Translate

الأحد، 17 أبريل 2022

حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل سيف

 


حياة ابن تيمية العلمية أ.  د.  عبدالله بن مبارك آل سيف

بسم الله الرحمن الرحيم

 وفيه مطالب:

المطلب الأول:  ترجمة مختصرة لابن تيمية:

وفيه مسائل:

المسألة الأولى:   اسمه ونسبه:

هو شيخ الإسلام،  العلم الهمام،  المجتهد المطلق،  سيد الحفاظ،  وفارس المعاني والألفاظ،  فريد العصر،  ونادرة الدهر،  علامة الزمان،  وترجمان القرآن،  محيي السنة،  وقامع البدعة:  أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية،  الحراني مولداً،  الدمشقي منشأً،  النميري نسباً ،  الحنبلي مذهباً،  ثم المجتهد المطلق،  المجدد في الأصول والفروع ،  كنيته أبو العباس،  ويلقب بتقي الدين.

المسألة الثانية:  مولده ونشأته:

ولد بحران ،  يوم الإثنين العاشر من ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة (661هـ).  

ونشأ في بيت علم وصلاح وورع،  فأبوه إمام الحنابلة في عصره،  وجده أبو البركات من أكابر العلماء،  إليه المنتهى في مذهب الحنابلة في عصره وبعد عصره.

وقد نشأ على التقوى منذ نعومة أظفاره،  فعرف عنه الورع والتقوى والنباهة في صباه،  وله في ذلك قصص مشهورة.  

قال البزار:  أما زهده في الدنيا ومتاعها.  فإن الله تعالى جعل ذلك له شعاراً من صغره،   حدثني من أثق به عن شيخه الذي علمه القرآن المجيد قال: قال لي أبوه وهو صبي يعني الشيخ:  أحب إليك أن توصيه،  وتعده بأنك إن لم تنقطع عن القراءة والتلقين أدفع إليك كل شهر أربعين درهما، قال ودفع إلي أربعين درهما،  وقال:  أعطه إياها فإنه صغير،  وربما يفرح بها فيزداد حرصه في الاشتغال بحفظ القرآن ودرسه،  وقل له:  لك في كل شهر مثلها فامتنع من قبولها،  وقال يا سيدي إني عاهدت الله تعالى أن لا آخذ على القرآن أجرا ولم يأخذها، فرأيت أن هذا لا يقع من صبي إلا لما لله فيه من العناية قلت وصدق شيخه أ. هـ.

ومن ذلك:  أنه أسلم على يديه يهودي في صباه.

قال البزار:  أخبرني من  أثق به عمن حدثه: أن الشيخ رضي الله عنه في حال صغره كان إذا أراد المضي إلى المكتب يعترضه يهودي كان منزله بطريقه بمسائل يسأله عنها لما كان يلوح عليه من الذكاء والفطنة وكان يجيبه عنها سريعا حتى تعجب منه ثم إنه صار كلما اجتاز به يخبره بأشياء مما يدل على بطلان ما هو عليه،  فلم يلبث أن أسلم وحسن إسلامه وكان ذلك ببركة الشيخ على صغر سنه. هـ

وقد مكث بحران السبع السنين الأولى من عمره،  ثم ذهبت أسرته إلى دمشق سنة (667هـ)،  واستقر في دمشق ولعلها كانت خيراً له،  إذ كانت دمشق (عاصمة بني أمية في عصرهم) موطن العلماء،  ومقر العلوم،  وفيها من الحركة العلمية ما أفاد ابن تيمية - رحمه الله - في طلبه للعلم منذ صباه.

ولم يزل منذ أيام صغره مستغرق الأوقات في الجد والاجتهاد. وختم القرآن صغيراً،  ثم اشتغل بالعلوم فأتقنها،  وبرع فيها،  وفاق الأقران،  وبهر العلماء في حفظ خارق،  وذكاء باهر،  وحضور بديهة،  وحجة باهرة مع تدين وإخلاص،  وزهد وعبادة،  رحمه الله.

ولا عجب أن  يكون ابن تيمية بهذا القدر من الشغف من العلم،  فقد كانت أسرته أسرة علم وإمامة في الدين،  حتى ألف الذهبي كتابه "التيمية في آل تيمية".

المسألة الثالثة:  طلبه للعلم:

طلب العلم صغيراً،  فحفظ القرآن في صباه،  وسمع الحديث وهو في سن السابعة من الشيخ ابن عبدالدائم  سنة 667هـ. 

ولازم الشيوخ وسمع منهم حتى زاد عددهم عن مائتي شيخ،  وسمع المسند مرات والكتب الستة ومعجم الطبراني الكبير،  وعني بالحديث حتى برز فيه،  وتعلم الخط والحساب في المكتب في صغره،  وأقبل على الفقه،  وأتقن العربية.  قرأ كتاب سيبويه في بضعة أيام،  وفهمه واستدرك عليه،  وعني بالتفسير عناية فائقة،  وهذا كله وهو ابن بضع عشرة سنة،  فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه،  وسيلان ذهنه،  وقوة حافظته،  وسرعة إدراكه.  

وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره،  ويناظر ويفحم الكبار،  ويأتي بما يتحير فيه أعيان البلد،  وأفتى وله تسع عشرة سنة بعد أن أذن له شيوخه بالإفتاء،  وشرع في ذلك الوقت في التأليف،  ودرس بمدرسة دار الحديث،  وله إحدى وعشرون سنة بعد موت والده.

والملاحظ لطلبه للعلم يجد عدداً من الملامح في مراحله التعليمية:

تعليم مبكر منذ صباه،  حيث شرع في السماع في سن السابعة.

إلمام مبكر بعلوم العصر،  وهو ابن بضع عشرة سنة.

انبهار علماء عصره بهذا النبوغ المبكر في صباه وفي مراهقته.

بداية مبكرة في الإفتاء وهو في سن السابعة عشرة سنة 677هـ.

بداية مبكرة في التأليف في سن التاسعة عشرة.

تولي التدريس في سن مبكرة من عمره،  وكان له درس في الجامع يحضره الكبار وهو ابن إحدى وعشرين سنة،  وكان ذلك سنة 681هـ.

ناظر واستدل وهو دون البلوغ.

المسألة الرابعة:  صفاته الخِلْقية:

كان - رحمه الله - أبيض،  أسود الرأس واللحية،  قليل الشيب،  شعره إلى شحمة أذنيه،  كأن عينيه لسانان ناطقان،  رَبْعة من الرجال،  بعيد ما بين المنكبين،  جهوري الصوت فصيحاً،  سريع القراءة،  تعتريه حدة،  ثم يقهرها بصفح وحلم.

المسألة الخامسة:  صفاته الخُلُقية وعبادته:

أما زهده فهو مضرب المثل،  فقد كان أوحد عصره في الزهد،  وصفه بذلك غير واحد.

قال العلامة اليماني:  وأما الزهد في الدنيا ورفض زخرفها فإليه الغاية،  وعنده يوجد في هذا الشأن النهاية،  أجمع من شاهد معارفه،  وتحقق عوارفه:  أنه نسيج وحده،  وفريد وقته في علمه ومجده ا. هـ.  

قال تلميذه البزار:  لم يسمع أنه رغب في زوجة حسناء،  ولا سرية حوراء،  ولا دار قوراء،  ولا جوار،  ولا بساتين ولا عقار،  ولا شد على دينار ولا درهم،  ولا رغب في دواب ولا نعم،  ولا ثياب ناعمة فاخرة ولا حشم،  ولا زاحم في طلب الرياسات،  ولا رؤي ساعياً في تحصيل المباحات،  مع أن الملوك والأمراء،  والتجار والكبار كانوا طوع أمره،  خاضعين لقوله وفعله،  وادِّين أن يتقربوا إلى قلبه مهما أمكنهم،  مظهرين لإجلاله،  أو أن يؤهل كلاً منهم في بذل ماله ا. هـ.  

2- وأما تواضعه فقال البزار:  فما رأيت ولا سمعت بأحد من أهل عصره مثله في ذلك،  كان يتواضع للكبير والصغير،  والجليل والحقير،  والغني والصالح والفقير،  وكان يدني الفقير الصالح ويكرمه ويؤنسه ويباسطه بحديثه المستحلى زيادة على مثله من الأغنياء،  حتى إنه ربما خدمه بنفسه،  وأعانه بحمل حاجته،  جبراً لقلبه،  وتقرباً بذلك إلى ربه. أ. هـ.  

3- وأما عبادته فله في ذلك اليد الطولى والقدح المعلى،  من صلاة وجهاد،  وأخباره في ذلك كثيرة مشهورة.   

4- وأما الكرم فقد أبلغ مترجموه في الثناء عليه به حتى عد به أكرم أهل عصره.

قال الذهبي:  هذا مع ما كان عليه من الكرم الذي لم أشاهد مثله قط ا. هـ.

وقال العمري:  وكان يجيئه من المال في كل سنة ما لا يكاد يحصى،  فينفقه جميعاً آلافاً ومئين،  لا يلمس منه درهماً بيده،  ولا ينفقه في حاجة له ا. هـ.   

وقال الصفدي:  هذا إلى كرم يضحك البرق من غمائمه،  وجود ما يصلح حاتم أن يكون في فص خاتمه ا. هـ. 

وعقد له البزار فصلاً في كرمه وجوده. 

5- وأما الشجاعة فقد وصفه الذهبي بالشجاعة المفرطة التي يضرب بها المثل.

وقال ابن الوردي:  شجاعته تضرب الأمثال،  وببعضها يتشبه أكابر الأبطال ا. هـ.

وقال الصفدي:  وشجاعة يفرقها قسورة،  وإقدام يتأخر عنه عنترة،  دخل على محمود غازان وكلمه كلاماً غليظاً بقوة،  وأسمعه مقالاً لا تحتمله الأبوة من البنوة ا. هـ.

وشارك في المعارك فرأى الناس منه ما لم يسمع إلا عن صناديد الرجال وأبطال اللقاء. 

وقصة دخوله على غازان الظالم الجبار مشهورة معروفة،  ومما ورد فيها أنه طلب منه الدعاء فأخذ ابن تيمية يدعو ودعا عليه إن كان ظالماً. قال الراوي:  ونحن نجمع ثيابنا خوفاً أن يقتل فيطرطش دمه ا. هـ.

ولا يفعل ذلك إلا أعظم الشجعان ولذا عد الشهيد في مثل هذه الحال أعظم الشهداء،  وجهاده أعظم الجهاد.

6- وأما صبره في ذات الله،  فقد أوذي في ذات الله من الملوك والأمراء والسلاطين والعلماء والعامة وغيرهم،  وهو صابر محتسب،  لا يثنيه عن دينه شيء حتى توفي رحمه الله وهو في السجن،  فخرجوا به من السجن إلى القبر،  وخرجت دمشق عن بكرة أبيها لتشهد جنازة الإمام السجين الصابر المحتسب.

وقد أدخل رحمه الله السجن سبع مرات،  وضرب وأوذي،  وتكلم الحساد في عرضه،  واتهموه في دينه وعقيدته. وقد أوذي معه أقاربه وتلاميذه.

المسألة السادسة:  شيوخه:

بلغ شيوخه أكثر من مائتي شيخ في سائر الفنون.   منهم والده عبد الحليم،  وابن عبدالدايم،  وابن أبي عمر وغيرهم.

المسألة السابعة:  تلاميذه.

وقد انتفع به خلق كثير،  ومن أشهر تلامذته:  العلامة ابن القيم والذهبي وابن كثير وابن عبد الهادي والبزار وابن مفلح وابن رجب وابن رشيق المالكي والصفدي،  وحسبك بهؤلاء النجوم الأفذاذ علماً واطلاعاً،  وتصنيفاً وشهرة.

المسألة الثامنة:  المؤلفات عن ابن تيمية:

ويمكن تقسيمها إلى قسمين:  الأول:  كتب مستقلة في الترجمة لابن تيمية،  والثاني:  ترجمة حافلة ضمن كتب التراجم.  

القسم الأول:

ومنها:

العقود الدرية لابن عبد الهادي (ت744).

التيمية في آل تيمية للذهبي (ت748).

الأعلام العلية للبزار (ت749).

أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية لابن رشيق المالكي (ت 749).

الحمية الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية،  للحافظ يوسف السرمري (ت776)،  مطبوع قديماً.

مناقب ابن تيمية للحسن بن عمر الدمشقي (ت779).

الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي (ت 842 ).

القول الجلي في ترجمة ابن تيمية الحنبلي،  لمحمد بن محمد بن الطيب التافلاني المغربي (ت1191).

الكواكب الدرية للشيخ مرعي الحنبلي (ت1033 ).

رسالة في مناقب ابن تيمية والدفاع عنه،  لولي الله الدهلوي (ت1176).

القول الجلي في ترجمة ابن تيمية الحنبلي لصفي الدين البخاري (ت1200).

جلاء العينين في محاكمة الأحمدين للألوسي (ت1317).

وهناك كتب كثيرة معاصرة،  منها المتخصص في جزء من علوم ابن تيمية وشخصيته،  ومنها العام في حياته عموماً ([1]).

القسم الثاني:

كتب حافلة بترجمة واسعة لابن تيمية،  أو ترجمة مختصرة،  وهذه كثيرة جداً ([2]).

المسألة التاسعة:  وفاته:

توفي - رحمه الله - سنة 728هـ في شهر ذي القعدة،  وهو في السجن صابراً محتسباً،  راضياً بقضاء الله،  مشتغلاً في السجن بطاعة الله والذكر،  وقراءة القرآن،  وكان قد منع من الكتابة والتأليف فعكف على القرآن وختم ثمانين ختمة.

ولما عُلِم بموته أقبل الناس في هلع وحزن عليه،  وعطلت الأسواق والمعايش،  وحضر الأمراء والرؤساء والعلماء والفقهاء والأتراك والأجناد والرجال والنساء والصبيان من الخواص والعوام،  ولم يتخلف منهم إلا ثلاثة كما قال البزار. وحزر من شهد جنازته بخمسمائة ألف،  وقيل مائتا ألف،  وقيل ستون ألفاً،  وقال العارفون بالتاريخ:  لم يسمع في جنازة بمثل هذا الجمع إلا جنازة الإمام أحمد بن حنبل،  هذا غير من صلى عليه صلاة الغائب في القرى والأمصار.

قال البزار:  وما وصل خبر موته إلى بلد فيما نعلم إلا وصلي عليه في جميع جوامعه ومجامعه،  خصوصاً أرض مصر والشام والعراق وتبريز والبصرة وقراها وغيرها ا. هـ. 

المطلب الثاني:  مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:  

وقد أثنى عليه جمع غفير من العلماء،  ونقتطف هنا من عيون مدائحهم،  وجميل ثنائهم ما يبين جلالة قدر هذا الإمام،  وعظيم فضله، وبعضهم من شيوخه:  

الشيخ تاج الدين الفزاري (ت 690).

قال الذهبي:  وكان الشيخ تاج الدين الفزاري يبالغ في تعظيم الشيخ تقي الدين،  بحيث إنه علق بخطه درسه بالسكرية ا. هـ. 

وكان عمر ابن تيمية حينذاك إحدى وعشرين سنة.

قاضي القضاة شهاب الدين الخويي  (ت 693) حيث قال:  أنا على اعتقاد الشيخ تقي الدين،  فعوتب في ذلك فقال:  لأن ذهنه صحيح،  ومواده كثيرة،  فهو لا يقول إلا الصحيح ا. هـ.

وهذا من عجيب صنع الله بهذا الإمام أن صار قدوة للعلماء في عصره حتى في قضايا الاعتقاد،  فشابه بذلك الإمام أحمد في الإمامة في السنة والاعتقاد.  

الشيخ شرف الدين المقدسي (ت694) حيث قال:  أنا أرجو بركته ودعاءه،  وهو صاحبي وأخي ا. هـ.  

الإمام العلامة القاضي ابن دقيق العيد (ت702هـ) حيث قال:  لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً كل العلوم بين عينيه،  يأخذ ما يريد ويدع ما يريد ا. هـ.. 

الشيخ إبراهيم الرقي (ت 703) حيث قال:  الشيخ تقي الدين يؤخذ عنه ويقلد في العلوم،  فإن طال عمره ملأ الأرض علماً وهو على الحق،  ولابد أن يعاديه الناس فإنه وارث علم النبوة ا. هـ.   

أحمد بن إبراهيم الواسطي المعروف بابن شيخ الحزاميين (ت711) - وكان أسن منه – حيث قال في وصفه:  … وغيرهم من اللائذين بحضرة شيخهم وشيخنا السيد الإمام،  الأمة الهمام،  محيي السنة،  وقامع البدعة،  ناصر الحديث،  مفتي الفرق،  الفائق عن الحقائق،  وموصلها بالأصول الشرعية للطالب الذائق،  الجامع بين الظاهر والباطن،  فهو يقضي بالحق ظاهراً،  وقلبه في العلى قاطن،  أنموذج الخلفاء الراشدين،  والأئمة المهديين،  الذين غابت عن القلوب سيرهم،  ونسيت الأمة حذوهم وسبلهم،  فذكرهم بها الشيخ فكان في دارس نهجهم سالكاً،  ولموات حذوهم محيياً،  ولأعنة قواعدهم مالكاً:  الشيخ تقي الدين أبو العباس… ثم اعرفوا - يا إخواني - حق ما أنعم الله به عليكم من قيامكم بذلك،  واعرفوا طريقكم إلى ذلك،  واشكروا الله تعالى عليها،  وهو أن أقام لكم ولنا في هذا العصر مثل سيدنا الشيخ الذي فتح الله به أقفال القلوب وكشف به عن البصائر عمى الشبهات وحيرة الضلالات،  حيث تاه العقل بين هذه الفرق،  ولم يهتد إلى حقيقة دين الرسول – صلى الله عليه وسلم – ا. هـ.. 

وقال أيضاً:  قد شارف مقام الأئمة الكبار،  ويناسب قيامه في بعض الأمور قيام الصديقين ا. هـ.. 

صدر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر المعروف بابن الوكيل،  شيخ الشافعية في زمانه (ت716) وكان ينصب العداوة لابن تيمية ويناظره في المحافل،  ومع ذلك أبى الله إلا أن ينطقه بالثناء على الشيخ،  فقد ذكر ابن كثير أنه كان يعترف لابن تيمية بالعلوم الباهرة ويثني عليه. 

الإمام القدوة أبو عبد الله محمد بن قوام (ت718) يحكى عنه أنه قال:  ما أسلمت معارفنا إلا على يد ابن تيمية ا. هـ.

قاضي المالكية ابن مخلوف (ت718) العدو اللدود لابن تيمية والذي سعى في حبسه،  فقد أبى الله إلا أن ينطقه بالثناء على الشيخ حيث قال:  ما رأينا مثل ابن تيمية،  حرضنا عليه فلم نقدر عليه،  وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا ا. هـ.. 

العلامة قاضي القضاة كمال الدين ابن الزملكاني (ت 727هـ) حيث  أثنى عليه ببليغ الأوصاف وكامل الصفات فقال:  كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن،  وحكم أن أحداً لا يعرفه مثله،  وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك،  ولا يعرف أنه ناظر أحداً فانقطع معه،  ولا تكلم في علم من العلوم - سواءً كان من علوم الشرع أو غيرها - إلا فاق فيه أهله والمنسوبين إليه،  وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة،  والترتيب والتقسيم والتبيين،  ووقعت مسألة فرعية في قسمة جرى فيها اختلاف بين المفتين في العصر،  فكتب فيها مجلدة كبيرة،  وكذلك وقعت مسألة في حد من الحدود؛ فكتب فيها أيضاً مجلدة كبيرة،  ولم يخرج في كل واحدة عن المسألة،  ولا طول بتخليط الكلام والدخول في شيء،  والخروج من شيء،  وأتى في كل واحدة بما لم يكن يجري في الأوهام والخواطر،  واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها ا. هـ.  

ووصفه أيضا بقوله:  الإمام العالم،  العلامة الأوحد،  الحافظ المجتهد،  الزاهد العابد،  القدوة،  إمام الأئمة،  قدوة الأمة،  علامة العلماء،  وارث الأنبياء،  آخر المجتهدين،  أوحد علماء الدين،  بركة الإسلام،  حجة الأعلام،  برهان المتكلمين،  قامع المبتدعين،  محيي السنة،  ومن عظمت به لله علينا المنة،  وقامت به على أعدائه الحجة،  واستبانت ببركته وهديه المحجة ا. هـ.

وقال فيه:

ماذا يقول الواصفون له وصفاته جلت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة        هو بيننا أعجوبة الدهـر
هو آية في الخلق ظاهرة      أنوارها أربت على الفجر. 

وقال أيضاً:  لقد أعطي ابن تيمية اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين،  وقد ألان الله له العلوم كما ألان لداود الحديد ا. هـ.. 

ثم نزغ الشيطان بينه وبين الشيخ،  وتحامل عليه فيما بعد مع من تحامل،  فالله يغفر لهما جميعاً.

وتنقص بعض الناس ابن تيمية بحضرة قاضي القضاة ابن الزملكاني فقال:  ومن يكون مثل الشيخ تقي الدين في زهده وصبره وشجاعته وكرمه وعلومه!! والله لولا تعرضه للسلف لزاحمهم بالمناكب ا. هـ. 

وقال أيضاً:  لم ير من خمسمائة سنة (أو أربعمائة سنة - الشك من الناقل - وغالب ظنه:  أنه قال:  من خمسمائة سنة ) أحفظ منه ا. هـ. 

وهذا من آيات الله بإكرامه لهذا الإمام أن أنطق بالثناء الجميل عليه ألسن أعدائه،  والمتحاملين عليه.  

العلامة القدوة شرف الدين عبد الله ابن تيمية (ت727) أخو ابن تيمية وهو أصغر منه.

قال البزار:  وما رأيت أحداً كان أشد تعظيماً للشيخ من أخيه هذا،  أعني القائم بأوده.  وكان يجلس بحضرته كأن على رأسه الطير،  وكان يهابه كما يهاب سلطاناً.  وكنا نعجب منه في ذلك،  ونقول له:  إن من العرف والعادة أن أهل الرجل لا يحتشمونه كالأجانب،  بل يكون انبساطهم معه فضلاً عن الأجنبي،  ونحن نراك مع الشيخ كتلميذ مبالغ في احتشامه واحترامه.  فيقول:  إني أرى منه أشياء لا يراها غيري،  أوجبت أن أكون معه ما ترون.  وكان يسأل عن ذلك فلا يذكر منه شيئاً لما يعلم من عدم إيثار الشيخ لذلك ا. هـ. 

وغالب الظن أنه عنى به شرف الدين لما ذكر ابن رجب في ذيل الطبقات قال:  وكذلك كان أخوه الشيخ شرف الدين يبالغ في تعظيمه جداً ا. هـ.

قاضي القضاة أبو عبد الله ابن الحريري (ت 728) حيث قال:  إن لم يكن ابن تيمية شيخ الإسلام فمن هو؟  ا. هـ.  

قال ابن حجر:  واتفق أن قاضي الحنفية بدمشق وهو شمس الدين ابن الحريري انتصر لابن تيمية،  وكتب في حقه محضراً بالثناء عليه بالعلم والفهم،  وكتب فيه بخطه ثلاثة عشر سطراً من جملتها أنه منذ ثلاثمائة سنة ما رأى الناس مثله،  فبلغ ذلك ابن مخلوف فسعى في عزل الحريري ا. هـ.

الرحالة الأقشهري (ت731) حيث قال في رحلته فيه:  بارع في الفقه والأصلين والفرائض والحساب وفنون أخر،  وما من فن إلا له فيه يد طولى،  وقلمه ولسانه متقاربان ا. هـ. 

أبو الفتح ابن سيد الناس اليعمري (ت734هـ) حيث قال بعد ثنائه على المزي:  وهو الذي حداني على رؤية الشيخ الإمام،  شيخ الإسلام:  تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.  فألفيته ممن أدرك من العلم حظاً،  وكاد يستوعب السنن والآثار حفظاً،  إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته،  أو أفتى في الفقه؛ فهو مدرك غايته،  أو ذاكر بالحديث؛ فهو صاحب علمه وذو روايته،  أو حاضر بالنحل والملل؛ لم ير أوسع من نحلته في ذلك،  ولا أرفع من درايته،  برز في كل فن على أبناء جنسه،  ولم تر عين من رآه مثله،  ولا رأت عينه مثل نفسه.  كان يتكلم في التفسير؛ فيحضر مجلسه الجم الغفير،  ويردون من بحر علمه العذب النمير،  ويرتعون من ربيع فضله في روضة وغدير ا. هـ.  

الإمام ركن الدين محمد بن القويع (738) حيث قال:  مات ابن تيمية ولم يترك على ظهر الأرض مثله ا. هـ.. 

عبد الله بن حامد الشافعي ،  حيث وصف ابن تيمية بإمام الدنيا في رسالة منه لابن عبد الهادي،  ذكر فيها أنه كان تائهاً بين كلام المتفلسفة وزخارفهم إلى أن هداه الله بالشيخ تقي الدين.

قال:  إلى أن قدر الله سبحانه وقوع مصنف الشيخ الإمام - إمام الدنيا رحمه الله - في يدي،  قبيل واقعته الأخيرة بقليل،  فوجدت فيه ما بهرني من موافقة فطرتي لما فيه،  وعزوه الحق إلى أئمة السنة وسلف الأمة،  مع مطابقة المعقول والمنقول!… فبهت لذلك سروراً بالحق،  وفرحاً بوجود الضالة التي ليس لفقدها عوض،  فصارت محبة هذا الرجل - رحمه الله - محبة ضرورية،  تقصر عن شرح أقلها العبارة ولو أطنبت … فوافاني خبر وفاته - رحمه الله تعالى- مع الرجوع إلى العراق قبيل وصولي للكوفة،  وجدت عليه ما لا يجده الأخ على شقيقه - واستغفر الله - بل ولا الوالد الثاكل على ولده،  وما دخل في قلبي من الحزن لموت أحد من الولد والأقارب والإخوان كما وجدته عليه - رحمه الله تعالى - ولا تخيلته قط في نفسي،  ولا تمثلته في قلبي،  إلا ويتجدد لي حزن قديمه كأنه محدث،  ووالله ما كتبتها إلا وأدمعي تتساقط عند ذكره أسفاً على فراقه وعدم ملاقاته ا. هـ.. 

الشيخ علم الدين البرزالي (ت 739هـ)،  حيث قال في وصفه:  الإمام المجمع على فضله ونبله ودينه،  قرأ الفقه وبرع فيه،  والعربية والأصول،  ومهر في علميّ التفسير والحديث،  وكان إماماً لا يلحق غباره في كل شيء،  وبلغ رتبة الاجتهاد،  واجتمعت فيه شروط المجتهدين،  وكان إذا ذكر التفسير أبهت الناس من كثرة محفوظه،  وحسن إيراده،  وإعطائه كل قول ما يستحقه من الترجيح والتضعيف والإبطال،  وخوضه في كل علم،  كان الحاضرون يقضون منه العجب،  هذا مع انقطاعه إلى الزهد والعبادة،  والاشتغال بالله تعالى،  والتجرد من أسباب الدنيا،  ودعاء الخلق إلى الله تعالى،  وكان يجلس في صبيحة كل جمعة على الناس يفسر القرآن العظيم،  فانتفع بمجلسه وبركة دعائه،  وطهارة أنفاسه،  وصدق نيته،  وصفاء ظاهره وباطنه،  وموافقة قوله لعمله،  وأناب إلى الله خلق كثير،  وجرى على طريقة واحدة من اختيار الفقر،  والتقلل من الدنيا،  ورد ما يفتح به عليه ا. هـ.  وأثنى عليه في تاريخه الثناء العاطر ولولا طوله لأوردناه هنا،  لجميل عباراته وحسن أوصافه.   

الحافظ أبو الحجاج المزي (742هـ) إمام الجرح والتعديل في عصره وشيخ المحدثين،  حيث قال:  ما رأيت مثله،  ولا رأى هو مثل نفسه،  وما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله وسنة رسوله،  ولا أتبع لهما منه ا. هـ..   وقال:  لم ير مثله منذ أربع مائة سنة ا. هـ.   

الشيخ عبد الباقي بن عبد المجيد اليماني (ت 743هـ) حيث قال فيه:  شيخ العلوم الإسلامية،  وأساس القواعد الدينية،  وابن بجدة الأحاديث النبوية،  جمع من المعقول والمنقول،  ورد على فلاسفة الحكماء فيما يتعلق بالمعقول،  إذا تكلم في مسألة فحدث عن البحر ولا حرج،  وإذا استمر في معنى من المعاني لا يكاد سامعه يقول عنه خرج،  مع فصاحة لسان،  وبلاغة ملكت أزمة التبيان،  وأما الزهد في الدنيا ورفض زخارفها:  فإليه الغاية،  وعنده يوجد في هذا الشأن النهاية،  أجمع من شاهد معارفه،  وتحقق عوارفه:  أنه نسيج وحده،  وفريد وقته في علمه ومجده.  كان له اطلاع على مذاهب الإسلام،  وإتقان لمسالك الحلال والحرام،  ودراية بالتوراة والإنجيل.  وعلى الجملة لم يسمح الزمن له بمثيل،  تقصر العبارة عن ذكر صفاته على التفصيل ا. هـ..   

العلامة محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي،  الفقيه المحدث الحافظ (ت744هـ)،  وقد أثنى عليه ثناءً عاطراً،  بل صنف فيه كتاباً حافلاً بذكره والثناء عليه،  عُدّ أكبر الكتب المصنفة في ترجمته،  ومن عيون كلامه فيه ما ذكره في ترجمته في كتابه مختصر طبقات علماء الحديث قال:  وحج سنة إحدى وتسعين،  وله ثلاثون سنة،  ورجع وقد انتهت إليه الإمامة في العلم،  والعمل والزهد والورع والشجاعة والكرم والتواضع والحلم والأناة والجلالة والمهابة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،  مع الصدق والأمانة والعفة والصيانة وحسن المقصد والإخلاص،  والابتهال إلى الله،  وشدة الخوف منه،  ودوام المراقبة له،  والتمسك بالأثر،  والدعاء إلى الله،  وحسن الأخلاق،  ونفع الخلق والإحسان إليهم ا. هـ.  

وقال بعد جملة عاطرة من ثناء العلماء عليه:  وهذا الثناء عليه وكان عمره نحو الثلاثين سنة،  وقد أثنى عليه خلق من شيوخه،  ومن كبار علماء عصره ا. هـ.  

الحافظ المؤرخ المحدث العلامة شمس الدين الذهبي الشافعي (ت 748هـ) حيث وصفه في عدد من كتبه ببالغ الثناء،  وعاطر الذكر،  فقد وصفه بـ:  شيخنا،  الإمام،  شيخ الإسلام،  فرد الزمان،  بحر العلوم،  تقي الدين… وقرأ القرآن والفقه وناظر واستدل وهو دون البلوغ،  وبرع في العلم والتفسير… وصار من أكابر العلماء في حياة شيوخه،  وله المصنفات الكبار التي سارت بها الركبان،  ولعل تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كراس وأكثر … وكان يتوقد ذكاءً … وحفظه للحديث ورجاله وصحته وسقمه فما يلحق فيه،  وأما نقله للفقه ومذاهب الصحابة والتابعين،  فضلاً عن المذاهب الأربعة فليس له فيه نظير،  وأما معرفته بالملل والنحل والأصول والكلام فلا أعلم له فيه نظيراً … وعربيته قوية جداً،  ومعرفته بالتاريخ والسير فعجب عجيب،  وأما شجاعته وجهاده وإقدامه فأمر يتجاوز الوصف ويفوق النعت،  وهو أحد الأجواد الأسخياء الذين يضرب بهم المثل ا. هـ.

وقال:  وكان آية في الذكاء وسرعة الإدراك،  رأساً في معرفة الكتاب والسنة والاختلاف،  بحراً في النقليات،  هو في زمانه فريد عصره علماً وزهداً وشجاعة وسخاءً،  وأمراً بالمعروف،  ونهياً عن المنكر،  وكثرة تصانيف ا. هـ.   

وقال:  فإن ذكر التفسير فهو حامل لوائه،  وإن عد الفقهاء فهو مجتهدهم المطلق،  وإن حضر الحفاظ نطق وخرسوا،  وسرد وأبلسوا،  واستغنى وأفلسوا،  وإن سمي المتكلمون فهو فردهم،  وإليه مرجعهم،  وإن لاح ابن سينا يقدم الفلاسفة فلَّسهم وتيَّسهم،  وهتك أستارهم،  وكشف عوارهم،  وله يد طولى في معرفة العربية والصرف واللغة،  وهو أعظم من أن تصفه كلمي،  وينبه على شأوه قلمي،  فإن سيرته وعلومه ومعارفه ومحنته وتنقلاته يحتمل أن ترصع في مجلدتين ا. هـ.  

وقال:  وله خبرة تامة بالرجال،  وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم،  ومعرفة بفنون الحديث،  وبالعالي والنازل،  وبالصحيح والسقيم،  مع حفظه لمتونه الذي انفرد به،  فلا يبلغ أحد في العصر رتبته ولا يقاربه،  وهو عجب في استحضاره،  واستخراج الحجج منه،  وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند،  بحيث يصدق عليه أن يقال:  "كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث"؛ ولكن الإحاطة لله،  غير أنه يغترف فيه من بحر،  وغيره من الأئمة يغترفون من السواقي،  وأما التفسير فمسلَّم إليه،  وله في استحضار الآيات من القرآن - وقت إقامة الدليل بها على المسألة - قوة عجيبة،  وإذا رآه المقريء تحير فيه،  ولفرط إمامته في التفسير وعظمة اطلاعه يبين خطأ كثير من أقوال المفسرين،  ويوهي أقوالاً عديدة،  وينصر قولاً واحداً موافقاً لما دل عليه القرآن والحديث،  ويكتب في اليوم والليلة من التفسير أو من الفقه أو من الأصلين،  أو من الرد على الفلاسفة والأوائل نحواً من أربعة كراريس أو أزيد،  وما أبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمس مائة مجلدة،  وله في غير مسألة مصنف مفرد في مجلد ا.  هـ.. 

وقال فيه:  وكان من بحور العلم،  ومن الأذكياء المعدودين،  والزهاد الأفراد ا. هـ.. 

وقال:  وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي،  فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت:  أني ما رأيت بعيني مثله وأنه ما رأى مثل نفسه ا. هـ. 

العلامة شيخ النحاة أبو حيان (745)،  حيث قال فيه لما رآه:  ما رأت عيناي مثله،  ثم مدحه أبو حيان على البديهة في المجلس بأبيات جزلة بقوله:

لما أتينا ابن تيمية لاح لنا

 

داعٍ إلى الله فرد ماله وزر

على محياه من سيما الألى صحبوا

 

خير البرية نور دونه القــمر

حبر تسربل منه دهره حبراً

 

بحر تقاذف من أمواجه الدرر

قام ابن تيمية في نصر شرعتنا

 

مقام سيد تيم إذ عصت مضر

فأظهر الحق إذ آثاره درست

 

وأخمد الشر إذ طارت له الشرر

كنا نحدث عن حبر يجيء فها

 

أنت الإمام الذي قد كان ينتظر

يعنى أنه الإمام المجدد على رأس المائة سنة،  ثم دار بينهما كلام بسبب سيبويه،  حيث كان أبو حيان متعصباً لسيبويه،  وقد خطأه ابن تيمية بقوله:  ما كان سيبويه نبي النحو،  ولا كان معصوماً،  بل أخطأ في الكتاب في ثمانين موضعاً ما تفهمها أنت،  فقاطعه لذلك وجعله ذنباً لا يغتفر،  وذكره بسوء في كتبه وكشط الأبيات من ديوانه.

ولذا قيل عن ابن تيمية:  فيه حدة لولاها لكان كلمة إجماع. 

العلامة أحمد بن يحيى ابن فضل الله العمري (ت749)،  حيث وصفه في ترجمته بـ:  شيخ الإسلام،  نادرة العصر،  علم الزهاد،  ثم أطنب في الثناء عليه بكلام مسجوع جميل كالدر المنثور،  ولولا ضيق المقام لقطفنا من ثماره اليانعة ما يبين فضل هذا الإمام. 

العلامة عمر بن المظفر ابن الوردي (ت 749)،  حيث وصفه بجميل الأوصاف شعراً ونثراً،  وكان من المعجبين به أشد الإعجاب،  المتبعين له في عقيدته،  الذابين عنه،  ومن مرثيته فيه:

فتى في علمه أضحى فريداً    وحل المشكلات به يناط
وكان إلى التقى يدعو البرايا وينهى فرقة فسقوا ولاطوا
وكان الجن تفرق من سطاه بوعظ للقلوب هو السياط
فيالله ما قد ضم لحـد         ويالله ما غطى البــلاط
وهي مرثية طويلة جميلة طارت بها الركبان لشهرة الشاعر،  وشهرة المرثي،  رحمهما الله جميعاً.

وقال:  وهو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته،  فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت:  أني ما رأيت بعيني مثله،  ولا رأى هو مثل نفسه في العلم ا. هـ.

العلامة ابن القيم (ت 751 ) حيث قال:  وعلم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قط،  مع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرجاف،  وهو مع ذلك أطيب الناس عيشاً،  وأشرحهم صدراً،  وأقواهم قلباً،  وأسرهم نفساً،  تلوح نضرة النعيم على وجهه،  وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون،  وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه،  فيذهب عنا ذلك كله،  وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة.  فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه ا. هـ.

قاضي القضاة تقي الدين السبكي (ت 756) حيث قال بعد أن عاتبه الذهبي على تحامله على ابن تيمية قال:  أما قول سيدي [يعني الذهبي] في الشيخ،  فالمملوك يتحقق كبر قدره،  وزخارة بحره،  وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية،  وفرط ذكائه واجتهاده،  وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف.  والمملوك يقول ذلك دائماً،  وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجل،  مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة،  ونصرة الحق،  والقيام فيه لا لغرض سواه،  وجريه على سنن السلف،  وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى،  وغرابة مثله في هذا الزمان،  بل من أزمان ا. هـ. 

الحافظ صلاح الدين العلائي (ت761) حيث قال فيه:  شيخنا وسيدنا وإمامنا فيما بيننا وبين الله تعالى،  شيخ التحقيق،  السالك بمن اتبعه أحسن طريق،  ذي الفضائل المتكاثرة،  والحجج القاهرة التي أقرت الأمم كافة أن هممها عن حصرها قاصرة،  ومتعنا الله بعلومه الفاخرة،  ونفعنا به في الدنيا والآخرة،  وهو الشيخ الإمام،  العالم الرباني،  والحبر البحر،  القطب النوراني،  إمام الأئمة،  بركة الأمة،  علامة العلماء،  وارث الأنبياء،  آخر المجتهدين،  أوحد علماء الدين،  شيخ الإسلام،  حجة الأعلام،  قدوة الأنام،  برهان المتكلمين،  قامع المبتدعين،  سيف المناظرين،  بحر العلوم،  كنز المستفيدين،  ترجمان القرآن،  أعجوبة الزمان،  فريد العصر والأوان،  تقي الدين،  إمام المسلمين،  حجة الله على العالمين،  اللاحق بالصالحين،  والمشبه بالماضين،  مفتي الفرق،  ناصر الحق،  علامة الهدى،  عمدة الحفاظ،  فارس المعاني والألفاظ،  ركن الشريعة،  ذو الفنون البديعة، أبو العباس ابن تيمية ا. هـ. 

العلامة مغلطاي بن قليج المصري (762) وهو أحد تلامذته،  حيث قال فيه:  شيخنا الإمام بغير مراء تقي الدين … الذي طبق ذكره جميع الأقطار،  وشاع علمه في جميع الأمصار،  فلذلك استغنينا عن التعريف بحاله ا. هـ..   

العلامة خليل بن أيبك الصفدي (ت 764) حيث ترجم له في كتابه:  أعيان العصر،  وكتاب:  الوافي بالوفيات،  ومن عيون كلامه قوله:  تمذهب للإمام أحمد بن حنبل،  فلم يكن أحد في مذهبه أنبه،  ولا أنبل منه.  وجادل وجالد شجعان أقرانه،  وجدل خصومه في وسط ميدانه،  وفرج مضايق البحث بأدلة قاطعة،  ونصر أقواله في ظلمات الشكوك بالبراهين الساطعة.  كأن السنة على رأس لسانه،  وعلوم الأثر مساقة في حواصل جنانه،  وأقوال العلماء مجلوة نصب عيانه.  لم أر أنا ولا غيري مثل استحضاره،  ولا مثل سبقه إلى الشواهد وسرعة استحضاره،  ولا مثل عزوه الحديث إلى أصله الذي فيه نقطة مداره.  وأما علم الأصلين فقهاً وكلاماً،  وفهماً وإعلاماً فكان عجباً لمن يسمعه،  ومعجزاً لمن يعدّ ما يأتي به أو يجمعه،  ينزل الفروع منازل من أصولها،  ويرد القياسات إلى مآخذها من محصولها.  وأما الملل والنحل ومقالات أرباب البدع الأول ومعرفة المذاهب وما خصوا به من الفتوحات والمواهب،  فكان في ذلك بحراً يتموج،  وسهماً ينفذ على السواء لا يتعوج.  وأما المذاهب الأربعة فإليه في ذلك الإشارة،  وعلى ما ينقله الإحاطة والإدارة.  وأما نقل مذاهب السلف وما حدث بعدهم من الخلف فذاك فنه،  وهو في وقت الحرب مجنه،  قلّ أن يقطعه خصمه الذي تصدى له وانتصب،  أو خلص منه مناظره إلا وهو يشكو من الأين والنصب ا. هـ.

وقال:  حكى لي من سمعه يقول:  إني وقفت على مائة وعشرين تفسيراً،  استحضر من الجميع الصحيح الذي فيها أو كما قال ا. هـ.  

وقال:  وعلى الجملة فما رأيت ولا أرى مثله في اطلاعه وحافظته،  ولقد صدق ما سمعنا عن الحفاظ الأول:  وكانت هممه عليّة إلى الغاية ا. هـ. 

العلامة ابن شاكر الكتبي صاحب فوات الوفيات (ت764)،  حيث وصفه بـ:  العلامة الفقيه المفسر،  الحافظ المحدث،  شيخ الإسلام،  نادرة العصر،  ذو التصانيف والذكاء ا. هـ. 

وقال في عيون التواريخ:  وحصل في أسرع وقت ما لا يحصله غيره في سنين كثيرة،  وكان عنده ذكاء مفرط وبديهة حسنة،  وله في العلوم اليد الطولى ا. هـ. 

أبو محمد عبد الله اليافعي اليماني صاحب مرآة الجنان (ت767) حيث وصفه بالحافظ الكبير وقال:  وبرع في حفظ الحديث والأصلين،  وكان يتوقد ذكاءً ا. هـ. 

ولم يمنعه تحامله عليه من الثناء عليه بما سلم به الموافق والمخالف.

العلامة أحمد بن محمد بن علي الفيومي (ت770) حيث قال في وصفه:  الإمام العالم الورع الزاهد … وكان شيخاً حافظاً،  ذكي الفطرة،  حسن البديهة،  وله تصانيف كثيرة منها ما ظهر،  ومنها ما لم يظهر.  وله مظهر بالعلوم،  وشهرة يستغني بها عن بسط القول ا. هـ. 

العلامة المحدث المفسر المؤرخ ابن كثير الدمشقي (ت774) حيث نعته بأكمل الأوصاف وأجملها،  ومن ذلك قوله:  سمعت شيخنا تقي الدين ابن تيمية،  وشيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي،  يقول كل منهما للآخر:  هذا الرجل قرأ مسند الإمام أحمد وهما يسمعان،  فلم يضبطا عليه لحنة متفقاً عليها،  وناهيك بهذين ثناءً على هذا،  وهما هما ا. هـ.  

وقال:  وكان يجتمع عنده الخلق الكثير والجم الغفير من كثرة ما كان يورد من العلوم المتنوعة المحررة مع الديانة والزهادة والعبادة،  وسارت بذكره الركبان في سائر الأقاليم والبلدان،  واستمر على ذلك سنين متطاولة ا. هـ.. 

وقال:  واستمر الشيخ في الحبس يستفتى ويقصده الناس ويزورونه،  وتأتيه الفتاوى المشكلة التي لا يستطيعها الفقهاء من الأمراء وأعيان الناس،  فيكتب عليها بما يحير العقول من الكتاب والسنة ا. هـ.. 

جمال الدين السرمري (ت776) حيث قال:  ومن عجائب ما وقع في الحفظ من أهل زماننا:  أن ابن تيمية كان يمر بالكتاب مطالعة مرة فينتقش في ذهنه وينقله في مصنفاته بلفظه ومعناه ا. هـ.

العلامة الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب الدمشقي (ت779)،  حيث قال فيه:  كان -تغمده الله برحمته - سحاباً يسحب ذيله على الطالب والوافد،  وعباباً لا تكدره دلاء الصادر والوارد،  وبحراً زاخراً في النقليات،  وحبراً متلفعاً بحبرات العقليات،  وإماماً في معرفة الكتاب والسنة،  وهماماً لا يميل إلى حلاوة المنة،  ذا ورع زائد،  وزهد فرعه في روض الرضى مائد،  وسخاء وشجاعة،  وعزلة وقناعة،  وتصانيف مشهورة،  وفتاوٍ أعلامها منشورة،  ومعارف موادها وافية،  وإعراض عن الدنيا بالجملة الكافية،  لا يكترث بنضرتها وبهجة نضارها،  ولا يلتفت إلى المنقوش من درهمها ودينارها،  يصدع بالحق،  ويتكلم فيما جل ودق… اجتمعت فيه شروط الاجتهاد،  وبلغ من اجتناء ثمر أفنان الفنون غاية المراد ا. هـ.. 

الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت 790 )،  حيث قال فيه:  الإمام الفقيه،  المجتهد المحدث،  الحافظ المفسر،  الأصولي الزاهد،  تقي الدين أبو العباس،  شيخ الإسلام وعلم الأعلام،  وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره،  والإسهاب في أمره… وأمده الله بكثرة الكتب وسرعة الحفظ،  وقوة الإدراك والفهم،  وبطء النسيان حتى قال غير واحد:  إنه لم يكن يحفظ شيئاً فينساه ا. هـ.. 

وذكر له ترجمة مطولة جامعة حافلة،  تعد من عيون تراجم ابن تيمية وأوسعها.

وقال:  كانت العلماء والصلحاء والجند والأمراء والتجار وسائر العامة تحبه؛ لأنه منتصب لنفعهم ليلاً ونهاراً،  بلسانه وقلمه ا. هـ.. 

تقي الدين محمد بن أحمد الفاسي (832) حيث وصفه بقوله:  وكان واسع المعرفة بالتفسير والحديث والفقه والأصول والعربية وغير ذلك،  موصوفاً بالاجتهاد ا. هـ. 

العلامة محمد بن ناصر الدين الدمشقي الشافعي (842) تلميذ تلامذة ابن تيمية،  حيث وصفه بكامل الأوصاف وبليغ الثناء فقال:  شيخ الإسلام،  أستاذ الحفاظ،  علم الأئمة الأيقاظ،  المنعوت بتقي الدين … وترجمه بالاجتهاد وبلوغ رتبته،  والتمكن في أنواع من العلوم وفنون:  ابن الزملكاني،  والذهبي،  والبرزالي،  وابن عبد الهادي وآخرون ا. هـ.

وله كتاب دافع فيه عن ابن تيمية وهو:  الرد الوافر على من زعم أن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر.

ذكر فيه شهادة أكثر من (86) عالماً،  كلهم يقرون له بأنه شيخ الإسلام حقاً وصدقاً.

العلامة أحمد بن علي المقريزي (845) حيث قال:  وكان من أذكى الناس،  كثير الحفظ،  قليل النسيان،  قلما حفظ شيئاً فنسيه،  إلى أن صار إماماً في التفسير وعلوم القرآن … حتى إنه ما تكلم معه فاضل في فن من الفنون إلا ظن أن ذلك الفن فنه،  وصار حفظة للحديث،  مميزاً بين صحيحه وسقيمه،  عارفاً برجاله وعلله،  متضلعاً من ذلك،  مع التبحر في علم التاريخ ا. هـ.

الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) حيث قال:  وشهرة إمامة الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس  وتلقيبه بشيخ الإسلام في عصره باقٍ إلى الآن على الألسن الزكية،  ويستمر غداً كما كان بالأمس،  ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره أو تجنب الإنصاف.  … فإنه شيخ في الإسلام بلا ريب … فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم،  والتميز في المنطوق والمفهوم:  أئمة عصره من الشافعية وغيرهم‍ فضلاً عن الحنابلة ا. هـ.  

وقال:  ولو لم يكن من الدليل على إمامة هذا الرجل إلا ما نبّه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في تاريخه:  أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته لما مات ما اجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين.  وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جداً شهدها مئات ألوف،  ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان ببغداد أو أضعاف ذلك لما تأخر أحد منهم عن شهود جنازته.  وأيضاً فجميع من كان ببغداد إلا الأقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد،  وكان أمير بغداد وخليفة الوقت إذ ذاك في غاية المحبة له والتعظيم.  بخلاف ابن تيمية فكان أمير البلد حين مات غائباً،  وكان أكثر من بالبلد من الفقهاء قد تعصبوا عليه حتى مات محبوساً بالقلعة.  ومع هذا فلم يتخلف عن حضور جنازته والترحم عليه إلا ثلاثة أنفس،  تأخروا خشية على أنفسهم من العامة ا. هـ. 

الإمام بدر الدين محمود العيني (ت855) حيث قال فيه:  الشيخ الإمام العالم العلامة..   كان إماماً فاضلاً بارعاً ذا فنون كثيرة،  ولاسيما علم الحديث والتفسير والفقه الأصولين..   وكان على مكانة عظيمة من الورع،  وخشونة العيش،  والقناعة،  والكف عن حطام الدنيا،  وله تصانيف مشهورة في علوم شتى،  وكان كثير الذكر والصوم والصلاة والعبادة،  وكان أماراً بالمعروف نهاءً عن المنكر،  وكان ذا همة وشجاعة وإقدام،  وجرى له حكايات كثيرة ا. هـ.  

وقال:  ومن الشائع المستفيض أن الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين ابن تيمية من شم عرانين الأفاضل،  ومن جم براهين الأماثل،  الذي كان له من الأدب مآدب تغذي الأرواح،  ومن نخب الكلام له سلافة تهز الأعطاف المراح،  ومن يانع ثمار أفكار ذوي البراعة،  طبعه المفلق في الصناعة،  الخالية عن وصمة الفجاجة والبشاعة،  وهو الكاشف عن وجوه مخدرات المعاني نقابها،  والمفترع عرائس المباني بكاشف جلبابها،  وهو الذاب عن الدين طعن الزنادقة والملحدين،  والناقد للمرويات عن النبي سيد المرسلين،  وللمأثورات من الصحابة والتابعين ا. هـ

وقال:  وهذا الإمام مع جلالة قدره في العلوم،  نقلت عنه على لسان جم غفير من الناس،  كرامات تظهر منه بلا التباس،  وأجوبة قاطعة عن السؤال منه عن المعضلات،  من غير توقف منه بحالةٍ من الحالات ا. هـ.

العلامة صالح بن عمر البلقيني (ت 868) حيث قال في معرض تقريظه للرد الوافر:  ومن هذا شأنه كيف لا يلقب بشيخ الإسلام،  وينوه بذكره بين الأعلام؟  ولا عبرة من يرميه بما ليس فيه أو ينسبه بمجرد الأهواء لقول غير وجيه،  فلم يضره قول الحاسد والباغي،  والجاحد والطاغي ا. هـ.

وقال:  وكيف لا؟  وهو مشتمل على مناقب عالم زمانه،  والفائق على أقرانه،  والذاب عن شريعة المصطفى باللسان والقلم،  والمناضل عن الدين الحنيفي،  وكم أبدى من الحكم،  صاحب المصنفات المشهورة،  والمؤلفات المأثورة،  الناطقة بالرد على أهل البدع والإلحاد،  القائلين بالحلول والاتحاد ا. هـ. 

العلامة جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تُغْري بَرْدي (874)،  حيث قال:  وكان إمام عصره بلا مدافعة في الفقه والحديث والأصول،  والنحو واللغة وغير ذلك… أثنى عليه جماعة من العلماء … ا. هـ. 

برهان الدين إبراهيم ابن مفلح (ت884) حيث وصفه بالإمام المجتهد الحافظ الفقيه المفسر الزاهد شيخ الإسلام وعلم الأعلام.   

العلامة الحافظ جلال الدين السيوطي (ت911) حيث قال في طبقات الحفاظ:  الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر البارع شيخ الإسلام علم الزهاد نادرة العصر ….  أحد الأعلام … وكان من بحور العلم،  ومن الأذكياء المعدودين والزهاد الأفراد ا. هـ. 

وقال في كتاب الأشباه والنظائر النحوية:  جواب سؤال عن حرف "لو" لسيدنا وشيخنا الإمام العالم الأوحد،  الحافظ،  المجتهد،  الزاهد،  العابد،  القدوة،  إمام الأئمة،  قدوة الأمة،  علامة العلماء،  وارث الأنبياء،  آخر المجتهدين،  أوحد علماء الدين،  بركة الإسلام،  حجة الأعلام،  برهان المتكلمين،   قامع المبتدعين،  ذي العلوم الرفيعة،  والفنون البديعة،  محيى السنة،  ومن عظمت به لله تعالى علينا المنة … ا. هـ.  ثم ساق جواب ابن تيمية فيها.

المؤرخ حمزة بن أحمد الغَرْبي المعروف بابن سباط  (ت 926) حيث قال فيه:  الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد العابد الورع الخاشع،  القدوة العارف ا. هـ. 

العلامة مجير الدين عبد الرحمن العليمي الحنبلي (ت928)،  حيث وصفه بجميل الأوصاف وأطال في ترجمته،  ونقل كلام العلماء في ذلك. 

العلامة شمس الدين محمد بن علي الداوودي (945) حيث ذكره في طبقات المفسرين ووصفه بجميل الأوصاف.

فهذا ثناء عاطر من ثمانية وأربعين عالماً ممن توفوا قبل الألف الهجرية في فترة زمنية  لا تتجاوز الثلاثمائة سنة،  وهم شيوخه ومعاصروه وتلاميذه وتلاميذ تلاميذه.

وأما من ترجم له وأثنى عليه بعد الألف فهم كثرة كاثرة،  وجمع غفير لا يحصون ما بين مؤلف مستقل،  أو ترجمة ضمن كتاب.

ومن عجيب عناية الله بهذا الإمام أن رفع ذكر كل من أثنى عليه أو نصره،  وخذل من عاداه وناوأه وأخمل ذكره،  حتى أن الشعراء المغمورين الذين رثوه أحيى الله ذكرهم وشعرهم ورثاءهم في الشيخ على امتداد القرون،  وقد ذكر منهم ابن عبد الهادي قرابة ثلاثين مرثية.

وليعلم كل من عاداه أنه إنما يضر نفسه بذلك كما قال الشاعر:  

كناطح صخرة يوماً ليوهنها       فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

وقد دون التاريخ عداء من عاداه،  وخلد لهم سوء الذكر،  ودعاء الصالحين عليهم،  ولا يزال الناس يذكرونهم بسوء ويسيئون الظن بهم.  

ملامح ثناء العلماء عليه:

ترجم له سبعة عشر عالماً من تلامذته وأصحابه،  وهذه نادرة قلّ أن توجد لعالم آخر،  ولا شك أن هذه تعتبر أوثق المصادر في التراجم.

ترجم له تسعة من معاصريه الذين فات عليهم اللقاء به.

ترجم له في عدد من كتب الطبقات:  فترجم له في كتب طبقات المفسرين،  وطبقات الحفاظ،  وطبقات أئمة الجرح والتعديل،  والمحدثين عموماً،  وفقهاء الحنابلة،  وطبقات الأعيان،  وطبقات المسندين،  مما يدل على سعة علومه وإمامته في عدد من الفنون.

ترجم له علماء من المذاهب الأربعة:  أربعة من الحنفية،  وسبعة من المالكية،  وثلاثة وعشرون من الشافعية،  وأحد عشر من الحنابلة.

ترجم له عدد من العلماء في أكثر من كتاب كما فعل الذهبي وابن حجر والصفدي وابن شاكر الكتبي،  وبعضهم ترجم له في تسعة كتب كالذهبي. 

تسليم كثير من العلماء له ببلوغ مرتبة الإمامة في الدين.

تسليم كثير منهم ببلوغه مرتبة الاجتهاد،  بل صرح بعضهم ببلوغ مرتبة الاجتهاد المطلق.

ثناء المتقدمين والمتأخرين عليه،  عرباً وعجماً،  شيوخاً وتلاميذ،  علماء وملوكاً،  معاصرين ومتأخرين،  المسلمين وغير مسلمين،  باللغة العربية والفارسية والأردية واللغات اللاتينية،  وهذا من النوادر. 

اعتراف المخالفين له والمناوئين بعلومه وفضائله وتقدمه وسعة اطلاعه،  كابن السبكي وابن مخلوف وأبي حيان النحوي وابن الزملكاني وابن الوكيل وغيرهم.

شهادة أكثر من (86) عالماً بأنه شيخ الإسلام،  وهذه من النوادر.  

كثرة من ترجم له وصنف فيه،  ما بين ترجمة حافلة،  أو مؤلف مستقل،  مما يزيد هذا جلاءً ووضوحاً.

وقد أطلت في هذا المبحث ليعلم به قدر هذا الإمام،  وأن الثناء عليه ليس من قِبَل محبيه فقط،  بل من سائر العلماء على امتداد القرون والأعصار،  ومن جميع علماء المذاهب،  ولعل هذا ينفع من لا زال يدين الله بالعداء لابن تيمية،  جهلاً منه،  أو تقليداً،  والله المستعان.

المطلب الثالث: قدراته ومواهبه العلمية:

وفيه مسائل:

المسألة الأولى:  الذكاء الخارق والعبقرية:

وقد بدا ذلك منذ صغره واضحاً.

حدثت جدته أن ابن تيمية في صغره كان إذا أراد المضي إلى المكتب يعترضه يهودي كان منزله بطريقه بمسائل يسأله عنها لما يلوح عليه من الذكاء والفطنة،  وكان يجيبه عنها سريعاً حتى تعجب منه،  ثم إنه صار كلما اجتاز يخبره بأشياء مما يدل على بطلان ما هو عليه،  فلم يلبث أن أسلم وحسن إسلامه. 

ووصفه غير واحد بأنه يتقد ذكاءً،  وأنه أحد أذكياء العالم المعدودين،  ولسان حاله شاهد بذلك من إحاطته بعلوم عصره وهو ابن بضع عشرة سنة.

وقد تجاوز ابن تيمية رحمه الله مرحلة الذكاء ووصل إلى درجة العبقرية،  يتضح ذلك بملامح عدة:

إتقان مبكر لعلوم العصر.

تفوق على أهل الفن في تخصصهم.

تجديد في كثير من الفنون التي طرقها.

انبهار من رآه به إلى درجة الإعجاب غير المعتاد مما يدل على عبقرية غير عادية.

استدراك على من كانوا يعدون عباقرة العالم من الإسلاميين وغير الإسلاميين كأرسطو وابن سينا والرازي وغيرهم،  مما يدل على أنه تفوق عليهم بعبقريته الخارقة للعادة،  وبيَّن أنهم كانوا يرددون فلسفات يسمونها منطقية عقلية وهي من العقل براء.

المسألة الثانية:  الفهم الثاقب:

وهذه موهبة أخرى خارقة للعادة،  فقد قرأ كتاب سيبويه في بضعة أيام ففهمه،  بل واستدرك عليه ثمانين خطأ.  

وقد وصفه بقوة الفهم والإدراك ابن رجب ،  والذهبي،  وغيرهما.

وقد قرأ كتب المنطق والفلسفة والرياضيات والجبر والحساب فلم يكن يعسر عليه فهمها،  بل كان يستوعبها بفهم ثاقب وإدراك قوي خارق للعادة.

المسألة الثالثة:  العقل الكبير:

العقل أمر آخر يختلف عن الذكاء المجرد مع وجود علاقة قوية بينهما.

والمعلومات إذا كثرت على العقل يصعب عليه غربلتها وتحليلها إلا من رزقه الله عقلاً كبيراً أكبر من حجم المعلومات الواردة.

يقول أحد المفكرين:  فللعقل طاقة محدودة على التحليل والتصنيف والغربلة لما يرد عليه،  وحين يزيد على طاقته،  فإنه يربكه ويشتته ا. هـ.

العقل الكبير لابن تيمية استطاع بسببه أن يستوعب العلوم ويوظفها وينتفع بها،  ولا يتأثر بما فيها من خطأ وشذوذ.

استطاع - رحمه الله - أن يهضم المنطق والفلسفة،  وأن يوظفها لهدم هذا العلم من الداخل من دون أن يؤثر ذلك في صفاء عقيدته،  بخلاف الغزالي - والذي لا ينقصه الذكاء -  حيث تعلم الفلسفة والكلام ليرد على الفلاسفة لكنه تأثر بها ولم ينج من ضلالاتها،  ومثله الرازي وغيرهما من متكلمة المسلمين.  

قد يكون العالم ذكياً،  وذكياً جداً أحياناً لكن حينما تكون العلوم أكبر من عقله تعود عليه بالضرر فيضطرب ويتناقض،  ولذا قيل في بعض العلماء:  علمه أكبر من عقله.

أما ابن تيمية - رحمه الله - فكان عقله وعلمه كفرسي رهان لا تدري أيهما أكبر،  فإذا نظرت إلى سعة علومه ومعارفه قلت:  لا يحيط بهذه العلوم عقل رجل واحد.

وإذا نظرت إلى عقله قلت:  لا يقف أمامه علم من العلوم إلا ابتلعه واستساغ هضمه وفاق فيه أصحابه أيضاً كما هو الحاصل لابن تيمية - رحمه الله -.

قال ابن العربي: شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة وأراد أن يتقيأهم فما استطاع أ. هـ

قال ابن تيمية في الغزالي: وأبو حامد يميل إلى  الفلسفة   لكنه أظهرها في قالب التصوف والعبارات الإسلامية ولهذا رد عليه علماء المسلمين حتى أخص أصحابه أبو بكر بن العربي فإنه قال شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدرا. هـ وقد كان هدفه في البداية الرد على الفلاسفة لكنه لم يخل من تأثيراتها.

المسألة الرابعة:  الحفظ الخارق:

رزق الله ابن تيمية ذاكرة خارقة للعادة قلّ أن يوجد مثلها في التاريخ،  طيرت ذكره في الآفاق منذ أن كان صبياً في الكتّاب.

وصفه غير واحد:  أنه لم يكن يحفظ شيئاً فينساه.  

قال جمال الدين السرمري:  ومن عجائب ما وقع في الحفظ من أهل زماننا أن ابن تيمية كان يمر بالكتاب مطالعة مرة فينتقش في ذهنه وينقله في مصنفاته بلفظه ومعناه ا. هـ.

قال البزار:  ومن أعجب الأشياء  في ذلك أنه في محنته الأولى بمصر لما أخذ وسجن وحيل بينه وبين كتبه صنف عدة كتب صغاراً وكباراً،  وذكر فيها ما احتاج إلى ذكره من الأحاديث والآثار وأقوال العلماء وأسماء المحدثين والمؤلفين ومؤلفاتهم،  وعزا كل شيء من ذلك إلى ناقليه وقائليه بأسمائهم،  وذكر أسماء الكتب التي في ذلك فيها،  وفي أي موضع منها،  كل ذلك بديهة من حفظه … واعتبرت فلم يوجد فيها بحمد الله خلل ولا تغير،  ومن جملتها الصارم المسلول على شاتم الرسول ا. هـ.

المسألة الخامسة:  موهبة التحليل والتفصيل:

رزق ابن تيمية - رحمه الله - قدرة كبيرة على تحليل المسائل وتفصيلها،  وهي موهبة أخرى تضاف لمواهبه،  وتسمى بتشقيق المسائل وتفريعها،  وهذه مفيدة جداً في توضيح المسائل والعلوم،  والتفريق بين متشابهها،  وترتيب المدارك،  وفهم كلام العلماء.

وهذا ظاهر في ردوده على الفلاسفة وغيرهم،  وتفسيره لكلام العلماء.

المسألة السادسة:  دقة الملاحظة:

كان - رحمه الله - عنده من دقة الملاحظة ما جعل عقله كالميزان للمعارف،  أو كالمنخل الذي يصفي العلوم،  ولا يكاد يمر منه باطل.

وقد ظهر ذلك جلياً في مناقشته لعلوم المتكلمين والمبتدعة،  وسائر علوم أهل الإسلام.

من ذلك:  أن الأحمدية كانت تظهر الفقر والزهد،  وتظهر الخوارق أمام العامة من الدخول في النار فقال ابن تيمية:  من أراد منهم أن يدخل النار فليدخل أولاً إلى الحمام وليغسل جسده غسلاً جيداً ويدلكه بالخل والأشنان ثم يدخل بعد ذلك النار،  إن كان صادقاً.  فقال شيخهم:  أحوالنا إنما تنفق عند التتر وليست تنفق عند الشرع ا. هـ.

ولما قال له بعضهم في بعض القبور: إنا نعتقد أن هؤلاء قوم صالحون،  لأنا نأتي بالخيول والدواب إلى قبورهم فتبرأ من المغل فقال:  هذا حجة عليكم فإن المغل (وهو المغص) من برد يحصل للدواب،  فإذا جاءت إلى قبور المعذبين من المنافقين حصل لها فزع يولد حرارة فيذهب ما بها ا. هـ . 

ومن ذلك:  أن اليهود أخرجوا كتاباً يزعمون أنه من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بوضع الجزية عنهم،  ففضحهم ابن تيمية وبين كذبه من عشرة أوجه.

المسألة السابعة:  قدرة الاستنباط والتدليل والاستنتاج:

تميز - رحمه الله - بقدرة كبيرة على الاستنباط من الأدلة بما لم يسبق إليه،  ولذا كانت أدلته على المسائل كالسيوف البواتر،  والأسود الكواسر،  قوة ووضوحاً،  قلّ أن يقف لها أحد،  واستطاع بهذه القدرة نقض أدلة المتكلمين وكشف شبههم،  والرد على المبتدعة والملحدين والزنادقة.

ومن عجيب أمره أنه يستنبط من دليل الخصم دليلاً يكون حجة عليه،  وهذا بارز ظاهر في كثير من مناظراته وردوده،  وله في ذلك رسالة بعنوان:  قاعدة في أن كل آية يحتج بها مبتدع ففيها دليل على فساد قوله.

قال الذهبي:  فإنني ما رأيت أحداً أسرع انتزاعاً للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه ا. هـ.

وقال:  واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها ا. هـ. 

وله في الاستنباط والاستنتاج في غير علوم الشرع أمور باهرة،  يستخرج من المقدمات المنطقية والطبيعية ما يبهر ويحيَّر.

المسألة الثامنة:  قدرة الإقناع والحجاج والمناظرة:

قال ابن الزملكاني:  لا يعرف أنه ناظر أحداً فانقطع معه ا. هـ.

وقال الصفدي:  قل أن قطعه خصمه الذي تصدى له وانتصب أو خلص منه مناظره إلا وهو يشكو من الأين والنصب ا. هـ. 

وقال برهان الدين ابن مفلح:  وأما مناظرته للخصوم وإفحامهم وقطعهم لديه فهو ظاهر ا. هـ.

وقال ابن عبد الهادي:  وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره فيتكلم ويناظر ويفحم الكبار ا. هـ. 

وقد بدأت هذه الموهبة في صغره منذ أن كان يتردد إلى الكتاب كما في قصته السابقة مع اليهودي الذي أسلم على يديه.  

المسألة التاسعة:  الإبداع والتجديد:

أما التجديد لأمور الدين في سائر فنون الشريعة فأمر ظاهر لا يخفى:  في العقيدة والتفسير،  والفقه وأصوله،  والقواعد الفقهية،  والحديث وعلومه،  وغيرها من علوم الشرع،  وسيأتي لهذا مزيد بحث بإذن الله.

وقد قضى له بأنه مجدد المائة السابعة غير واحد من العلماء.   

أما الإبداع فظهر في جوانب عدة،  منها:

أنه أتى بمناهج بحث جديدة كانت مناراً للباحثين والمؤلفين من بعده،  وسيأتي نماذج لذلك بإذن الله.

استدراكه على من يسمون بعباقرة العالم وفلاسفته،  في الوقت الذي كان كثير من عباقرة المتكلمين وأذكيائهم يرددون كلام هؤلاء الفلاسفة دون وعي بمغازيه ومراميه.

استنبط قواعد وضوابط لم يسبق إليها من قبل.

استنبط أدلة لم يسبق إليها من قبل من الكتاب والسنة وغيرها من الأدلة الشرعية.

ألف في العقيدة على منوال لم يسبق إليه.

أفتى بالحجة والدليل في نوازل عصره التي عجز علماء عصره عن الحكم فيها.

المسألة العاشرة:  سرعة القراءة والكتابة:

وصفه بسرعة القراءة الذهبي وغيره ،  وهذا يدل على قوة عقله،  إذ لا يعسر عليه فهم كتاب،  ولا تعيقه مسألة عسرة عند الاستمرار في القراءة.

وأما سرعة الكتابة فأمر ظاهر،  فقد كتب الحموية في قعدة بين الظهر والعصر.

وقال الصفدي:  وكان ذا قلم يسابق البرق إذا لمع،  والودق إذا همع،  ويملي على المسألة الواحدة ما شاء من رأس القلم،  ويكتب الكراسين والثلاثة في قعدة وحد ذهنه ما كلّ ولا انثلم ا. هـ. 

قال ابن رجب:  وكتب في بعض الأحيان في اليوم ما يبيض منه مجلد ا. هـ.

المسألة الحادية عشرة:  حضور البديهة:

وقد عرف بذلك منذ صغره.

حكى ابن القيم أنه كان صغيراً فبحث مع قوم شيئاً فأنكروه،  فأحضروا النقل فلما وقف عليه،  ألقى المجلد من يده غضباً،  فقالوا له:  ما أنت إلا جريء،  ترمي المجلد من يدك وهو كتاب علم،  فقال سريعاً:  أيما خير أنا أو موسى؟.  فقالوا:  موسى،  فقال:  أيما خير هذا الكتاب أو ألواح الجوهر التي كان فيها العشر كلمات؟.   قالوا:  الألواح،  فقال:  إن موسى لما غضب ألقى الألواح من يده. 

وقال ابن شاكر الكتبي:  وكان عنده ذكاء مفرط وبديهة حسنة ا. هـ. 

 

المسألة الثانية عشرة:  الفراسة القوية:

عرف ابن تيمية رحمه الله بفراسة قوية،  يتعجب منها المرء،  حتى كأنما هو محدث ملهم ينظر بنور الله،  فلا تكاد تخطيء فراسته.

وقد ذكر له تلاميذه من فراسته الكثير،  حتى ذكر بعضهم أنه يحتمل مجلداً.

المطلب الرابع:  علومه ومعارفه:

وفيه مسائل:

المسألة الأولى:  حصر علومه ومعارفه:

ويمكن حصر علوم ابن تيمية فيما يلي:

آثار الصحابة ومقولاتهم.

الأحوال والتربية والسلوك والرقائق.

الأخلاق والآداب.

أصول الفقه وتخريج الفروع على الأصول.

التاريخ.

التفسير وعلوم القرآن.

الجبر والمقابلة.

الحديث وعلومه رواية ودراية.

الحساب.

السيرة النبوية.

الشعر والنظم.

العقيدة.

علم الفلك والهيئة.  

علم النفس:  حيث كان له نظريات استفاد منها علماء النفس الإسلاميين المعاصرين.

عل م مقارنة الديانات وخاصة النصارى.

الفرائض.

 الفقه المقارن على اختلاف المذاهب الأربعة،  متقدمين ومتأخرين.

الفقه.

القراءات،  وله كلام في القراءات وأوجهها ولكن لم أجد من نص على دراسته لهذا الفن.

القواعد الفقهية.

الملل والنحل.

المنطق وعلم الكلام والفلسفة.

النحو والصرف وعلوم اللغة.

هذا ما أمكن حصره من تراجم من ترجم له، ولا يبعد أن يكون له علوم أخرى لم تذكر.  

المسألة الثانية:  سمات وملامح علومه ومعارفه:

وقد تميزت علومه ومعارفه بملامح يمكن إجمالها فيما يلي:

السبق العلمي في عدد من المسائل وفي عدد من العلوم. 

مزج التربية بالتعليم،  فقد كان يبث الدروس والعبر في كتبه،  ولم تكن كتبه جافة من الوعظ والتذكير والتوجيه. 

الالتزام التام بالدليل في كل مسألة اختارها،  أو عقيدة اعتقدها.

قال رحمه الله: وقلت مرات، قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاث سنين فإن جاء بحرف واحد عن القرون الثلاثة … يخالف ما ذكرته فأنا أرجع عن ذلك ا. هـ. 

الاستعداد العلمي الكامل.

اتباع الحق وعدم التمادي في الباطل،  والنص السابق شاهد بهذا.

الثبات والمعاصرة:

فهو متمسك بسلفيته الصافية،  متبع للصحابة والتابعين،  ملم بعلوم عصره،  يأخذ منها النافع،  ويدع الضار ويحذر منه بل وينقضه،  يفتي في نوازل عصره،  كما يفتي ويختار في مسائل الخلاف المشهورة.  

حسن العرض وقوة الأسلوب:

يتميز ابن تيمية - رحمه الله - بعرض سلس جذاب مع بلاغة وقوة بيان في فوائد جمة،  ودرر نادرة،  يتبع فيه أسلوب القرآن في الاستطراد في المواضيع لتأكيد قضية معينة،  ثم يعود لموضوعه ويزيده تجلية ووضوحاً.

الاستيعاب والحصر:

تميز أسلوب ابن تيمية بالاستيعاب والحصر للمسائل التي يوردها - لسعة اطلاعه - من أدلة وأقوال واعتراضات،  وكانت الأمانة العلمية تدفعه لعرض أدلة الخصوم كما يحبون أن تعرض،  بل إنه يعرضها في كثير من الأحوال أقوى مما لو عرضوه هم.

ومن نماذج استيعابه أنه عرض أربعين دليلاً على إبطال التحليل.

الاستدراك على أهل الفن:

وهذا ظاهر في كثير من الفنون:  في المنطق والفلسفة وعلم الكلام والتفسير والفقه وأصول الفقه والعربية وغيرها.  وهذه خاصية قل أن توجد عند غيره،  وبهذا الحجم من الإفادة والاستدراك.

قال ابن عبد الهادي:  وقل أن يدخل في علم من العلوم في باب من أبوابه إلا ويفتح له من ذلك الباب أبواب،  ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حذاق أهله ا. هـ. 

وسبق ذكر استدراكه على سيبويه ثمانين خطأ في كتابه.  

الاجتهاد المطلق:

وقد وصفه بذلك غير واحد كالذهبي وابن الزملكاني وغيره. 

وهذا ظاهر في بحوثه ورسائله حيث تكلم بنفس العالم المتمكن المتبحر المجتهد في كل ما يسوغ فيه الاجتهاد من الأصول والفروع.

وذكر غير واحد أنه بقي عدة سنين لا يفتي بمذهب معين،  بل بما ينصره الدليل.

نظريات وآراء سابقة لزمانه:

قال ابن الوردي:  وأعان أعداءه على نفسه بدخوله في مسائل كبار لا تحتملها عقول أبناء زماننا،  ولا علومهم ا. هـ. 

هذا النظرة العميقة والرؤية البعيدة السابقة لعصره تظهر في كثير من اختياراته،  حيث لا يسع الناس غير الأخذ بأقواله.

من ذلك أن الفقهاء كانوا يقسمون البلدان:  إلى دار إسلام ودار حرب،  فجاء ابن تيمية - رحمه الله - بقسيم ثالث لهما،  وهو ما يشبه كل منهما من وجه،  وهذا القسيم الثالث هو المنطبق على بعض البلاد الإسلامية التي تستبعد أحكام الشريعة وتنبذ الإسلام.

ومن ذلك:  رأيه في الطلاق الثلاث حيث أخذت به كثير من المحاكم المعاصرة  لما فيه من الحفاظ على رباط الأسرة من التفكك والانهيار.

ومن ذلك:  كلامه في كروية الأرض وحكاية الإجماع على ذلك،  وهو بهذا يسبق المكتشفين الغربيين في تقرير ذلك.

الفهم التام للأصول والقواعد وحسن تنـزيلها:

القواعد معروفة لدى العلماء،  وقد يتقنها الكثير،  لكن تنزيلها على الفروع والمسائل موهبة أخرى يؤتيها الله من يشاء،  وقد كان لابن تيمية رحمه الله من ذلك الحظ الأوفر والنصيب الأكبر،  وكتبه طافحة بذلك.

العناية بتقرير قواعد وضوابط تضبط الفروع،  وهذه ميزة أخرى في كتبه،  وهي العناية بتقرير قواعد تعين الطالب على فهم الفروع والمسائل وتضبطها له،  فتراه يقول كثيراً:  "قاعدة جامعة"،  بل ألف كتاباً مستقلاً باسم:  قاعدة في العقود.

وقد أحصيتُ له أكثر من مائة وستين رسالة باسم:  قاعدة في كذا. 

والملاحظ على هذه القواعد أنها متنوعة في سائر الفنون:  العقيدة والفقه والسلوك والتفسير وغيرها.

الاقتداء بالمنهج القرآني في الاستطراد المفيد:

يعيب بعض المؤلفين ابن تيمية - رحمه الله - بهذا مع أنه في الحقيقة عند التأمل ميزة مفيدة وخاصية لكتبه اتبع فيها المنهج القرآني بل والنبوي في الاستطراد النافع المفيد،  وتبعه على ذلك ابن القيم - رحمه الله -.

وقد استعذبه منه العلماء وطلبة العلم حتى قالوا:  ليته أكثر منه فإنه ما يستطرد إلا ويجيء بالكنوز النادرة والفوائد الباهرة التي قد لا توجد في كتاب مرقوم،  ثم هو لا يستطرد إلا لدعم قضية من محور حديثه ثم يعود مرة أخرى دون أن ينسى موضوعه الأول. 

الاهتمام بنوازل العصر وتطبيق العلوم على الحياة:

حينما يتكلم ابن تيمية - رحمه الله - يتكلم من منطق رجل خالط الناس وعرف طرق تدبير المعاش صغيرها وكبيرها،  حتى كأنه يمارس ذلك - مع أنه من زهده لم يخالط شيئاً من ذلك - وهذا الفهم ميز آراءه بأنها تنبض بالحياة والواقعية،  وهذا بلا شك مؤثر في الحكم لإدراك المفاسد أو المصالح المترتبة على فتوى أو حكم،  وما يسع الناس العمل به ومالا يسعهم العمل به. 

اطراد أصوله ومعارفه وعدم تناقضها.

من تأمل فقه ابن تيمية أدرك أنه يصدر من منبع واحد،  وقواعد منضبطة غير منخرمة،  حتى إن الفقيه العارف بأصوله ليقدر أن يخمن رأيه في كثير من مسائل الفروع.

كما يتميز بقلة الروايات والرجعات عنه،  وقل أن يوجد له قولان في المسألة مما يدل على وضوح أصوله عنده واطّرادها،  وجريان مسائله على نسق واحد لا اختلاف فيه،  ولا أعلم لابن تيمية أنه صار له أكثر من قولين في مسألة أو فرع. أما المسائل التي له فيها قولان فهي قليلة جداً.  بخلاف غيره فقد تتغير فتواه مرات ومرات.

ربط المعقول بالمنقول:  

وربط العقل بالنقل في الاستدلال يزيد الباحث قناعة بالقول الصواب فيها،  ويقصد ابن تيمية بالدليل العقلي:  الدليل العقلي المستنبط من النص وهو ما يسميه ابن تيمية بالبراهين العقلية القرآنية،  فكل دليل عقلي يؤيد الدليل النقلي فذكره من تمام النعمة ويحصل به زيادة اليقين.

تعظيم علوم السلف ومعارفهم:

والمراد بالسلف عنده الصحابة والتابعون وأتباعهم،  وكان يصف علومهم بالكلام الجليل الجميل،  تبجيلاً وتعظيماً واقتداءً،  وهو بهذا يرد الناس إلى المنبع الصافي،  ويذكر في ذلك كلاماً مقنعاً جزلاً،  يزيد المتشكك يقيناً بعظمة علوم السلف وصحة معارفهم،  ولذا كان يرى أن أقوى وأصدق إجماع:  إجماع الصحابة - رضي الله عنهم -،  وأن من بعدهم يتعذر غالباً معرفة إجماعهم.

وأمر آخر أكد عليه - رحمه الله - وهو الاستعانة بفهم السلف في فهم النصوص،  فهم شاهدوا التنزيل وأدركوا أحوال النبوة،  وعلومهم أقرب للصواب. 

حسن تصوُّر وتصوير المسائل والفروع والأصول:

وهذه ميزة مهمة في علوم ابن تيمية - رحمه الله - فتجده يعرض المسألة بتصوير حسن قوي،  بينما قد توجد المسألة في كتاب آخر ولا تفهم على وجهها لقصور في عرض المسألة،  أو لعدم فهم المؤلف للمسألة.

21- الفهم الدقيق العميق لمقاصد الشارع:

وهذا ظاهر في كثير من ترجيحاته،  حيث يربط ترجيحه بمقاصد الشارع من تحقيق المصالح ودفع المفاسد ونحو ذلك.

كما يقترن ذلك بمعرفة مصالح الخلق في كثير من أمور معاشهم؛ ليتزامن ذلك مع تنزيل الأحكام على الوقائع.  

22- تعظيم النص من القرآن والسنة:

وهو بذلك يتمثل بذلك سيرة السلف أنهم كانوا وقافين عند كتاب الله،  فلم يكن يعدل بالنص بديلاً من قياس أو استصحاب أو غيره،  بل ويشدد على من يخالفه بالكلام القوي القاسي،  ولم يكن يتمحل التأويلات الباردة لصرف الظواهر،  وهو بذلك يعد مجدداً للعودة إلى منبع النبوة الصافي العذب الزلال.

23- تعظيم الأئمة والعلماء وتبجيلهم وعدم التعرض لهم،  ولذا ألف كتابه "رفع الملام"،  ولهج في كثير من كتبه بالثناء عليهم والذب عنهم.

ولذا أنكر على ابن حزم وقوعه في الأئمة وتعرضه لهم. 

وكان يلتمس الأعذار الكثيرة لهم بشتى الطرق على سبيل التعيين أو الإجمال.

وله رسالة باسم:  تفضيل الأئمة الأربعة وما امتاز به كل واحد منهم،  ورسالة في تفضيل مذهب أهل المدينة.

قال رحمه الله:  وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء , كما ليس له أن يتكلم في أهل العلم والإيمان إلا بما هم له أهل ا. هـ

24- فتح مجال الاجتهاد ونبذ التقليد الأعمى بلا دليل:

وهو هنا يفتح المجال للاجتهاد لمن اجتمعت فيه شروطه،  ويحارب التقليد الأعمى من القادر على الاجتهاد،  ويذم صاحبه،  ويستعظم أن يترك الفقيه الدليل تقليداً لإمامه مع علمه بالدليل وصحته.

تسمية العصر الحاضر بعصر ابن تيمية.

الانبعاث الحضاري والفكر التجديدي الذي خلفه تراث ابن تيمية في هذا العصر  جعل بعض المعاصرين يسمى العصر الحاضر بعصر ابن تيمية،  دعاه لذلك عدة أمور:

كثرة المؤلفات المعاصرة عن ابن تيمية وعلومه،  وقد بلغ عددها (94) مصنفاً،  منها (43) رسالة علمية ما بين ماجستير ودكتوراه،  أما كتبه المحققة كرسائل علمية فتلك مسألة أخرى لو جمعت لزادت عن ثلاثين رسالة علمية ما بين ماجستير ودكتوراه،  أما ترجمته فقد وردت في أكثر ممن (73) مصنفاً من كتب التراجم،  وهذا من النوادر.

تأثر الحركات الإصلاحية المعاصرة بدعوته وفكره كدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

إقبال الناس إقبالاً منقطع النظير على مؤلفاته وكتبه.  

ربط علوم الشرع بعضها ببعضها:

أدى سعة اطلاع ابن تيمية وكثرة علومه إلى حسن ربط علوم الشرع بعضها ببعض بصورة قلّ أن تتكرر،  ومعلوم أن علوم الشرع مترابطة ويؤثر بعضها في بعض.

فتراه يربط مسائل علم أصول الفقه بعلم الكلام،  ويبين مدى تأثيرها فيها،  ومثله ذلك في العقيدة والحديث وعلومه والقرآن وعلومه،  وهذا بدوره أدى إلى تجديد الدين مما شابه من ضلالات المتكلمين والمبتدعة.

النقد العلمي المفيد للمؤلفات والعلماء والمذاهب بأسلوب علمي رصين يفيض تقديراً واحتراماً للمنتقدين.

وهو بذلك يكسر حاجز تقديس العلماء،  ويبين أنهم غير معصومين،  وأن الخطأ وارد عليهم،  سواءً كانوا من الصحابة أو التابعين أو الأئمة الأربعة أو غيرهم متبنياً بذلك حقيقة أن النص فوق كل اعتبار.  

البعد عن التكلف في تفسير النصوص وأقوال الصحابة والتابعين،  ومحاربة التأويل الفاسد الذي دخل بسببه على الإسلام شر عظيم.

ومن مظاهر عدم التكلف عنده بعده عن السجع المتكلف حتى أنه لم يسم مؤلفاته بأسماء محددة وإنما كان يصفها بما يوجد فيها من علوم ومعانٍ.

التشدد في قاعدة الجمع بين النصوص ما أمكن ذلك،  خلافاً لبعض المقلدة الذين يتساهلون في ادعاء النسخ.  

إظهار فقه السلف:

حرص ابن تيمية على إظهار فقه الصحابة والتابعين في مباحثه؛ ليعيد ظهور أسماء الصحابة في مواطن الخلاف المقارن بعد أن كاد يختفي من كتب المتأخرين.  

الفقه الشمولي:

نادى ابن تيمية - رحمه الله - في مواضع كثيرة بنظرية الفقه الشمولي،  ونادى بشمولية الشريعة لكل دقيق وجليل،  وبين أنها قادرة على استيعاب ذلك لكنها تحتاج إلى فقهاء ينهلون من المنبع الصافي والمورد العذب الزلال:  الكتاب والسنة والقواعد الأصولية والفقهية ،  وكليات الشريعة،  وله رسالة باسم:  مسألة فيمن يقول:  إن النصوص لا تفي بعشر معشار الشريعة.

كما نادى بالشمولية في فهم النص من خلال الاستقراء التام للأدلة. 

تربية الملكة العلمية لدى القارئ:

فتراه حريصاً على معرفة القاريء لسبب الخلاف وثمرته،  والقاعدة التي ينطلق منها الخلاف،  كما يعطيه قواعد وضوابط تعينه على ضبط الفروع.

حرصه على الإفادة وعدم التكرار:

ولذا لما فسر القرآن لم يفسر إلا المشكل منه تجنباً للتكرار كما صرح بذلك لبعض تلاميذه.

وهكذا كان استطراده،  لم يكن يستطرد إلا لفائدة مهمة.

كثرة الاستعانة بالنصوص في تفسير النصوص:

وهذا ظاهر في كتبه،  وفتح به مجالاً آخر للتجديد بتفسير القرآن بالقرآن أو بالسنة وتفسير السنة بالسنة؛ لأن الشرع من منبع واحد يثني بعضه على بعضه ويصدقه،  وهذا أولى من تفسيره بتأويلات متمحلة وتفسيرات متكلفة لا زمام لها ولا خطام،  ولا تعتمد على أصل من كتاب ولا سنة ولا أثر.

عظمة الانتفاع بكتبه وعلومه في حياته وبعد مماته،  فما رؤي عالم انتفع الناس بكتبه كما انتفع بكتبه،  بل كتبه ضرورة لا يقوم غيرها مقامها في بابها في كثير من الفنون،  سجل ذلك التاريخ بثناء عاطر من المترجمين له على علومه وانتفاع الناس بها في سائر الآفاق والأقطار،  والقرى والأمصار.

قال الذهبي:  ولقد سارت بتصانيفه الركبان في فنون من العلم وألوان ا. هـ.. 

وقال ابن القيم:

وكذا رسائله إلى البلدان والأطراف             والأصحاب والإخوان
هي في الورى مبثوثة معلومة     تبتاع بالغالي من الأثمان
وقال برهان الدين ابن مفلح:  وكتبه التي صنفها فهي أشهر من أن تذكر وتعرف،  فإنها سارت مسير الشمس في الأقطار،  وامتلأت بها البلاد والأمصار ا. هـ. 

ومثله قال ابن رجب.

تحقيق عالمية الدعوة:

حقق ابن تيمية - رحمه الله - عالمية الدعوة من خلال كتبه ورسائله،  إذ كان لا يجهله أن هذا الدين دين عالمي لكافة البشر،  ولابد أن تصل رسالة الإسلام إلى الثقلين فكان له رسائل في دعوة النصارى منها الجواب الصحيح والرسالة القبرصية.   وكان له مناظرات مع النصارى  وغيرهم. وله رسالة في عموم الرسالة للإنس والجن. 

الجرأة العلمية أو "الشجاعة العلمية". 

وهذه ظاهرة في مؤلفاته فلم تكن تأخذه في الله لومة في قول كلمة الحق،  أو إظهار ما يعتقد في أصول الدين وفروعه،  وجرت له بسبب ذلك محن يطول ذكرها،  قدوته في ذلك الأنبياء المرسلون ومن سلك طريقهم.

الواقعية والبعد عن الافتراضات الخيالية:

من تأمل فقه ابن تيمية رآه فقهاً واقعياً ممارساً في الحياة،  بعيداً عن الافتراضات الخيالية التي لا يتوقع لها أن توجد كما هو الحال في بعض كتب مقلدة المذاهب. 

العمق التحليلي للقضايا والمسائل والعلوم:

كان عصر ابن تيمية يتميز في التأليف بالكتب الموسوعية،  كما تتميز بالعمومية في الجملة والجمود والتقليد،  فجاء ابن تيمية - رحمه الله - ليعطي عمقاً في الطرح،  وتحليلاً دقيقاً في البحث والمناظرة،  مما كان له أثر كبير في عصره،  وخاصة على تلامذته كابن القيم وابن رجب وغيرهما. 

أعظم تجديد في التاريخ الإسلامي:

جوانب التجديد في حياة ابن تيمية العملية والعلمية أعظم من أن تحيط بها خاطرة،  أو كلمة عابرة،  فقد جدد - رحمه الله - في أكثر علوم الدين،  كما أحيى الجهاد،  ونقض المنطق،  وحارب المتصوفة والملاحدة والمقلدة والقرامطة والشيعة،  ورد الناس للاعتقاد السلفي الصافي،  وأحيى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

يقول العلامة الشبلي:  الذي يصدق عليه كلمة المجدد،  وينطبق عليه مصطلح المجددية بكل معنى الكلمة هو شيخ الإسلام ابن تيمية،  وخصائص المجددية الأصلية ومميزاتها التي توجد في شخصيته لا توجد في غيره من المجددين ا. هـ.

وقال صديق حسن خان القنوجي في ابن تيمية وابن القيم:  وقد جدد الله بهما الدين الحنيفي، والأعمال القيمة العظيمة التي قام بها الشيخان لم يعهد مثلها،  لا من السلف ولا من الخلف ا. هـ. 

وليس في ذلك غمط لغيره من الأئمة،  لكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء،  ولذا أقيمت حول علومه المهرجانات والندوات الكبيرة،  وكل مشارك في هذه الندوات يطرق جانباً محدداً ويغرف من بحر من علومه  وقد وصلت الأبحاث في بعض الندوات إلى قرابة الخمسين بحثاً. 

تبني نظرية التيسير في أمور المعاملات والعادات:

ومن درس اختياراته رأى ذلك ظاهراً فيها،  وابن تيمية ينكر على الفقهاء تسامحهم في قضايا النكاح وتشددهم في قضايا المعاملات. 

وهو يقرر كثيراً أن الواجبات منوطة بالاستطاعة. 

وله رسالة باسم:  قاعدة في تيسير العبادات لأرباب الضرورات.

أعظم مصنف في التاريخ الإسلامي:

يقول الإمام ابن عبد الهادي:  ولا أعلم أحداً من المتقدمين ولا من المتأخرين جمع مثل ما جمع،  ولا صنف نحو ما صنف،  ولا قريباً منه،  مع أن تصانيفه كان يكتبها من حفظه ا. هـ. يدل لذلك كثرة كتبه وعدم القدرة على حصرها وعدها.

41-تنقية العوم الإسلامية مما شابها من ضلالات المتكلمين،  حيث أن علم الكلام دخل لكثير من العوم الإسلامية كعلم التوحيد والأصول وغيرها مصطحباً ما فيه من خلل وزلل،  فصفى ابن تيمية كثيراً من المسائل من هذه الضلالات،  وخاصة أن بعضها لا يفطن لها إلا من عرف علم الكلام والفلسفة،  ومن ذلك قولهم إن خبر الآحاد لا يفيد العلم،  وقولهم إن أكثر نصوص الشريعة ظنية،  و قولهم بجواز إحاث قول ثالث في المسألة وغير ذلك.

المطلب الخامس:  مؤلفاته:

وفيه مسائل:

المسألة الأولى:  عددها:

لكثرة كتبه وتصانيفه اختلف العلماء في عددها على أقوال عدة:

فمنهم من قال:  خمسمائة مجلد،  وممن قال بهذا الذهبي ونقله عنه اليماني ،  وكذا قاله ابن عبد الهادي ،  وابن الوردي ،  وابن ناصرالدين الدمشقي ،  وابن العماد الحنبلي. 

وقيل ثلاثمائة مجلد،  وبه قال الذهبي أيضاً وقال:  لا،  بل أكثر. ونقله عنه مقراً له الصفدي،  وابن شاكر الكتبي ،  والداوودي ،  والسيوطي. 

وقيل أربعة آلاف كراس،  وبه قال الذهبي أيضاً وقال:  بل أكثر.  ونقله عنه ابن عبد الهادي أيضاً ،  والمقريزي ،  والحافظ ابن حجر. 

وقيل:  مائتا مجلد كبار،  وهو قول رابع للذهبي،  وحكاه اليافعي اليماني،  وابن تغري بردي.

وحصرها د. عبد الله الحجيلي فبلغت عنده (202) مجلداً بدون المكرر،  وبالمكرر في الأسماء بلغت (366) مجلداً ورسالة وكراسة. 

وأوصلها الشيخ علي الشبل في جميع الفنون بالمكرر إلى (429) مجلداً ورسالة. 

وأوصلها الشيخ محمد الشيباني إلى (242) كتاباً ورسالة مما هو موجود في مركز المخطوطات والتراث والوثائق بالكويت. 

وقد حصرتُ مؤلفاته في الفقه وأصول الفقه والقواعد الفقهية فقط فبلغت بالمكرر (400)،  فما بالك بالعلوم الأخرى وخاصة العقيدة والتي صنف فيها أكثر من غيرها،  هذا مع أني تركت كثيراً من المجاميع التي تحوي على رسائل متعددة له.

ومن العلماء من صرح بأنه لا يمكن حصرها لكثرتها وانتشارها في البلدان،  وهذه منقبة لابن تيمية حيث لم تقل هذه الكلمة إلا في نوادر من العلماء،  والغالب على العلماء حصر مؤلفاتهم.  

قال تلميذه ابن رشيق المالكي -وهو أعلم تلاميذه على الإطلاق بكتبه وبخط الشيخ في رسالته التي ألفها في كتب ابن تيمية-:  فذكرت لهم أني أعجز عن حصرها وتعدادها لوجوه أبديتها لبعضهم ا. هـ. 

ولما جاء الصفدي لتعدادها قال:  ومن الذي يأتي على مجموعها! ولله در القائل:

إن في الموج للغريق لعذراً       واضحاً أن يفوته تعداده

وقال ابن عبد الهادي:  ولو أراد الشيخ تقي الدين أو غيره حصرها لما قدروا ا. هـ.

وذكر البزار أن بعض أصحابه جمع له أكثر من أربعين ألف مسألة وقال:  وأما فتاويه ونصوصه وأجوبته على المسائل فهي أكثر من أن أقدر على إحصائها ا. هـ. 

وقال برهان الدين ابن مفلح:  وقد جاوزت حد الكثرة فلا يمكن لأحد حصرها،  ولا يتسع هذا المكان لعدها ا. هـ. 

المسألة الثانية:  أسباب عدم حصرها:

ومن أسباب ذلك:

أنه يكتب في أماكن كثيرة في السجن وخارجه،  في مصر ودمشق وغيرها،  مع سرعة كتابته بحيث كان يكتب في القعدة كتاباً.

عدم عناية الشيخ بما يكتب بحيث كان يكتب الفتوى جواباً على سؤال وتبلغ حجم الكتاب،  كالحموية ويرسلها لبلد السائل.

عدم استقرار الشيخ في مكان واحد وكثرة تنقلاته.

محاربة كتبه من أعدائه،  حيث أخذ منه أكثر من ستين مجلداً من بين يديه في السجن وأودعت عند الدولة،  ومرت فترات كانت تحرق فيها كتبه من قبل أعدائه. 

المسألة الثالثة:  أنواع مؤلفاته:

ويمكن تقسيمها إلى أنواع عدة:

كتب الشروح:  وفيها يشرح متوناً علمية:  فقهية أو عقدية،  مثل:  شرح العمدة،  شرح المحرر،  شرح العقيدة الأصفهانية،  ويدخل في ذلك رسائل عدة في شرح أحاديث متنوعة.

كتب الردود:  وفيها يكون دافع التأليف رداً على مؤلف أو متكلم،  ومنها:  منهاج السنة،  والصارم المسلول،  والرد على الأخنائي،  والرد على البكري،  والرد على الرازي (بيان تلبيس الجهمية)،  والرد على المنطق وغيرها.

كتب مستقلة في مسائل محددة،  دافع التأليف البيان والإفادة،  وهذا كثير جداً،  ومنها الصغير والكبير مثل:  إبطال التحليل،  واقتضاء الصراط المستقيم.

الفتاوى:  وهي أجوبة لأسئلة متنوعة في فنون شتى،  وحصر بعض تلاميذه له أربعين ألف مسألة،  والظاهر أن غالبها فتاوى،  ومن ذلك:  الفتوى الحموية،  وفتوى في أن الطلاق الثلاث واحدة،  وفتيا في الزيارة،  وفتيا في مسألة العلو.

الأجوبة:  وهي في الغالب أجوبة على مسائل يحتاج إليها،  أو عن أسئلة تتردد على الألسن مما تعم به البلوى،  أو شبهة طائرة رائجة أو جواب على اعتراض،  وهذا النوع كثير جداً.  

إجازات حديثية:  وهي تؤلف بناء على طلب صاحب الإجازة،  وفيها يضمن أحاديث بأسانيدها مع الكلام على عللها،  مع بيان صحيحها من ضعيفها وحال الرواة مثل:  إجازته لأهل أصبهان،  وإجازته لأهل غرناطة وغيرها.

الرسائل الإخوانية والوصايا:  يؤلفها في العادة كرسالة أخوية لأحد أصحابه،  أو لأهل قرية أو لملك أو أمير،  أو وصية لأحد إخوانه ومن ذلك:  رسالته إلى بغداد،  ورسالته إلى البصرة،  وأخرى إلى البحرين،  وأخرى إلى ملك حماة،  وأخرى لملك مصر،  والرسالة القبرصية،  والمدنية،  والمصرية،  ووصيته للتجيبي،  وأخرى لابن المهاجري،  وأخرى لأبي القاسم يوسف السبتي.

التعاليق والحواشي المفيدة: ويمكن أن يدخل في هذا مشاركته في كتابة المسودة لآل تيمية بحواشيه وتعاليقه كتعليقه على مراتب الإجماع لابن حزم.

المسألة الرابعة:  العلوم التي صنف فيها:

وقد كتب في غالب فنونه التي درسها كالتفسير والحديث والفقه والأصول والقواعد الفقهية والعقيدة والمنطق والملل والنحل والسيرة والتاريخ  والفرائض والسلوك والأخلاق.

والغالب على مصنفاته أنها من العلوم الشرعية،  وقد يستطرد بذكر غيرها من العلوم،  الطبيعية إذا احتاج إليها،  لكن يلاحظ أنه لم يصنف في العلوم الطبيعية على وجه الاستقلال وإنما يذكرها استطراداً،  فلم يصنف في الحساب والفلك وعلم الهيئة والجبر والمقابلة مع معرفته بها ،  ولعل السر في ذلك هو اغتنامه للوقت وشغله بعلوم الآخرة وحاجة العلوم الشرعية للتأليف فيها،  أما علوم الدنيا فأهلها قائمون بها خير قيام. 

المسألة الخامسة:  ملامح وسمات مؤلفات ابن تيمية:

وتتميز بما يلي:

السهولة والوضوح.

استقصاء مادة البحث من مصادر كثيرة جداً،  حتى كان يراجع في تفسير الآية أكثر من مائة تفسير. 

قوة الاستدلال وظهور الحجة.

حيوية متدفقة مفعمة بالحياة تنبع من ربطه بواقع حياته،  حتى لتعد كتبه موسوعة علمية عن عصره من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية.

مخاطبة العقل دون الثقة المطلقة به.

التجرد للوصول إلى الحقيقة.

النقد البنّاء الهادف.

روح الحوار العلمي الهاديء المبني على الحجج والبراهين.

الأمانة العلمية في النقل والدقة فيه.

الاحتساب العلمي في مؤلفاته،  بحيث يقوم بدور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الناحية العلمية إضافة إلى الناحية العملية.

كثرة كتب ابن تيمية،  وقد وصلت كثرة إلى درجة تعزّ عن الحصر،  وما من أحد ادعى حصرها إلا واستدرك عليه،  وهذا من النوادر.  

كثرة المصادر التي اطلع عليها.

المسألة السادسة:  مصادر مؤلفات ابن تيمية:

كان رحمه الله يحفظ الكتب الستة ومسند أحمد،  ويستحضر كثيراً من الأحاديث والآثار في المسانيد والسنن والمستخرجات والمستدركات والمصنفات والأجزاء،  واستفاد من ذلك في تصانيفه كثيراً.

وقد تأثر كثيراً بالمحلى لابن حزم،  وكان يستظهر كثيراً منه،  وكان ينقل منه كثيراً.

أما استفادته من كتب الحنابلة واطلاعه عليها فهذا أمر مفروغ منه،  وخاصة كتب المتقدمين منهم وله بذلك عناية فائقة بها،  ظهر ذلك من خلال كتبه وكثرة نقله منها وعزوه إليها.

وقد اطلع على كتب كثيرة جداً وقد ورد ذكر أسماء كثيرة لكتب مهمة ومتنوعة في فهرس  مجموع الفتاوى بلغ عددها:  (141) كتاباً،  بل لقد وجدتُ له أكثر من (440) كتاباً ورد ذكرها في مجموع الفتاوى،  وعدد من هذه الكتب مفقود الآن.  

المطلب السادس:  تأثير ابن تيمية في مجال الفقه وعلومه:

وفيه مسائل:

المسألة الأولى:  تجديده في مجال الفقه وعلومه:

وبرز هذا في جوانب:

أ - تعظيم النص وردِّ الناس إليه.

ب - فتح مجال الاجتهاد ومحاربة التقليد المجرد عن الدليل الصحيح.

ج - تعظيم علوم السلف والانتفاع بها.

د- تطبيق منهجية البحث العلمي في البحث والمناظرة.

هـ - تصحيح القواعد الخاطئة والمسائل المرجوحة.

و - تنقية أصول الفقه مما شابه من مسائل علم الكلام.

ز - تقرير القواعد والضوابط الفقهية التي لم يسبق إليها.  

ومن نماذج تجديده:  ردّه على دعوى مخالفة النص للقياس،  حيث تردد على ألسن كثير من الفقهاء قولهم في بعض النصوص:  هذا على خلاف القياس،  وقد رد على ذلك وقرر أن القياس الصحيح لا يعارض نصاً،  وقد حمد له العلماء هذا المبحث القيم وأثنوا عليه به.

ح - يعتبر من أوائل من ألف في أسباب خلاف العلماء بكتابه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

المسألة الثانية:  ابن تيمية والمذهب الحنبلي:

نشأ ابن تيمية - رحمه الله - أول أمره متفقهاً على المذهب الحنبلي أصولاً وفروعاً،  شأنه في ذلك شان أسرته:  والده وجده وغيرهما.

وله مؤلفات في المذهب منها:  شرح العمدة وشرح المحرر،  تدل على تبحره في المذهب وإمامته فيه حتى صار من أكبر علماء المذهب،  ودرس بالمدارس الحنبلية المذهب وقرره أحسن تقرير.

وقد أفاد - رحمه الله - المذهب بحسن تقريراته وقوة أدلته مما زاد من تقدير الناس للمذهب الحنبلي واحترامهم لعلوم مجتهديه،  وقد كان رحمه الله يبجل الإمام أحمد أعظم تبجيل ويرفع من شأن علماء المذهب ويظهر فضائلهم وينشر محاسنهم.

وقد كان ملتزماً بالمذهب في أول حياته،  ثم صار يرجح ما رجحه الدليل من روايات المذهب المختلفة.  

وقد كان - رحمه الله - معجباً بالمذهب الحنبلي ويثني عليه كثيراً لصحة أصول أحمد عنده،  وعنايته بالدليل،  وسعة اطلاع أحمد على الأحاديث والآثار،  ولذا قل أن يوجد قول راجح إلا وله فيه رواية حتى بلغت بعض رواياته أربع عشرة رواية.    وله رسالة في تفضيل مذهب أحمد. 

 وقد استمرت عناية ابن تيمية - رحمه الله - بالمذهب الحنبلي حتى آخر حياته،  يظهر ذلك في عنايته بأقوال أحمد وأقوال الأصحاب،  وتحقيق روايات المذهب في مسائل الخلاف.

وقد كان لابن تيمية - رحمه الله - دور كبير في المذهب الحنبلي حتى وصل تأثيره فيه إلى درجة الاستفادة من ترجيحاته في تقرير المذهب عند المرداوي وغيره من منقحي المذهب. 

وكان من تأثيره أن صحح كثيراً من الروايات المنسوبة لأحمد وبين الصحيح منها،  واستدل للراجح في المذهب بما لم يسبق إليه،  ولذا إذا قيل:  الشيخ عند المتأخرين عنوا به ابن تيمية. 

والظاهر أن الحنابلة يعدونه مجتهداً في المذهب الحنبلي،  كما أنه لم يكن يتبرأ من الانتساب له،  ولذا يقول كثيراً:  أصحابنا،  الأصحاب،  وهذا لا يغض من مكانته ولا يمنع من وصفه بالمجتهد المطلق.

وقد كان - رحمه الله - سبباً في تحول بعض العلماء من مذهبه الأول إلى مذهب الحنابلة،   لا بطلب منه ولكن بسبب تعظيمه لمذهب أحمد وحسن تقريره له.

المسألة الثالثة:  سمات الفتوى عند ابن تيمية:

ويلاحظ المستقريء لفتاوى ابن تيمية - رحمه الله - ملامح وسمات تميزها ومن ذلك:

محاربة التحايل على الشرع ولذلك ألف كتابه "إبطال التحليل"،  في الوقت الذي كان يؤلف بعض الفقهاء كتباً في المخارج والحيل،  فكان يلاحظ ذلك في سؤال السائل،  فإن رأى منه ذلك منعه.

الفهم التام لسؤال السائل والمستفتي.

معرفة حال المستفتي ومراعاتها.

التفصيل والاحتراز في الفتوى.

مراعاة التيسير والرفق فيما يسع ذلك فيه. 

بث التوجيه والنصح في الفتوى.

المطلب السابع:  مشاركاته العلمية:

تمثلت مشاركات ابن تيمية في عدد من المجالات منها:

التدريس في حلقات العلم:  

حيث تولى وظائف والده بعد موته في التدريس بمشيخة دار الحديث وله من العمر إحدى وعشرون سنة 683هـ. كما تولى التدريس بالمدرسة الحنبلية سنة 695هـ.

الإفتاء:

حيث قصده الناس من كل حدب وصوب بالفتوى،  ووردت عليه الأسئلة من سائر البلدان،  فكان يجيب بالأجوبة الباهرة والفوائد النادرة.  

واستفتاه الملوك والأمراء والكبراء وطلبة العلم بل والعلماء،  هذا مع وجود قاضي القضاة لكل مذهب من المذاهب الأربعة.  

وقد عرض عليه منصب قضاء القضاة ومشيخة الشيوخ فرفض،  وكان ذلك قبل التسعين وستمائة وعمره حينذاك دون الثلاثين.

ذكر ذلك ابن رجب وذكر أنه قرأه من خط ابن تيمية.

التأليف والتصنيف.

المناظرات العلمية.

وأخباره فيها مشهورة معلومة،  عرف بها من صغره منها:  مناظرته حول الحموية،  ومناظرته مع الاتحادية،  ومناظرته مع ابن مخلوف،  ومناظرته في فتوى الزيارة،  ومناظرته في فتوى الطلاق،  ومناظرته حول العقيدة الواسطية،  ومناظرته مع الأحمدية.  

المطلب الثامن:  ملامح منهج البحث العلمي عند ابن تيمية:

تمثل ابن تيمية - رحمه الله - جوانب كثيرة من منهج البحث العلمي في مباحثه التي بحثها،  باستثناء الفتاوى المختصرة فلها وضعها الخاص،  فقد كان في مباحثه يطبق كثيراً من معايير المنهج العلمي في البحث مثل:

الاستقراء التام في حصر الأقوال في المسألة ونسبة الأقوال والأوجه والروايات والمذاهب.

العناية بمذاهب السلف والمتقدمين.

استيعاب الأدلة وذكر الاعتراضات والمناقشات.

ذكر سبب النزاع.

ذكر ثمرة الخلاف.

الالتزام بآداب البحث والمناظرة.

ربط الفروع بالأصول.

الدقة في النقل.

الأمانة العلمية في عرض أدلة المخالفين واستيعابها وحسن عرضها.

تحرير محل النزاع وذكر مواطن الإجماع.

تصوير المسألة محل البحث.

ذكر أسباب الترجيح.

المطلب الأول:  منهج ابن تيمية في دراسة المسائل الفقهية:

وفيه مسائل:

المسألة الأولى:  منهج ابن تيمية في الاستدلال:

الالتزام التام بالكتاب والسنة وآثار السلف. 

قال شيخ الإسلام:  فمن بنى الكلام في علم الأصول والفروع على الكتاب والسنة والآثار المأثورة عن السابقين فقد أصاب طريق النبوة،  وكذلك من بنى الإرادة والعبادة والعمل والسماع المتعلق بأصول الأعمال وفروعها من الأحوال القلبية،  والأعمال البدنية على الإيمان والسنة والهدي الذي كان عليه محمد – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه فقد أصاب طريق النبوة،  وهذه طريق أئمة الهدى ا. هـ.

هذا من الناحية النظرية في كلامه،  أما من الناحية التطبيقية فيقول عنه الذهبي:  وما رأيت أسرع انتزاعاً للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه،  ولا أشد استحضاراً للمتون وعزوها منه،  كأن السنة بين عينيه،  وعلى طرف لسانه، بعبارة شيقة وعين مفتوحة ا. هـ.

وقال:  وإنما ضلوا لعدم علمهم بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان.  فإن الله تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ا. هـ

وقد ذكر أن هذا سبب ضلال من ضل فقال: وقد بسط الكلام في غير هذا الموضع على تنازع المبتدعين الذين اختلفوا في الكتاب،  وبين فساد أقوالهم وأن القول السديد هو قول  السلف وهو الذي يدل عليه النقل الصحيح والعقل الصريح وإن كان عامة هؤلاء المختلفين في الكتاب لم يعرفوا القول السديد قول السلف ; بل ولا سمعوه ولا وجدوه في كتاب من الكتب التي يتداولونها ; لأنهم لا يتداولون الآثار السلفية ولا معاني الكتاب والسنة إلا بتحريف بعض المحرفين لها،  ولهذا إنما يذكر أحدهم أقوالا مبتدعة:  إما قولين وإما ثلاثة وإما أربعة وإما خمسة والقول الذي كان عليه السلف ودل عليه الكتاب والسنة لا يذكره لأنه لا يعرفه ; ولهذا تجد الفاضل من هؤلاء حائرا مقرا بالحيرة على نفسه وعلى من سبقه من هؤلاء المختلفين لأنه لم يجد فيما قالوه قولا صحيحا ا. هـ.

وكان لهذا الالتزام ملامح ظاهرة تشهد بذلك،  منها:  أنه تشدد في نسخ الكتاب أو السنة إلا إذا تعذر الجمع.  

وفي المقابل نجد بعض مقلدة المذاهب يرد عليه الدليل فلا يكلف نفسه عناء بحثه،  بل يقلد إمامه في دعوى النسخ،  أو يقول:  لابد أن الإمام اطلع عليه،  ولو كان صحيحاً لما تركه.  

ومن ملامح عنايته بأقوال السلف:  احتجاجه بقول الصحابي.

 ومنها جعل إجماع الصحابة أوثق أنواع الإجماع،  وأن إجماع ما عداهم يتعذر وقوعه.  

ومن ذلك عنايته بذكر أقوال السلف في مسائل الفقه بعد أن اختفت أقوالهم من كتب كثير من مقلدة المذاهب،  فأحيى أقوالهم ونشرها ووثقها.

وقد وصفه ابن سيد الناس بأنه كاد يستوعب السنن والآثار حفظاً،  مما يدل على فائق عنايته بالآثار المنقولة عن السلف.  

فهم النصوص حسب مراد الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – مع الاستعانة بفهم السلف في فهم النصوص.  

النصوص يفسر بعضها بعضاً،  وهي متوافقة غير متخالفة،  ولذا كان لزاماً على المستدل الاستعانة بالنص في فهم النص،  وكان هذا من أنواع التجديد التي طرقها ابن تيمية - رحمه الله - في تجديد تفسير النصوص بالنصوص،  وفي المقابل تجد تقصيراً من بعض العلماء في ذلك،  فتجده يتجه إلى التأويل أو تفسيره بما اشتهر في مذهبه مع اطراح تفسير النصوص.

ومن ذلك اعتبار النصوص بعضها ببعض،  ومعرفة مقاصد الشارع؛ ليعين على تفسير نص معين.  

وقد اعتنى رحمه الله بفهم السلف في تفسير النصوص وخاصة القرون الثلاثة الأولى المفضلة،  ولذا تراه يقول:  فإنه كلما كان عهد الإنسان بالسلف أقرب كان أعلم بالمعقول والمنقول ا. هـ.

وقال:  وانظر في عموم كلام الله عز وجل ورسوله لفظاً ومعنى حتى تعطيه حقه وأحسن ما استدل به على معناه آثار الصحابة الذين كانوا أعلم بمقاصده،  فإن ضبط ذلك يوجب توافق أصول الشريعة وجريها على الأصول الثابتة.  ا. هـ.  

وقال: والقرآن نزل بلغة قريش والذين خوطبوا به كانوا عربا وقد فهموا ما أريد به وهم الصحابة ثم الصحابة بلغوا لفظ القرآن ومعناه إلى التابعين حتى انتهى إلينا ا. هـ

وقال: وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن والأحوال التي اختصوا بها ; ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح ; لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ا. هـ

وقال: وللصحابة فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين كما أن لهم معرفة بأمور من السنة وأحوال الرسول لا يعرفها أكثر المتأخرين فإنهم شهدوا الرسول والتنزيل وعاينوا الرسول وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله مما يستدلون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرين الذين لم يعرفوا ذلك فطلبوا الحكم ما اعتقدوا من إجماع أو قياس ا. هـ.

 

استقراء مقاصد الشارع والاستعانة بها في الاستدلال.

 عني رحمه الله بجمع الأدلة في المسألة،  وهذا أورثه معرفة بمقاصد الشارع،  أعانه على الاستدلال لتحقيق تلك المقاصد.

قال رحمه الله:  وانظر في عموم كلام الله - عز وجل - ورسوله لفظاً ومعنى حتى تعطيه حقه ا. هـ. 

ومن النماذج التطبيقية قوله: فنذكر حكمة الحيض وجريان ذلك على وفق القياس فنقول:  إن الشرع جاء بالعدل في كل شيء.  والإسراف في العبادات من الجور  الذي نهى عنه الشارع وأمر بالاقتصاد في العبادات ; ولهذا أمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور ونهى عن الوصال …..   فالعدل في العبادات من أكبر مقاصد لشارع ا. هـ

وقال: وأما من تدبر أصول الشرع ومقاصده فإنه رأى الشارع لما أمر بالصوم أمر فيه بالاعتدال حتى كره الوصال وأمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور،  وجعل أعدل الصيام وأفضله صيام داود،  وكان من العدل أن لا يخرج من الإنسان ما هو قيام قوته فالقيء يخرج الغذاء،  والاستمناء يخرج المني، والحيض يخرج الدم،  وبهذه الأمور قوام البدن لكن فرق بين ما يمكن الاحتراز منه، وما لا يمكن فالاحتلام لا يمكن الاحتراز منه وكذلك من ذرعه القيء وكذا دم الاستحاضة فإنه ليس له وقت معين بخلاف دم الحيض، فإن له وقتا معينا فالمحتجم أخرج دمه ،  وكذلك المفتصد بخلاف من خرج دمه بغير اختياره كالمجروح،  فإن هذا لا يمكن الاحتراز منه فكانت الحجامة من جنس القيء والاستمناء والحيض،  وكان خروج دم الجرح من جنس الاستحاضة والاحتلام وذرع القيء،  فقد تناسبت الشريعة وتشابهت ولم تخرج عن القياس.  والأظهر أنه لا يفطر بالكحل ولا بالتقطير في الإحليل ولا بابتلاع ما لا يغذي كالحصاة ولكن يفطر بالسعوط.  أ. هـ

مراعاة قواعد أصول الفقه والاحتجاج بالقواعد الكلية.

كان ابن تيمية - رحمه الله - بارعاً في أصول الفقه،  وقد أفاده ذلك في قوة عرض الدليل مع ربطه استنباطه بالأصول،  مبيناً بذلك خطأ بعض المستدلين ببعض الأدلة من الناحية الأصولية لعدم انطباقه مع ما يرجحونه في الأصول،  أو لبنائه على قاعدة مرجوحة،  مثل توسع بعض الفقهاء في الاحتجاج بما يظن أنه إجماع وليس كذلك ليرد به نصاً.   

كما كان ذا عناية بالاستدلال بالقواعد الفقهية،  وقد جمع بعض الباحثين كلامه في القواعد الفقهية في مجلد ضخم،  يدل على كثرة احتجاجه بها.  

قال رحمه الله:  فيجب على المسلم أن يراعي القواعد الكلية التي فيها الاعتصام بالسنة والجماعة ا. هـ.

الاحتجاج بالمعقول مع المنقول.

يكثر ابن تيمية - رحمه الله - من الاحتجاج بالمعقول بعد استيعاب أدلة المنقول ليقرر بذلك نظريته التي تبناها وقررها أحسن تقرير،  وهي أن المعقول لا يمكن أن يخالف المنقول،  سواءً في الأصول أو الفروع.

والمراد بالمعقول عنده:  دليل القياس وأدلة المعنى والنظر،  وليس الهوى أو العقل المجرد.

وقد طبق ابن تيمية نظريته تلك على الفقه،  فأبطل ما كان شائعاً عند بعض الفقهاء،  من دعوى وجود أدلة قياس صحيحة تعارض النص كقول:  بعضهم هذا على خلاف القياس.

قال - رحمه الله -:  وبالجملة فما عرفت حديثاً صحيحاً إلا ويمكن أن يخرج على الأصول الثابتة،  وقد تدبرت ما أمكنني من أدلة الشرع فما رأيت قياساً يخالف حديثاً صحيحاً،  كما أن المعقول الصريح لا يخالف المنقول الصحيح ا. هـ.

وقد أفاد هذا كثيراً في الرد على من يدعي التناقض في معاني الشريعة.

قال - رحمه الله -:  والمقصود هنا التنبيه على فساد من يدّعي التناقض في معاني الشريعة أو ألفاظها،  ويزعم أن الشارع يفرق بين المتماثلين ا. هـ.  

الجمع بين منهج أهل الحديث وأهل الفقه.

كان ابن تيمية - رحمه الله - فقيهاً لا يبارى،  ومحدثاً لا يجارى،  وهذه الملكات جعلته يجمع بين المنهجين في استدلالاته،  فكان يأخذ من أهل الحديث توثيق النصوص الحديثية والالتزام بما صح منها وتعظيم النصوص،  ويأخذ من أهل الفقه الغوص في المعاني والعلل الشرعية وفق القواعد المعتبرة،  وهو بذلك يقتدي بمن تقدمه من الأئمة الذين جمعوا بين المنهجين كالشافعي وأحمد وغيرهما.

الأمانة العلمية في نقل أدلة المخالفين وحسن عرضها وتقريرها.

المسألة الثانية:  منهج ابن تيمية في توثيق المذاهب:

كان - رحمه الله - يتحرى الدقة في نسبة المذاهب الفقهية ويتبين منهجه في النقاط التالية:

التثبت في النقل عن الأئمة،  وتوثيقها صحة وضعفاً.  

وخطورة هذا الأمر تنبع من وجود بعض الأقوال الشاذة المنسوبة للأمة والتي كانت حجة للزنادقة في الطعن في الدين،  فلذا كان لزاماً من سلوك طريق التثبت.

كما تنبع خطورة ذلك من أن القول قد يشتهر عن إمام ويتخذه أصحابه من بعده ديناً وشرعاً،  يناصرونه ويؤيدونه،  ويقاتلون دونه،  ثم يُخَرِّجون عليه من الفروع والمسائل ما لا يحصى،  فيجر من خطأ إلى خطأ، وقد كان - رحمه الله - على درجة عالية من التوثيق مع سعة الاطلاع والمعرفة بأقوال الأئمة.

 وقد بين ابن تيمية - رحمه الله - كثيراً من الأقوال الضعيفة أو الشاذة المنسوبة للأئمة،  وكان يبين أن الواجب على طالب العلم أن يتحرى في نسبة الأقوال الضعيفة إلى الأئمة ويتوثق منها،  ولبعض المعاصرين رسالة في بيان غلط الناس على أحمد فيما ينسب له وجمع له أكثر من ستين مسألة.

قال - رحمه الله - في مسألة زواج بنت الزنا بأبيها:  ومثل هذه المسألة الضعيفة ليس لأحد أن يحكيها عن إمام من أئمة المسلمين،  لا على وجه القدح فيه،  ولا على وجه المتابعة له فيها،  فإن في ذلك ضرباً من الطعن في الأئمة واتباع الأقوال الضعيفة،  وبمثل ذلك صار وزير التتر يلقي الفتنة بين مذاهب أهل السنة حتى يدعوهم إلى الخروج من السنة والجماعة ويوقعهم في مذهب الرافضة وأهل الإلحاد ا. هـ.

وكذلك من نقل عن مالك أنه جوز سؤال الرسول أو غيره بعد موتهم أو نقل ذلك عن إمام من أئمة المسلمين – غير مالك – كالشافعي وأحمد وغيرهما فقد كذب عليهم ولكن بعض الجهال ينقل هذا عن مالك ويستند إلى حكاية مكذوبة عن مالك. ه

الترجيح بين أقوال الأئمة المتعارضة،  والتحقيق في فهم كلامهم وحمله على الوجه الصحيح عنهم.

وقد نبه ابن تيمية - رحمه الله - إلى خطورة هذا،  وأنه بسببه وقع كثير من المنتسبين إلى الأئمة في الخطأ،  ففهموا من أقوالهم مالا يريدون،  فنسب إلى الإمام،  وانتشر وخرّجوا عليه فروعاً وأصولاً ومسائل.

وقد حقق رحمه الله فوائد عظيمة بتحقيق نسبة كثير من الأقوال المنسوبة للأئمة.

ومن ذلك قوله في اعتبار لفظ الإنكاح والتزويج في النكاح:  وهذا مع أنه ليس منصوصاً عن أحمد فهو مخالف لأصوله،  ولم ينص أحمد على ذلك،  ولا نقلوا عنه نصاً في ذلك … ا. هـ. 

وكان – رحمه الله – يرى أن لازم قول العالم إذا كان حقاً فيجب التزامه،  أما لازم قوله الذي ليس بحق فهذا لا يجب التزامه،  وغاية ما فيه أنه قد تناقض،  والتناقض وارد من غير المعصوم.   وذكر أنه لا ينسب إليه إلا إذا عرف من حاله أنه يلتزمه،  وإن لم يعرف منه ذلك فلا يجوز نسبته إليه،  وهذا الكلام منه دقة فهم وعمق تحليل.

المسألة الثالثة:  منهج ابن تيمية في مناقشة الأدلة والأقوال:

ويتميز منهجه في ذلك بما يلي:

الدقة والأمانة العلمية في مناقشة الأقوال والأدلة والاعتراض عليها.

روح التجرد والإخلاص في معرفة الحق. 

احترام آراء العلماء وتوجيهها ما أمكن ،  ولذلك  ألف كتابه الشهير  رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

نقض أصول المخالف من خلال أصوله التي يعتقدها. 

العناية بسبب الخلاف ومنشأه حين المناقشة.  

مناقشة الدليل صحة وضعفاً،  ثم مناقشة دلالته وصلاحيتها للاستدلال. 

قال - رحمه الله -:  وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا ونقلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة،  إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة،  وإما لآيات فهموا منها ما لم يُرَد منها،  وإما لرأي رأوه ا. هـ.

مناقشة دلالة النص على المراد.

المسألة الرابعة:  منهج ابن تيمية في الترجيح:

مراعاة تحقيق مقاصد الشارع من تحقيق المصالح ودرء المفاسد.

مراعاة الجمع بين السنن الواردة ودفع دعوى التعارض بينها ما أمكن.

وهذا يصح في سنن متنوعة وردت بها السنة،  أخذ بكل منها قوم وتركوا ما سواه،  وهذا ترك لبعض السنة.

 قال - رحمه الله -:  ومن تمام السنة في مثل هذا أن يفعل هذا تارة وهذا تارة،  وهذا في مكان وهذا في مكان ا. هـ. 

وله في هذا رسالة مستقلة باسم:  رسالة في العبادات التي جاءت على وجوه متعددة؟. 

تغليب التيسير فيما يسوغ فيه.

طبق ابن تيمية - رحمه الله - هذا المبدأ كثيراً في فتاويه واختياراته،  خاصة في أبواب المعاملات والعادات التي لم يرد فيها نص،  وهذا التزام منه بالمنهج القرآني كما في قوله تعالى:  ]وما جعل عليكم في الدين من حرج[. 

وقد أنكر على المتشددين بغير دليل فيما الأصل بخلافه،  وهو يرى أن هذا التشدد كان سبباً في اضطرار الناس للتحايل على حدود الشارع،  وهو أشد إثماً من الوقوع في المحظور. 

ولذا عده بعض المعاصرين حاملة راية التيسير في الفقه الإسلامي.

4- محاربة الحيل والتحايل على حدود الشارع،  ولذا صنف كتابه العظيم "إبطال التحليل"،  ثم هو يفسر وقوع هذا النوع من التحايل والمخارج التي سوغها الفقهاء بتحريمهم ما لم يحرمه الله مما اضطرهم للتحايل عليه.

ومن كلامه في هذا قوله: ولما اعتقد هؤلاء أن إجارة الظئر على خلاف القياس صار بعضهم يحتال لإجرائها على القياس الذي اعتقدوه، فقالوا:  المعقود عليه فيها هو إلقام الثدي أو وضعه في الحجر أو نحو ذلك من المنافع التي هي مقدمات الرضاع. اهـ

وقال:  وهذا القول الذي دلت عليه أصول مالك وأصول أحمد وبعض أصول غيرهما:  هو أصح الأقوال.  وعليه يدل غالب معاملات السلف.  ولا يستقيم أمر الناس في معاشهم إلا به وكل من توسع في تحريم ما يعتقده غررا:  فإنه لا بد أن يضطر إلى إجازة ما حرمه الله.  فإما أن يخرج عن مذهبه الذي يقلده في هذه المسألة وإما أن يحتال.  وقد رأينا الناس وبلغتنا أخبارهم فما رأينا أحدا التزم مذهبه في تحريم هذه المسائل ولا يمكنه ذلك.  ونحن نعلم قطعا أن مفسدة التحريم لا تزول بالحيلة التي يذكرونها.  فمن المحال:  أن يحرم الشارع علينا أمرا نحن محتاجون إليه ثم لا يبيحه إلا بحيلة لا فائدة فيها.  وإنما هي من جنس اللعب ا. هـ.

5- مراعاة القواعد الكلية المرعية في الترجيح،  فتراه يرجح بأن الأصل في المسألة كذا،  والأصل استصحاب هذا الأصل حتى يأتي دليل يخرج عنه،  مثل احتجاجه:  أن الأصل في المعاملات الإباحة،  وفي العقود والشروط الصحة،  ونحو ذلك.  

المطلب الثاني:  أصول أدلة ابن تيمية:

وفيه مسائل:

المسألة الأولى:  الكتاب:

وقد عني بهذا الأصل كثيراً،  يظهر ذلك في كثرة استشهاده وعنايته به،  تفسيراً وتدريساً واستشهاداً واستدلالاً،  حتى صنف فيه تفسيراً يبلغ الثلاثين مجلداً.   وكان يطالع في تفسير الآية الواحدة أكثر من مائة تفسير،  وقد ألف في أصول التفسير قواعد كلية تضبط الاستدلال به،  ومن عنايته بذلك أنه منع أن شيئاً ينسخ القرآن مستدلاً على ذلك من القرآن.

    قال ابن تيمية:  فنقول:  أما طرق الأحكام الشرعية التي نتكلم عليها في أصول الفقه فهي - بإجماع المسلمين - " الكتاب " لم يختلف أحد من الأئمة في ذلك كما خالف بعض أهل الضلال في الاستدلال على بعض المسائل الاعتقادية ا. هـ.  

المسألة الثانية:  السنة:

وقد عني بهذا الأصل عناية فائقة حفظاً واستشهاداً واستدلالاً وتصنيفاً وشرحاً.  

وحرر في علوم الحديث مسائل مهمة كانت نبراساً لمن بعده مثل:  الاحتجاج بخبر الواحد في العقائد والأحكام،  وأنه قد يفيد العلم إذا احتفت به القرائن،  كما عني بصحة الأحاديث،  فبين ضعف كثير من الأحاديث المنثورة في كتب الفقهاء وكتب العقائد وغيرها.   

وقال في تقرير هذا الدليل: ( والثاني - " السنة المتواترة " التي لا تخالف ظاهر القرآن ; بل تفسره مثل أعداد الصلاة وأعداد ركعاتها ونصب الزكاة وفرائضها وصفة الحج والعمرة وغير ذلك من الأحكام التي لم تعلم إلا بتفسير السنة.  وأما السنة المتواترة التي لا تفسر ظاهر القرآن أو يقال تخالف ظاهره كالسنة في تقدير نصاب السرقة ورجم الزاني وغير ذلك فمذهب جميع السلف العمل بها أيضا إلا الخوارج ا. هـ

ثم تراه ينكر على الخوارج مذاهبهم الباطلة في التعامل مع السنة  ويحكي عنهم أنهم لا يتبعونه صلى الله عليه وسلم إلا فيما بلغه عن الله  من القرآن والسنة المفسرة له وأما ظاهر القرآن إذا خالفه الرسول فلا يعملون إلا بظاهره ولهذا كانوا مارقة مرقوا من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أ. هـ.

ثم تراه يقرر حجية السنن المتواترة  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر أنها:  إما متلقاة بالقبول بين أهل العلم بها ; أو برواية الثقات لها.  وأنها مما اتفق أهل العلم على اتباعها من أهل الفقه والحديث والتصوف وأكثر أهل العلم.

ثم يقرر ضلالات أهل الكلام في التعامل معها فيقول: وقد أنكرها بعض أهل الكلام.  وأنه قد أنكر كثير منهم أن يحصل العلم بشيء منها وإنما يوجب العلم فلم  يفرقوا بين المتلقى بالقبول وغيره وكثير من أهل الرأي قد ينكر كثيرا منها بشروط اشترطها ومعارضات دفعها بها ووضعها،  كما يرد بعضهم بعضا لأنه بخلاف ظاهر القرآن فيما زعم أو لأنه خلاف الأصول أو قياس الأصول أو لأن عمل متأخري أهل المدينة على خلافه أو غير ذلك من المسائل المعروفة في كتب الفقه والحديث وأصول الفقه. ا. هـ.

المسألة الثالثة:  الإجماع:

يعتبر ابن تيمية الإجماع الأصل الثالث من أصول التشريع،  وأن الإجماع المعلوم من الدين بالضرورة يكفر مخالفه، لكنه يذكر أن هذا لا يكون إلا فيما علم بالنص ثبوته.

ويشدد في توثيق الإجماع وصحته حتى لا يحتج بما يتوهم إجماعاً وليس بإجماع.

ويحصر الإجماع بعصر الصحابة،  ويعتبر وقوع الإجماع من غيرهم متعذراً العلم به غالباً.

ويقرر أن الإجماع نوعان:  قطعي وظني:  فالقطعي لا يأتي خلاف النص أبداً.  وأما الظني الاستقرائي - الذي هو في حقيقته عدم علم بالمخالف - فلا تعارض به النصوص؛ لأنه حجة ظنية. 

قال رحمه الله في تقرير هذا الدليل:  الطريق الرابع:  الإجماع وهو متفق عليه بين عامة المسلمين من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث والكلام وغيرهم في الجملة وأنكره بعض أهل البدع من المعتزلة والشيعة لكن المعلوم منه هو ما كان عليه الصحابة وأما ما بعد ذلك فتعذر العلم به غالبا ولهذا اختلف أهل العلم فيما يذكر من الإجماعات الحادثة بعد الصحابة واختلف في مسائل منه كإجماع التابعين على أحد قولي الصحابة والإجماع الذي لم ينقرض عصر أهله حتى خالفهم بعضهم والإجماع السكوتي وغير ذلك ا. هـ.

المسألة الرابعة:  القياس:

اهتم - رحمه الله - بالقياس باعتباره دليلاً شرعياً تعرف به الأحكام،  وقد ألف فيه رسالة باسم رسالة القياس.

وقد حدد له أطراً ومعالم تضبط القياس وتضعه في موضعه الصحيح،  ومن ذلك:  أن النصوص لا يمكن أن تأتي على خلاف القياس الصحيح.

وقد اختط طريقاً وسطاً في الاحتجاج بالقياس بين المغالين فيه والمنكرين له،  ومن صور المغالاة ما ذكره عن بعض أهل الرأي من استعماله للقياس قبل البحث عن النص،  ووصل ببعضهم لرد النص به. 

قال رحمه الله في تقرير هذا الباب:  ( الطريق الخامس - " القياس على النص والإجماع ".  وهو حجة أيضا عند جماهير الفقهاء لكن كثيرا من أهل الرأي أسرف فيه حتى استعمله قبل البحث عن النص وحتى رد به النصوص وحتى استعمل منه الفاسد ومن أهل الكلام وأهل الحديث وأهل القياس من ينكره رأسا وهي مسألة كبيرة والحق فيها متوسط بين الإسراف والنقص. ا. هـ.

ولو جمع كلام ابن تيمية في مباحث القياس أصولاً وفروعاً،  تأصيلاً وتطبيقاً لبلغ مجلداً لطيفاً.  

المسألة الخامسة:  قول الصحابي:

وقد نحى - رحمه الله - إلى الاحتجاج بقول الصحابي في الحالات التالية:

أ - ماسنه الخلفاء الراشدون ولم ينقل عن الصحابة خلافه.

ب- قول الصحابي إذا انتشر ولم ينكر في زمانه. 

ولم يكن مذهبه نظرياً فحسب،  بل طبقه عملياً في كثير من الفروع والمسائل والأصول فاحتج به،  خلافاً لبعض الفقهاء،  فكان بذلك مجدداً في هذا الباب. 

وقد قرر رحمه الله هذا الدليل في غير موضع،  وأكد أهمية هذا الدليل باعتباره أحد الأدلة الشرعية،  من ناحية كونه إجماعاً سكوتياً،  وأنه أضبط أنواع الإجماع السكوتي،  وأحراها بالدقة،  لانتشار أقوال الصحابة بين العلماء وإمكانية حصرها،  بخلاف غيرهم،  يضاف لذلك أن الصحابة شاهدوا التنزيل وعلموا تأويل النصوص وتفسيرها فهم أحرى الناس بالحق وأقربهم لهم.

قال رحمه الله:  وأما أقوال الصحابة ; فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول.  ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء وإن قال بعضهم قولا ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر ; فهذا فيه نزاع وجمهور العلماء يحتجون به كأبي حنيفة.  ومالك ; وأحمد في المشهور عنه ; والشافعي في أحد قوليه. اهـ.

وقال:  ومن قال من العلماء " إن قول الصحابي حجة " فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة ولا عرف نص يخالفه ثم إذا اشتهر ولم ينكروه كان إقرارا على القول فقد يقال " هذا إجماع إقراري " إذا عرف أنهم أقروه ولم ينكره أحد منهم وهم لا يقرون على باطل.  وأما إذا لم يشتهر فهذا إن عرف أن غيره لم يخالفه فقد يقال " هو حجة ".   وأما إذا عرف أنه خالفه فليس بحجة بالاتفاق. ا. هـ

وله رسالة مخطوطة في ( 13 ) ورقة في أقوال الصحابة وحجيتها.

المسألة السادسة:  الاستصحاب:

الاستصحاب عرفه ابن تيمية بأنه:  البقاء على الأصل فيما لم يعلم ثبوته وانتفاؤه بالشرع.

ويعتبره ابن تيمية دليلاً وحجة شرعية،  لكن لا يجوز العمل به إلا بعد البحث في الأدلة الشرعية والتأكد من خلو المسألة من الدليل الشرعي؛ لأن الدليل الشرعي مغير للاستصحاب.   

ويعده لهذا من أضعف الأدلة وأدناها مرتبة وغيره من الأدلة يرجح عليه،  نظراً لأن الإنسان يجهل كثيراً من الأمور،  لكن يستفاد من الاستصحاب في الترجيح عند التعارض بشرط الاجتهاد في البحث عن الأدلة الأخرى. 

وقد قسمه ابن تيمية لقسمين:

الأول:  عدم الاعتقاد وهو حجة على عدم الاعتقاد بالاتفاق.

الثاني:  اعتقاد العدم وذكر أن في هذا خلافاً.

ويجعله ابن تيمية نظيراً وشبيهاً بالاستدلال بعدم الدليل على نفي حكم شرعي عن مسألة معينة،  مثل أن يقال:  لو كانت الأضحية أو الوتر واجبا لنصب الشرع عليه دليلا شرعيا إذ وجوب هذا لا يعلم بدون الشرع ولا دليل فلا وجوب.

    فالأول يبقى على نفي الوجوب والتحريم المعلوم بالعقل حتى يثبت المغير له وهذا استدلال بعدم الدليل السمعي المثبت على عدم الحكم إذ يلزم من ثبوت مثل هذا الحكم ثبوت دليله السمعي.

ويقرر ابن تيمية أنه هذا شبيه بالاستدلال بعدم النقل لما تتوفر الهمم والدواعي على نقله وما توجب الشريعة نقله وما يعلم من دين أهلها وعادتهم أنهم ينقلونه على أنه لم يكن ; كالاستدلال بذلك على عدم زيادة في القرآن وفي الشريعة الظاهرة وعدم النص الجلي بالإمامة على علي أو العباس أو غيرهما،  ويعلم الخاصة من أهل العلم بالسنن والآثار وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه انتفاء أمور من هذا لا يعلم انتفاءها غيرهم ; ولعلمهم بما ينفيها من أمور منقولة يعلمونها هم ; ولعلمهم بانتفاء لوازم نقلها فإن وجود أحد الضدين ينفي الآخر وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم.

 

المسألة السابعة:  المصالح المرسلة:

يعرف ابن تيمية المصالح المرسلة بأن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة وليس في الشرع ما ينفيه.

وهو يحتج بها في الجملة لكنه يضبطها بضوابط تحدد إطار الاستفادة منها.

قال رحمه الله في تعريفها:   أن يرى المجتهد أن هذا  الفعل يجلب منفعة راجحة ; وليس في الشرع ما ينفيه ; فهذه الطريق فيها خلاف مشهور فالفقهاء يسمونها " المصالح المرسلة " ومنهم من يسميها الرأي وبعضهم يقرب إليها الاستحسان وقريب منها ذوق الصوفية ووجدهم وإلهاماتهم ; فإن حاصلها أنهم يجدون في القول والعمل مصلحة في قلوبهم وأديانهم ويذوقون طعم ثمرته وهذه مصلحة أ. هـ.

ثم تراه يرد على من يقصر المصالح بباب معين ويذكر أنه ليس كذلك بل المصالح المرسلة في جلب المنافع وفي دفع المضار وما ذكروه من دفع المضار عن هذه الأمور الخمسة فهو أحد القسمين.  

ثم تراه يقرر أن جلب المنفعة يكون في قسمين:

يكون في الدنيا،  ففي الدنيا كالمعاملات والأعمال التي يقال فيها مصلحة للخلق من غير حظر شرعي.

في الدين: ككثير من المعارف والأحوال والعبادات والزهادات التي يقال فيها مصلحة للإنسان من غير منع شرعي.. . .   

وهو يؤكد على أهمية هذا الباب ويذكر أنه فصل عظيم ينبغي الاهتمام به فإن من جهته حصل في الدين اضطراب عظيم وكثير من الأمراء والعلماء والعباد رأوا مصالح فاستعملوها بناء على هذا الأصل وقد يكون منها ما هو محظور في الشرع ولم يعلموه  وربما قدم على المصالح المرسلة كلاما بخلاف النصوص وكثير منهم من أهمل مصالح يجب اعتبارها شرعا بناء على أن الشرع لم يرد بها ففوت واجبات ومستحبات أو وقع في محظورات ومكروهات وقد يكون الشرع ورد بذلك ولم يعلمه لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة وكثيرا ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا ويكون فيه منفعة مرجوحة بالمضرة.

ثم تراه يؤكد أن هذا سبب كثير مما ابتدعه الناس من العقائد والأعمال من بدع أهل الكلام وأهل التصوف وأهل الرأي وأهل الملك حسبوه منفعة أو مصلحة نافعا وحقا وصوابا ولم يكن كذلك بل كثير من الخارجين عن الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس يحسب كثير منهم أن ما هم عليه من الاعتقادات والمعاملات والعبادات مصلحة لهم في الدين والدنيا ومنفعة لهم  وقد زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا،  فإذا كان الإنسان يرى حسنا ما هو سيئ كان استحسانه أو استصلاحه قد يكون من هذا الباب.

وهو لا ينكر إدراك قبح وحسن بعض الأعمال بالعقل لكن بضابط الشرع  ولذا تراه يذكر أنه لا يمكن العاقل أن يدفع عن نفسه أنه قد يميز بعقله بين الحق والباطل والصدق والكذب وبين النافع والضار  والمصلحة والمفسدة.  ولا يمكن المؤمن أن يدفع عن إيمانه أن الشريعة جاءت بما هو الحق والصدق في المعتقدات وجاءت بما هو النافع والمصلحة في الأعمال التي تدخل فيها الاعتقادات ولهذا لم يختلف الناس أن الحسن أو القبيح إذا فسر بالنافع والضار والملائم للإنسان والمنافي له واللذيذ والأليم - فإنه قد يعلم بالعقل هذا في الأفعال كما نعلم أن الحي أكمل من الميت في وجوده وأن العالم أكمل من الجاهل وأن الصادق أكمل من الكاذب - فهذا أيضا قد يعلم بالعقل.  وإنما اختلفوا في أن العقل هل يعتبر المنفعة والمضرة ….  والمنفعة المطلقة هي الخالصة أو الراجحة.  وأما ما يفوت أرجح منها أو يعقب ضررا ليس هو دونها فإنها باطل في الاعتبار والمضرة أحق باسم الباطل من المنفعة.  وأما ما يظن فيه منفعة وليس كذلك أو يحصل به لذة فاسدة فهذا لا منفعة فيه بحال.

وملخص كلام ابن تيمية ما ذكره بقوله:  والقول الجامع أن الشريعة لاتهمل مصلحة قط،  بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة فما من شيء يقرب إلى الجنة إلا وقد حدثنا به …… لكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم يرد به فأحد الأمرين لازم له،  إما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر أو أنه ليس بمصلحة،  وإن اعتقده مصلحة؛ لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة،  وكثيراً ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا ويكون فيه منفعة مرجوحة بالمضرة أ. هـ.  

وهو بهذا يقرر ما من مصلحة حقيقية إلا وقد دل عليها الشرع علمه من علمه وجهله من جهله.

المسألة الثامنة:  سد الذرائع:

اهتم ابن تيمية - رحمه الله - كثيراً بهذا الأصل؛ لأنه يرى أنه يمثل درعاً حصيناً لحماية الشريعة من الحيل المحرمة ومزالق الشرور وذرائع الفساد،  وسواءً ذلك عنده في جانب الاعتقاد أو الفروع؛ ولذا ألف كتابه:  إبطال التحليل في الرد على من يستحلون المحرمات بصور ظاهرها جائز وباطنها محرم. 

ومع قوله بسد الذرائع فقد كان يقول بفتح الذرائع في موضعها إذا تعينت طريقاً لواجب من باب أن ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب.

المسألة التاسعة:  العرف أو العادة:

يعتبر العرف منهجاً من مناهج الاستدلال يستفاد منه في تحديد المفاهيم المطلقة في ألفاظ الشارع،  وسواءً في ذلك الألفاظ كألفاظ العقود،  أو التصرفات والأعمال.  

وقد اعتمد ابن تيمية هذا الأصل كثيراً وأحسن تطبيقه في كثير من العقود كعقد الإجارة والبيع ونفقة الزوجة وغيرها.

وقد بلغ تكرار كلمة العرف في مجموع الفتاوى(103)،  والعادة (322) مرة،  مما يدل على عنايته بهذا الأصل.

المطلب الثالث: مصادر اختيارات ابن تيمية:

وهي مصادر كثيرة فمنها:

كتب ابن تيمية.

كتب ابن القيم.

الفروع لابن مفلح.

النكت على المحرر له أيضاً.

 الآداب الشرعية له أيضاً.

 أصول الفقه له أيضاً.

شرح الزركشي.

الفائق لابن قاضي الجبل أحد تلاميذ ابن تيمية،  عن الإنصاف للمرداوي.

الاختيارات الفقهية للبعلي.

مختصر الفتاوى المصرية ( الدرر المضية ) له أيضاً.

القواعد لابن رجب.

ذيل الطبقات له أيضاً.

أحكام الخواتيم له أيضاً.

المسائل الفقهية من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية لبرهان الدين بن محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية،  ابن العلامة ابن القيم.

الإنصاف للمرداوي.

تصحيح الفروع له.

شذرات الذهب لابن العماد.

المبدع.

الروض المربع للبهوتي.

كشاف القناع له.

شرح المنتهى له.

منح الشفا الشافيات له.

مطالب أولي النهى.

الفواكه العديدة في المسائل المفيدة.

جلاء العينين للآلوسي،  حيث ذكر جملة من اختياراته.

حاشية المقنع.

منار السبيل.

المختارات الجلية للسعدي.

حاشية ابن قاسم.

المستدرك لابن قاسم.


المبحث الثالث:  طرق الترجيح بين اختيارات ابن تيمية المتعارضة:

 

يلاحظ على اختيارات ابن تيمية قلة التعارض بينها،  وقلة الأقوال المتناقضة عنه وذلك لأسباب:

اطراد أصوله وقواعده وانضباطها وعدم تناقضها.

قلة كتبه التي ألفها في أول حياته قبل أن يسلك طريق الاجتهاد مقارنة بكتبه بعد سلوكه طريق الاجتهاد،  ودخوله معترك الحياة العلمية في الردود والاحتساب العلمي والإفتاء.

التوافق بين أصول مذهب أحمد مع أصوله التي اختارها في غالب المسائل،  مما قلل من عملية التضارب بين آرائه في أوائل حياته العلمية حين كان مقلداً للمذهب،  وبين آرائه بعد سلوكه مسلك الاجتهاد في المسائل والترجيح حسب ما يرجحه الدليل.

وهناك بعض المسائل ورد عن ابن تيمية فيها أقوال مختلفة أو متعارضة،  والملاحظ أن هذا في مسائل الفقه دون غيرها من مسائل الاعتقاد،  مع أن ذلك لم يتجاوز القولين في المسألة الواحدة،  ولذلك أسباب:

إما عدم صحة النقل عنه أصلاً،  بأن ينقل عنه أحد الحنابلة ذلك ولا يصح عنه،  أو يوجد في بعض كتبه المنسوبة إليه ولا يصح عنه هذا الكتاب،  أو لسوء فهم من قرأ خطه،  وكان خطه - رحمه الله - في غاية الإغلاق.  

أو لكونه كان رأياً له في أول حياته وقد رجع عنه.

أو لكونه ظاهره التعارض مع إمكان الجمع بينها بحمله على أحوال متعددة.

ويمكن تلخيص طرق الترجيح بين اختيارات ابن تيمية فيما يلي:

معرفة المتقدم من المتأخر من آرائه.

ويمكن معرفة ذلك بطرق عدة:

أ - معرفة تاريخ تأليف الكتاب،  مثال ذلك:  كتابه شرح العمدة ألفه في أول حياته وكذلك المسودة.

فإذا وجد ما يعارضهما قدم المتأخر على المتقدم.  

وكانت حياة ابن تيمية - رحمه الله - حافلة بالأحداث التي اقترن معها تصنيف بعض كتبه،  مثل حادثة تصنيف كتابه الصارم المسلول وغيره،  وقد دون ذلك المؤرخون بالشهر والسنة،  وهذا يفيد كثيراً هنا.

ب - معرفة النفس الفقهي في الموضعين،  فنفس ابن تيمية الشاب الحنبلي،  يختلف عن نفس ابن تيمية المجتهد،  ومن الفرق بين النفسين:  غلبة جانب الاجتهاد ومتابعة الدليل في الثاني،  وغلبة أسلوب الاستطراد،  كما أن قلمه في المرحلة الثانية من عمره قلم المجاهد المغضب،  الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر،  يبث في كلامه الإصلاح والتوجيه،  إلى غير ذلك من خصائص أسلوبه المتأخر،  مما يخالف أسلوبه في أول شبابه.

التأكد من صحة النقل عنه وتوثيق نسبة الكتاب المنقول منه إليه.

وعلى سبيل المثال:  يوجد في مجموع الفتاوى كلام ليس لابن تيمية وإنما هو لابن القيم أو الذهبي.  

من ذلك أنه قال في مجموع الفتاوى في عدة مواضع:  قال ابن القيم،  وقال في موضع واحد:  قال الذهبي.  وهما من تلاميذه،  ولم تشتهر تصانيفهم إذ ذاك فيبعد أن ينقل عنهم،  والظاهر أن صاحب النسخة المخطوطة أدخل ذلك كحاشية على موضع مناسب من الفتاوى،  ليزيد توثيق مسألة معينة بما ذكره ابن القيم أو الذهبي،  وهذا كثير في المخطوطات.

ترجيح ما نقله عنه تلاميذه على ما وجد في بعض رسائله؛ لأنهم أعرف بفتاويه وآرائه وقد لازموه حتى وفاته،  وخاصة ابن القيم وابن مفلح وأضرابهم،  إلا إذا عرف تأخر ما وجد في فتاويه، وثبت صحة نسبة الرسالة إليه فتقدم.   

تقديم ما وافق أصوله وقواعده على ما خالفها مثل:  أن يكون مع أحدهما قول صحابي لم يعرف له مخالف فيقدم؛ لأنه يحتج بقول الصحابي الذي لم يعرف له مخالف.

إذا اختلف نقل التلاميذ عنه فيرجح بما يلي:

تقديم قول المختصين به العارفين لخطه على غيرهم.

تقديم قول الناقلين الكثيرين على الواحد والإثنين.

ج - تقديم قول تلاميذه المباشرين على قول تلاميذ تلاميذه،  فيقدم قول ابن مفلح مثلاً على قول البعلي في الجملة.

د - يقدم المكتوب على المسموع منه؛ لأن الكتابة أوثق وأبعد عن احتمال الخطأ من السمع.

تقديم الصريح على المحتمل.

تقديم المخالف للمذهب على الموافق للمذهب؛ لأن مخالفته للمذهب دليل على أنه من آرائه بعد سلوكه طريق الاجتهاد،  والموافق للمذهب موافق للأصل من تفقهه على المذهب،  والمخالف ناقل عن الأصل فيقدم؛ ولو قدمنا الموافق للمذهب لكان معناه:  أنه كان موافقاً للمذهب في اختياره -لكونه متفقهاً في الأصل على المذهب - ثم خالف المذهب باختياره،  ثم رجع مرة أخرى لاختيار المذهب،  وهذا بعيد.  

تقديم قول المثبت على النافي.

تقديم الاختيار الذي يؤيده الدليل على خلافه.

وهناك مسائل هي كقضايا الأعيان يرجح فيها بقرائن تعرف في موضعها،  ومن الصعب حصرها.

قال ابن السبكي:  اعلم أن طرق الترجيح لا تنحصر؛ فإنها تلويحات تحول فيها اجتهادات ا. هـ. 




([1]) ومنها :
13- ترجمة للشيخ عبد الله بن أحمد بن المحب السعدي المقدسي، الشهير بالصامت (ت788هـ).انظر : الجوهر المنضد : (121).
14- ترجمة للشيخ محمد بن بردس الحنبلي (ت833).
15- ابن تيمية، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي.
16- حياة شيخ الإسلام ابن تيمية، محمد بهجت البيطار، المكتب الإسلامي.
17- ابن تيمية بطل الإصلاح الديني، محمود مهدي الاستانبولي، دار المعرفة بدمشق.
18- شيخ الإسلام ابن تيمية إمام السيف والقلم، سعد صادق محمد، نشر دار اللواء، الرياض.
19- بحوث الندوة العالمية عن شيخ الإسلام ابن تيمية وأعماله الخالدة في الجامعة السلفية في الهند، وهي تسعة وأربعون بحثاً، نشر وإشراف د. مقتدى الأزهري - د. عبد الرحمن الفريوائي.
20- منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في التأليف ومراحله المتعددة، د. عبد الله الحجيلي، نشر دار ابن حزم.
21- الحافظ أحمد ابن تيمية، للندوي، دار القلم، الكويت.
22- ديوان شيخ الإسلام ابن تيمية، جمعه محمد عبد الرحيم، دار الجيل، بيروت.
23- ابن تيمية وإسلامية المعرفة، طه جابر العلواني، الدار العالمية للكتاب الإسلامي.
24- الإمام ابن تيمية، عبد السلام هاشم حافظ.
25- تكامل المنهج المعرفي عند ابن تيمية، إبراهيم عقيلي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
26- ابن تيمية السلفي، محمد خليل هراس، دار الكتب العلمية، بيروت.
27- شيخ الإسلام ابن تيمية، للمنجد.
28- عقيدة ابن تيمية الحنبلي، محمد الهبراوي.
29- الفكر التربوي عند ابن تيمية، ماجد الكيلاني.
30- دراسات في فكر ابن تيمية، عبد اللطيف العبد.
31- ابن تيمية وفكره السياسي، قمر الدين خان.
32- منهج ابن تيمية في تفسير القرآن الكريم، لصبري متولي.
33- الإمام ابن تيمية وموقفه من التأويل، محمد السيد الجليند، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية.
34- ابن تيمية، محمد يوسف موسى، وزارة الثقافة بمصر.
35- نظريات شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة والاجتماع، هنرى لاوست.
36- النشأة العلمية عند ابن تيمية وتكوينه الفكري، هنري لاوست، ضمن كتاب أسبوع الفقه الإسلامي.
37- ابن تيمية وجهوده في التفسير، إبراهيم خليل بركة، المكتب الإسلامي.
38- ابن تيمية وموقفه من أهم الفرق والديانات في عصره، د. محمد الحربي، عالم الكتب.
39- منطق ابن تيمية ومنهجه الفكري، د.محمد الزين، المكتب الإسلامي.
40- ابن تيمية، عبد العزيز المراغي، دار إحياء الكتب العربية.
41- ابن تيمية والتصوف، د. مصطفى حلمي، نشر دار الدعوة، مصر.
42- السيرة العلمية لشيخ الإسلام ابن تيمية، د. عبد الرحمن الفريوائي.
43- المعدول به عن القياس –حقيقته وحكمه وموقف شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية منه، د.عمر عبد العزيز.
44- شيخ الإسلام ابن تيمية، سيرته وأخباره عند المؤرخين، للمنجد، دار الكتاب الجديد.
45- ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية في التاريخ الكبير المقفى للمقريزي، تحقيق محمد الشيباني.
46- مجموع مؤلفات ابن تيمية المخطوطة المحفوظة في مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، محمد الشيباني.
47- المجددون في الإسلام، للصعيدي.
48- عقود الجوهر، للعظم.
49- صلح الإخوان من أهل الإيمان، داود النقشبندي.
50- ابن تيمية الفقيه المعذب، عبد الرحمن الشرقاوي.
51- ابن تيمية ليس ناصبياً، سليمان الخراشي.
52- ابن تيمية المفترى عليه، سليم الهلالي.
53- دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها على الحركات الإسلامية المعاصرة، وموقف الخصوم منها، صلاح الدين مقبول أحمد.
54- آراء ابن تيمية في الحكم والإدارة، د.حمد الفريان، دكتوراه في المعهد العلي للقضاء.
55- ابن تيمية : منهجه واختياراته في الجنايات والحدود، د.عبد الرحمن الدباسي، دكتوراه في المعهد العلي للقضاء.
56- ابن تيمية :ومنهجه في التفسير، د.ناصر الحميد، دكتوراه في كلية أصول الدين.
57- أصول التفسير بين شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المفسرين، عبد الله ديرية أبتدون، ماجستير في الجامعة الإسلامية.
58- الأهداف التربوية السلوكية من خلال المجلد العاشر من مجموع فتاوى ابن تيمية، فوزية رضا أمين خياط، ماجستير في أم القرى.
59- بين ابن تيمية وابن رشد في الإلهيات، منيف العتيبي، ماجستير في أم القرى.
60- جهود الإمامين ابن تيمية وابن القيم في دحض مفتريات اليهود، سميرة بناني،، ماجستير في أم القرى.
61- جهود شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على ابن سينا في المسائل الإلهية، سعيد أحمد، ماجستير في أم القرى.
62- الخلاف في القواعد الأصولية المتعلقة بدلالة الألفاظ من حيث الشمول وعدمه وموقف شيخ الإسلام ابن تيمية منها، محمد غالب، دكتوراه في الجامعة الإسلامية.
63- شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث، د. عبد الرحمن الفريوائي، دكتوراه في الجامعة الإسلامية.
64- منهج ابن تيمية في تقرير التوحيد، د.إبراهيم البريكان، دكتوراه في كلية أصول الدين.
65- موقف ابن تيمية من النصرانية، مريم الزامل، دكتوراه في أم القرى.
66- موقف ابن تيمية من قضية الصفات الإلهية، محمد هارون، ماجستير في الجامعة الإسلامية.
67- نماذج من الآراء التربوية لابن تيمية، حسين مؤمنة، ماجستير في أم القرى.
68- منهج ابن تيمية في تأصيل العقيدة، رسالة مسجلة في الجامعة الإسلامية.
69- موقف ابن تيمية من الأشاعرة، د. عبد الرحمن المحمود، رسالة علمية في جامعة الإمام.
70- موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من سيف الدين الآمدي والإلهيات، د. يحيى الهنيدي، دكتوراه في أم القرى.
71- القواعد الفقهية الخمس الكبرى والقواعد المندرجة تحتها، من مجموع الفتاوى، جمع ودراسة إسماعيل علوان، رسالة دكتوراه في الجامعة الإسلامية.
72- القواعد والضوابط الفقهية عند شيخ الإسلام ابن تيمية : من الطهارة إلى الحج، ناصر الميمان، ماجستير في أم القرى.
73- موقف ابن تيمية من الكرامية،عبد القادر محمد عبد الله، ماجستير في أم القرى.
74- دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية، عرض ونقد عبد الله الغصن، ماجستير في جامعة الإمام.
75- آراء شيخ الإسلام ابن تيمية في علوم القرآن، دكتوراه في جامعة الإمام.
76- الحسبة النظرية والعلمية عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، د. ناجي حضيري، دكتوراه في جامعة الإمام.
77- النبوة عند الإمام ابن تيمية ورده على المخالفين، ماجستير في جامعة الإمام.
78- من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابي الطهارة والصلاة،ماجستير في جامعة الملك سعود.
79- الأخلاق الإسلامية وأصولها العقدية بين ابن مسكويه وابن تيمية، إيمان مطهر، ماجستير في أم القرى.
80- الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، عبد القادر محمد عطا، دكتوراه في الجامعة الإسلامية.
81- إعجاز القرآن عند شيخ الإسلام ابن تيمية مع المقارنة بكتاب إعجاز القرآن للباقلاني، محمد العواجي، ماجستير في الجامعة الإسلامية.
82- جهود شيخ الإسلام ابن تيمية في توضيح توحيد العبادة، أحمد الغنيمان، ماجستير في الجامعة الإسلامية.
83- منهج ابن تيمية من مسألة التكفير، د. عبد المجيد مشعبي، دكتوراه في الجامعة الإسلامية.
84- جهود شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على القبوريين مع تحقيق كتاب الجواب الباهر لزوار المقابر، إبراهيم الخلف، ماجستير في الجامعة الإسلامية.
85- منهج ابن تيمية في الفقه، د. سعود بن صالح العطيشان، نشر مكتبة العبيكان، وهو كتاب قيم في بابه، رسالة علمية.
86- أصول الفقه وابن تيمية، د. صالح المنصور، رسالة دكتوراه.
87- منهج ابن تيمية في الدعوة، د. عبد الله الحوشاني، نشر دار إشبيليا، رسالة علمية.
88- ترجيحات شيخ الإسلام ابن تيمية في النكاح، ابتسام المطرفي، رسالة علمية.
89- النبوة بين الإمام الغزالي وشيخ الإسلام ابن تيمية، محمد الداه محمد، دكتوراه في أم القرى.
90- النبوة عند ابن تيمية ورده على المخالفين، سعيد خليفة، ماجستير في أم القرى.
91- دلالات الألفاظ عند شيخ الإسلام ابن تيمية، عبد الله الكليب، ماجستير في جامعة الإمام.
92- القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات عند شيخ الإسلام ابن تيمية، عبد السلام الحصين، ماجستير في جامعة الإمام.
93- أسباب التأثر الثقافي بشيخ الإسلام ابن تيمية ومظاهره في العصر الحديث، عبد الله الصرامي،دكتوراه في جامعة الإمام.
94- العقد عند شيخ الإسلام ابن تيمية مع دراسة تطبيقية لكتاب البيوع، سميرة هندي، دكتوراه في كلية التربية للبنات بجدة.
95- أوراق مجموعة من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية، محمد الشيباني، مكتبة ابن تيمية، الكويت.
96- شيخ الإسلام أحمد تقي الدين ابن تيمية، أحمد القطان – محمد الزين.
97- الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية، نجم عبد الرحمن خلف.
98- قواعد المنهج السلفي والنسق الإسلامي في مسائل الألوهية والعالم والإنسان عند ابن تيمية، د. مصطفى حلمي.
99- أمة في رجل، د. محمد الصالح.
100- ابن تيمية المجتهد بين أحكام الفقهاء وحاجات المجتمع، د. عمر فروخ.
وغيرها كثير مما لم يتيسر الاطلاع عليه.
([2])فمنها:
1- نهاية الأرب في فنون الأدب.
2- تاريخ حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه، للجزري.
3- المقتفى لتاريخ أبي شامة، للبرزالي.
4- كنز الدرر وجامع الغرر، للدواداري.
5- لقطة العجلان في مختصر وفيات الأعيان، لليماني.
6- مختصر طبقات علماء الحديث، لابن عبد الهادي.
7- ذيل تاريخ الإسلام للذهبي.
8- معجم الشيوخ للذهبي.
9- تذكرة الحفاظ له.
10- ذيل العبر له.
11- دول الإسلام له.
12- الإعلام بوفيات الأعلام له.
13- المعين في طبقات المحدثين له.
14- ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل له.
15- المعجم المختص له.
16- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار للعمري.
17- تتمة المختصر في أخبار البشر لابن الوردي.
18- الإيصال لكتاب ابن سليم وابن نقطة والإكمال لمغلطاي.
19- أعيان العصر وأعوان النصر للصفدي.
20- الوافي بالوفيات، للصفدي.
21- فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي.
22- عيون التواريخ له.
23- مرآة الجنان لليافعي اليماني.
24- نثر الجمان في تراجم الأعيان للفيومي.
25- البداية والنهاية لابن كثير.
26- تذكرة النبيه في دولة المنصور وبنيه، لابن حبيب.
27- درة الأسلاك في دولة الأتراك له.
28- رحلة ابن بطوطة.
29- الذيل على طبقات الحنابلة، لابن رجب.
30- ذيل التقييد لمعرفة الرواة والأسانيد، لتقي الدين الفاسي.
31- التبيان لبديعة البيان، لابن ناصر الدين الدمشقي.
32- المقفى الكبير، للمقريزي.
33- المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار له.
34- السلوك لمعرفة دول الملوك له.
35- مختصر طبقات الحنابلة، للبغدادي المعروف بابن الشطي.
36- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر العسقلاني.
37- عقد الجمان، للعيني.
38- المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، لابن تغري بردي.
39- الدليل الشافي من المنهل الصافي له.
40- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة له.
41- المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، لبرهان الدين ابن مفلح.
42- دستور الأعلام بمعارف الإسلام، لمحمد بن عزم المكي.
43- طبقات الحفاظ، للسيوطي.
44- تاريخ ابن سباط.
45- الدارس في تاريخ المدارس، للنعيمي.
46- المنهج الأحمد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، للعليمي.
47- الدر المنضد في ذكر أصحاب الإمام أحمد له.
48- طبقات المفسرين، للداودي.
49- الزيارات، للعدوي.
50- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي.
51- درة الجمال في غرة أسماء الرجال، للمكناسي.
52- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للشوكاني.
53- أبجد العلوم، لصديق حسن خان القنوجي.
54- التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول له.
55- الأعلام للزركلي.
56- الفتح المبين في طبقات الأصوليين للمراغي.
57- معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة.
58- فهرس الفهارس والأثبات لعبد الحي الكتاني.
59- هدية العارفين في أسماء وآثار المصنفين، لإسماعيل باشا البغدادي.
60- أزهار الرياض، للمقري.
61- درة الحجال، لابن أبي حجلة.
62- تهذيب تاريخ ابن عساكر، لابن منظور.
63- كشف الظنون، حاجي خليفة.
64- برنامج الوادي آشي.
65- معجم المؤلفين الدمشقيين.
66- الفكر السامي، للحجوي.
67- دائرة المعارف الإسلامية.
68- كنوز الأجداد، محمد كرد علي.
69- فهرس التيمورية.
70- إيضاح المكنون.
71- فهرس المخطوطات المصورة.
72- تاريخ التراث العربي وغيرها كثير.
ويلاحظ من هذه المؤلفات الكثيرة أنه لم يحدث أن حظي عالم من الترجمة والدراسات والأبحاث كما حظي به ابن تيمية، وهذه نادرة من نوادر الزمان.

=========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجلد ثالث الكبائر للهيثمي 241 ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ

  مجلد ثالث الكبائر للهيثمي 241 ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ 241 ( الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالت...