Translate

الأحد، 17 أبريل 2022

مقدمة الكبائر الي المكاث



مقدمة الكبائر

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فهذا كتاب مشتمل على ذكر جمل في الكبائر والمحرمات والمنهيات الكبائر ما نهى الله ورسوله عنه في الكتاب والسنة والأثر عن السلف الصالحين وقد ضمن الله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر والمحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات لقوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما فقد تكفل الله تعالى بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة وقال تعالى والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون وقال تعالى والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة وقال رسول الله الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر فتعين علينا الفحص عن الكبائر ما هي لكي يجتنبها المسلمون فوجدنا العلماء رحمهم الله تعالى قد اختلفوا فيها فقيل هي سبع واحتجوا بقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منها الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات متفق عليه وقال ابن عباس رضي الله عنهما هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع وصدق والله ابن عباس وأما الحديث فما فيه حصر الكبائر والذي يتجه ويقوم عليه الدليل أن من ارتكب شيئا من هذه العظائم مما فيه حد في الدنيا كالقتل والزنا والسرقة أو جاء فيه وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب أو تهديد أو لعن فاعله على لسان نبينا محمد فإنه كبيرة ولا بد من تسليم أن بعض الكبائر أكبر من بعض ألا ترى أنه عد الشرك بالله من الكبائر مع أن مرتكبه مخلد في النار ولا يغفر له أبدا قال الله تعالى ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
كتاب الكبائر_محمد بن عثمان الذهبي
مقدمة الكبائر
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فهذا كتاب مشتمل على ذكر جمل في الكبائر والمحرمات والمنهيات الكبائر ما نهى الله ورسوله عنه في الكتاب والسنة والأثر عن السلف الصالحين وقد ضمن الله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر والمحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات لقوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما فقد تكفل الله تعالى بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة وقال تعالى والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون وقال تعالى والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة وقال رسول الله الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر فتعين علينا الفحص عن الكبائر ما هي لكي يجتنبها المسلمون فوجدنا العلماء رحمهم الله تعالى قد اختلفوا فيها فقيل هي سبع واحتجوا بقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منها الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات متفق عليه وقال ابن عباس رضي الله عنهما هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع وصدق والله ابن عباس وأما الحديث فما فيه حصر الكبائر والذي يتجه ويقوم عليه الدليل أن من ارتكب شيئا من هذه العظائم مما فيه حد في الدنيا كالقتل والزنا والسرقة أو جاء فيه وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب أو تهديد أو لعن فاعله على لسان نبينا محمد فإنه كبيرة ولا بد من تسليم أن بعض الكبائر أكبر من بعض ألا ترى أنه عد الشرك بالله من الكبائر مع أن مرتكبه مخلد في النار ولا يغفر له أبدا قال الله تعالى ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
=====
الشرك بالله
فأكبر الكبائر الشرك بالله تعالى وهو نوعان أحدهما أن يجعل لله ندا ويعبد غيره من حجر أو شجر أو شمس أو قمر أو نبي أو شيخ أو نجم أو ملك أو غير ذلك وهذا هو الشرك الأكبر الذي ذكره الله عز وجل قال الله تعالى "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وقال تعالى "إن الشرك لظلم عظيم" وقال تعالى "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار" والآيات في ذلك كثيرة فمن أشرك بالله ثم مات مشركا فهو من أصحاب النار قطعا كما أن من آمن بالله ومات مؤمنا فهو من أصحاب الجنة وإن عذب بالنار وفي الصحيح ان رسول الله قال "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قالوا بلى يا رسول الله قال الاشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت" وقال "اجتنبوا السبع الموبقات" فذكر منها الشرك بالله وقال "من بدل دينه" فاقتلوه الحديث والنوع الثاني من الشرك الرياء بالأعمال كما قال الله تعالى "فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا" أي لا يرائي بعمله أحدا وقالصلى الله عليه وسلم "إياكم والشرك الأصغر قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر قال الرياء" يقول الله تعالى يوم يجازي العباد بأعمالهم اذهبوا الى الذين كنتم تراءونهم بأعمالكم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء وقال يقول الله من عمل عملا أشرك معي فيه غيري فهو للذي أشرك وأنا منه برئ وقال من سمع سمع الله به ومن رايا رايا الله به وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر يعني أنه إذا لم يكن الصلاة والصوم لوجه الله تعالى فلا ثواب له كما روى عنه انه قال مثل الذي يعمل للرياء والسمعة كمثل الذي يملأ كيسه حصى ثم يدخل السوق ليشتري به فإذا فتحه قدام البائع فإذا هو حصى وضرب به وجهه ولا منفعة له في كيسه سوى مقالة الناس له ما أملا كيسه ولا يعطي به شيئا فكذلك الذي يعمل للرياء والسمعة فليس له من عمله سوى مقالة الناس ولا ثواب له في الآخرة قال الله تعالى وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا يعني الأعمال التي عملوها لغير وجه الله تعالى أبطلنا ثوابها وجعلناها كالهباء المنثور وهو الغبار الذي يرى في شعاع الشمس وروى عدي ابن حاتم الطائي رضي الله عنه عن رسول الله قال يؤمر بفئام أي جماعات من الناس يوم القيامة إلى الجنة حتى إذا دنوا منها واستنشقوا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها نودوا أن اصرفوهم عنها فإنهم لا نصيب لهم فيها فيرجعون بحصرة وندامة ما رجع الأولون والآخرون بمثلها فيقولون ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثواب ما أعددت لأوليائك كان أهون علينا فيقول الله تعالى ذلك ما أردت بكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين تراءون الناس بأعمالكم خلاف ما تعطوني من قلوبكم هبتم الناس ولم تهابوني وأجللتم الناس ولم تجلوني وتركتم للناس ولم تتركوا لي يعني لأجل الناس فاليوم أذيقكم أليم عقابي مع ما حرمتكم من جزيل ثوابي وسأل رجل رسول الله ما النجاة فقال أن لا تخادع الله قال وكيف يخادع الله قال ان تعمل عملا أمرك الله ورسوله به وتريد به غير وجه الله واتق الرياء فإنه الشرك الأصغر وإن المرائي ينادى عليه يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء يا مرائي يا غادر يا فاجر يا خاسر ضل عملك وبطل أجرك فلا أجر لك عندنا اذهب فخذ أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع وسئل بعض الحكماء رحمهم الله من المخلص فقال المخلص الذي يكتم حسناته كما يكتم سيئاته وقيل لبعضهم ما غاية الإخلاص قال أن لا تحب محمدة الناس وقال الفضيل بن عياض رضي الله عنه ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك والاخلاص أن يعافيك الله منهما اللهم عافنا منهما وأعف عنا
===========
قتل النفس
قال تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما وقال تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا وقال تعالى من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا وقال تعالى وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت وقال النبي اجتنبوا السبع الموبقات فذكر قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وقال رجل للنبي أي الذنب أعظم عند الله تعالى قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال ثم أي قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قال ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تعالى تصديقها والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون الآية وقال إذا إلتقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه كان حريصا على قتل صاحبه قال الإمام أبو سليمان رحمه الله هذا إنما يكون كذلك إذا لم يكونا يقتتلان على تأويل انما يقتتلان على عداوة بينهما وعصبية أو طلب دنيا أو رئاسة أو علو فأما من قاتل أهل البغي على الصفة التي يجب قتالهم بها أو دفع عن نفسه أو حريمه فإنه لا يدخل في هذه لأنه مأمور بالقتال للذب عن نفسه غير قاصد به قتل صاحبه إلا إن كان حريصا على قتل صاحبه ومن قاتل باغيا أو قاطع طريق من المسلمين فإنه لا يحرص على قتله انما يدفعه عن نفسه فإن انتهى صاحبه كف عنه ولم يتبعه فإن الحديث لم يرد في أهل هذه الصفة فأما من خالف هذا النعت فهو الذي دخل في هذا الحديث الذي ذكرنا والله أعلم وقال رسول الله لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وقال رسول الله لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما وقال صلى الله عليه وآله وسلم أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء وفي الحديث أن رسول الله قال لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا وقال الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس واليمين الغموس وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في النار وقال لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل مخرج في الصحيحين وقال من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن رائحتها لتوجد من مسيرة أربعين عاما أخرجه البخاري فإذا كان هذا في قتل المعاهد وهو الذي أعطى عهدا من اليهود والنصارى في دار الإسلام فكيف يقتل المسلم وقال ألا ومن قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله ولا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين خريفا صححه الترمذي وقال من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله تعالى رواه الإمام أحمد وعن معاوية رضي الله عنه قال قال رسول الله كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا نسأل الله العافية
======
السحر
لأن الساحر لا بد وأن يكفر قال الله تعالى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما للشيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السحر إلا ليشرك به قال الله تعالى مخبرا عن هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق أي من نصيب فترى خلقا كثيرا من الضلال يدخلون في السحر ويظنونه حراما فقط وما يشعرون أنه الكفر فيدخلون في تعليم السيمياء وعملها وهي محض السحر وفي عقد الرجل عن زوجته وهو سحر وفي محبة الرجل للمرأة وبغضها له وأشباه ذلك بكلمات مجهولة أكثرها شرك وضلال وحد الساحر القتل لأنه كفر بالله أو مضارع الكفر قال النبي اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منها السحر والموبقات المهلكات فليتق العبد ربه ولا يدخل فيما يخسر به الدنيا والآخرة وجاء عن النبي أنه قال حد الساحر ضربه بالسيف والصحيح أنه من قول جندب وعن بجالة ابن عبدة انه قال أتانا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة وعن وهب بن منبه قال قرأت في بعض الكتب يقول الله عز وجل لا اله إلا أنا ليس مني من سحر ولا من سحر له ولا من تكهن ولا من تكهن له ولا من تطير ولا من تطير له وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر رواه الإمام أحمد في مسنده وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا قال الرقي والتمائم والتولة شرك التمائم جمع تميمة وهي خرزات وحروز يعلقها الجهال على أنفسهم وأولادهم ودوابهم يزعمون أنها ترد العين وهذا من فعل الجاهلية ومن اعتقد ذلك فقد أشرك والتولة بكسر التاء وفتح الواو نوع السحر وهو تحبيب المرأة الى زوجها وجعل ذلك من الشرك لاعتقاد الجهال ان ذلك يؤثر بخلاق ما قدر الله تعالى قال الخطابي رحمه الله وأما إذا كانت الرقية بالقرآن أو بأسماء الله تعالى فهي مباحة لأن النبي كان يرقي الحسن الحسين رضي الله عنهما فيقول أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة وبالله المستعان وعليه التكلان
====
ترك الصلاة
قال الله تعالى فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا قال ابن عباس رضي الله عنهما ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية ولكن أخروها عن أوقاتها وقال سعيد بن المسيب إمام التابعين رحمه الله هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ولا يصلي العصر إلى المغرب ولا يصلي المغرب الى العشاء ولا يصلي العشاء الى الفجر ولا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس فمن مات وهو مصر على هذه الحالة ولم يتب وعده الله بغي وهو واد في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه وقال الله تعالى في آية أخرى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون أي غافلون عنها متهاونون بها وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه سألت رسول الله عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال هو تأخير الوقت أي تأخير الصلاة عن وقتها سماهم مصلين لكنهم لما تهاونوا وأخروها عن وقتها وعدهم بويل وهو شدة العذاب وقيل هو واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره وهو مسكن من يتهاون بالصلاة ويؤخرها عن وقتها إلا أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فرط وقال الله تعالى في آية أخرى يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون قال المفسرون المراد بذكر الله في هذه الآية الصلوات الخمس فمن اشتغل بماله في بيعه وشرائه ومعيشته وضيعته وأولاده عن الصلاة في وقتها كان من الخاسرين وهكذا قال النبي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن نقصت فقد خاب وخسر وقال الله تعالى مخبرا عن أصحاب الجحيم ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين وقال النبي العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر وقال قال النبي بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة حديثان صحيحان وفي صحيح البخاري أن رسول الله قال من فاتته صلاة العصر حبط عمله وفي السنن أن رسول الله قال من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله وقال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله متفق عليه وقال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة يوم القيامة وكان يوم القيامة مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف وقال عمر رضي الله عنه أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة قال بعض العلماء رحمهم الله وإنما يحشر تارك الصلاة مع هؤلاء الأربعة لأنه إنما يشتغل عن الصلاة بماله أو بملكه أو بوزارته أو بتجارته فإن اشتغل بماله حشر مع قارون وإن اشتغل بملكه حشر مع فرعون وإن اشتغل بوزارته حشر مع هامان وإن اشتغل بتجارته حشر مع أبي بن خلف تاجر الكفار بمكة وروى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله قال من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله عز وجل وروى البيهقي بإسناده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله فقال يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله تعالى في الإسلام قال الصلاة لوقتها ومن ترك الصلاة فلا دين له والصلاة عماد الدين ولما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له الصلاة يا أمير المؤمنين قال نعم أما إنه لا حظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة وصلى رضي الله عنه وجرحه يثعب دما وقال عبدالله بن شقيق التابعي رضي الله عنه كان أصحاب رسول الله لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة وسئل علي رضي الله عنه عن امرأة لا تصلي فقال من لم يصل فهو كافر وقال ابن مسعود رضي الله عنه من لم يصل فلا دين له وقال ابن عباس رضي الله عنهما من ترك صلاة واحدة متعمدا لقي الله تعالى وهو عليه غضبان وقال رسول الله من لقي الله وهو مضيع للصلاة لم يعبأ الله بشيء من حسناته أي ما يفعل وما يصنع بحسناته إذا كان مضيعا للصلاة وقال ابن حزم لا ذنب بعد الشرك أعظم من تأخير الصلاة عن وقتها وقتل مؤمن بغير حق وقال إبراهيم النخعي من ترك الصلاة فقد كفر وقال أيوب السختياني مثل ذلك وقال عون بن عبدالله إن العبد إذا أدخل قبره سئل عن الصلاة أول شيء يسأل عنه فإن جازت له نظر فيما دون ذلك من عمله وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد وقال إذا صلى العبد الصلاة في أول الوقت صعدت إلى السماء ولها نور حتى تنتهي إلى العرش فتستغفر لصاحبها إلى يوم القيامة وتقول حفظك الله كما حفظتني وإذا صلى العبد الصلاة في غير وقتها صعدت إلى السماء وعليها ظلمة فإذا انتهت إلى السماء تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها وتقول ضيعك الله كما ضيعتني وروى أبو داود في سننه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاتهم من تقدم قوما وهم له كارهون ومن استعبد محررا ورجل أتى الصلاة دبارا والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته وجاء عنه أنه قال من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا عظيما من أبواب الكبائر فنسأل الله التوفيق والإعانة إنه جواد كريم وأرحم الراحمين فصل متى يؤمر الصبي بالصلاة روى أبو داود في السنن أن رسول الله قال مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها وفي رواية مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله هذا الحديث يدل على إغلاظ العقوبة له إذا بلغ تاركا لها وكان بعض أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يحتج به في وجوب قتله إذا تركها متعمدا بعد البلوغ ويقول إذا استحق الضرب وهو غير بالغ فيدل على أنه يستحق بعد البلوغ من العقوبة ما هو أبلغ من الضرب وليس بعد الضرب شيء أشد من القتل وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم تارك الصلاة فقال مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تارك الصلاة يقتل ضربا بالسيف في رقبته ثم اختلفوا في كفره إذا تركها من غير عذر حتى يخرج وقتها فقال إبراهيم النخعي وأيوب السختياني وعبدالله بن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه هو كافر واستدلوا بقول النبي العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر وبقوله بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة فصل وقد ورد في الحديث إن من حافظ على الصلوات المكتوبة أكرمه الله تعالى بخمس كرامات يرفع عنه ضيق العيش وعذاب القبر ويعطيه كتابه بيمينه ويمر على الصراط كالبرق الخاطف ويدخل الجنة بغير حساب ومن تهاون بها عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة خمس في الدنيا وثلاث عند الموت وثلاث في القبر وثلاث عند خروجه من القبر فأما اللاتي في الدنيا فالأولى ينزع البركة من عمره والثانية يمحي سيماء الصالحين من وجهه والثالثة كل عمل يعمله لا يأجره الله عليه والرابعة لا يرفع له دعاء إلى السماء والخامسة ليس له حظ في دعاء الصالحين وأما اللاتي تصيبه عند الموت فإنه يموت ذليلا والثانية يموت جائعا والثالثة يموت عطشانا ولو سقي بحار الدنيا ما روي من عطشه وأما اللاتي تصيبه في قبره فالأولى يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه والثانية يوقد عليه القبر نارا يتقلب على الجمر ليلا ونهارا والثالثة يسلط عليه في قبره ثعبان اسمه الشجاع الأقرع عيناه من نار وأظفاره من حديد طول كل ظفر مسيرة يوم يكلم الميت فيقول أنا الشجاع الأقرع وصوته مثل الرعد القاصف يقول أمرني ربي أن أضربك على تضييع صلاة الصبح إلى طلوع الشمس وأضربك على تضييع صلاة الظهر إلى العصر وأضربك على تضييع صلاة العصر إلى المغرب وأضربك على تضييع صلاة المغرب إلى العشاء وأضربك على تضييع صلاة العشاء إلى الصبح فكلما ضربه ضربة يغوص في الأرض سبعين ذراعا فلا يزال في الأرض معذبا إلى يوم القيامة وأما اللاتي تصيبه عند خروجه من قبره في موقف القيامة فشدة الحساب وسخط الرب ودخول النار وفي رواية فإنه يأتي يوم القيامة وعلى وجهه ثلاثة أسطر مكتوبات السطر الأول يا مضيع حق الله السطر الثاني يا مخصوصا بغضب الله السطر الثالث كما ضيعت في الدنيا حق الله فآيس اليوم من رحمة الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال إذا كان يوم القيامة يؤتى بالرجل فيوقف بين يدي الله عز وجل فيأمر به إلى النار فيقول يا رب لماذا فيقول الله تعالى لتأخير الصلاة عن أوقاتها وحلفك بي كاذبا وعن رسول الله أنه قال يوما لأصحابه اللهم لا تدع فينا شقيا ولا محروما ثم قال أتدرون من الشقي المحروم قالوا من هو يا رسول الله قال تارك الصلاة وروي أنه أول من يسود يوم القيامة وجوه تاركي الصلاة وإن في جهنم واديا يقال له الملحم فيه حيات كل حية ثخن رقبة البعير طولها مسيرة شهر تلسع تارك الصلاة فيغلي سمها في جسمه سبعين سنة ثم يتهرى لحمه حكاية روي أن امرأة من بني إسرائيل جاءت إلى موسى عليه السلام فقالت يا رسول الله إني أذنبت ذنبا عظيما وقد تبت منه إلى الله تعالى فادع الله أن يغفر لي ذنبي ويتوب علي فقال لها موسى عليه السلام وما ذنبك قالت يا نبي الله إني زنيت وولدت ولدا فقتلته فقال لها موسى عليه السلام اخرجي يا فاجرة لا تنزل نار من السماء فتحرقنا بشؤمك فخرجت من عنده منكسرة القلب فنزل جبريل عليه السلام وقال يا موسى الرب تعالى يقول لك لم رددت التائبة يا موسى أما وجدت شرا منها قال موسى يا جبريل ومن هو شر منها قال تارك الصلاة عامدا متعمدا حكاية أخرى عن بعض السلف أنه أتى أختا له ماتت فسقط كيس منه فيه مال في قبرها فلم يشعر به أحد حتى انصرف عن قبرها ثم ذكره فرجع إلى قبرها فنبشه بعدما انصرف الناس فوجد القبر يشعل عليها نارا فرد التراب عليها ورجع إلى أمه باكيا حزينا فقال يا أماه أخبريني عن أختي وما كانت تعمل قالت وما سؤالك عنها قال يا أمي رأيت قبرها يشتعل عليها نارا قال فبكت وقالت يا ولدي كانت أختك تتهاون بالصلاة وتؤخرها عن وقتها فهذا حال من يؤخر الصلاة عن وقتها فكيف حال من لا يصلي فنسأل الله تعالى أن يعيننا على المحافظة عليها في أوقاتها إنه جواد كريم فصل في عقوبة من ينقر الصلاة ولا يتم ركوعها ولا سجودها وقد روي في تفسير قول الله تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون أنه الذي ينقر الصلاة ولا يتم ركوعها ولا سجودها وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا دخل المسجد ورسول الله جالس فيه فصلى الرجل ثم جاء فسلم على النبي فرد عليه السلام ثم قال له ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى كما صلى ثم جاء فسلم على النبي فرد عليه السلام ثم قال ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى كما صلى ثم جاء فسلم على النبي فرد عليه السلام وقال ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاث مرات فقال في الثالثة والذي بعثك بالحق يا رسول الله ما أحسن غيره فعلمني فقال النبي إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اجلس حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا وافعل ذلك في صلاتك كلها وروى الإمام أحمد رضي الله عنه عن البدري رضي الله عنه قال قال رسول الله لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ورواه أبو داود أيضا والترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي رواية أخرى حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود وهذا نص عن النبي في أن من صلى ولم يقم ظهره بعد الركوع والسجود كما كان فصلاته باطلة وهذا في صلاة الفرض وكذا الطمأنينة أن يستقر كل عضو في موضعه وثبت عنه أنه قال أشد الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قيل وكيف يسرق من صلاته قال لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة فيها وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال لا ينظر الله إلى رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده وقال تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا وعن أبي موسى قال صلى رسول الله يوما بأصحابه ثم جلس فدخل رجل فقام يصلي فجعل يركع وينقر سجوده فقال رسول الله ترون هذا لو مات مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم أخرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله قال ما من مصل إلا وملك عن يمينه وملك عن يساره فإن أتمها عرجا بها إلى الله تعالى وإن لم يتمها ضربا بها وجهه وروى البيهقي بسنده عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال من توضأ أحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت الصلاة حفظك الله كما حفظتني ثم صعد بها إلى السماء ولها ضوء ونور ففتحت لها أبواب السماء حتى ينتهي بها إلى الله تعالى فتشفع لصاحبها وإذا لم يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة فيها قالت الصلاة ضيعك الله كما ضيعتني ثم صعد بها إلى السماء وعليها ظلمة فأغلقت دونها أبواب السماء ثم تلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال قال رسول الله الصلاة مكيال فمن وفي وفي له ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين قال الله تعالى ويل للمطففين والمطفف هو المنقص للكيل أو الوزن أو الذراع أو الصلاة وعدهم الله بويل وهو واد في جهنم تستغيث جهنم من حره نعوذ بالله منه وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال إذا سجد أحدكم فليضع وجهه وأنفه ويديه على الأرض فإن الله تعالى أوحى إلي أن أسجد على سبعة أعضاء الجبهة والأنف والكفين والركبتين وصدور القدمين وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا فمن صلى ولم يعط كل عضو منها حقه لعنه ذلك العضو حتى يفرغ من صلاته وروى البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه رأى رجلا يصلي ولا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها فقال له حذيفة صليت ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة مت على غير فطرة محمد وفي رواية أبي داود أنه قال منذ كم تصلي هذه الصلاة قال منذ أربعين سنة قال ما صليت منذ أربعين سنة شيئا ولو مت مت على غير فطرة محمد وكان الحسن البصري يقول يا ابن آدم أي شيء يعز عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتك وأنت أول ما تسأل عنها يوم القيامة كما تقدم من قول النبي أول ما يحاسب العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من الفريضة شيء يقول الله تعالى انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله كذلك فينبغي للعبد أن يستكثر من النوافل حتى يكمل به ما انتقص من فرائضه وبالله التوفيق فصل في عقوبة تارك الصلاة في جماعة مع القدرة قال الله تعالى يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون وذلك يوم القيامة يغشاهم ذل الندامة وقد كانوا في الدنيا يدعون إلى السجود قال إبراهيم التيمي يعني إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والإقامة وقال سعيد بن المسيب كانوا يسمعون حي على الصلاة حي على الفلاح فلا يجيبون وهم أصحاء سالمون وقال كعب الأحبار والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين تخلفوا عن الجماعة فأي وعيد أشد وأبلغ من هذا لمن ترك الصلاة في الجماعة مع القدرة على إتيانها وأما من السنة فما ثبت في الصحيحين أن رسول الله قال لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة في الجماعة فأحرق بيوتهم عليهم بالنار ولا يتوعد بحرق بيوتهم عليهم إلا على ترك واجب مع ما في البيوت من الذرية والمتاع وفي صحيح مسلم أن رجلا أعمى أتى النبي فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد وسأل النبي أن يرخص له أن يصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة قال نعم قال فأجب ورواه أبو داود عن عمرو بن أم مكتوم أنه أتى النبي فقال يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع وأنا ضرير البصر شاسع الدار أي بعيد الدار ولي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة أن اصلي في بيتي فقال هل تسمع النداء قال نعم قال فأجب فإني لا أجد لك رخصة فهذا رجل ضرير البصر شكى ما يجد من المشقة في مجيئه إلى المسجد وليس له قائد يقوده إلى المسجد ومع هذا لم يرخص له النبي في الصلاة في بيته فكيف بمن يكون صحيح البصر سليما لا عذر له ولهذا لما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يصلي في جماعة ولا يجمع فقال إن مات على هذا فهو في النار وقال أبو هريرة رضي الله عنه لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع النداء ولا يجيب وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله من سمع المنادي بالصلاة فلم يمنعه من اتباعه عذر قيل وما العذر يا رسول الله قال خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى يعني في بيته وأخرج الحاكم في مستدركه عن ابن عباس أيضا قال قال رسول الله وثلاثة لعنهم الله من تقدم قوما وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ورجل سمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لم يجب وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قيل ومن جار المسجد قال من سمع الأذان وروى البخاري في صحيحه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال من سره أن يلقى الله غدا مسلما يعني يوم القيامة فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أومريض ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين رجلين حتى يقام في الصف أو حتى يجيء إلى المسجد لأجل صلاة الجماعة وكان الربيع بن خيثم قد سقط شقه في الفالج فكان يخرج إلى الصلاة يتوكأ على رجلين فيقال له يا أبا محمد قد رخص لك أن تصلي في بيتك أنت معذور فيقول هو كما تقولون ولكن أسمع المؤذن يقول حي على الصلاة حي على الفلاح فمن استطاع أن يجيبه ولو زحفا أو حبوا فليفعل وقال حاتم الأصم فاتتني مرة صلاة الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف إنسان لأن مصيبة الدين عند الناس أهون من مصيبة الدنيا وكان بعض السلف يقول ما فاتت أحدا صلاة الجماعة إلا بذنب أصابه وقال ابن عمر خرج عمر يوما إلى حائط له فرجع وقد صلى الناس العصر فقال عمر إنا لله وإنا إليه راجعون فاتتني صلاة العصر في الجماعة أشهدكم أن حائطي على المساكين صدقة ليكون كفارة لما صنع عمر رضي الله عنه والحائط البستان فيه النخل فصل ويكون اعتناؤه بحضور صلاة العشاء والفجر أشد فإن النبي قال إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين يعني العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبوا وقال ابن عمر كنا إذا تخلف منا إنسان في صلاة العشاء والصبح في الجماعة أسأنا به الظن أن يكون قد نافق حكاية عن عبيدالله بن عمر القواريري رضي الله عنه قال لم تكن تفوتني صلاة العشاء في الجماعة قط فنزل بي ليلة ضيف فشغلت بسببه وفاتتني صلاة العشاء في الجماعة فخرجت أطلب الصلاة في مساجد البصرة فوجدت الناس كلهم قد صلوا وعلقت المساجد فرجعت إلى بيتي وقلت قد ورد في الحديث إن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة فصليت العشاء سبعا وعشرين مرة ثم نمت فرأيت في المنام كأني مع قوم على خيل وأنا أيضا على فرس ونحن نستبق وأنا أركض فرسي فلا ألحقهم فالتفت إلى أحدهم فقال لي لا تتعب فرسك فلست تلحقنا قلت ولم قال لأنا صلينا العشاء في جماعة وأنت صليت وحدك فانتبهت وأنا مغموم حزين لذلك فنسأل الله المعونة والتوفيق إنه جواد كريم
====
منع الزكاة
قال الله تعالى لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وقال الله تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة فسماهم المشركين وقال الله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون وثبت عن رسول الله أنه قال ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنبيه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وأما إلى النار قيل يا رسول الله فالإبل قال ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولها رد عليه آخرها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس فيرى سبيله أما إلى الجنة وأما إلى النار قيل يا رسول الله فالبقر والغنم قال ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس فيرى سبيله أما إلى الجنة وأما إلى النار وقال أول ثلاثة يدخلون النار أمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله تعالى من ماله وفقير فخور وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال من كان له مال يبلغه حج بيت الله تعالى ولم يحج أو تجب فيه الزكاة ولم يزك سأل الرجعة عند الموت فقال له رجل اتق الله يا ابن عباس فإنما يسأل الرجعة الكفار فقال ابن عباس سأتلو عليك بذلك قرآنا قال الله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق أي أؤدي الزكاة وأكن من الصالحين أي أحج قيل له فما يوجب الزكاة قال إذا بلغ المال مائتي درهم وجبت فيه الزكاة قيل فما يوجب الحج قال الزاد والراحلة ولا تجب الزكاة في الحلي المباح إذا كان معدا للاستعمال فإن كان معدا للقنية أو الكراء وجبت فيه الزكاة وتجب في قيمة عروض التجارة وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزميته أي بشدقيه فيقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا هذه الآية ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة أخرجه البخاري وعن ابن مسعود رضي الله عنه في قول الله تعالى في مانعي الزكاة يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم قال لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته فإن قيل لم خص الجباه والجنوب والظهور بالكي قيل لأن الغني البخيل إذا رأى الفقير عبس وجهه وزوى ما بين عينيه وأعرض بجنبه فإذا قرب منه ولي بظهره فعوقب بكي هذه الأعضاء ليكون الجزاء من جنس العمل وقال خمس بخمس قالوا يا رسول الله وما خمس بخمس قال ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا المكيال والميزان إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر موعظة قل للذين شغلهم في الدنيا غرورهم إنما في غد ثبورهم ما نفعهم ما جمعوا إذا جاء محذورهم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم فكيف غابت عن قلوبهم وعقولهم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم أخذ المال إلى دار ضرب العقاب فجعل في بودقة ليحمي ليقوي العذاب فصفح صفائح كي يعم الكي الإهاب ثم جيء بمن عن الهدى قد غاب يسعى إلى مكان لا مع قوم يسعى نورهم ثم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم إذا لقيهم الفقير لقي الأذى فإن طلب منهم شيئا طار منهم لهب الغضب كالجذا فإن لطفوا به قالوا أعنتكم ذا وسؤال هذا لذا ولو شاء ربك لأغنى المحتاج وأعوز ذا ونسوا حكمة الخالق في غنى ذا وفقر ذا واعجبا كم يلقاهم من غم إذا ضمتهم قبورهم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم سيأخذها الوارث منهم من غير تعب ويسأل عنها الجامع من أين اكتسب ما اكتسب إلا أن الشوك له وللوارث الرطب أين حرص الجامعين أين عقولهم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم لو رأيتهم في طبقات النار يتقلبون على جمرات الدرهم والدينار وقد غلت اليمين مع اليسار لما بخلوا مع الإيسار لو رأيتهم في الجحيم يسقون من الحميم وقد ضج صبورهم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم كما كانوا يوعظون في الدنيا وما فيهم من يسمع كم خوفوا من عقاب الله وما فيهم من يفزع كم أنبئوا بمنع الزكاة وما فيهم من يدفع فكأنهم بالأموال وقد انقلبت شجاعا أقرع فما هي عصى موسى ولا طورهم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم حكاية روي عن محمد بن يوسف الفريابي قال خرجت أنا وجماعة من أصحابي في زيارة أبي سنان رحمه الله فلما دخلنا عليه وجلسنا عنده قال قوموا بنا نزور جارا لنا مات أخوه ونعزيه فيه فقمنا معه ودخلنا على ذلك الرجل فوجدناه كثير البكاء والجزع على أخيه فجلسنا نسليه ونعزيه وهو لا يقبل تسلية ولا تعزية فقلنا أما تعلم أن الموت سبيل لا بد منه قال بلى ولكن أبكي على ما أصبح وأمسى فيه أخي من العذاب فقلنا له هل أطلعك الله علىالغيب قال لا ولكن لما دفنته وسويت عليه التراب وانصرف الناس جلست عند قبره إذ صوت من قبره يقول آه أقعدوني وحيدا أقاسي العذاب قد كنت أصلي قد كنت أصوم قال فأبكاني كلامه فنبشت عنه التراب لأنظر حاله وإذا القبر يشتعل عليه نارا وفي عنقه طوق من نار فحملتني شفقة الأخوة ومددت يدي لأرفع الطوق عن رقبته فاحترقت أصابعي ويدي ثم أخرج إلينا يده فإذا هي سوداء محترقة قال فرددت عليه التراب وانصرفت فكيف لا أبكي على حاله وأحزن عليه فقلنا فما كان أخوك يعمل في الدنيا قال كان لا يؤدي الزكاة من ماله قال فقلنا هذا تصديق قول الله تعالى ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وأخوك عجل له العذاب في قبره إلى يوم القيامة قال ثم خرجنا من عنده وأتينا أبا ذر صاحب رسول الله وذكرنا له قصة الرجل وقلنا له يموت اليهودي والنصراني ولا نرى فيهم ذلك فقال أولئك لا شك أنهم في النار وإنما يريكم الله في أهل الإيمان لتعتبروا قال الله تعالى فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما ربك بظلام للعبيد فنسأل الله العفو والعافية إنه جواد كريم
==========
إفطار يوم من رمضان بلا عذر
قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان وقال من أفطر يوما من رمضان بلا عذر لم يقضه صيام الدهر وإن صامه وعن ابن عباس رضي الله عنهما عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاث شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة وصوم رمضان فمن ترك واحدة منهن فهو كافر نعوذ بالله من ذلك
ترك الحج مع القدرة عليه
قال الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وقال النبي من ملك زادا وراحلة تبلغه حج بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك لأن الله تعالى يقول ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة ولم يحج فليضربوا عليهم الجزية وما هم بمسلمين وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ما من أحد لم يحج ولم يؤد زكاة ماله إلا سأل الرجعة عند الموت فقيل له إنما يسأل الرجعة الكفار قال وإن ذلك في كتاب الله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق أي أؤدي الزكاة وأكن من الصالحين أي أحج ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون قيل فيم تجب الزكاة قال بمائتي درهم وقيمتها من الذهب قيل فما يوجب الحج قال الزاد والراحلة وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال مات لي جار موسر لم يحج فلم أصل عليه
عقوق الوالدين
قال الله تعالى وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا أي برا بهما وشفقة وعطفا عليهما إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما أي لا تقل لهما بتبرم إذا كبرا وأسنا وينبغي أن تتولى خدمتهما ما توليا من خدمتك على أن الفضل للمتقدم وكيف يقع التساوي وقد كانا يحملان أذاك راجين حياتك وأنت إن حملت أذاهما رجوت موتهما ثم قال الله تعالى وقل لهما قولا كريما أي لينا لطيفا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا وقال الله تعالى أن اشكر لي لي ولوالديك إلي المصير فانظر رحمك الله كيف قرن شكرهما بشكره قال ابن عباس رضي الله عنهما ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها أي إحداهما قول الله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه الثانية قول الله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه الثالثة قول الله تعالى أن اشكر لي ولوالديك فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه ولذا قال النبي رضى الله في رضى الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين وعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال جاء رجل يستأذن النبي في الجهاد معه فقال النبي أحي والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد مخرج في الصحيحين فانظر كيف فضل بر الوالدين وخدمتهما على الجهاد وفي الصحيحين أن رسول الله قال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين فانظر كيف قرن الإساءة إليهما وعدم البر والإحسان بالإشراك وفي الصحيحين أيضا أن رسول الله قال لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر وعنه قال لو علم الله شيئا أدنى من الأف لنهى عنه فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة وليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار وقال لعن الله العاق لوالديه وقال لعن الله من سب أباه لعن الله من سب أمه وقال كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه يعني العقوبة في الدنيا قبل يوم القيامة وقال كعب الأحبار رحمه الله إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقا لوالديه ليعجل له العذاب وإن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان بارا بوالديه ليزيده برا وخيرا ومن برهما أن ينفق عليهما إذا احتاجا فقد جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله إن أبي يريد أن يحتاح مالي فقال أنت ومالك لأبيك وسئل كعب الأحبار عن عقوق الوالدين ما هو قال هو إذا أقسم عليه أبوه أو أمه لم يبر قسمهما وإذا أمره بأمر لم يطع أمرهما وإذا سألاه شيئا لم يعطهما وإذا ائتمناه خانهما وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أصحاب الأعراف من هم وما الأعراف فقال أما الأعراف فهو جبل بين الجنة والنار وإنما سمي الأعراف لأنه مشرف على الجنة والنار وعليه أشجار وثمار وأنهار وعيون وأما الرجال الذين يكونون عليه فهم رجال خرجوا إلى الجهاد بغير رضا آبائهم وأمهاتهم فقتلوا في الجهاد فمنعهم القتل في سبيل الله عن دخول النار ومنعهم عقوق الوالدين عن دخول الجنة فهم على الأعراف حتى يقضي الله فيهم أمره وفي الصحيحين أن رجلا جاء إلى رسول الله فقال يا رسول الله من أحق الناس مني بحسن الصحبة قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال ابوك ثم الأقرب فالأقرب فحض على بر الأم ثلاث مرات وعلى بر الأب مرة واحدة وما ذاك إلا لأن عناءها أكثر وشفقتها أعظم مع ما تقاسيه من حمل وطلق وولادة ورضاعة وسهر ليل رأى ابن عمر رضي الله عنهما قد حمل أمه على رقبته وهو يطوف بها حول الكعبة فقال يا ابن عمر أتراني جازيتها قال ولا بطلقة واحدة من طلقاتها ولكن قد أحسنت والله يثيبك على القليل كثيرا وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله أربعة نفر حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها مدمن خمر وآكل الربا وآكل مال اليتيم ظلما والعاق لوالديه إلا أن يتوبوا وقال الجنة تحت أقدام الأمهات وجاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال يا أبا الدرداء إني تزوجت امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله يقول الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه وقال ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده وقال الخالة بمنزلة الأم أي في البر والإكرام والصلة والإحسان وعن وهب بن منبه قال إن الله تعالى أوحى إلى موسى صلوات الله وسلامه عليه يا موسى وقر والديك فإن من وقر والديه مددت في عمره ووهبت له ولدا يوقره ومن عق والديه فصرت في عمره ووهبت له ولدا يعقه وقال أبو بكر بن أبي مريم قرأت في التوراة أن من يضرب أباه يقتل وقال وهب قرأت في التوراة على من صك والده الرجم وعن عمرو بن مرة الجهني قال جاء رجل إلى رسول الله فقال يا رسول الله أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وأديت الزكاة وحججت البيت فماذا لي فقال رسول الله من فعل ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إلا أن يعق والديه وقال لعن الله العاق والديه وجاء عن رسول الله قال رأيت ليلة أسري بي أقواما في النار معلقين في جذوع من نار فقلت يا جبريل من هؤلاء قال الذين يشتمون آباءهم وأمهاتهم في الدنيا وروي أنه من شتم والديه ينزل عليه في قبره جمر من نار بعدد كل قطر ينزل من السماء إلى الأرض ويروى أنه إذا دفن عاق والديه عصره القبر حتى تختلف فيه أضلاعه وأشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة المشرك والزاني والعاق لوالديه وقال بشر ما من رجل يقرب من أمه حيث يسمع كلامها إلا كان أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله والنظر إليها أفضل من كل شيء وجاء رجل وامرأة إلى رسول الله يختصمان في صبي لهما فقال الرجل يا رسول الله ولدي خرج من صلبي وقالت المرأة يا رسول الله حمله خفا ووضعه شهوة وحملته كرها ووضعته كرها وأرضعته حولين كاملين فقضى به رسول الله لأمه موعظة أيها المضيع لآكد الحقوق المعتاض من بر الوالدين العقوق الناسي لما يجب عليه الغافل عما بين يديه بر الوالدين عليك دين وأنت تتعاطاه باتباع الشين تطلب الجنة بزعمك وهي تحت أقدام أمك حملتك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حجج وكابدت عند الوضع ما يذيب المهج وأرضعتك من ثديها لبنا وأطارت لأجلك وسنا وغسلت بيمينها عنك الأذى وآثرتك على نفسها بالغذاء وصيرت حجرها لك مهدا وأنالتك إحسانا ورفدا فإن أصابك مرض أو شكاية أظهرت من الأسف فوق النهاية وأطالت الحزن والنحيب وبذلت مالها للطبيب ولو خيرت بين حياتك وموتها لطلبت حياتك بأعلى صوتها هذاوكم عاملتها بسوء الخلق مرارا فدعت لك بالتوفيق سرا وجهارا فلما احتاجت عند الكبر إليك جعلتها من أهون الأشياء عليك فشبعت وهي جائعة ورويت وهي قانعة وقدمت عليها أهلك وأولادك بالإحسان وقابلت أياديها بالنسيان وصعب لديك أمرها وهو يسير وطال عليك عمرها وهو قصير هجرتها ومالها سواك نصير هذا ومولاك قد نهاك عن التأفف وعاتبك في حقها بعتاب لطيف ستعاقب في دنياك بعقوق البنين وفي أخراك بالبعد من رب العالمين يناديك بلسان التوبيخ والتهديد ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد لأمك حق لو علمت كثير كثيرك يا هذا لديه يسير فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي لها من جواها أنة وزفير وفي الوضع لو تدري عليها مشقة فمن غصص منها الفؤاد يطير وكم غسلت عنك الأذى بيمينها وما حجرها إلا لديك سرير وتفديك مما تشتكيه بنفسها ومن ثديها شرب لديك نمير وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها حنانا وإشفاقا وأنت صغير فآها لذي عقل ويتبع الهوى وآها لأعمى القلب وهو بصير فدونك فارغب في عميم دعائها فأنت لما تدعو إليه فقير حكي أنه كان في زمن النبي شاب يسمى علقمة وكان كثير الاجتهاد في طاعة الله في الصلاة والصوم والصدقة فمرض واشتد مرضه فأرسلت امرأته إلى رسول الله إن زوجي علقمة في النزع فأردت أن أعلمك يا رسول الله بحاله فأرسل النبي عمارا وصهيبا وبلالا وقال امضوا إليه ولقنوه الشهادة فمضوا إليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزع فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله ولسانه لا ينطق بها فأرسلوا إلى رسول الله يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة فقال النبي هل من أبويه أحد حي قيل يا رسول الله أم كبيرة السن فأرسل إليها رسول الله وقال للرسول قل لها إن قدرت على المسير إلى رسول الله وإلا فقري في المنزل حتى يأتيك قال فجاء إليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله فقالت نفسي لنفسه فداء أنا أحق بإتيانه فتوكأت وقامت على عصا وأتت رسول الله فسلمت فرد عليها السلام وقال لها يا أم علقمة أصدقيني وإن كذبتي جاء الوحي من الله تعالى كيف كان حال ولدك علقمة قالت يا رسول الله كثير الصلاة كثير الصيام كثير الصدقة قال رسول الله فما حالك قالت يا رسول الله أنا عليه ساخطة قال ولم قالت يا رسول كان يؤثر علي زوجته ويعصيني فقال رسول الله إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ثم قال يا بلال انطلق واجمع لي حطبا كثيرا قالت يا رسول الله وما تصنع قال أحرقه بالنار بين يديك قالت يا رسول الله ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي قال يا أم علقمة عذاب الله أشد وأبقى فإن سرك أن يغفر الله له فارضي عنه فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته ما دمت عليه ساخطة فقالت يا رسول الله إني أشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين أني قد رضيت عن ولدي علقمة فقال رسول الله انطلق يا بلال إليه وانظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله أم لا فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء مني فانطلق فسمع علقمة من داخل الدار يقول لا إله إلا الله فدخل بلال فقال يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة وأن رضاها أطلق لسانه ثم مات علقمة من يومه فحضره رسول الله فأمر بغسله وكفنه ثم صلى عليه وحضر دفنه ثم قام على شفير قبره وقال يا معشر المهاجرين والأنصار من فضل زوجته على أمه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا إلا أن يتوب إلى الله عز وجل ويحسن إليها ويطلب رضاها فرضى الله في رضاها وسخط الله في سخطها فنسأل الله أن يوفقنا لرضاه وأن يجنبنا سخطه إنه جواد كريم رؤوف رحيم
هجر الأقارب
قال الله تعالى واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها وقال الله تعالى فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم وقال الله تعالى والذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب وقال الله تعالى يضل به أي بالقرآن كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون أعظم ذلك ما بين العبد وبين الله ما عهده الله على العبيد وفي الصحيحين أن رسول الله قال لا يدخل الجنة قاطع رحم فمن قطع أقاربه الضعفاء وهجرهم وتكبر عليهم ولم يصلهم ببره وإحسانه وكان غنيا وهم فقراء فهو داخل في هذا الوعيد محروم عن دخول الجنة إلا أن يتوب إلى الله عز وجل ويحسن إليهم وقد ورد في الحديث عن رسول الله أنه قال من كان له أقارب ضعفاء ولم يحسن إليهم ويصرف صدقته إلى غيرهم لم يقبل الله منه صدقته ولا ينظر إليه يوم القيامة وإن كان فقيرا وصلهم بزيارتهم والتفقد لأحوالهم لقول النبي صلوا أرحامكم ولو بالسلام وقال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه وفي الحديث عن رسول الله أنه قال ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل ألذي من إذا قطعت رحمه وصلها وقال يقول الله تعالى أنا الرحمن وهي الرحم فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما أنه قال لولده يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه جلس يحدث عن رسول الله فقال أحرج على كل قاطع رحم إلا قام من عندنا فلم يقم أحد إلا شاب من أقصى الحلقة فذهب إلى عمته لأنه كان قد صارمها منذ سنين فصالحها فقالت له عمته ما جاء بك يا ابن أخي فقال إني جلست إلى أبي هريرة صاحب رسول الله فقال أحرج كل قاطع رحم إلا قام من عندنا فقالت له عمته ارجع إلى أبي هريرة واسأله لم ذلك فرجع إليه وأخبره بما جرى له مع عمته وسأله لم لا يجلس عندك قاطع رحم فقال أبو هريرة أني سمعت رسول الله يقول إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم وحكي أن رجلا من الأغنياء حج إلى بيت الله الحرام فلما وصل إلى مكة أودع من ماله ألف دينار عند رجل كان موسوما بالأمانة والصلاح إلى أن يقف بعرفات فلما وقف بعرفات ورجع إلى مكة وجد الرجل قد مات فسأل أهله عن ماله علم أنه لم يكن لهم به علم فأتى علماء مكة فأخبرهم بحاله وماله فقالوا له إذا كان نصف الليل فأت زمزم وانظر فيها وناد يا فلان باسمه فإن كان من أهل الجنة فسيجيبك بأول مرة فمضى الرجل ونادى في زمزم فلم يجبه أحد فجاء إليهم وأخبرهم فقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون نخشى أن يكون صاحبك من أهل النار اذهب إلى أرض اليمن ففيها بئر يسمى برهوت يقال أنه على فم جهنم فانظر فيه بالليل وناد يا فلان فإن كان من أهل النار فسيجيبك منها فمضى إلى اليمن وسأل عن البئر فدل عليها فأتاها بالليل ونظر فيها ونادى يا فلان فأجابه فقال أين ذهبي قال دفنته في الموضع الفلاني من داري ولم أئتمن عليه ولدي فأتهم واحفر هناك تجده فقال له ما الذي أنزلك ههنا وكنا نظن بك الخير فقال كان لي أخت فقيرة هجرتها وكنت لا أحنو عليها فعاقبني الله سبحانه بسببها وأنزلني الله هذه المنزلة وتصديق ذلك في الحديث الصحيح قوله لا يدخل الجنة قاطع يعني قاطع رحم كالأخت والخالة والعمة وبنت الأخت وغيرهم من الأقارب فنسأل الله التوفيق لطاعته إنه جواد كريم
الزنا
وبعضه أكبر من بعض قال الله تعالى ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا وقال الله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وقال الله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين قال العلماء هذا عذاب الزانية والزاني في الدنيا إذا كانا عزبين غير متزوجين فإن كانا متزوجين أو قد تزوجا ولو مرة في العمر فإنهما يرجمان بالحجارة إلى أن يموتا كذلك ثبت في السنة عن النبي فإن لم يستوف القصاص منهما في الدنيا وماتا من غير توبة فإنهما يعذبان في النار بسياط من نار كما ورد أن الزبور مكتوبا إن الزناة معلقون بفروجهم في النار يضربون عليها بسياط من حديد فإذا استغاث من الضرب نادته الزبانية أين كان هذا الصوت وأنت تضحك وتفرح وتمرح ولا تراقب الله تعالى ولا تستحي منه وثبت عن رسول الله أنه قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن وقال إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان كالظلة على رأسه ثم إذا أقلع رجع إليه الإيمان وقال من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه وفي الحديث النبوي قال رسول الله ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله تعالى قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك فقلت أن ذلك لعظيم ثم أي قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزني بحليلة جارك يعني زوجة جارك فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب فانظر رحمك الله كيف قرنا الزنا بزوجة الجار بالشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله عز وجل إلا بالحق وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي صحيح البخاري في حديث منام النبي الذي رواه سمرة بن جندب وفيه أنه جاءه جبريل وميكائيل قال فانطلقنا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا أي صاحوا من شدة حره فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الزناة والزواني يعني من الرجال والنساء فهذا عذابهم إلى يوم القيامة نسأل الله العفو والعافية وعن عطاء في تفسير قول الله تعالى عن جهنم لها سبعة أبواب قال أشد تلك الأبواب غما وحرا وكربا وأنتنها ريحا للزناة الذين ارتكبوا الزنا بعد العلم وعن مكحول الدمشقي قال يجد أهل النار رائحة منتنة فيقولون ما وجدنا أنتن من هذه الرائحة فيقال لهم هذه ريح فروج الزناة وقال ابن زيد أحد أئمة التفسير إنه ليؤذي أهل النار ريح فروج الزناة وفي العشر الآيات التي كتبها الله لموسى عليه السلام ولا تسرق ولا تزن فأحجب عنك وجهي فإذا كان الخطاب لنبيه موسى عليه السلام فكيف بغيره وجاء عن النبي أن إبليس يبث جنوده في الأرض ويقول لهم أيكم أضل مسلما ألبسته التاج على رأسه فأعظمهم فتنة أقربهم إليه منزلة فيجيء إليه أحدهم فيقول له لم أزل بفلان حتى طلق امرأته فيقول ما صنعت شيئا سوف يتزوج غيرها ثم يجيء الآخر فيقول لم أزل بفلان حتى ألقيت بينه وبين أخيه العداوة فيقول ما صنعت شيئا سوف يصالحه ثم يجيء الآخر فيقول لم أزل بفلان حتى زنى فيقول إبليس نعم ما فعلت فيدنيه منه ويضع التاج على رأسه نعوذ بالله من شرور الشيطان وجنوده وعن أنس قال قال رسول الله إن الإيمان سربال يسربله الله من يشاء فإذا زنى العبد نزع الله منه سربال الإيمان فإن تاب رده عليه وجاء عن النبي أنه قال يا معشر المسلمين إتقوا الزنا فإن فيه ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما التي في الدنيا فذهاب بهاء الوجه وقصر العمر ودوام الفقر وأما التي في الأخرة فسخط الله تبارك وتعالى وسوء الحساب والعذاب بالنار وعنه أنه قال من مات مصرا على شرب الخمر سقاه الله تعالى من نهر الغوطة وهو نهر يجري في النار من فروج المومسات يعني الزانيات يجري من فروجهن قيح وصديد في النار ثم يسقي ذلك لمن مات مصرا على شرب الخمر وقال رسول الله ما من ذنب بعد الشرك بالله أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في فرج لا يحل له وقال أيضا عليه الصلاة والسلام في جهنم واد فيه حيات كل حية ثخن رقبة البعير تلسع تارك الصلاة فيغلي سمها في جسمه سبعين سنة ثم يتهرى لحمه وإن في جهنم واديا اسمه جب الحزن فيه حيات وعقارب كل عقرب بقدر البغل لها سبعون شوكة في كل شوكة راوية سم ثم تضرب الزاني وتفرغ سمها في جسمه يجد مرارة وجعها ألف سنة ثم يتهرى لحمه ويسيل من فرجه القيح والصديد وورد أيضا أن من زنى بامرأة كانت متزوجة كان عليها وعليه في القبر نصف عذاب هذه الأمة فإذا كان يوم القيامة يحكم الله سبحانه وتعالى زوجها في حسناته هذا إن كان بغير علمه فإن علم وسكت حرم الله عليه الجنة لأن الله تعالى كتب على باب الجنة أنت حرام على الديوث وهو الذي يعلم بالفاحشة في أهله ويسكت ولا يغار وورد أيضا أن من وضع يده على امرأة لا تحل له بشهوة جاء يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه فإن قبلها قرضت شفتاه في النار فإن زنى بها نطقت فخذه وشهدت عليه يوم القيامة وقالت أنا للحرام ركبت فينظر الله تعالى إليه بعين الغضب فيقع لحم وجهه فيكابر ويقول ما فعلت فيشهد عليه لسانه فيقول أنا بما لا يحل نطقت وتقول يداه أنا للحرام تناولت وتقول عيناه أنا للحرام نظرت وتقول رجلاه أنا لما لا يحل مشيت ويقول فرجه أنا فعلت ويقول الحافظ من الملائكة وأنا سمعت ويقول الآخر وأنا كتبت ويقول الله تعالى وأنا اطلعت وسترت ثم يقول الله تعالى يا ملائكتي خذوه ومن عذابي أذيقوه فقد اشتد غضبي على قل حياؤه مني وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون وأعظم الزنا الزنا بالأم والأخت وامرأة الأب وبالمحارم وقد صحح الحاكم من وقع على ذات محرم فاقتلوه وعن البراء أن خاله بعثه رسول الله إلى رجل عرس بامرأة أبيه أن يقتله ويخمس ماله فنسأل الله المنان بفضله أن يغفر لنا ذنوبنا إنه جواد كريم
=
اللواط
قد قص الله عز وجل علينا في كتابه العزيز قصة قوم لوط في غير موضع من ذلك قول الله تعالى فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل أي من طين طبخ حتى صار كالآحر منضود أي يتلو بعضه بعضا مسومة أي معلمة بعلامة تعرف بها أنها ليست من حجارة أهل الدنيا عند ربك أي في خزائنه التي لا يتصرف في شيء منها إلا بإذنه وما هي من الظالمين ببعيد ما هي من ظالمي هذه الأمة إذا فعلوا فعلهم أن يحل بهم ما حل بأولئك من العذاب ولهذا قال النبي أخوف ما أخاف عليكم عمل قوم لوط ولعن من فعل فعلهم ثلاثا فقال لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط وقال عليه الصلاة والسلام من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به قال ابن عباس رضي الله عنهما ينظر أعلى بناء في القرية فيلقى منه ثم يتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط وأجمع المسلمون على أن التلوط من الكبائر التي حرم الله تعالى أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون أي مجاوزون من الحلال إلى الحرام وقال الله تعالى في آية أخرى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلام ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين وكان اسم قريتهم سدوم وكان أهلها يعملون الخبائث التي ذكرها الله سبحانه في كتابه كانوا يأتون الذكران من العالمين في أدبارهم ويتضارطون في أنديتهم مع أشياء أخرى كانوا يعملونها من المنكرات وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عشر خصال من أعمال قوم لوط تصفيف الشعر وحل الأزرار ورمي البندق والحذف بالحصى واللعب بالحمام الطيارة والصفير بالأصابع وفرقعة الأكعب وإسبال الإزار وحل أزر الأقبية وإدمان شرب الخمر وإتيان الذكور وستزيد عليها هذه الأمة مساحقة النساء النساء وجاء عن النبي أنه قال سحاق النساء بينهن زنا وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله أربعة يصبحون في غضب الله ويمسون في سخط الله تعالى قيل من هم يا رسول الله قال المتشبهون من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال والذي يأتي البهيمة والذي يأتي الذكر يعني اللواط وروي أنه إذا ركب الذكر الذكر اهتز عرش الرحمن خوفا من غضب الله تعالى وتكاد السماوات أن تقع على الأرض فتمسك الملائكة بأطرافها وتقرأ قل هو الله أحد إلى آخرها حتى يسكن غضب الله عز وجل وجاء عن النبي أنه قال سبعة يلعنهم الله تعالى ولا ينظر إليهم يوم القيامة ويقول ادخلوا النار مع الداخلين الفاعل والمفعول به يعني اللواط وناكح البهيمة وناكح الأم وابنتها وناكح يده إلا أن يتوبوا وروي أن قوما يحشرون يوم القيامة وأيديهم حبالى من الزنا كانوا يعبثون في الدنيا بمذاكيرهم وروي أن من أعمال قوم لوط اللعب بالنرد والمسابقة بالحمام والمهارشة بين الكلاب والمناطحة بين الكباش والمناقرة بالديوك ودخول الحمام بلا مئزر ونقص الكيل والميزان ويل لمن فعلها وفي الأثر من لعب بالحمام القلابة لم يمت حتى يذوق ألم الفقر وقال ابن عباس رضي الله عنهما إن اللوطي إذا مات من غير توبة فإنه يمسخ في قبره خنزيرا وقال لا ينظر الله إلى رجل أتى ذكرا أو امرأة في دبرها وقال أبو سعيد الصعلوكي سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم اللوطيون وهم على ثلاثة أصناف صنف ينظرون وصنف يصافحون وصنف يعملون ذلك العمل الخبيث والنظر بشهوة إلى المرأة والأمرد زنا لما صح عن النبي أنه قال زنا العين النظر وزنا اللسان النطق وزنا اليد البطش وزنا الرجل الخطى وزنا الأذن الاستماع والنفس تمني وتشتهي والفرج يصدق ذلك ويكذبه ولأجل ذلك بالغ الصالحون في الإعراض عن المردان وعن النظر إليهم وعن مخالطتهم ومجالستهم قال الحسن بن ذكوان لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور العذارى فهم أشد فتنة من النساء وقال بعض التابعين ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه وكان يقال لا يبيتن رجل مع أمرد في مكان واحد وحرم بعض العلماء الخلوة مع الأمرد في بيت أو حانوت أو حمام قياسا على المرأة لأن النبي قال ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما وفي المردان من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم وأنه يمكن في حقه من الشر ما لا يمكن في حق النساء ويتسهل في حقه من طريق الريبة والشر ما لا يتسهل في حق المرأة فهو بالتحريم أولى وأقاويل السلف في التنفير منهم والتحذير من رؤيتهم أكثر من أن تحصر وسموهم الأنتان لأنهم مستقذرون شرعا وسواء في كل ما ذكرناه نظر المنسوب إلى الصلاح وغيره ودخل سفيان الثوري الحمام فدخل عليه صبي حسن الوجه فقال أخرجوه عني أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطانا وأرى مع كل صبي حسن بضعة عشر شيطانا وجاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله ومعه صبي حسن فقال الإمام ما هذا منك قال ابن أختي قال لا تجيء به إلينا مرة أخرى ولا تمش معه في طريق لئلا يظن بك من لا يعرفك ولا يعرفه سوءا وروي أن وفد عبدالقيس لما قدموا على النبي كان فيهم أمرد حسن فأجلسه النبي خلف ظهره وقال إنما كانت فتنة داود عليه السلام من النظر وأنشدوا شعرا كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغير موقوف على الخطر كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بلا قوس ولا وتر يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحبا بسرور عاد بالضرر وكان يقال النظر بريد الزنا وفي الحديث النظر سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركه لله أورث الله قلبه حلاوة عبادة يجدها إلى يوم القيامة فصل في عقوبة من أمكن من نفسه طائعا عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه وجد في بعض النواحي رجلا ينكح في دبره فاستشار أبو بكر الصحابة رضي الله عنهم في أمره فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إن هذا ذنب لم يعمله إلا أمة واحدة قوم لوط وقد أعلمنا الله تعالى بما صنع بهم أرى أن يحرق بالنار فكتب أبو بكر إليه أن أحرقه بالنار فأحرقه خالد رضي الله عنه وقال علي رضي الله عنه من أمكن من نفسه طائعا حتى ينكح ألقى الله عليه شهوة النساء وجعله شيطانا رجيما في قبره إلى يوم القيامة وأجمعت الأمة على أن من فعل بمملوكه فهو لوطي مجرم ومما روي أن عيسى بن مريم عليه السلام مر في سياحته على نار توقد على رجل فأخذ عيسى عليه السلام ماء ليطفئ عنه فانقلبت النار صبيا وانقلب الرجل نارا فتعجب عيسى عليه السلام من ذلك وقال يا رب ردهما إلى حالهما في الدنيا لأسألهما عن خبرهما فأحياهما الله تعالى فإذا هما رجل وصبي فقال لهما عيسى عليه السلام ما خبركما فقال الرجل يا روح الله إني كنت في الدنيا مبتلى بحب هذا الصبي فحملتني الشهوة أن فعلت به الفاحشة فلما أن مت ومات الصبي صير نارا يحرقني مرة وأصير نارا أحرقه مرة فهذا عذابنا إلى يوم القيامة نعوذ بالله من عذاب القبر ونسأله العفو والعافية والتوفيق لما يحب ويرضى فصل ويلتحق باللواط إتيان المرأة في دبرها مما حرمه الله تعالى ورسوله قال الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أي كيف شئتم مقبلين ومدبرين في صمام واحد أي موضع واحد وسبب نزول هذه الآية أن اليهود في زمن النبي كانوا يقولون إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فسأل أصحاب رسول الله عن ذلك فأنزل الله هذه الآية تكذيبا لهم نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم مجبية أو غير مجبية غير أن ذلك في صمام واحد أخرجه مسلم وفي رواية اتقوا الدبر والحيضة وقوله في صمام واحد أي في موضع واحد وهو الفرج لأنه موضع الحرث أي موضع مزرع الولد وأما الدبر فإنه محل النجو وذلك خبيث مستقذر وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال ملعون من أتى حائضا أو امرأة في دبرها وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد فمن جامع امرأته وهي حائض أو جامعها في دبرها فهو ملعون وداخل في هذا الوعيد الشديد وكذا إذا أتى كاهنا وهو المنجم ومن يدعي معرفة الشيء المسروق ويتكلم على الأمور المغيبات فسأله عن شيء منها فصدقه وكثير من الجهال واقعون في هذه المعاصي وذلك من قلة معرفتهم وسماعهم للعلم ولذلك قال أبو الدرداء كن عالما أو متعلما أو مستعلما أو محبا ولا تكن الخامس فتهلك وهو الذي لا يعلم ولا يتعلم ولا يستمع ولا يحب من يعمل ذلك ويجب على العبد أن يتوب إلى الله من جميع الذنوب والخطايا ويسأل الله العفو عما مضى منه في جهله والعافية فيما بقي من عمره اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة إنك أرحم الراحمين
===
أكل الربا
قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون وقال الله تعالى الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم الذي قد مسه الشيطان وصرعه ذلك أي ذلك الذي أصابهم بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا أي حلالا فاستحلوا ما حرم الله فإذا بعث الله الناس يوم القيامة خرجوا مسرعين إلا أكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون كما يقوم المصروع كلما قام صرع لأنهم لما أكلوا الربا الحرام في الدنيا أرباه الله في بطونهم حتى أثقلهم يوم القيامة فهم كلما أرادوا النهوض سقطوا ويريدون الإسراع مع الناس فلا يقدرون وقال قتادة إن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا وذلك علم لأكلة الربا يعرفهم به أهل الموقف وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال لما أسري بي مررت بقوم بطونهم بين أيديهم كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم قد مالت بهم بطونهم منضدين على سابلة آل فرعون وآل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا قال فيقبلون مثل الإبل المنهزمة لا يسمعون ولا يعقلون فإذا أحس بهم أصحاب تلك البطون قاموا فتميل بهم بطونهم فلا يستطيعون أن يبرحوا حتى يغشاهم آل فرعون فيردونهم مقبلين ومدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا والآخرة قال فقلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس وفي رواية قال لما عرج بي سمعت في السماء السابعة فوق رأسي رعدا وصواعق ورأيت رجالا بطونهم بين أيديهم كالبيوت فيها حيات وعقارب ترى من ظاهر بطونهم فقلت من هؤلاء يا جبريل فقال هؤلاء أكلة الربا وروي عن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود عن أبيه إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن الله بهلاكها وعن عمر مرفوعا إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم وقال ما ظهر في قوم الربا إلا ظهر فيهم الجنون ولا ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت وما بخس قوم الكيل والوزن إلا منعهم الله القطر وجاء في حديث فيه طول إن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى يوم القيامة بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم ويلقم الحجارة وهو المال الحرام الذي جمعه في الدنيا يكلف المشقة فيه ويلقم حجارة من نار كما ابتلع الحرام الذي جمعه في الدنيا هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مع لعنة الله له كما صح عن رسول الله أنه قال أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها مدمن الخمر وآكل الربا وآكل مال اليتيم بغير حق والعاق لوالديه إلا أن يتوبوا وقد ورد أن أكلة الربا يحشرون في صورة الكلاب والخنازير من أجل حيلتهم على أكل الربا كما مسخ أصحاب السبت حين تحيلوا على إخراج الحيتان التي نهاهم الله عن اصطيادها يوم السبت فحفروا لها حياضا تقع فيها يوم السبت فيأخذونها يوم الأحد فلما فعلوا ذلك مسخهم الله قردة وخنازير وهكذا الذين يتحيلون على الربا بأنواع الحيل فإن الله لا تخفى عليه حيل المحتالين قال أيوب السختياني يخادعون الله كما يخادعون صبيا ولو أتوا الأمر عيانا كان أهون عليهم وقال الربا سبعون بابا أهونها مثل أن ينكح الرجل أمه وأن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم فصح أنه باب من أعظم أبواب الربا وعن أنس قال خطبنا رسول الله فذكر الربا وعظم شأنه فقال الدرهم الذي يصيبه الرجل من الربا أشد من ست وثلاثين زنية في الإسلام وعنه قال الربا سبعون حوبا أهونها كوقع الرجل على أمه وفي رواية أهونها كالذي ينكح أمه والحوب الإثم وعلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال الزائد والمستزيد في النار يعني الآخذ والمعطي فيه سواء نسأل الله العافية فصل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال إذا كان لك على رجل دين فأهدى لك شيئا فلا تأخذه فإنه ربا وقال الحسن رحمه الله إذا كان لك على رجل دين فما أكلت من بيته فهو سحت وهذا من قوله كل قرض جر نفعا فهو ربا وقال ابن مسعود أيضا من شفع لرجل شفاعة فأهدى له هدية فهي سحت وتصديقه من قوله من شفع لرجل شفاعة فأهدى له عليها فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا أخرجه أبو داود فنسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة
===
أكل مال اليتيم وظلمه
قال الله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا وقال الله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وعن أبي سعيد الخدري رضي الله أن رسول الله قال في المعراج فإذا أنا برجال وقد وكل بهم رجال يفكون لحاهم وآخرون يجيئون بالصخور من النار فيقذفونها بأفواههم وتخرج من أدبارهم فقلت يا جبريل من هؤلاء قال الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال يبعث الله عز وجل قوما من قبورهم تخرج النار من بطونهم تأجج أفواههم نارا فقيل من هم يا رسول الله قال ألم تر أن الله تعالى يقول إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وقال السدي رحمه الله تعالى يحشر آكل مال اليتيم ظلما يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينه كل من رآه يعرفه أنه آكل مال اليتيم قال العلماء فكل ولي ليتيم إذا كان فقيرا فأكل من ماله بالمعروف بقدر قيامه عليه في مصالحه وتنمية ماله فلا بأس عليه وما زاد على المعروف فسحت حرام لقول الله تعالى ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف وفي الأكل بالمعروف أربعة أقوال أحدها أنه الأخذ على وجه القرض والثاني الأكل بقدر الحاجة من غير إسراف والثالث أنه أخذ بقدر إذا عمل لليتيم عملا والرابع أنه الأخذ عند الضرورة فإن أيسر قضاه وإن لم يوسر فهو في حل وهذه الأقوال ذكره ابن الجوزي في تفسيره وفي البخاري أن رسول الله قال أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما وفي صحيح مسلم عنه قال كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والوسطى كفالة اليتيم هي القيام بأموره والسعي في مصالحه من طعامه وكسوته وتنمية ماله إن كان له مال وإن كان لا مال له أنفق عليه وكساه ابتغاء وجه الله تعالى وقوله في الحديث له أو لغيره أي سواء كان اليتيم قرابة أو أجنبيا منه فالقرابة مثل أن يكفله جده أو أخوه أو أمه أو عمه أو زوج أمه أو خاله أو غيره من أقاربه والأجنبي من ليس بينه وبينه قرابة وقال رسول الله من ضم يتيما من المسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله تعالى أوجب الله له الجنة إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر وقال من مسح رأس يتيم لا يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنة ومن أحسن إلى يتيم أو يتيمة عنده كنت أنا وهو هكذا في الجنة وقال رجل لأبي الدرداء رضي الله عنه أوصني بوصية قال ارحم اليتيم وأدنه منك وأطعمه من طعامك فإني سمعت رسول الله أتاه رجل يشتكي قسوة قلبه فقال رسول الله إن أردت أن يلين قلبك فأدن اليتيم منك وامسح رأسه وأطعمه من طعامك فإن ذلك يلين قلبك وتقدر على حاجتك ومما حكي عن بعض السلف قال كنت في بداية أمري مكبا على المعاصي وشرب الخمر فظفرت يوما بصبي يتيم فقير فأخذته وأحسنت أليه وأطعمته وكسوته وأدخلته الحمام وأزلت شعثه وأكرمته كما يكرم الرجل ولده بل أكثر فبت ليلة بعد ذلك فرأيت في النوم أن القيامة قامت ودعيت إلى الحساب وأمر بي إلى النار لسوء ما كنت عليه من المعاصي فسحبتني الزبانية ليمضوا بي إلى النار وأنا بين أيديهم حقير ذليل يجروني سحبا إلى النار وإذا بذلك اليتيم قد اعترضني بالطريق وقال خلوا عنه يا ملائكة ربي حتى أشفع له إلى ربي فإنه قد أحسن إلي وأكرمني فقالت الملائكة إنا لم نؤمر بذلك وإذا النداء من قبل الله تعالى يقول خلوا عنه فقد وهبت له ما كان منه بشفاعة اليتيم وإحسانه إليه قال فاستيقظت وتبت إلى الله عز وجل وبذلت جهدي في إيصال الرحمة إلى الأيتام ولهذا قال أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله خير البيوت بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر البيوت بيت فيه يتيم يساء إليه وأحب عباد الله إلى الله تعالى من اصطنع صنعا إلى يتيم أو أرملة وروي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يا داود كن لليتيم كالأب الرحيم وكن للأرملة كالزوج الشفيق واعلم كما تزرع كذا تحصد معناه أنك كما تفعل كذلك يفعل معك أي لا بد أن تموت ويبقى لك ولد يتيم أو امرأة أرملة وقال داود عليه السلام في مناجاته إلهي ما جزاء من أسند اليتيم والأرملة ابتغاء وجهك قال جزاؤه أن أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي معناه ظل عرشي يوم القيامة ومما جاء في فضل الإحسان إلى الأرملة واليتيم عن بعض العلويين وكان نازلا ببلخ من بلاد العجم وله زوجة علوية وله منها بنات وكانوا في سعة ونعمة فمات الزوج وأصاب المرأة وبناتها بعده الفقر والقلة فخرجت ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الأعداء واتفق خروجها في شدة البرد فلما دخلت ذلك البلد أدخلت بناتها في بعض المساجد المهجورة ومضت تحتال لهم في القوت فمرت بجمعين جمع على رجل مسلم وهو شيخ البلد وجمع على رجل مجوسي وهو ضامن البلد فبدأت بالمسلم وشرحت حالها له وقالت أنا امرأة علوية ومعي بنات أيتام أدخلتهم بعض المساجد المهجورة وأريد الليلة قوتهم فقال لها أقيمي عندي البينة إنك علوية شريفة فقالت أنا امرأة غريبة ما في البلد من يعرفني فأعرض عنها فمضت من عنده منكسرة القلب فجاءت إلى ذلك الرجل المجوسي فشرحت له حالها وأخبرته أن معها بنات أيتام وهي امرأة شريفة غريبة وقصت عليه ما جرى لها مع الشيخ المسلم فقام وأرسل بعض نسائه وأتوا بها وبناتها إلى داره فأطعمهن أطيب الطعام وألبسهن أفخر اللباس وباتوا عنده في نعمة وكرامة قال فلما انتصف الليل رأى ذلك الشيخ المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت وقد عقد اللواء على رأس النبي وإذا القصر من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ والياقوت وفيه قباب اللؤلؤ والمرجان فقال يا رسول الله لمن هذا القصر قال لرجل مسلم موحد فقال يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد فقال رسول الله أقم عندي البينة أنك مسلم موحد قال فبقي متحيرا فقال له لما قصدتك المرأة العلوية قلت أقيمي عندي البينة إنك علوية فكذا أنت أقم عندي البينة إنك مسلم فانتبه الرجل حزينا على رده المرأة خائبة ثم جعل يطوف بالبلد ويسأل عنها حتى دل عليها أنها عند المجوسي فأرسل إليه فأتاه فقال له أريد منك المرأة الشريفة العلوية وبناتها فقال ما إلى هذا من سبيل وقد لحقني من بركاتهم ما لحقني قال خذ مني ألف دينار وسلمهن إلي فقال لا أفعل فقال لا بد منهن فقال الذي تريده أنت أنا أحق به والقصر الذي رأيته في منامك خلق لي أتدل علي بالإسلام فوالله ما نمت البارحة أنا وأهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد العلوية ورأيت مثل الذي رأيت في منامك وقال لي رسول الله العلوية وبناتها عندك قلت نعم يا رسول الله قال القصر لك ولأهل دارك وأنت وأهل دارك من أهل الجنة خلقك الله مؤمنا في الأزل قال فانصرف المسلم وبه من الحزن والكآبة ما لا يعلمه إلا الله فانظر رحمك الله إلى بركة الإحسان إلى الأرملة والأيتام ما أعقب صاحبه من الكرامة في الدنيا ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله قال الراوي أحسبه قال وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر والساعي عليهم هو القائم بأمورهم ومصالحهم ابتغاء وجه الله تعالى وفقنا الله لذلك بمنه وكرمه إنه جواد كريم رؤوف غفور رحيم
=========
الكذب على الله عز وجل وعلى رسوله
قال الله عز وجل ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة قال الحسن هم الذين يقولون إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل قال ابن الجوزي في تفسيره وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أن الكذب على الله وعلى رسوله كفر ينقل عن الملة ولا ريب أن الكذب على الله وعلى رسوله في تحليل حرام وتحريم حلال كفر محض وإنما الشأن في الكذب عليه فيما سوى ذلك وقال من كذب علي بني له بيت في جهنم وقال ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وقال من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين وقال إن كذبا علي ليس ككذب على غيري من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وقال من يقل عني ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار وقال يطبع المؤهل على كل شيء إلا الخيانة والكذب نسأل الله التوفيق والعصمة إنه جواد كريم
==========
الفرار من الزحف
إذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة وإن بعدت قال الله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هن يا رسول الله قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فكتب الله عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين فكتب أن لا يفر مائة من مائتين رواه البخاري
=========
غش الإمام الرعية وظلمه لهم
قال الله تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم وقال الله تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء وقال الله تعالى وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وقال الله تعالى كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون وقال رسول الله من غشنا فليس منا وقال عليه السلام الظلم ظلمات يوم القيامة وقال كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته وقال رسول الله أيما راع غش رعيته فهو في النار وقال من استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة أخرجه البخاري وفي لفظ يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة وقال ما من حاكم يحكم بين الناس إلا حبس يوم القيامة وملك آخذ بقفاه فإن قال ألقه ألقاه فهوى في جهنم أربعين خريفا رواه الإمام أحمد وقال رسول الله ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يعذبون ولم يكونوا عملوا من شيء وقال ليأتين على القضاي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط وقال ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه إما أطلقه عدله أو أوبقه جوره ومن دعاء رسول الله أنه قال اللهم من ولي من أمر هذه الأمة شيئا فرفق بهم فارفق به ومن شفق عليهم فأشفق عليه وقال من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره وقال رسول الله سيكون أمراء فسقة جورة فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض وقال رسول الله صنفان من أمتي لن تنالهم شفاعتي سلطان ظلوم غشوش وغال في الدين يشهد عليهم ويتبرأ منهم وقال عليه السلام أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام جائر وفي الحديث أن رسول الله قال أيها الناس مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم وقبل أن تستغفروا الله فلا يغفر لكم إن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عمهم بالبلاء وقال رسول الله من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ومن أحدث حدثا أو آوى محدثنا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وفي الحديث أيضا من لا يرحم لا يرحم لا يرحم الله من لا يرحم الناس وقال الإمام العادل يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وقال المقسطون على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ولما بعث رسول الله معاذا رضي الله عنه إلى اليمن قال إياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب رواه البخاري وقال عليه الصلاة والسلام ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة فذكر منهم الملك الكذاب وقال إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة رواه البخاري وفيه أيضا وإنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرص عليه وقال رسول الله يا كعب بن عجرة أعاذك الله من إمارة السفهاء أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة ومن غلب جوره عدله فله النار وقال ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة وقال عمر لأبي ذر رضي الله عنهما حدثني بحديث سمعته من رسول الله فقال أبو ذر سمعت رسول الله يقول يجاء بالوالي يوم القيامة فينبذ به على جسر جهنم فيرتج به الجسر ارتجاجة لا يبقى منه مفصل إلا زال عن مكانه فإن كان مطيعا لله في عمله مضى به وإن كان عاصيا لله في عمله انخرق به الجسر فهوى به في جهنم مقدار خمسين عاما فقال عمر من يطلب العمل بها يا أبا ذر قال من سلت الله أنفه وألصق خده بالتراب وقال عمرو بن المهاجر قال لي عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم قل يا عمر ما تصنع يا راضيا باسم الظالم كم عليك من المظالم السجن جهنم والحق حاكم ولا حجة لك فيما تخاصم القبر مهول فتذكر حبسك والحساب طويل فخلص نفسك والعمر كيوم فبادر شمسك تفرح بمالك والكسب خبيث وتمرح بآمالك والسير حثيث إن الظلم لا يترك منه قدر أنملة فإذا رأيت ظالما قد سطا فنم له فربما بات فأخذت جنبه من الليل نملة أي قروح في الجسد
==
الكبر والفخر والخيلاء والعجب والتيه
قال الله تعالى وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب وقال الله تعالى إنه لا يحب المتكبرين وقال رسول الله بينما رجل يتبختر في مشيه إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلل فيها إلى يوم القيامة وقال عليه الصلاة والسلام يحشر الجبارون المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس يغشاهم الذل من كل مكان وقال بعض السلف أول ذنب عصي الله به الكبر قال الله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين فمن استكبر على الحق لم ينفعه إيمانه كما فعل إبليس وعن النبي قال لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر رواه مسلم وقال الله تعالى إن الله لا يحب كل مختال فخور وقال قال الله تعالى العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما ألقيته في النار رواه مسلم المنازعة المجاذبة وقال اختصمت الجنة والنار فقالت الجنة مالي ما يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار أوثرت بالجبارين والمتكبرين الحديث وقال الله تعالى ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور أي لا تمل خدك معرضا متكبرا والمرح التبختر وقال سلمة بن الأكوع أكل رجل عند رسول الله بشماله قال كل بيمينك قال لا أستطيع فقال لا استطعت ما منعه إلا الكبر فما رفعها إلى فيه بعد رواه مسلم وقال عليه الصلاة والسلام ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر العتل الغليظ الجافي والجواظ الجموع المنوع وقيل الضخم المختال في مشيته وقيل البطين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله يقول ما من رجل يختال في مشيته ويتعاظم في نفسه إلا لقي الله وهو عليه غضبان وصح من حديث أبي هريرة أول ثلاثة يدخلون النار أمير مسلط أي ظالم وغني لا يؤدي الزكاة وفقير فخور وفي صحيح البخاري عن رسول الله قال ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب والمسبل هو الذي يسبل إزاره أو ثيابه أو سراويله حتى يكون إلى قدميه لأنه قال ما أسبل من الكعبين من الإزار فهو في النار وأشر الكبر الذي فيه من يتكبر على العباد بعلمه ويتعاظم في نفسه بفضيلته فإن هذا لم ينفعه علمه فإن من طلب العلم للآخرة كسره علمه وخشع قلبه واستكانت نفسه وكان على نفسه بالمرصاد فلا يفتر عنها بل يحاسبها كل وقت ويتفقدها فإن غفل عنها جمحت عن الطريق المستقيم وأهلكته ومن طلب العلم للفخر والرياسة وبطر على المسلمين وتحامق عليهم وازدراهم فهذا من أكبر الكبر ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
===
شهادة الزور
قال الله تعالى والذين لا يشهدون الزور الآية وفي الأثر عدلت شهادة الزور الشرك بالله تعالى مرتين وقال الله تعالى واجتنبوا قول الزور وفي الحديث لا تزول قدما شاهد الزور يوم القيامة حتى تجب له النار قال المصنف رحمه الله تعالى شاهد الزور قد ارتكب عظائم أحدها الكذب والافتراء قال الله تعالى إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب وفي الحديث يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة والكذب وثانيها إنه ظلم الذي شهد عليه حتى أخذ بشهادته ماله وعرضه وروحه وثالثها إنه ظلم الذي شهد له بأن ساق إليه المال الحرام فأخذه بشهادته فوجبت له النار وقال من قضيت له من مال أخيه بغير حق فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار ورابعها أنه أباح ما حرم الله تعالى وعصمه من المال والدم والعرض قال رسول الله ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين ألا وقول الزور ألا وشهادةالزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت رواه البخاري فنسأل الله تعالى السلامة والعافية من كل بلاء
=
شرب الخمر
قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون فقد نهى عز وجل في هذه الآية عن الخمر وحذر منها وقال النبي اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث فمن لم يجتنبها فقد عصى الله ورسوله واستحق العذاب بمعصية الله ورسوله قال الله تعالى ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزل تحريم الخمر مشى الصحابة بعضهم إلى بعض وقالوا حرمت الخمر وجعلت عدلا للشرك وذهب عبدالله بن عمرو إلى أن الخمر أكبر الكبائر وهي بلا ريب أم الخبائث وقد لعن شاربها في غير حديث وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله كل مسكر خمر وكل خمر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا ومات ولم يتب منها وهو مدمنها لم يشربها في الآخرة رواه مسلم وروى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله إن على الله عهدا لمن شرب المسكر أن يسقيه الله من طينة الخبال قيل يا رسول الله وما طينة الخبال قال عرق أهل النار أو عصارة أهل النار وفي الصحيحين أن رسول الله قال من شرب الخمرة في الدنيا يحرمها في الآخرة ذكر أن مدمن الخمر كعابد الوثن رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال مدمن الخمر كعابد الوثن ذكر أن مدمن الخمر إذا مات ولم يتب لا يدخل الجنة روى النسائي من حديث ابن عمر أن رسول الله قال لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر وفي رواية ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق لوالديه والديوث وهو الذي يقر السوء في أهله ذكر أن السكران لا يقبل الله منه حسنة روى جابر بن عبدالله أن رسول الله قال ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا ترفع لهم حسنة إلى السماء العبد الأبق حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى عنها والسكران حتى يصحو والخمر ما خامر العقل أي غطاه سواء كان رطبا أو يابسا أومأكولا أو مشروبا وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله لا يقبل الله لشارب الخمر صلاة ما دام في جسده شيء منها وفي رواية من شرب الخمر لم يقبل الله منه شيئا ومن سكر منها لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب ثم عاد كان حقا على الله أن يسقيه من مهل جهنم وقال رسول الله من شرب الخمر ولم يسكر أعرض الله عنه أربعين ليلة ومن شرب الخمر وسكر لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا أربعين ليلة فإن مات فيها مات كعابد وثن وكان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال قيل يا رسول الله وما طينة الخبال قال عصارة أهل النار القيح والدم وقال عبدالله بن أبي أوفى من مات مدمنا للخمر مات كعابد اللات والعزى قيل أرأيت مدمن الخمر هو الذي لا يستفيق من شربها قال لا ولكن هو الذي يشربها إذا وجدها ولو بعد سنين ذكر أن من شرب الخمر لا يكون مؤمنا حين يشربها عن أبي هريرة عن النبي لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد أخرجه البخاري وفي الحديث من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه وفيه من شرب الخمر ممسيا أصبح مشركا ومن شربها مصبحا أمسى مشركا وفيه عن النبي أنه قال إن رائحة الجنة لتوجد من مسيرة خمسمائة عام ولا يجد ريحها عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا عابد وثن وروى الإمام أحمد من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا مؤمن بسحر ولا قاطع رحم ومن مات وهو يشرب الخمر سقاه الله من نهر الغوطة وهو ماء يجري من فروج المومسات أي الزانيات يؤذي أهل النار ريح فروجهن وقال رسول الله إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين بعثني لأمحق المعازف والمزامير وأمر الجاهلية وأقسم ربي تعالى بعزته لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من الخمر إلا سقيته مثلها من حميم جهنم ولا يدعها عبد من عبيدي من مخافتي إلا سقيته إياها في حظائر القدس مع خير الندماء ذكر من لعن في الخمر روى أبو داود أن رسول الله قال لعنت الخمر بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها ورواه الإمام أحمد من حديث ابن عباس قال سمعت رسول الله يقول أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وشاربها وآكل ثمنها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها ومستقيها ذكر النهي عن عيادة شربة الخمر إذا مرضوا وكذلك لا يسلم عليهم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال لا تعودوا شراب الخمر إذا مرضوا قال البخاري وقال ابن عمر لا تسلموا على شربة الخمر وقال لا تجالسوا شراب الخمر ولا تعودوا مرضاهم ولا تشهدوا جنائزهم وإن شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسودا وجهه مدلعا لسانه على صدره يسيل لعابه يقذره كل من رآه وعرفه أنه شارب خمر قال بعض العلماء إنما نهى عن عيادتهم والسلام عليهم لأن شارب الخمر فاسق ملعون قد لعنه الله ورسوله كما تقدم في قوله لعن الله الخمور وشاربها الحديث فإن اشتراها وعصرها كان ملعونا مرتين وإن سقاها لغيره كان ملعونا ثلاث مرات فلذلك نهى عن عيادته والسلام عليه إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه ذكر أن الخمر لا يحل التداوي بها عن أم سلمة رضي الله عنها قالت اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز فدخل علي رسول الله وهو يغلي فقال ما هذا يا أم سلمة فذكرت له أني أداوي به ابنتي فقال رسول الله إن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ذكر أحاديث متفرقة رويت في الخمر من ذلك ما ذكره أبو نعيم في الحلية عن أبي موسى رضي الله عنه قال أتي النبي بنبيذ في جرة له نشيش فقال اضربوا بهذا الحائط فإن هذا شرب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر وقال رسول الله من كان في صدره آية من كتاب الله وصب عليها الخمر يجيء يوم القيامة كل حرف من تلك الآية فيأخذ بناصيته حتى يوقفه بين يدي الله تبارك وتعالى فيخاصمه ومن خاصمه القرآن خصم فالويل لمن كان القرآن خصمه يوم القيامة وجاء عن النبي ما من قوم اجتمعوا على مسكر في الدنيا إلا جمعهم الله في النار فيقبل بعضهم على بعض يتلاومون يقول أحدهم للآخر يا فلان لا جزاك الله عني خيرا فأنت الذي أوردتني هذا المورد ويقول له الآخر مثل ذلك وجاء عن النبي أنه قال من شرب الخمر في الدنيا سقاه الله من سم الأساودة شربة يتساقط لحم وجهه في الإناء قبل أن يشربها فإذا شربها تساقط لحمه وجلده يتأذى به أهل النار ألا وشاربها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها شركاء في إثمها لا يقبل الله منهم صلاة ولا صوما ولا حجا حتى يتوبوا فإن ماتوا قبل التوبة كان حقا على الله أن يسقيهم بكل جرعة شربوها في الدنيا من صديد جهنم ألا وكل مسكر خمر وكل خمر حرام ويدخل في قوله كل مسكر خمر الحشيشة كما سيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى روي أن شربة الخمر إذا أتوا على الصراط يتخطفهم الزبانية إلى نهر الخبال فيسقون بكل كأس شربوها من الخمر شربة من نهر الخبال فلو أن تلك الشربة تصب من السماء لأحرقت السماوات من حرها نعوذ بالله منها ذكر الآثار عن السلف في الخمر ذكر ابن مسعود رضي الله عنه قال إذا مات شارب الخمر فادفنوه ثم اصلبوه على خشبة ثم انبشوا عنه قبره فإن لم تروا وجهه مصروعا عن القبلة وإلا فاتركوه مصلوبا وعن الفضيل بن عياض أنه حضر عند تلميذ له حضرته الوفاة فجعل يلقنه الشهادة ولسانه لا ينطق بها فكررها عليه فقال لا أقولها وأنا بريء منها فخرج الفضيل من عنده وهو يبكي ثم رآه بعد مدة في منامه وهو يسحب به إلى النار فقال له يا مسكين بم نزعت منك المعرفة فقال يا أستاذ كان بي علة فأتيت بعض الأطباء فقال لي تشرب في كل سنة قدحا من الخمر وإن لم تفعل تبقى بك علتك فكنت أشربها في كل سنة لأجل التداوي فهذا حال من يشربها للتداوي فكيف حال من يشربها لغير ذلك نسأل الله العفو والعافية من كل بلاء وسئل بعض التائبين عن سبب توبته فقال كنت أنبش القبور فرأيت فيها أمواتا مصروفين عن القبلة فسألت أهليهم عنهم فقالوا كانوا يشربون الخمر في الدنيا وماتوا من غير توبة وقال بعض الصالحين مات لي ولد صغير فلما دفنته رأيته بعد موته في المنام وقد شاب رأسه فقلت يا ولدي دفنتك وأنت صغير فما الذي شيبك فقال يا أبتي دفن إلى جانبي رجل ممن كان يشرب الخمر في الدنيا فزفرت جهنم لقدومه زفرة لم يبق منها طفل إلا شاب رأسه من شدة زفرتها نعوذ بالله منها ونسأل الله العفو والعافية مما يوجب العذاب في الآخرة فالواجب على العبد أن يتوب إلى الله تعالى قبل أن يدركه الموت وهو على أشر حالة فيلقى في النار نعوذ بالله منها فصل والحشيشة المصنوعة من ورق القنب حرام كالخمر يحد شاربها كما يحد شارب الخمر وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة وغير ذلك من الفساد والخمر أخبث من جهة أنها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة وكلاهما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة وقد توقف بعض العلماء المتأخرين في حدها ورأى أن أكلتها تعزر بما دون الحد حيث ظنها تغير العقل من غير طرب بمنزلة البنج ولم يجد للعلماء المتقدمين فيها كلاما وليس كذلك بل أكلتها ينشون ويشتهونها كشراب الخمر وأكثر حتى لا يصبروا عنها وتصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة إذا أكثروا منها مع ما فيها من الدياثة والتخنث وفساد المزاج والعقل وغير ذلك لكن لما كانت جامدة مطعومة ليست شرابا تنازع العلماء في نجاستها على ثلاثة أقوال في مذهب الإمام أحمد وغيره فقيل هي نجسة كالخمر المشروبة وهذا هو الاعتبار الصحيح وقيل لا لجمودها وقيل يفرق بين جامدها ومائعها وبكل حال فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله من الخمر المسكر لفظا ومعنى قال ابو موسى يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع وهو من العسل ينبذ حتى يشتد و المزر وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد قال وكان رسول الله قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه فقال كل مسكر حرام رواه مسلم وقال ما أسكر كثيره فقليله حرام ولم يفرق بين نوع ونوع لكونه مأكولا أو مشروبا على أن الخمر قد يصطنع بها يعني الخبز وهذه الحشيشة قد تذاب بالماء وتشرب والخمر يشرب ويؤكل والحشيشة تشرب وتؤكل وإنما لم يذكرها العلماء لأنها لم تكن على عهد السلف الماضي وإنما حدثت في مجيء التتار إلى بلاد الإسلام وقد قيل في وصفها شعرا فآكلها وزارعها حلالا فتلك على الشقي مصيبتان فوالله ما فرح إبليس بمثل فرحه بالحشيشة لأنه زينها للأنفس الخسيسة فاستحلوها واسترخصوها قل لمن يأكل الحشيشة جهلا عشت في أكلها بأقبح عيشه قيمة المرء جوهر فلماذا يا أخا الجهل بعته بحشيشه حكاية عن عبدالملك بن مروان أن شابا جاء إليه باكيا حزينا فقال يا أمير المؤمنين إني ارتكبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة قال وما ذنبك قال ذنبي عظيم قال وما هو فتب إلى الله تعالى فإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات قال يا أمير المؤمنين كنت أنبش القبور وكنت أرى فيها أمورا عجيبة قال وما رأيت قال يا أمير المؤمنين نبشت ليلة قبرا فرأيت صاحبه قد حول وجهه عن القبلة فخفت منه وأردت الخروج وإذا أنا بقائل يقول في القبر ألا تسأل عن الميت لماذا حول وجهه عن القبلة فقلت لماذا حول قال لأنه كان مستخفا بالصلاة هذا جزاء مثله ثم نبشت قبرا آخر فرأيت صاحبه قد حول خنزيرا وقد شد بالسلاسل والأغلال في عنقه فخفت منه وأردت الخروج وإذا بقائل يقول لي ألا تسأل عن عمله ولماذا يعذب فقلت لماذا فقال كان يشرب الخمر في الدنيا ومات من غير توبة والثالث يا أمير المؤمنين نبشت قبرا فوجدت صاحبه قد شد بالأرض بأوتار من نار وأخرج لسانه من قفاه فخفت ورجعت وأردت الخروج فنوديت ألا تسأل عن حاله لماذا ابتلي فقلت لماذا فقال كان لا يتحرز من البول وكان ينقل الحديث بين الناس فهذا جزاء مثله والرابع يا أمير المؤمنين نبشت قبرا فوجدت صاحبه قد اشتعل نارا فخفت منه وأردت الخروج فقيل ألا تسأل عنه وعن حاله فقلت وما حاله فقال كان تاركا للصلاة والخامس يا أمير المؤمنين نبشت قبرا فرأيته قد وسع على الميت مد البصر وفيه نور ساطع والميت نائم على سرير وقد أشرق نوره وعليه ثياب حسنة فأخذتني منه هيبة وأردت الخروج فقيل لي هلا تسأل عن حاله لماذا أكرم بهذا الكرامة فقلت لماذا أكرم فقيل لي لأنه كان شابا طائعا نشأ في طاعة الله عز وجل وعبادته فقال عبدالملك عند ذلك إن في هذا لعبرة للعاصين وبشارة للطائعين فالواجب على المبتلى بهذه المعائب المبادرة إلى التوبة والطاعة جعلنا الله وإياكم من الطائعين وجنبنا أفعال الفاسقين إنه جواد كريم
====
القمار
قال الله تعالى يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون والميسر هو القمار بأي نوع كان نرد أو شطرنج أو فصوص أو كعاب أو جوز أو بيض أو حصى أو غيره وهو من أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله عنه بقوله ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وداخل في قول النبي إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة وفي صحيح البخاري أن رسول الله قال من قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق فإذا كان مجرد القول يوجب الكفارة أو الصدقة فما ظنك بالفعل فصل اختلف العلماء في النرد والشطرنج إذا خليا عن رهن اتفقوا على تحريم اللعب بالنرد لما صح عن رسول الله أنه قال من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه أخرجه مسلم وقال من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله وقال ابن عمر رضي الله عنه اللعب بالنرد قمار كالدهن بودك الخنزير قال وأما الشطرنج فأكثر العلماء على تحريم اللعب بها سواء كان برهن أو بغيره أما بالرهن فهو قمار بلا خلاف وأما الكلام إذا خلا عن الرهن فهو أيضا قمار حرام عند أكثر العلماء وحكي إباحته في رواية عن الشافعي إذا كان في خلوة ولم يشغل عن واجب ولا عن صلاة في وقتها وسئل النووي رحمه الله عن اللعب بالشطرنج أحرام أم جائز فأجاب رحمه الله تعالى هو حرام عند أكثر أهل العلم وسئل أيضا رحمه الله عن لعب الشطرنج هل يجوز أم لا وهل يأثم اللاعب بها أم لا أجاب رحمه الله إن فوت به صلاة عن وقتها أو لعب بها على عوض فهو حرام وإلا فمكروه عند الشافعي وحرام عند غيره وهذا كلام النووي في فتاويه والدليل على تحريمه على قول الأكثرين في قول الله تعالى حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير إلى قوله وأن تستقسموا بالأزلام قال سفيان ووكيع بن الجراح هي الشطرنج وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الشطرنج ميسر الأعاجم ومر رضي الله عنه على قوم يلعبون بها فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون لأن يمس أحدكم جمرا حتى يطفى خير له من أن يمسسها ثم قال والله لغير هذا خلقتم وقال أيضا رضي الله عنه صاحب الشطرنج أكذب الناس يقول أحدهم قتلت وما قتل ومات وما مات وقال أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه لا يلعب بالشطرنج إلا خاطئ وقيل لإسحاق بن راهويه أترى في اللعب بالشطرنج بأس فقال البأس كله فيه فقيل له إن أهل الثغور يلعبون بها لأجل الحرب فقال هو فجور وسئل محمد بن كعب القرظي عن اللعب بالشطرنج فقال أدنى ما يكون فيها أن اللاعب بها يعرض يوم القيامة أو قال يحشر يوم القيامة مع أصحاب الباطل وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الشطرنج فقال هي أشر من النرد وتقدم الكلام عن تحريمه وسئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله عن الشطرنج فقال الشطرنج من النرد بلغنا عن ابن عباس أنه ولي مالا ليتيم فوجدها في تركة والد اليتيم فأحرقها ولو كان اللعب بها حلالا لما جاز له أن يحرقها لكونها مال اليتيم ولكن لما كان اللعب بها حراما أحرقها فتكون من جنس الخمر إذا وجد في مال اليتيم وجبت إراقته كذلك الشطرنج وهذا مذهب حبر الأمة رضي الله عنه وقيل لإبراهيم النخعي ما تقول في اللعب بالشطرنج فقال إنها ملعونة وروى أبو بكر الأثرم في جامعه عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله قال إن لله في كل يوم ثلثمائة وستين نظرة إلى خلقه ليس لصاحب الشاه فيها نصيب يعني لاعب الشطرنج لأنه يقول شاه مات وروى أبو بكر الأجري بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام النرد والشطرنج وما كان من اللهو فلا تسلموا عليهم فإنهم إذا اجتمعوا وأكبوا عليها جاءهم الشيطان بجنوده فأحدق بهم كلما ذهب واحد منهم يصرف بصره عنها لكزه الشيطان بجنوده فلا يزالون يلعبون حتى يتفرقوا كالكلاب اجتمعت على جيفة فأكلت منها حتى ملأت بطونها ثم تفرقت ولأنهم يكذبون عليها فيقولون شاه مات وروي عنه أنه قال أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب الشاه يعني صاحب الشطرنج ألا تراه يقول قتلته والله مات والله افترى وكذب على الله وقال مجاهد ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه الذين كان يجالسهم فاحتضر رجل ممن كان يلعب بالشطرنج فقيل له قل لا إله إلا الله فقال شاهك ثم مات فغلب على لسانه ما كان يعتاده حال حياته في اللعب فقال عوض كلمة الإخلاص شاهك وهذا كما جاء في إنسان آخر ممن كان يجالس شراب الخمر أنه حين حضره الموت فجاءه إنسان يلقنه الشهادة فقال له اشرب واسقني ثم مات فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهذا كما جاء في حديث مروي يموت كل إنسان على ما عاش عليه ويبعث على ما مات عليه فنسأل الله المنان بفضله أن يتوفانا مسلمين لا مبدلين ولا مغيرين ولا ضالين ولا زائغين إنه جواد كريم
=========
قذف المحصنات
قال الله تعالى إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون وقال الله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون بين الله تعالى في الآية أن من قذف امرأة محصنة حرة عفيفة عن الزنا والفاحشة أنه ملعون في الدنيا والآخرة وله عذاب عظيم وعليه في الدنيا الحد ثمانون جلدة وتسقط شهادته وإن كان عدلا وفي الصحيحين أن رسول الله قال اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات والقذف أن يقول لامرأة أجنبية حرة عفيفة مسلمة يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة أو يقول لزوجها يا زوج القحبة أو يقول لولدها يا ولد الزانية أو يا ابن القحبة أو يقول لبنتها يا بنت الزانية أو يا بنت القحبة فإن القحبة عبارة عن الزانية فإذا قال ذلك أحد من رجل أو امرأة لرجل أو لامرأة كمن قال لرجل يا زاني أو قال لصبي حر يا علق أو يا منكوح وجب عليه الحد ثمانون جلدة إلا أن يقيم بينة بذلك والبينة كما قال الله أربعة شهداء يشهدون على صدقه فيما قذف به تلك المرأة أو ذاك الرجل فإن لم يقم بينة جلد إذا طالبته بذلك التي قذفها أو إذا طالبه بذلك الذي قذفه وكذلك إذا قذف مملوكه أو جاريته بأن قال لمملوكه يا زاني أو لجاريته يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال وكثير من الجهال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبة في الدنيا والآخرة ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب فقال له معاذ بن جبل يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم وفي الحديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وقال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وقال عقبة بن عامر يا رسول الله ما النجاة قال أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك وإن أبعد الناس إلى الله القلب القاسي وقال إن أبغض الناس إلى الله الفاحش البذي الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام وقانا الله وإياكم شر ألسنتنا بمنه وكرمه إنه جواد كريم
======
الغلول من الغنيمة
وهي من بيت المال ومن الزكاة قال الله تعالى إن الله لا يحب الخائنين وقال الله تعالى وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع يخفق فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك أخرج هذا الحديث مسلم قوله على رقبته رقاع تخفق أي ثياب وقماش قوله على رقبته صامت أي من ذهب أو فضة فمن أخذ شيئا من هذه الأنواع المذكورة من الغنيمة قبل أن تقسم بين الغانمين أو من بيت المال بغير إذن الإمام أو من الزكاة التي تجمع للفقراء جاء يوم القيامة حامله على رقبته كما ذكر الله تعالى في القرآن ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ولقول النبي أدوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول بأنه عار على صاحبه يوم القيامة ولقول النبي لما استعمل ابن اللتبية على الصدقة وقدم وقال هذا لكم وهذا أهدي لي فصعد النبي المنبر وحمد الله وأثنى عليه إلى أن قال والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا جاء يوم القيامة يحمله فلا أعرف رجلا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يده فقال اللهم هل بلغت وعن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله إلى خيبر ففتح علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع الطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي يعني وادي القرى ومع رسول الله عبد وهبه له رجل من بني جذام يدعى رفاعة بن يزيد من بني الضبيب فلما نزل الوادي قام عبد رسول الله يحل رحله فرمي بسهم فكان فيه حتفه فقلنا هنيئا له بالشهادة يا رسول الله فقال رسول الله كلا والذي نفسي بيده أن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال أصبت يوم خيبر فقال رسول الله شراك أو شراكان من نار متفق عليه وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال كان على ثقل رسول الله رجل يقال له كركرة فمات فقال النبي هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها وعن زيد بن خالد الجهني أن رجلا غل في غزوة خيبر فامتنع النبي من الصلاة عليه وقال إن صاحبكم غل في سبيل الله قال ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود ما يساوي درهمين قال الإمام أحمد رحمه الله ما نعلم أن النبي امتنع من الصلاة على أحد إلا على الغال وقاتل نفسه وجاء عن النبي أنه قال هدايا العمال غلول وفي الباب أحاديث كثيرة ويأتي بعضها في باب الظلم والظلم على ثلاثة أقسام أحدها أكل المال بالباطل وثانيها ظلم العباد بالقتل والضرب والكسر والجراح وثالثها ظلم العباد بالشتم واللعن والسب والقذف وقد خطب النبي بمنى فقال ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا متفق عليه وقال لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول فنسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى إنه جواد كريم
========
السرقة
قال الله تعالى السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم قال ابن شهاب نكل الله بالقطع في سرقة أموال الناس والله عزيز في إنتقامه من السارق حكيم فيما أوجبه من قطع يده وقال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولكن التوبة معروضة وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا وفي رواية قال رسول الله لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن قيل لعائشة رضي الله عنها وما ثمن المجن قالت ربع دينار وفي رواية قال اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما دون ذلك كان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار اثني عشر درهما وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله لعن الله السارق الذي يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده قال الأعمش كانوا يرون أنه بيض الحديد والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي ثمنه ثلاثة دراهم وعن عائشة رضي الله عنها قالت كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فيها فكلم النبي فقال له النبي يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله تعالى ثم قام النبي خطيبا فقال إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها فقطع يد المخزومية وعن عبدالرحمن بن جرير قال سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق يد السارق في عنقه أمن السنة قال أتي النبي بسارق فقطع يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه قال العلماء ولا تنفع السارق توبته إلا أن يرد ما سرقه فإن كان مفلسا تحلل من صاحب المال والله أعلم
=========
قطع الطريق
قال الله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم قال الواحدي رحمه الله معنى يحاربون الله ورسوله يعصونهما ولا يطيعونهما كل من عصاك فهو محارب لك ويسعون في الأرض فسادا أي بالقتل والسرقة وأخذ الأموال وكل من أخذ السلاح على المؤمنين فهو محارب لله ورسوله وهذا قول مالك والأوزاعي والشافعي قوله تعالى أن يقتلوا إلى قوله أو ينفوا من الأرض قال الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أو أدخلت للتخيير ومعناها الإباحة إن شاء الإمام قتل وإن شاء صلب وإن شاء نفي وهذا قول الحسن وسعيد بن المسيب ومجاهد وقال في رواية عطية أو ليست للإباحة إنما هي مرتبة للحكم باختلاف الجنايات فمن قتل وأخذ المال قتل وصلب ومن أخذ المال ولم يقتل قطع ومن سفك الدماء وكف عن الأموال قتل ومن أخاف السبيل ولم يقتل نفي من الأرض وهذا مذهب الشافعي رضي الله عنه وقال الشافعي أيضا يحد كل واحد بقدر فعله فمن وجب عليه القتل والصلب قتل قبل صلبه كراهية تعذيبه ويصلب ثلاثا ثم ينزل ومن وجب عليه القتل دون الصلب قتل ودفع إلى أهله يدفنونه ومن وجب عليه القطع دون القتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت فإن عاد وسرق ثانيا قطعت رجله اليسرى فإن عاد وسرق قطعت يده اليسرى لما روي عن النبي قال في السارق إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ولأنه فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولا مخالف لهما من الصحابة ووجه كونها اليسرى اتفاق من صار إلى قطع الرجل بعد اليد على أنها اليسرى وذلك معنى قوله تعالى من خلاف وقوله تعالى أو ينفوا من الأرض قال ابن عباس هو أن يهدر الإمام دمه فيقول من لقيه فليقتله هذا فيمن يقدر عليه فأما من قبض عليه فنفيه من الأرض الحبس والسجن لأنه إذا حبس ومنع من التقلب في البلاد فقد نفي منها أنشد ابن قتيبة لبعض المسجونين شعرا خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى إذا جاءنا السجان يوما لحاجة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا قال فبمجرد قطع الطريق وإخافة السبيل قد ارتكب الكبيرة فكيف إذا أخذ المال أو جرح أو قتل فقد فعل عدة كبائر مع ما غالبهم عليه من ترك الصلاة وإنفاق ما يأخذونه في الخمر والزنا واللواطة وغير ذلك نسأل الله العافية من كل بلاء ومحنة إنه جواد كريم غفور رحيم
===========
اليمين الغموس
قال الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال الواحدي نزلت في رجلين اختصما إلى النبي في ضيعة فهم المدعي عليه أن يحلف فأنزل الله هذه الآية فنكل المدعي عليه عن اليمين وأقر للمدعي بحقه وعن عبدالله قال قال رسول الله من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله تعالى وهو عليه غضبان فقال الأشعث في والله نزلت كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي فقال ألك بينة قلت لا قال لليهودي إحلف قلت يا رسول الله إنه إذن يحلف فيذهب بمالي فأنزل الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أي عرضا يسيرا من الدنيا وهو ما يحلفون عليه كاذبين أولئك لا خلاق لهم في الآخرة أي لا نصيب لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله أي بكلام يسرهم ولا ينظر إليهم نظرا يسرهم يعني نظر الرحمة ولا يزكيهم ولا يزيدهم خيرا ولا يثني عليهم وعن عبدالله بن مسعود قال سمعت رسول الله يقول من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان قال عبدالله ثم قرأ علينا رسول الله تصديقه من كتاب الله إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى آخر الآية أخرجاه في الصحيحين وعن أبي أمامة قال كنا عند رسول الله فقال من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال رجل وإن كان يسيرا يا رسول الله قال وإن كان قضيبا من أراك أخرجه مسلم في صحيحه قال حفص بن ميسرة ما أشد هذا الحديث فقال أليس في كتاب الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية وعن أبي ذر عن النبي قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فقرأ بها رسول الله ثلاث مرات فقال أبو ذر خابوا وخسروا يا رسول الله من هم قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب وقال الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس أخرجه البخاري في صحيحه والعموس هي التي يتعمد الكذب فيها سميت غموسا لأنها تغمس الحالف في الإثم وقيل تغمسه في النار فصل ومن ذلك الحلف بغير الله عز وجل كالنبي والكعبة والملائكة والسماء والماء والحياة والأمانة وهي من أشد ما هنا والروح والرأس وحياة السلطان ونعمة السلطان وتربة فلان عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن حلف فليحلف بالله أو ليصمت وفي رواية في الصحيح فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت وعن عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم رواه مسلم الطواغي جمع طاغية وهي الأصنام ومنه الحديث هذه طاغية دوس أي صنمهم ومعبودهم وعن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله من حلف بالأمانة فليس منا رواه أبو داود وغيره وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله من حلف فقال إني بريء من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالما وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا يقول والكعبة فقال لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله يقول من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك رواه الترمذي وحسنه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهم قال وفسر بعض العلماء قوله كفر أو أشرك على التغليظ كما روي عن النبي أنه قال الرياء شرك وقال من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله وقد كان في الصحابة من هو حديث عهد بالحلف بها قبل إسلامه فربما سبق لسانه إلى الحلف بها فأمره النبي أن يبادر بقول لا إله إلا الله ليكفر بذلك ما سبق إلى لسانه وبالله التوفيق
=======
الظلم
بأكل أموال الناس وأخذها ظلما وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء قال الله تعالى ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقال تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس وقال تعالى وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وقال إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ رسول الله وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد وقال من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه وقال عن ربه تبارك وتعالى أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا وقال رسول الله أتدرون من المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج فيأتي وقد شتم هذا وأخذ مال هذا ونبش عن عرض هذا وضرب هذا وسفك دم هذا فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار وهذه الأحاديث كلها في الصحاح وتقدم حديث إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة وتقدم قوله لمعاذ حين بعثه إلى اليمن واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب وفي الصحيح من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة وفي بعض الكتب يقول الله تعالى اشتد غضبي على من ظلم من لم يجد له ناصرا غيري وأنشد بعضهم لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا فالظلم يرجع عقباه إلى الندم تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم وكان بعض السلف يقول لا تظلم الضعفاء فتكون من أشرار الأقوياء وقال أبو هريرة رضي الله عنه إن الحبارى لتموت في وكرها هزالا من ظلم الظالم وقيل مكتوب في التوراة ينادي مناد من وراء الجسر يعني الصراط يا معشر الجبابرة الطغاة ويا معشر المترفين الأشقياء إن الله يحلف بعزته وجلاله أن لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم عن جابر قال لما رجعت مهاجرة الحبشة عام الفتح إلى رسول الله قال ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة فقال فتية كانوا منهم بلى يا رسول الله بينما نحن يوما جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت المرأة على ركبتيها وانكسرت قلتها فلما قامت التفتت إليه ثم قالت سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي وجمع الله الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون سوف تعلم من أمري وأمرك عنده غدا قال فقال رسول الله صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم إذا ما الظلوم استوطأ الظلم مركبا ولج عتوا في قبيح اكتسابه فكله إلى صرف الزمان وعدله سيبدو له ما لم يكن في حسابه وروي عن النبي أنه قال خمسة غضب الله عليهم إن شاء أمضى غضبه عليهم في الدنيا وإلا أمر بهم في الآخرة إلى النار أمير قوم يأخذ حقه من رعيته ولا ينصفهم من نفسه ولا يدفع الظلم عنهم وزعيم قوم يطيعونه ولا يساوي بين القوي والضعيف ويتكلم بالهوى ورجل لا يأمر أهله وولده بطاعة الله ولا يعلمهم أمر دينهم ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه العمل ولم يوفه أجرته ورجل ظلم امرأة صداقها وعن عبدالله بن سلام قال إن الله تعالى لما خلق الخلق واستووا على أقدامهم رفعوا رؤوسهم إلى السماء وقالوا يا رب مع من أنت قال مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه وعن وهب بن منبه قال بنى جبار من الجبابرة قصرا وشيده فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخا تأوي إليه فركب الجبار يوما وطاف حول القصر فرأى الكوخ فقال لمن هذا فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به فهدم فجاءت العجوز فرأته مهدوما فقالت من هدمه فقيل الملك رآه فهدمه فرفعت العجوز رأسها إلى السماء وقالت يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت أنت قال فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من فيه فقلبه وقيل لما حبس خالد بن برمك وولده قال يا أبتي بعد العز صرنا في القيد والحبس فقال يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها وكان يزيد بن حكيم يقول ما هبت أحدا قط هيبتي رجلا ظلمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله يقول لي حسبي الله الله بيني وبينك وحبس الرشيد أبا العتاهية الشاعر فكتب إليه من السجن هذين البيتين شعرا أما والله إن الظلم شوم وما زال المسيء هو المظلوم ستعلم يا ظلوم إذا التقينا غدا عند المليك من الملوم وعن أبي أمامة قال يجيء الظالم يوم القيامة حتى إذا كان على جسر جهنم لقيه المظلوم وعرفه ما ظلمه به فما يبرح الذين ظلموا بالذين ظلموا حتى ينزعوا ما بأيدهم من الحسنات فإن لم يجدوا لهم حسنات حملوا عليهم من سيئاتهم مثل ما ظلموهم حتى يردوا إلى الدرك الأسفل من النار وعن عبدالله بن أنيس قال سمعت رسول الله يقول يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غزلا بهما فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة أو أحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة أن أقصه حتى اللطمة فما فوقها ولا يظلم ربك أحدا قلنا يا رسول الله كيف وإنما نأتي حفاة عراة فقال بالحسنات والسيئات جزاء ولا يظلم ربك أحدا وجاء عن النبي أنه قال من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة ومما ذكر أن كسرى اتخذ مؤدبا لولده يعلمه ويؤدبه حتى إذا بلغ الولد الغاية في الفضل والأدب استحضره المؤدب يوما وضربه ضربا شديدا من غير جرم ولا سبب فحقد الولد على المعلم إلى أن كبر ومات أبوه فتولى الملك بعده فاستحضر المعلم وقال له ما حملك على أن ضربتني في يوم كذا وكذا ضربا وجيعا من غير جرم ولا سبب فقال المعلم اعلم أيها الملك أنك لما بلغت الغاية في الفضل والأدب علمت أنك تنال الملك بعد أبيك فأردت أن أذيقك ألم الضرب وألم الظلم حتى لا تظلم أحدا فقال جزاك الله خيرا ثم أمر له بجائزة وصرفه ومن الظلم أخذ مال اليتيم وتقدم حديث معاذ بن جبل حين قال له رسول الله واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب وفي رواية إن دعاء المظلوم يرفع فوق الغمام ويقول الرب تبارك وتعالى وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين وأنشدوا شعرا توق دعا المظلوم إن دعاءه ليرفع فوق السحب ثم يجاب توق دعا من ليس بين دعائه وبين إله العالمين حجاب ولا تحسبن الله مطرحا له ولا أنه يخفى عليه خطاب فقد صح أن الله قال وعزتي لأنصر المظلوم وهو مثاب فمن لم يصدق ذا الحديث فإنه جهول وإلا عقله فمصاب فصل ومن أعظم الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله قال مطل الغني ظلم وفي رواية لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته أي يحل شكايته وحبسه فصل ومن الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها ونفقتها وكسوتها وهو داخل في قوله لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة فينادى به على رؤوس الخلائق هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت إلى حقه قال فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها ثم قرأ فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون قال فيغفر الله من حقه ما شاء ولا يغفر من حقوق الناس شيئا فينصب العبد للناس ثم يقول الله تعالى لأصحاب الحقوق ائتوا إلى حقوقكم قال فيقول الله تعالى للملائكة خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر طلبته فإن كان وليا لله وفضل له مثقال ذرة ضاعفها الله تعالى له حتى يدخله الجنة بها وإن كان عبدا شقيا ولم يفضل له شيء فتقول الملائكة ربنا فنيت حسناته وبقي طالبوه فيقول الله خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ثم صك له صكا إلى النار ويؤيد ذلك ما تقدم من قول النبي أتدرون من المفلس فذكر أن المفلس من أمته من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار فصل ومن الظلم أن يستأجر أجيرا أو إنسانا في عمل ولا يعطيه أجرته لما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله قال يقول الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجرته وكذلك إذا ظلم يهوديا أونصرانيا أو نقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فهو داخل في قوله تعالى أنا حجيجه أو قال أنا خصمه يوم القيامة ومن ذلك أن يحلف على دين في ذمته كاذبا فاجرا لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله قال من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة قيل يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا قال وإن قضيبا من أراك فخف القصاص غدا إذا وفيت ما كسبت يداك اليوم بالقسطاس في موقف ما فيه إلا شاخص أو مهطع أو مقنع للراس أعضاؤهم فيه الشهود وسجنهم نار وحاكمهم شديد البأس إن تمطل اليوم الحقوق مع الغنى فغدا تؤديها مع الإفلاس وقد روي أنه لا أكره للعبد يوم القيامة من أن يرى من يعرفه خشية أن يطالبه بمظلمة ظلمه بها في الدنيا كما قال النبي لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء وقال من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلل منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ثم طرح في النار وروى عبدالله بن أبي الدنيا بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله قال أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته والله ما يتكلم لسانها ولكن يداها ورجلاها يشهدان عليها بما كانت تعنت لزوجها في الدنيا ويشهد على الرجل يده ورجله بما كان يولي زوجته من خير أو شر ثم يدعى بالرجل وخدمه مثل ذلك فما يؤخذ منهم دوانيق ولا قراريط ولكن حسنات هذا الظالم تدفع إلى هذا المظلوم وسيئات هذا المظلوم تحمل على هذا الظالم ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد فيقال سوقوهم إلى النار وكان شريح القاضي يقول سيعلم الظالمون حتى من انتقصوا أن الظالم ينتظر العقاب والمظلوم ينتظر النصر والثواب وروي أنه إذا أراد الله بعبده خيرا سلط الله عليه من يظلمه ودخل طاوس اليماني على هشام بن عبدالملك فقال له اتق الله يوم الأذان قال هشام وما يوم الأذان قال قال الله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين فصعق هشام فقال طاوس هذا ذل ذا الصفة فكيف بذل المعاينة يا راضيا باسم الظالم كم عليك من المظالم السجن جهنم والحق الحاكم فصل في الحذر من الدخول على الظلمة ومخالطتهم ومعونتهم قال الله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار والركون ههنا السكون إلى الشيء والميل إليه بالمحبة قال ابن عباس رضي الله عنهما لا تميلوا كل الميل في المحبة ولين الكلام والمودة وقال السدي وابن زيد لا تداهنوا الظلمة وقال عكرمة هو أن يطيعهم ويودهم وقال أبو العالية لا ترضوا بأعمالهم فتمسكم النار فيصيبكم لفحها وما لكم من دون الله من أولياء وقال ابن عباس رضي الله عنهما ما لكم من مانع يمنعكم من عذاب الله ثم لا تنصرون لا تمنعون من عذابه وقال الله تعالى احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أي أشباههم وأمثالهم وأتباعهم وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله سيكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون ويكذبون فمن دخل عليهم وصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وعنه رضي الله عنه عن النبي من أعان ظالما سلط عليه وقال سعيد بن المسيب رحمه الله لا تملأوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة وقال مكحول الدمشقي ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة وأعوانهم فما يبقى أحد مد لهم حبرا أو حبر لهم دواة أو بري لهم قلما فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم وجاء رجل خياط إلى سفيان الثوري فقال إني رجل أخيط ثياب السلطان هل أنا من أعوان الظلمة فقال سفيان بل أنت من الظلمة أنفسهم ولكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة والخيوط وقد روي عن النبي أنه قال أول من يدخل النار يوم القيامة السواطون الذين يكون معهم الأسواط يضربون بها الناس بين يدي الظلمة وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال الجلاوزة والشرط كلاب النار يوم القيامة الجلاوزة أعوان الظلمة وقد روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن مر بني إسرائيل أن لا يتلوا من ذكري فإني أذكر من ذكرني وأن ذكري إياهم أن ألعنهم وفي رواية فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة وجاء عن النبي أنه قال لا يقف أحدكم في موقف يضرب فيه رجل مظلوم فإن اللعنة تنزل على من حضر ذلك المكان إذا لم يدفعوا عنه وروي عن رسول الله أنه قال أتي رجل في قبره فقيل له إنا ضاربوك مائة ضربة فلم يزل يتشفع إليهم حتى صاروا إلى ضربة واحدة فضربوه فالتهب القبر عليه نارا فقال لم ضربتموني هذه الضربة فقالوا إنك صليت صلاة بغير طهور ومررت برجل مظلوم فلم تنصره فهذا حال من لم ينصر المظلوم مع القدرة على نصره فكيف حال الظالم وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما قال تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره ومما حكي قال بعض العارفين رأيت في المنام رجلا ممن يخدم الظلمة والمكاسين بعد موته بمدة في حالة قبيحة فقلت له ما حالك قال شر حال فقلت إلى أين صرت قال إلى عذاب الله قلت فما حال الظلمة عنده قال شر حال أما سمعت قول الله عز وجل وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ومما حكي قال بعضهم رأيت رجلا مقطوع اليد من الكتف وهو ينادي من رآني فلا يظلمن أحدا فتقدمت إليه فقلت له يا أخي ما قصتك قال يا أخي قصة عجيبة وذلك أني كنت من أعوان الظلمة فرأيت يوما صيادا وقد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني فجئت إليه فقلت أعطني هذه السمكة فقال لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتا لعيالي فضربته وأخذتها منه قهرا ومضيت بها قال فبينا أنا أمشي بها حاملها إذ عضت على إبهامي عضة قوية فلما جئت بها إلى بيتي وألقيتها من يدي ضربت على إبهامي وآلمتني ألما شديدا حتى لم أنم من شدة الوجه والألم وورمت يدي فلما أصبحت أتيت الطبيب وشكوت إليه الألم فقال هذه بدء الآكلة أقطعها وإلا تقطع يدك فقطعت إبهامي ثم ضربت على يدي فلم أطق النوم ولا القرار من شدة الألم فقيل لي إقطع كفك فقطعته وانتشر الألم إلى الساعد وآلمني ألما شديدا ولم أطق القرار وجعلت أستغيث من شدة الألم فقيل لي اقطعها إلى المرفق فقطعتها فانتشر الألم إلى العضد وضربت على عضدي أشد من الألم الأول فقيل اقطع يدك من كتفك وإلا سرى إلى جسدك كله فقطعتها فقال لي بعض الناس ما سبب ألمك فذكرت قصة السمكة فقال لي لو كنت رجعت في أول ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة واستحللت منه وأرضيته لما قطعت من أعضائك عضوا فاذهب الآن إليه واطلب رضاه قبل أن يصل الألم إلى بدنك قال فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته فوقعت على رجليه أقبلها وأبكي وقلت له يا سيدي سألتك بالله ألا عفوت عني فقال لي ومن أنت قلت أنا الذي أخذت منك السمكة غصبا وذكرت ما جرى وأريته يدي فبكى حين رآها ثم قال يا أخي قد أحللتك منها لما قد رأيته بك من هذا البلاء فقلت يا سيدي بالله هل كنت قد دعوت علي لما أخذتها قال نعم قلت اللهم إن هذا تقوى علي بقوته على ضعفي على ما رزقتني ظلما فأرني قدرتك فيه فقلت يا سيدي قد أراك الله قدرته في وأنا تائب إلى الله عز وجل عما كنت عليه من خدمة الظلمة ولا عدت أقف لهم على باب ولا أكون من أعوانهم ما دمت حيا إن شاء الله وبالله التوفيق موعظة إخواني كم أخرج الموت نفسا من دارها لم يدارها وكم أنزل أجسادا بجارها لم يجارها وكم أجرى العيون كالعيون بعد قرارها شعر يا معرضا بوصال عيش ناعم ستصد عنه طائعا أو كارها إن الحوادث تزعج الأحرار عن أوطانها والطير عن أوكارها أين من ملك المغارب والمشارق وعمر النواحي وغرس الحدائق ونال الأماني وركب العواتق صاح به من داره غراب بين ناعق وطرقه في لهوه أقطع طارق وزجرت عليه رعود وصواعق وحل به ما شيب بعض المفارق وقلاه الحبيب الذي لم يفارق وهجره الصديق والرفيق الصادق ونقل من جوار المخلوقين إلى جوار الخالق نازله والله الموت فلم يحاشه وأذله بالقهر بعد عز جاشه وأبدله خشن التراب بعد لين فراشه ومزقه الدود في قبره كتمزيق قماشه وبقي في ضنك شديد من معاشه وبعد عن الصديق فكأنه لم يماشه ما نفعه والله الاحتراز ولا ردت عنه الركاز بل ضره من الزاد الإعواز وصار والله عبرة للمجتاز وقطع شاسعا من السبل الأوفاز وبقي رهينا لا يدري أهلك أم فاز وهذا لك بعد أيام وما أنت فيه الآن أحلام ودنياك لا تصلح وما سمعت ستراه غدا على التمام ويقع لي ولك ويحك أما يؤثر فيك هذا الكلام

المكاس

وهو داخل في قول الله تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم والمكاس من أكبر أعوان الظلمة بل هو من الظلمة أنفسهم فإنه يأخذ ما لا يستحق ويعطيه لمن لا يستحق ولهذا قال النبي المكاس لا يدخل الجنة وقال لا يدخل الجنة صاحب مكس رواه أبو داود وما ذاك إلا لأنه يتقلد مظالم العباد ومن أين للمكاس يوم القيامة أن يؤدي للناس ما أخذ منهم إنما يأخذون من حسناته إن كان له حسنات وهو داخل في قول النبي أتدرون من المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال إن المفلس من أمتي من يأتي بصلاة وزكاة وصيام وحج ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار وفي حديث المرأة التي طهرت نفسها بالرجم لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له أو لقبلت منه والمكاس من فيه شبه من قاطع الطريق وهو من اللصوص وجابي المكس وكاتبه وشاهده وآخذه من جندي وشيخ وصاحب رواية شركاء في الوزر آكلون للسحت والحرام وصح أن رسول الله قال لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت النار أولى به والسحت كل حرام قبيح الذكر يلزم منه العار وذكره الواحدي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى قل لا يستوي الخبيث والطيب وعن جابر أن رجلا قال يا رسول الله إن الخمر كانت تجارتي وإني جمعت من بيعها مالا فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله تعالى فقال رسول الله إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة إن الله لا يقبل إلا الطيب فأنزل الله تعالى تصديقا لقول رسول الله قل لايستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث قال عطاء والحسن الحلال والحرام فنسأل الله العفو والعافية موعظة أين من حصن الحصون المشيدة واحترس وعمر الحدائق فبالغ وغرس ونصب لنفسه سرير العز وجلس وبلغ المنتهى ورأى الملتمس وظن في نفسه البقاء ولكن خاب الظن في النفس أزعجه والله هازم اللذات واختلس ونازله بالقهر فأنزله عن الفرس ووجه به إلى دار البلاء فانطمس وتركه في ظلام ظلمة من الجهل والدنس فالعاقل من أباد أيامه فإن العواقب في خلس ينظر تبني وتجمع والآثار تندرس وتأمل اللبث والأعمار تختلس ذا اللب فكر فما في العيش من طمع لا بد ما ينتهي أمر وينعكس أين الملوك وأبناء الملوك ومن كانوا إذا الناس قاموا هيبة جلسوا ومن سيوفهم في كل معترك تخشى ودونهم الحجاب والحرس أضحكوا بمهلكة في وسط معركة صرعى وصاروا ببطن الأرض وانطمسوا وعمهم حدث وضمهم جدث باتوافهم جثث في الرمس قد حبسوا كأنهم قط ما كانوا وما خلقوا ومات ذكرهم بين الورى ونسوا والله لو عاينت عيناك ما صنعت أيدي البلا بهم والدود يفترس لعاينت منظرا تشجى القلوب له وأبصرت منكرا من دونه البلس من أوجه ناضرات حار ناظرها في رونق الحسن منها كيف ينطمس وأعظم باليات ما بها رمق وليس تبقى لهذا وهي تنتهس وألسن ناطقات زانها أدب ما شأنها شأنها بالآفة الخرس حتام ياذا النهي لا ترعوى سفها ودمع عينيك لا يهمي وينبجس موعظة يا من يرحل في كل يوم مرحلة وكتابه قد حوى حتى الخردلة ما ينتفع بالنذير والنذر متصلة ولا يصغي إلى ناصح وقد عذله ودروعه مخرقة والسهام مرسله ونور الهدى قد بدا ولكن ما رآه ولا تأمله وهو يؤمل البقا ويرى مصير من قد أمله قد انعكف بعد الشيب على العيب بصبابة ووله كن كيف شئت فبين يديك الحساب والزلزلة ونعم جلدك فلا بد للديدان أن تأكله فيا عجبا من فتور مؤمن موقن بالجزاء والمسألة استيقن من غرور وبله ويحك يا هذا من استدعاك وفتح منزله فقد أولاك لو علمت منزله فبادر ما بقي من عمرك واستدرك أوله فبقية عمر المؤمن جوهرة قيمة==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجلد ثالث الكبائر للهيثمي 241 ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ

  مجلد ثالث الكبائر للهيثمي 241 ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ 241 ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالت...