[394]- سورة التوبة / 127
[395] - ابن منظور : لسان العرب –ج7/ صفحة328 ( مادة صرف)
[396] - - الفيدا : كتاب يشمل أربعة كتب مقدسة للهندوس ، وقد كتب باللغة السنسكريتية
محمد غلاب : مشكلة الألوهية - ص97.
[397] - براهما :من آلهة الهندوس ، وهو عندهم مرادف للمطلق الأعلى أو ( الأتمان )
[398] - نقلا عن د. عرفة بسيوني : فكرة النظم في تطورها وأهدافها ، ص 35
[399]- الثنوية : قوم يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان . الشهرستاني : الملل والنحل: ص / 80 بهامش الفصل .
[400]- السمنية : فرقة بوذية هندية قالت بقدم العالم وبتناسخ الأرواح - . البغدادي :الفرق بين الفرق - ص270. وخالد العلي، الجهم بن صفوان ومكانته في الفكر الإسلامي ص13.
[401]- البغدادي : الفرق بين الفرق ( مرجع سابق ) ص 128- 150( بتصرف يسير ).
[402] - السيوطي : معترك الأقران في إعجاز القرآن ، ج1/ ص 5-6 . والإتقان في علوم القرآن ج4/ ص10-12 . والراغب الأصفهاني : : مفردات ألفاظ القرآن ، ص7-15 .
[403] - راجع : الصرفة دلالتها لدى القائلين بها وردود المعارضين لها , د. سامي عطا حسن , جامعة آل البيت
[404] - سورة الاسراء / آية 88 .
[405] - في بيان اعجاز القرآن : الخطابي ، ص 23-24 .
[406] - إعجاز القرآن : الباقلاني ، ص 42 .
[407] الجرجاني : - عبد القاهر ، الرسالة الشافية ص 146- 154 ، بتصرف .
[408] - سورة البقرة ، آية / 23 .
[409] - ابن عطية : المحرر الوجيز ، ج1/ ص 71- 73 ، و القرطبي : الجامع لأحكام القرآن – ، ج1/ ص51 .
[410] - أبو حيان : البحر المحيط ج1/ ص 8-9 .
[411] - القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ،ج1/ ص75. وانظر :د. عبد الفتاح محمد سلامة: قضية الإعجاز بين المتقدمين والمتأخرين ، ص 154 .
[412] - سورة الإسراء ، آية / 88 .
[413] - السيوطي : الإتقان ( مرجع سابق ) ، ج4/ ص6-7 . .
[414] - الزرقاني : مناهل العرفان في علوم القرآن، ( مرجع سابق ) ج2/ ص310-315 ( باختصار يسير )
[415] - راجع الإتقان في علوم القرآن ج 4 ص 19 , إعجاز القرآن : الرافعي ص 165
[416] - الطور 34
[417] - الصمد 2
[418] - النور 35
[419] - القلم 18
[420] - البقرة 29
[421] - فصلت 12
[422] - الأعراف 160
[423] - البقرة 57
[424] - إعجاز القرآن : الباقلاني , الفصل الثامن
[425] - نقلا عن المجلس الأعلي للشؤن الإسلامية جمهورية مصر , راجع موقع المجلس في الشبكة العنكبوتية
[426] - الشعراء 195
[427] - الزمر 28
[428] - لقمان 58
[429] - النحل 103
[430] - نقلا عن موقع الشبكة الإسلامية , دكتور عبد الله الفقيه , بتصرف
[431] - ( فيض القدير شرح الجامع الصغير ) [ 2 / 187
[432] - عبس 17
[433] - القمر 1
[434] - القمر 31
[435] - القمر 29
[436] - القمر 46
[437] [ العقد الفريد 821 ] -
[438] - [ روح المعاني 30 / 44 ]
[439] - نقلا عن (وزارة الأوقاف – المجلس الأعلي للشئون الإسلامية – جمهورية مصر) , راجع موقع المجلس في الشبكة العنكبوتية
[440] - طه 2
[441] - يس 3
[442] - هود 13
[443] - البقرة 2
[444] - الأعراف 204
[445] - نقلا عن وزارة الأوقاف المصرية , , راجع موقع المجلس الأعلي للشؤن الإسلامية في الشبكة العنكبوتية
[446] - (البرهان فى علوم القرآن (1/318)).
[447] - التوبة 128
[448] - سورة التوبة آية 43.
[449] - - راجع ترجمة مقدمة كتاب : اعجاز القرآن / تأليف ابى بكر الباقلانى.
الناشر القاهرة : مطبعة الاسلام، [1897]
[450] - مصطفى صادق الرافعى : رائد الرمزية العربية المطلة على السوريالية / مصصطفى الجوزو.
الناشر بيروت : دار الاندلس، 1985. , أعلام النثر في العصر الحديث , الجامعة الإسلامية , المدينة المنورة
[451] - للمزيد , كتاب "سيد قطب من القرية الى المشنقة " تحقيق وثائقي تأليف :عادل حمودة
[452] - الجاحظ : دائرة معارف عصره / فوزى عطوى. الناشر بيروت : دار الفكر العربى، 1989.
[453] - في سير أعلام النبلاء 11 / 526
[454] - لسان الميزان 4 / 355 :
[455] - عبد القاهر الجرجانى : بلاغته و نقده / احمد مطلوب.
الناشر الكويت ؛ بيروت : وكالة المطبوعات، 1973.
[456] - أزهار الرياض فى اخبار القاضى عياض.
أحمد بن محمد المقري، 992؟-1041 هـ. 

========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجلد ثالث الكبائر للهيثمي 241 ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ

  مجلد ثالث الكبائر للهيثمي 241 ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ 241 ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالت...